الجو الجاذبي
(١) الأمواج الإيثرية
وكان فارادي أول مَنْ نبَّه إلى الجو الجاذبي، فقال إن الحديد الممغنط يُحدِث حوله جوًّا جاذبيًّا يُوجب الحديد الآخر أن ينجذب نحوه، وكذلك الشمس تُحْدِث حولها جوًّا جاذبيًّا يحتم على السيارات أن تنجذب نحوها، أي إنها تلتوي في سيرها أو تنحني انحناءً يرسم دائرة حول الشمس.
هذه الأمواج الإيثرية التي يُحْدثها دوران الذريرات والذرات وسائر الأجرام تنتشر بسرعة واحدة في الفضاء أو البحر الإيثري على سُنَّة «مربع البُعْد»؛ أي إنها كلما بعُدَت ضعُفَت قوتها.
إذا ضربت عدد الموجات في الثانية في طول الموجة كان الحاصل ٣٠٠ ألف، وهو عدد ثابت يتغير، وهي سرعة الأمواج مهما كان نوعها، نوريَّة أو موجات راديو أو أشعة سينية أو أشعة ما فوق البنفسجي أو ما تحت الأحمر إلى آخره.
يتوقف هذا الاختلاف في عدد الموجات وطولها على اختلاف مصادرها، ولا متسع هنا لشرح هذه النقطة.
في الطبيعة عدد كبير من أصناف الموجات من حيث الطول وعدد الذبذبات، وهي مرتَّبة ترتيب درجات السُّلَّم الموسيقية السبع؛ أي إن كل درجة من سُلَّم أعلى تكون ذبذباتها مضاعف ذبذبات درجة تقابلها في سلم أدنى منه، وإنما يكون طولها نصف طول هذه.
ونحن لا نشاهد منها إلا السلَّم النورانية التي تنحل بالمطياف إلى الألوان السبعة، وغيرها لا ترى كموجات الراديو أو الموجات السينية أو موجات ما فوق البنفسجي وما تحت الأحمر والأمواج الكونية … إلخ، ويبلغ عدد هذه السلالم أو الطبقات أو الطقوم الموجية نحو ٦٩ أو ٧٠ طاقمًا.
القوة التي رفعت المياه بخارًا من البحر والبر، والقوة التي خُزِنَت في أعضاء النبات والحيوان … إلخ صادرة من الشمس، وقد حملتها هذه الأمواج التي نحن بصددها.
(٢) الفوتونات
ظهر معنا أن القوة المحرِّكة في الكون هي هذه الموجات التي تصدر من دوران ذريرات المادة وذراتها ومجموعات ذراتها.
ولكن هذه الموجات الدورانية ليست كل ما ينقل القوة من الذرات، بل هناك شذرات تنتثر من الذرات وتمضي مع تلك الموجات وبسرعتها، وإليك بيان أمرها:
إذا أطبق كهيرب (إلكترون) على بروتونه أفنى كلٌّ منهما الآخر كما يفنى الموجب والسالب إذا تلاقيا — يفنيان في لمعة موجية تنتشر في الفضاء — يعني أنهما لا يبقيان بروتونًا ذا شحنة إيجابية وكهيربًا ذا شحنة سلبية، بل يتفتَّتان إلى شظيات تسمى فوتونات (ضويئات) لا شحنة كهربائية فيها، وإنما لها القوة التي كانت كامنة في الذرة، فتنطلق هذه الفوتونات في الفضاء بسرعة الموجات الكهرطيسية التي نحن بصددها.
هذه الفوتونات هي القوة المحمولة في الموجات، أو لك أن تقول هي نفسها الموجات الكهرطيسية.
متى أطبق الكهرب على البروتون لأي سبب (ولا محل هنا لشرح الأسباب) انحلَّ إلى عشرة آلاف فوتون، ولما كان البروتون يزن ١٨٤٠ مرة وزن الكهيرب كان ينحل بنوبته إلى ١٨٤٠٠٠٠٠ فوتون (ضُوَيئة).
النور والحرارة اللذان نحس بهما هما من هذه الفوتونات، وكذلك سائر أمواج الراديو وما شاكلها، وهذه الفوتونات هي التي يقع قسم منها على أرضنا بشكل حرارة ونور وما وراء البنفسجي إلى آخره، هي القوة التي تخزَّن في عالمَي الحيوان والنبات، وتعود فتظهر بإحراقهما بالأوكسجين وبوسائل أخرى لا محل هنا لبيانها.
ويمكننا أن نقول: إن العنصر الحيوي في الحيوان والنبات من مفعول هذه الفوتونات، والذين يتعرَّضون لنور الشمس وحرارتها بغية الحصول على أمواج ما وراء البنفسجي في أبدانهم قد لا يخطئون إلا بأنهم يفرطون في هذا الأمر إلى حد الأذى وقد يكون شديدًا، وقد يكون قاتلًا إذا تجاوز الحدود.
وتلك الموجات الكهربائية المغنطيسية التي تحملها أو تصطحبها هي التي تولِّد تيارات كهرطيسية أخرى في الكروموسوم (الصبغي) في الخلايا الحية، وهي سر الحياة بحسب نظرية لاخوفسكي التي ظهرت حديثًا، وقد نشر المقتطف لي مقالة في شهر نوفمبر سنة ١٩٤٣م في هذا الموضوع.
تفقد الشمس بصدور هذه الفوتونات منها كل دقيقة ٣٦٠ طنًّا من مادتها.
وفي رأي بعض العلماء ومنهم العلَّامة تجايمس تجينز أن هذه الفوتونات هي ذريرات إيثرية، أي إن البحر الإيثري هو فوتونات، كأن الأجرام والأجسام تولدت من هذه الفوتونات فلما فنيت عادت إلى بحر الفوتونات. «من الفوتون وإلى الفوتون تعود.»