طلقات وانفجارات!
وبوضع قدم على بدال السرعة وأخرى على الفرامل؛ صرخت الفرامل صرخة عالية وقفزت السيارة في الهواء، وفي انحراف حاد دارت حول نفسها، فأصبحت تواجه السيارة التي تراقبهم، فانطلق بها في اتجاه السيارة حتى كاد أن يصدمها لولا أن قائدها انحرف بها بشدة مما أفقدها توازنها فانقلبت على ظهرها كالسلحفاة، وما أن توقف «أحمد» بسيارتهم على جانب الطريق حتى غادرها «عثمان» قفزًا، وأكمل الطريق جريًا إلى السيارة المقلوبة، وقبل أن يصل إليها أصابته قذيفة مدفع إصابة مباشرة؛ فانفجرت وتحولت إلى كتلة لهب هائلة، فتسمر مكانه مذهولًا إلى أن سمع نداءً ملحًّا من سارينة سيارتهم، فالتفت فوجدها تقف على بُعد أمتار منه، ورأى «أحمد» يشير له ليسرع بالركوب، ولم تمضِ لحظات إلا وكان بجواره يسأله عن وجهته، فقال له: أبحث عن مصدر هذه القذيفة.
فتلفَّت «عثمان» حوله وهو يقول: إن كان المكان خاليًا تمامًا.
فانحرف بالسيارة بشدة وهو يقول له: وهل أتت هذه القذيفة من السماء؟
ومن خلفه قالت «إلهام»: هل تظن أن مصدرها متحرِّك؟
فقال لها في ثقة: بل أنا متأكد، فهناك سيارة أخرى لجماعة «سوبتك» تختبئ الآن في مكان ما. فانفعل «عثمان» وقال في «حماس»: وكيف لم نسمع لمحركها صوتًا؟!
وهنا قالت «هدى» مستنتجة: لأننا كنا مشغولين بالسيارة الأخرى.
وقال «أحمد» موافقًا على كلامها: وأثناء الانفجار اختفت هذه السيارة، لكنها لم تبتعد كثيرًا عن هنا.
وفجأة أُطفئَت أنوار السيارة الداخلية والخارجية، وقال لهم هامسًا: سنغادر السيارة دون صوت، ثم ندفعها بهدوء بعيدًا عن هنا. ما رأيكم؟
لم يتفوه أحد بكلمة؛ بل نفذوا ما طلبه منهم بدقة، وغادروا السيارة دون صوت وأغلقوها أيضًا دون صوت، حتى الأبواب وافقت على أن تنغلق في هدوء تضامنًا معهم، وعلى الرمال قاموا بدفعها، فانزلقت معهم في نعومة، وكان الطريق منحدرًا؛ فاندفعت وحدها تكمل النزول حتى فقدت قوة اندفاعها وتوقفت، فهَمَّ الأصدقاء أن يدفعوها مرة أخرى؛ إلا أن «أحمد» أشار لهم بالتوقف؛ فقد سمع عن بُعد صوت محرك سيارة يتأرجح بين الدوران والتوقف، فقال هامسًا: لقد تعطلت سيارتهم.
أخرج «عثمان» كُرته الجهنمية، وطوَّحها في الهواء، وقبل أن يلتقطها قال لهم: إنها فرصتي لاصطيادهم.
وعلى أصابع قدمها اليمنى دارت «إلهام» مطوِّحة اليسرى في الهواء، وكأنها تسدد ضربة شرسة إلى مَن يبارزها؛ ثم قالت: ليست فرصتك وحدك.
فابتسمت «هدى»، وهي تشد حزامها على وسطها وسألتهم قائلة: هل تستأثرون بهذه المتعة وحدكم؟
وهنا قال «أحمد» ضاحكًا: ستكون كارثة لو لم تجدوا أحدًا تبارزونه.
وفجأة صفَّرت كرة «عثمان» وهي تحتك بالهواء منطلقة كالصاروخ لتغيب في الظلام.
وقبل أن تعود سمعوا فرقعة عظام تتكسر … وصرخة مكتومة … وجسدًا ضخمًا يسقط على الأرض.
وقبل أن يفيقوا من صدمتهم كان «مصباح» يقفز في الهواء مسددًا بقدمه اليسرى ضربة شرسة لرأس رجل أسود ضخم طوحته في الهواء، وقبل أن يسقط كانت قدمه اليمنى قد عاجلته بضربة أخرى في صدره، أوقفت الهواء في حلقه.
وتحول المكان بعدها لساحة معركة، فقد دارت «إلهام» ثلاث دورات متتابعة على أصابع قدمها اليمنى قبل أن تسدد باليسرى، وهي تسدد ضربة قاتلة لرجل أشقر في حجم الديناصور.
وقبل أن يسقط الرجل على صدره كانت قدم «هدى» تطوِّحه في الهواء ليسقط على ظهره، ثم قالت: هكذا يمكن رؤيته.
وقبل أن يتفرغوا من معركتهم كانت سيارة «فان» سوداء تندفع في اتجاههم بسرعة مجنونة، فقفزوا بعيدًا عن طريقها قبل أن تدهمهم.
وما أن اعتدلوا حتى تدفق عليهم وابل من طلقات الرصاص تصفر حول آذانهم يمينًا ويسارًا، فانبطحوا مرة أخرى على الأرض؛ وصفير الرصاصات من حولهم لا ينقطع؛ حتى ابتعد صوت محرك السيارة وساد المكان هدوء مريب، فانتفضوا واقفين في حذر، وما أن تلفتوا يبحثون عن سيارتهم حتى دوَّى صوت انفجار مجنون، وأضاءت ظلمة المكان من حولهم كتلة لهب حمراء.
وصرخت «إلهام» تقول: إنها سيارتنا!
فقال «أحمد» يهدئ من روعها: لا تجزعي هكذا.
فعقبَّت «هدى» قائلة: إن بها جميع أجهزة الاتصال والكمبيوتر المحمول.
فقال «عثمان» يطمئنها: ولكن ليس بها ساعاتنا.
جلس «أحمد» مكانه، وقال لهم: اجلسوا؛ فنحن نحتاج لبعض الراحة كي نستطيع مواجهتهم.
فقالت «إلهام» في شراسة: وهل سيعودون مرة أخرى؟
فعقَّب «عثمان» رافعًا يده إلى السماء: يا ليتهم يعودون!
وفهموا جميعًا قصده، فأخرجوا أسلحتهم من أجربتها، وقاموا بتجهيزها استعدادًا للاستيلاء على السيارة «الفان» السوداء.
ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه؛ فقد طال الوقت وانتصف القمر في السماء ولم يعودوا.
فقرر الشياطين مغادرة المكان، ولكن إلى أين؟
قال «أحمد»: إن كانوا يراقبوننا منذ مجيئنا إلى هنا؛ فهم يعرفون بأمر اليخت والغواصات الشخصية الخاصة بنا، وأرجِّح أنهم في طريقهم إليها.
فقال «عثمان» في قلق: إن لديهم سيارة وسيصلون قبلنا.
وهنا تدخلت «هدى» الخبيرة ببلدها فقالت: هذا إن ذهبنا عن طريق البر.
فقال لها «أحمد» متسائلًا: ماذا تقصدين؟
فأجابته قائلة في حماس: سنذهب سباحة؛ وبهذا نختصر أكثر من نصف المسافة.
فقالت «إلهام» تحذرهم: لا تنسوا أننا في الليل؛ والمياه الآن باردة للغاية.
فقال لها «أحمد»: هل لديك حل آخَر؟
لم يكن لدى «إلهام» حل آخَر؛ لذا قبلت ما اقترحته «هدى» مضطرة، وسارت معهم صامتة حتى وصلوا إلى مياه المتوسط، وهناك شعروا بالدفء.
وقال لهم «عثمان» معلقًا على ذلك: إن مياه البحر تخترق حرارة الشمس في النهار وتبثها في الليل؛ فتجعل الجو أكثر دفئًا بجوارها.
وكان «عثمان» أثناء ذلك يخلع ملابسه استعدادًا لنزول الماء.
لذلك علَّق قائلًا: أكثر دفئًا، أكثر سخونة، لم يعُد لدينا حل آخَر.
ومع آخِر كلمة نطق بها كان يقفز في الماء، وفي اتفاق سريع لحق به «أحمد» تاركًا «إلهام» و«هدى» و«مصباح» بجوار ملابسهم.
وبعد فترة من السباحة في عمق المياه … توقف «عثمان» حتى لحق به «أحمد» … ثم سأله قائلًا: إلى أين؟