مواجهات مبكرة!
خمس فقاعات زجاجية شفافة مزدوجة بمحركات وأجهزة حديثة لاستخلاص الأكسجين من الماء، خمس فقاعات كانت تحوي فتاتين وثلاثة شبَّان هم: «هدى» و«إلهام» و«أحمد» و«عثمان» و«مصباح».
وإلى أين الرحلة وفي أي مياه؟
كانت الرحلة في مياه البحر المتوسط على عمق أكثر من خمسين مترًا من المياه، في اتجاه الشاطئ المغربي.
ولماذا؟
نعم لماذا؟ إنه سؤال مهم وخطير. فتحت الماء تكثر المهام، وقد كانت لهم من قبل مهمة خطيرة تحت الماء مع وحش الأعماق، أما اليوم فمهمتهم كانت لإنقاذ الحياة البحرية والبرية على السواحل الإفريقية للمتوسط.
وهل يهدد الحياة البحرية والبرية خطر ما؟
نعم؛ فقد تسربت كمية كبيرة من زيت البترول الخام، من ناقلة عملاقة، كانت عائدة للموانئ الإسبانية فكوَّنت بقعة كبيرة في حجم جزيرة صغيرة تحركت مع الرياح في اتجاه الشواطئ المغربية.
ومَن يعرف؟ فالرياح كل يوم في شأن، وحركة الأمواج أيضًا، مما يهدد بقية شواطئ دول الشمال الإفريقي.
ولكنها مهمة صعبة للغاية، وتحتاج إلى معدات ضخمة وشركات متخصصة لإذابة هذه البقعة، وسحب ما تبقى منها، وما يمكن سحبه.
فماذا يفعل الشياطين هنا؟
هذا هو السؤال، وهذه هي المهمة!
الإجابة على لسان «أحمد» حيث أخبر بها رقم «صفر» قبل أن يخرجوا لأدائها؛ حيث قال له: نحن لن نتدخل في عملية الإنقاذ، لكننا سنراقبها.
وفهم رقم «صفر» من كلامهم أن هناك خطرًا من القائمين على هذه العملية فقال له: هل وصلتكم أنباء عنهم؟
ولم يكن «أحمد» يحتاج لأنباء؛ لأنه كان يعرفهم، فهذه المعدات تحمل اسمًا لشركة تملكها مؤسسة «سوبتك» التي عملت على محاربة منظمة الشياطين في كل مكان، مؤسسة «سوبتك» التي عملت على تشويه صورة العرب، ومحاربة وجوده في أية دولة من الدول المتقدمة؛ من الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أصغر دولة في أوروبا.
وقد كان للشياطين معها مواجهات عدة في أكثر من عملية منذ المهمة المستحيلة، مرورًا بشبكة الموت وثورة الأخطبوط وانتهاءً بسقوط حاكم الجزيرة، لهذا لم ينتظر حتى تصل عنهم أنباء، بل بادر بإعداد ملف العملية، ثم طلب بتجهيز معداتها، وأخيرًا أصدر الأمر بتكليف مجموعة من الزملاء ممَّن رآهم يصلحون لهذه المهمة، وكان مهمًّا أن يكونوا من دول الشمال الإفريقي التي تقع فيها هذه الأحداث.
ولماذا إذَن وجود «عثمان» وبلده «السودان» لا تقع على البحر الأبيض المتوسط؟ إنه سؤال وجيه؛ ولكن إذا عرفنا أن «عثمان» هو القطب الآخَر ﻟ «أحمد» في نجاح إدارة المهام الصعبة؛ لاقتنعنا بوجوده معهم.
خمس فقاعات انطلقت من جزيرة «ليلى» القريبة من سواحل «المغرب»، والمتنازع عليها بينها وبين «إسبانيا»، فقامت بجولة استمرت خمس ساعات عادت بعدها تحمل أنباءً متفرقة ومعلومات مختلفة قد يشكِّل مجموعها نواة لملف العملية يحددون على ضوئها مساراتهم في بقية المهمة؛ لذلك كان مهمًّا أن يعقدوا اجتماعهم في نهاية اليوم في «كازبلانكا» على ساحل البحر؛ حيث أُعد لهم خِصِّيصَى مقر إقامة مؤقت؛ تكلفت بإعداده إدارة العمليات الخارجية.
وبعد أن تناولوا غذاءهم، حصل كلٌّ منهم على مقدار ما يحتاجه من نوم، ثم جلسوا في قاعة تفصل بين جناحيهم، فأحضر كلٌّ منهم الكاميرا الرقمية التي قام بتصوير الفيلم بها وقاموا بإيصالها تباعًا بمخرج كارت الشاشة في كمبيوتر «أحمد» المحمول، واستحضروا ملفات نظام التشغيل وانتقلوا منه إلى مجموعة البرامج المساعدة، فاستحضروا منها ملف الفيديو، وبالتنقل بين مجموعة من الأوامر بدأ عرض ما قام الكمبيوتر بتخزينه من ذاكرة الكاميرات، وكانت «هدى» تعدُّ لهم شايًا عربيًّا، فنادتها «إلهام» تتعجلها حتى لا يفوتها شيء من الفيلم ويضطرون لإعادته مرَّة أخرى، فدخلت عليهم وهي تحمل صينية بها الكثير من الأكواب الفارغة وبيدها الأخرى إبريق زجاجي شفاف، يحكي الشاي بداخله عن مهارة صناعته.
وعلت السعادة وجهها وهي تسمع عبارات الاستحسان والشكر من زملائها؛ إلا أن «عثمان» لا يترك مناسبة كهذه دون أن يعلن عن قدراته التي لا تضاهى في المشاغبة، فقال لها: هذا شاي ناقص!
فتغيرت ملامحها وبدا عليها الانزعاج وقالت له في قلق: ما الناقص فيه؟
فقال في شقاوة: الحلوى من فطائر وخلافه.
– هل في معدتك مكان للحلوى؟
وقبل أن يجيبها كانت «هدى» قد تركت إبريق الشاي يقبع بجوار الصينية والأكواب على مائدة الوسط، وعادت إلى المطبخ للحظات، ثم ظهرت مرَّة أخرى وفي يدها علبة مصنوعة من سعف النخيل، وبها تمر جاف علقت عليه وهي تضعه أمام «عثمان» بقولها: إنه هدية «رشيد» لنا.
فصاح «أحمد» قائلًا: أوه إنه تمر عراقي!
فعقبت «إلهام» قائلة: ما أحلى تمور «العراق»!
وهنا قالت «هدى» في أسًى: حمى الله «العراق» ونخيلها من أعدائها.
ومد «مصباح» يده فضغط على زر بالكمبيوتر وهو يقول: فلنبدأ!
وما إن قالها حتى اصطدم جسم ضخم بباب المخيم فأطاح به، وصاحوا جميعًا في دهشة! فقد كان هذا الجسم سيارة جيب مفتوحة، ولم تتوقف عند هذا، بل استكملت جريها مُحطمة كلَّ ما قابلته في طريقها، وجرى الشياطين يغادرون الخيمة قبل أن تصطدم بموقد الغاز، وما انتظروه حدث … فقد دوَّى صوت انفجار الموقد، أعقبه صوت انفجار هائل، وتطايرت شظايا المعسكر والموقد والسيارة، ومن حولهما افترشت النار أجواء المكان؛ فتسابقوا إلى سيارتهم «الجراند شيروكي» فاستقلوها وانطلقوا في ظلام الليل على هدى نور كشافات السيارة، والريح تصفر من حولهم، وكان «أحمد» خلف عجلة القيادة لا يعرف إلى أين يتجه، وعندما سألته «إلهام» قائلة: إلى أين تقودنا يا زعيم؟
مرَّت فترة صمت قصيرة قبل أن يقول لها: ما رأيكم أنتم؟
أثارت إجابته «عثمان»، فاندفع يقول له: لماذا تسألنا عن رأينا وأنت تقود السيارة إلى اتجاه حدَّدتَه مسبقًا؟
نظر له «أحمد» معاتبًا؛ فليس هذا وقت الدخول في مناقشات جانبية، ثم قال له: أنا لم أجِد شيئًا، أنا أحاول الهروب من المكان فقط، فهناك مَن يُضمر لنا شرًّا.
فتلفتت «هدى» حولها في ريبة وهي تقول: وهل تخلصنا منهم؟
تنفَّس «أحمد» في راحة ثم قال لها: تقريبًا.
وهنا انفجرت مفاجأة لم يتوقعها أحد منهم حين قالت: لا أظن أننا تخلصنا منهم؛ فهناك سيارة تتابعنا منذ غادرنا المخيم.
فسألتها «إلهام» في دهشة: وكيف عرفتِ أنها تتابعنا؟
– لأن قائدها يحاول ألا يكون قريبًا منا رغم أننا لا نسير بسرعة كبيرة.
وضع «أحمد» يده على عصا ناقل الحركة وهو يقول: سنرى!