أربع فقاعات!
لم يفكر «عثمان» في استعادة الفقاعة … واستكمل سباحته إلى اليخت … غير أنه شعر أن الفقاعة تطارده … فنزل إلى القاع … وجلس ساكنًا للحظات … وجد نفسه بعدها محاطًا بثلاث فقاعات؛ فتساءل بينه وبين نفسه قائلًا: كيف ذلك وهذه الفقاعات غير موجودة إلا عندنا في المنظمة؟!
الْتفتَ ينظر إليها في حذر؛ فرأى أجمل ما رأى في حياته، رأى «مصباح» و«إلهام» و«هدى» بداخل فقاعاتهم وقد كانوا يجرون خلفهم فقاعته، فأشاروا له أن يركبها، فظن أول الأمر أنهم سيسحبونه بها غير أنه عندما ركبها وجدها دائرة، فشعر أن طاقته قد تجدَّدَت، فصعد معهم إلى سطح الماء، وعن طريق البوصلة الإلكترونية المزودة بها الفقاعة تمكنوا من تحديد موقع اليخت، وعندما رفعوا جميعًا إبهامهم إشارة لاكتمال استعدادهم صفرت المحركات، وانطلقت الفقاعات تشق سطح الماء، وتطلق من حولها فقاعات صغيرة.
انطلقت الفقاعات مرَّة أخرى ولكن هذه المرة بدون «أحمد».
انطلقت الفقاعات وقد أصبحت بداخل العملية.
لقد مر ليل طويل وهم في مطاردات … وها هو النهار يرسل خيوطًا رفيعة من الضوء والليل ينسحب في هدوء تاركًا وراءه مياه البحر المتوسط، فنظروا إلى بعضهم.
وقالت «إلهام»: من أين هذا الصوت؟
فقال «مصباح» مستنتجًا: إنه مكبر صوت.
عادت «إلهام» تقول: أعرف أنه مكبر صوت، ولكن من أين؟
فقال «عثمان» مستنتجًا أيضًا: لقد اقتربنا من اليخت، وهم يروننا عبر التلسكوب.
لم يتوقف الشياطين، بل استكملوا زحفهم … فأتاهم الصوت مرة أخرى يتحدث بالإنجليزية: توقفوا مكانكم وإلا ستكون نهايتكم.
لم يبدِ أحد من الشياطين رغبة في التوقف، بل استمروا في التقدم.
وعاد الصوت راكبًا الهواء يقول: هذه ثالث وآخر مرة نقولها؛ توقفوا مكانكم، وإن لم تتوقفوا خلال دقيقة سندمركم.
وبدأ العد من ستين ثانية ثم تسع وخمسين، والفقاعات الخمس تشق الماء والهواء وتقترب من اليخت … حقًّا هو لم يظهر لهم حتى الآن … ولكنهم في الاتجاه الصحيح.
وواصل الصوت عده التنازلي، ولم يبقَ له على الانتهاء غير خمسة أعداد.
أربعة … ثلاثة … اثنان … واحد … صفر … و…
ولمعت في سماء المكان قذيفة كانت تصفر وهي في طريقها إليهم.
إنها قنبلة ذكية … فعندما تخطتهم استدارت عائدة إليهم.
وهنا صاح «عثمان» قائلًا: أوقفوا عمل كل الأجهزة الإلكترونية حتى ساعاتكم.
وفي لحظات … كان كل شيء قد توقف عن العمل … وعن إصدار إشارات كهرومغناطيسية يمكن للقنبلة تتبعها … لذلك لم تتوقف عندهم … بل انطلقت عائدة من حيث أتت.
وهنا قالت «إلهام»: لقد رددنا إليهم هديتهم.
وقبل أن يضحكوا لهذه النكتة قال «عثمان»: قد تنفجر في يختنا.
ودوَّى في الأفق صوت انفجار مهول، كان إيذانًا للشياطين بالتحرك مرة أخرى في اتجاه اليخت … وكلهم خوف من أن يكون هذا الصوت لانفجار اليخت.
غير أنهم عندما سمعوا الصوت يحذرهم مرة أخرى من الاقتراب … صاحوا في راحة … لأن اليخت و«أحمد» بخير.
وكان الصوت هذه المرة أكثر صرامة … وأكثر شراسة، وقد صرح بما ينوون فعله … فقد قال لهم: سنطلق عليكم طوربيدًا إن لم يتوقفوا … وهذا بالطبع لن يخطئكم.
وشعر «عثمان» أنه جاد في تهديده … فله سابقة في هذه القنبلة الذكية التي وصفوها بالغباء … فأمر زملاءه بالتوقف.
غير أن «هدى» أفزعتهم حين صرخت قائلة: خيانة … خيانة.
ثم أشارت بيدها إلى مكان بعيد … وعندما نظروا إلى ما تشير إليه رأوا جسمًا يسبح فوق الماء في اتجاههم … فقال «مصباح»: إنها محقة؛ فقد تكون قنبلة أو طوربيدًا سطحيًّا.
فصاح فيهم «عثمان» قائلًا: تفرقوا.
وفي لحظات كانوا يفسحون الطريق لهذا الجسم السابح إليهم … ومرة أخرى سمعوا الصوت يناديهم قائلًا: نرجو التقاط مكبر الصوت الذي أرسلناه لكم.
ولم ينتظره «عثمان» أن يكرِّر النداء … بل اندفع مكبر الصوت قبل أن يستكمل اندفاعه ويضيع … وعلق «مصباح» قائلًا: ظنناك قنبلة.
وعاد الصوت يقول: هل استعدت التقاطه؟
فأمسك «عثمان» به وضغط زرًّا على يده وقال: ها هو معي … ماذا تريدون؟
فتحدث الصوت يعرفه بنفسه: أنا «شارل» … وما اسمك أنت؟
وقرر «عثمان» ألا يخبره باسمه … فقال له: أنا «بدر» … من أين تتحدث؟
فقال «شارل» في حزم: لا يهمك ذلك … لكن أخبرني ماذا تفعلون هنا؟
نظر الشياطين لبعضهم في دهشة وكبرت لديهم علامة الاستفهام إلى درجة أوقفت تفكيرهم … وفكر «عثمان» أن يغير من أسلوبه معهم … فقال: مستر «شارل» … ما المطلوب منا؟
وبصوت يشبه الود قال له: أن تسلموا أنفسكم الآن … ونعدكم أن نتفهم ظروفكم!
فقال «عثمان» في استسلام: وأين أنتم؟
لم يجِبه «شارل» على تساؤلاته … فمن الواضح أنه طرح الأسئلة فقط … لذلك قال له: سنحضر نحن لاصطحابكم. ولم تمضِ دقائق إلا وكانت سفينة حربية تشق الأمواج مقتربة منهم.
فقالت «هدى» في قلق: سيشاهدون الفقاعات الزجاجية.
فأكمل «مصباح» قائلًا: لن يتركوها … ولن يتركونا نأخذها مرة ثانية.
وهنا قالت «إلهام» محذرة: إنها تحوي أسرارًا وتكنولوجيا تخص المنظمة وحدها … فما العمل؟
وفي سرعة قال «عثمان»: طبعًا تذكرون الأوامر والتعليمات جيدًا؟
فقالوا جميعًا في صوت واحد: نعم نذكر.
فقال في أسف: نحن مضطرون لذلك.
فأجابوا في صوت واحد: ونحن موافقون.