سر التجاذب
(١) نظرية الإيثر
أول عقبة قامت أمام نظرية الجاذبية هي الإجابة على السؤال الآتي: ما هي الوسيلة التي تنتقل عليها أو فيها أو بها هذه القوة من ذريرة إلى ذريرة ومن جِرْم إلى جِرْم؟ لأنه إذا كانت الذريرات كالأجرام تدور بعضها حول بعض بفعل قوة الجاذبية، فإذن بينها فراغ تحيط به أفلاك (مدارات) فكيف تعبر تلك القوة هذه المدارات؟ وباصطلاح العلماء كيف يمكن أن يكون الفعل عن بُعْد؛ عن مسافة؟
تشاهد هذا الفعل السري أو الغامض إذا كنت تدني مسمارًا مثلًا إلى نضوة مغنطيس، فنرى أن المغنطيس اجتذب المسمار قبل أن تقربه إليه وبينهما في نظرنا فراغ، فما في هذا الفراغ من الواسطة أو الوسط لنقل هذه القوة من المغنطيس إلى المسمار، ومن الأرض إلى القمر، ومن الشمس إلى سياراتها؟
مثل هذه العقبة السرية المحيرة قامت في سبيل انتقال نور الشمس وحرارتها إلى الأرض — أو انتقالهما على الإطلاق — أيضًا.
هذا من جهة انتقال النور، وأما من جهة انتقال الحرارة فهي ضلع من النور مصاحِبة له.
وأما من جهة انتقال قوة الجاذبية فلم يقل نيوتن شيئًا، بل لم يقل كيف يحدث التجاذب عن بُعْد بتاتًا، فبقي هذا سرًّا غامضًا إلى اليوم.
على أن أينشطين المغرَم بنظرية «الزمكان» (اندماج الزمان بالمكان) ينسب للفعل الجاذبي زمانًا، وبهذه النسبة نقح جاذبية نيوتن، فإذا كانت قوة الجاذبية تستغرق وقتًا في انتقالها فهي إذن كالنور تموُّج إيثري؛ أي إن حركات ذرات الجسم الجاذب تُحْدِث أمواجًا جاذبية في الإيثر، فتصدم الجسم المجذوب وتُحْدِث فيه حركة الدورانين: الدوران المحوري والدوران المركزي من حول المركز.
(٢) لغز الجاذبية
اكتشف نيوتن ناموس الجاذبية وطبَّقه على جميع السيارات حتى على جميع الأجرام المتحركة، ولكنه لم يقل لنا: ما هي الجاذبية أو ما هو سرها، أو بعبارة أصح: ما هو سبب دوران السيارات حول الشمس بسرعات متناسبة مع أبعادها عن الشمس؟
ولكن لو كانت الجاذبية تجاذبًا فقط بين جسمين لاكتفينا بتفسيرها بأنها خاصية من خاصيات المادة، ولكنها ليست مجرد تجاذب فقط، بل هي مع ذلك دوران جسم حول مركز بسرعة مقيدة ببُعْد الجسم عن المركز. هذه أهم ظاهرة من ظواهر الجاذبية، وغرضنا هنا كشف هذا السر في صميمه إن أمكن.
(٣) ضلعا الجاذبية
إذا حلَّلنا ظاهرة الجاذبية رأيناها تنحلُّ إلى ظاهرتين: الأولى التجاذب بين جسمين في خط مستقيم إلى أن يتصل أحدهما بالآخر كتجاذب المغنطيس والحديد وسقوط التفاحة من الشجرة إلى الأرض.
في الظاهرة الثانية يدور الجِرْم الدائر حول المركز بسرعة مناسبة لبُعْده عن المركز، وهذه النسبة بين السرعة والبُعْد خاضعة لناموس الجاذبية كما تقدَّم بيانه في الفصل السابق، حتى إذا اختلَّت نسبة السرعة هذه سقط الجِرْم إلى المركز إن كان أبطأ أو شرد عنه إن كان أسرع من القدر القانوني [راجع الفصل الثاني: القوة القصوى – سر الدوران].
- (١) قوة الانجذاب نحو المركز Centripetal Force.
- (٢) قوة الابتعاد عن المركز Centrifugal Force فلنبحث في كل منهما بحثًا تعليليًّا.