المفاجأة!
عندها هبط عميل «سوبتك» سلالم اليخت، لم يرَ عليه أحدًا فأين «أحمد» و«عثمان»؟
لقد تبع الرجل رجلًا آخَر يشبه الدولفين، كان جسده يترجرج وهو يهبط درجات السلم في بطء حتى سمع جلبة تحت الماء، فأضاء كشافًا يمسك به وسلَّطه على أسفل السلم ثم على الماء فلم يرَ شيئًا، ثم سمع الجلبة تأتي من مكان آخَر، وعندما سلط عليه الكشاف رأى ذراع زميله ترتفع من تحت الماء ثم تهبط، كأنه يحاول التخلُّص من شيء يقبض عليه ويجذبه لأسفل، فأصابه الخوف، وصرخ مناديًا زملاءه في إلحاح، لكن صوته ضاع وسط هدير الأمواج، فأخرج مسدسه وصوَّبه تجاه المكان ثم أطلق رصاصة سمع معها صرخة مكتومة، ثم رأى الماء يتلوَّن باللون الأحمر، وبعدها رأى جثة زميله تطفو فوق الماء … لقد قتله من شدة خوفه … فاستدار يصعد السلم عائدًا إلى سطح اليخت … غير أنه صرخ خوفًا عندما شعر بيد تمسك به من قدمه … فنفض قدمه في فزع … وكانت درجات السلم لزجة من أثر الماء فانزلق عليها … وسقط صارخًا بين أيدي وحش لا يرحم.
وظل يقاوم فيطفو فوق الماء للحظات وهو يصرخ … ثم يعود فيغوص وهو ينتفض في هيستريا … حتى خارت مقاومته فاستسلم لقدره … وابتلع من الماء ما ملأ معدته ورئتيه … فمات مختنقًا … وطفت جثته بجوار زميله.
أخيرًا خرج الوحش الرهيب من تحت سطح الماء … فتعلق بدرجات السلم، ومن خلفه خرج وحش آخَر … إنهما «عثمان» و«أحمد»، لقد علقت بهما طحالب القاع ونباتاته … وبقايا أصدافه … فأكسبتهما مظهرًا مرعبًا … وقبل أن يبلغا سطح اليخت سمعا رجلين يتكلمان … فوقفا ينصتان في هدوء … فسمعا أحدهما يقول: هل نتخلص منهما؟
فأجابه زميله قائلًا: لا، لا؛ دعهما الآن واقفين مكانهما وأنا أراقبهما.
فعاد زميله يقول: لكنهما سيموتان من البرد.
فأجابه قائلًا في سخرية: وهذا ما نريده.
ما أن سمع «عثمان» هذا حتى تدلَّى برأسه وقال ﻟ «أحمد» هامسًا: إنهم يروننا.
فعلَّق «أحمد» في شك قائلًا: هل تظن ذلك؟
فقال «عثمان» متسائلًا: ألم تسمعهما؟
ضم «أحمد» شفتَيه متعجِّبًا، وقال له: أشك أنهم يقصدوننا بهذا الحديث.
فقال «عثمان» في انفعال خافت: هل لديك سبب لهذا الشك؟
فقال «أحمد» يهدئه: نعم يا صديقي؛ إنهما لم يسألا عن زميلهما وقد خرجا في أثرنا.
فسأله «عثمان» في حيرة: إذَن عمَّن يتكلمون؟
وهنا وضع «أحمد» يده على فم «عثمان» وهو يقول: انظر إلى بقعة الضوء في كابينة القيادة.
فسأله «عثمان» في شغف: أتقصد أنها تشبه كابينة يختنا؟
فزمجر «أحمد» قائلًا: إنه لا يشبهه، إنه هو.
فلتت من «عثمان» صيحة دهشة وخوف وهو يقول: المجرمون! كيف وصلوا إليه؟ وأين حرَّاسه؟
فقال «أحمد» في أسى: إنهما واقفان الآن في مكانٍ ما متعرضان لبرد قاتل … هكذا قال الرجل لزميله ورغم الإجهاد الذي يشعر به …
قال «عثمان» مندفعًا في حماسه: يجب أن نتدخل، فالعملية كلها تتوقف الآن على هذا اليخت.
فأشار «أحمد» ليلزم الحذر، ثم قال هامسًا: علينا أن نصل إلى الفقاعات الزجاجية فعن طريقها يمكن أن نحارب ونطارد.
فأومأ «عثمان» موافقًا ثم قال: دعني وسوف أتصرف.
وفي رشاقة الفهد … قفز فوق سطح اليخت … ثم جرى محاذيًا لسوره الخارجي حتى بلغ السلم الواصل إلى غرفة المحركات، فهبط درجاته في حذر، و«أحمد» يراقبه عن بُعد شاهرًا مسدسه حتى غاب عن عينيه.
ووسط ضجيج المحركات تحرك في حرية … فلم يسمع أحد هنا وقع خطواته … وعبر ممرًّا جانبيًّا تمكن من الوصول إلى باب القبو … الذي يحوي الفقاعات، فقام بمعالجة قفله الإلكتروني؛ فانفتح له عن آخِره، فنام على أرضية المكان ثم تدلَّى بنصفه العلوي داخل القبو؛ فلم يرَ إلا ظلامًا حالكًا، فأخرج الكشَّاف المعجزة من جيبه السري وضغط على زر إضاءته فلم يعمل، فتوترت أعصابه، وحاول معه مرة أخرى، فلم يَنثنِ؛ فغمغم يقول هامسًا: هل أفسدك الماء؟
ثم قام بجسِّه فوجده جافًّا، فقال يطمئن نفسه: إني أحملك في جيب خاص لا يسمح بتسرب الماء، فماذا حدث لك؟
وفجأة صاح بصوت خافت قائلًا: أوه؛ لقد أغلقتك برقم سري بالأمس؛ لعلي أتذكره!
وفي هذه الأثناء كان قائد جماعة «سوبتك» على اليخت … قد انتابه القلق لغياب زميلَيه، فنزل بنفسه يستطلع الأمر فلم يصادف أحدًا على السلم! فأين كان «أحمد»؟
لقد كان يقبع قريبًا من غرفة القيادة، ويدعو في نفسه ﻟ «عثمان» بالتوفيق.
وكان «عثمان» قد استطاع إضاءة الكشاف، فشاهد الفقاعات الخمس تقبع على أرضية القبو في انتظارهم.
فتعلَّق بحافة القبو، وتدلَّى بجسمه لأسفل … ثم تأرجح للحظات قبل أن يقفز بجوار إحداها.
ثم قام بفحصها واحدة تلو الأخرى فلم يجد بأحدها عطلًا ما، فقفز بداخل فقاعته وأصدر أمرًا إلكترونيًّا عن طريق ساعته، فانفتح تحت الفقاعة باب انزلقت منه إلى غرفة الاستعداد للانطلاق، ثم انغلق الباب مرَّة أخرى.
وبأمر ثانٍ انفتح الباب الخارجي وانزلقت الفقاعة عبره إلى أسفل اليخت وغمرها الماء، فشعر «عثمان» أن جسمًا ضخمًا قد اصطدم بها، وأن الفقاعة هي التي اصطدمت به، وعلى شاشتها رأى ثلاثة قروش منهمكة في التهام ضحية ما، فأسرع بمغادرة المكان قبل أن تلتفت إليه وقد أثارتها الدماء، ثم سأل نفسه قائلًا: تُرى مَن الذي تلتهمه القروش الآن؟
وصمت قليلًا؛ قبل أن يعود للحديث مع نفسه قائلًا: أوه؛ إنها جثث رجال «سوبتك»!
وما أن ابتعد لمسافة كافية حتى قام بالاتصال عبر ساعته ﺑ «مصباح»، إلا أنه لم يجاوبه، فأعاد الاتصال ولكن هذه المرة ﺑ «إلهام»؛ فلم يتلقَ ردًّا … وكذلك «هدى» فانتابه القلق عليهما … وفكر في الاتصال ﺑ «أحمد» غير أنه خشي ألَّا يكون في مكان مناسب لتلقي الاتصال، فاستدار بالفقاعة وقرَّر العودة إلى اليخت، فقد ترك هناك «أحمد» ولا يعرف إلى ماذا وصل؟
والمفروض أن يستعيدوا اليخت ويطردوا منه الغزاة الذين اختطفوه؛ لأن لديهم مهمة أخرى، هي المهمة الرئيسية؛ وهي إبعاد جماعة «سوبتك» عن ميدان عمل معدات سحب بقعة البترول المتسربة من ناقلة البترول الأساسية.
إذن يجب أن يعود … ويعين «أحمد» على استعادة اليخت.
لذا فلقد انطلق عائدًا، غير عابئ بالقروش، وفي رأسه تدور ألف فكرة عن كيفية استعادة اليخت.
وما لم يحسب حسابه حدث؛ فقد تعطل محرك الفقاعة وهو غير مهيأ للبحث عن أعطال الآن، فإنه مجهد والوقت في غير صالحه، وليس لديه حل آخَر غير إصلاحها.
فقام بإدارة برنامج الأعطال في وحدة المعلومات الخاصة بها، فلم يصل معه إلى شيء مما أثار حنقه، فقام بخلع نفسه منها وفي نيته أن يتركها ويعود سباحة إلى اليخت.
وبالفعل؛ فعل ذلك، وما إن ابتعد عنها حتى رآها في صحبة أحد يسحبها.