اللقاء المثير!
توقفت السفينة بجوار الشياطين … ونزل منها سلم ميكانيكي … فنظروا له في تردد، فقال لهم «شارل» في حزم: أرجو أن تصعدوا.
فقال له «عثمان» في تساؤل: ومركباتنا؟
فأجابه «شارل» قائلًا: لا تشغل بالك بها.
فصاح «عثمان» يقول في سخرية: وكيف لا أشغل بالي بها وقد كلفتنا الكثير؟!
فصاح «شارل» في حزم وفي نفاد صبر قائلًا: لم تعُد لكم هذه المركبات … فأنتم لا تقدرون حرج موقفكم … وأرجوكم سرعة الصعود … والضغط على بعض الأزرار في وحدة الإدارة المنطقية للفقاعات … توقفت محركاتها … وبدأ العد التنازلي لأمر خطير لا يعرفه إلا هم.
ولم تمضِ دقائق إلا وكانوا يقفون فوق سطح السفينة يشاهدون ونشًا ضخمًا يرفع فقاعة تلو الأخرى، وما أن انتهوا حتى أطلقت السفينة سرينتها … ثم انطلقت تتحدى الأمواج والرياح … ومشاعرهم … نعم إنها تتحدى مشاعرهم.
فحتى الآن لا يعرفون لماذا قُبض عليهم … وإلى أين سيذهبون … لم يسمح أحد لهم بالسؤال ولا بالتفسير … ولا بطلب العدل وهو حقهم … فمن حقهم أن يعرفوا ما جريمتهم! فهل يتركون جماعات «سوبتك» تخرب معداتهم، وتعطل جهودهم في إنقاذ مياههم الإقليمية وبيئاتهم البحرية من التلوث البترولي … ويمسكونهم هم؟!
وجرب «عثمان» أن يتحدث مع مستر «شارل» فذهب إلى أحد الجنود البحارة وطلب منهم مقابلته، فقال له الجندي: هذا ليس من سلطتي ولا أستطيع التحدث معه في هذا … يمكنك أن تطلب ذلك من الضابط «ريتر»، وأشار عليه … فذهب إليه على الفور وطلب منه أن يأذن له في التحدث مع السيد «شارل» غير أن الضابط تجهم، ونظر نظرة قاسية أثارت في نفسه روح التحدي، فتركهم جميعًا ونزل وحده السلم المؤدي إلى كابينة القائد، فلم يجد أحدًا في طريقه … فحاول فتح أكثر من كابينة للبحث عنه فلم تنفتح له واحدة منها، فعرف أنها تنفتح ببطاقة مغناطيسية، عندما رأى بالباب فتحة دخول البطاقة … فقرر أن يكشف أسرار المكان وألا يدع هذه الفرصة تفوته … فعاد «عثمان» إلى زملائه وصرح لهم بما يدور في نفسه فقال له «مصباح»: لقد حضر أحد الضباط وسأل عليك، فقلنا إنك في دورة المياه، فأرسل مَن يتأكد من ذلك … وخلال لحظات حضر الضابط مرة أخرى فرأى «عثمان» فبادره قائلًا: أين كنت؟
فكر «عثمان» سريعًا … ثم قال له: كنت أبحث عن دورة المياه.
فنظر إليه في شك وسأله مرة ثانية: وهل وجدتها؟
فأجابه في سرعة قائلًا: لا.
ولماذا لم تسأل أحد الجنود أو الضباط؟
فأجابه في ثبات: سألتهم ولم يدلوني.
فقال الضابط في سخرية: نعم أنت فعلت ذلك، ولكن لم تسألهم عن دورة المياه.
ثم نظر له نظرة اتهام قبل أن يكمل قائلًا: بل سألتهم عن كابينة القائد … أليس كذلك؟
حاول «عثمان» التماسك … وأدار عقله جيدًا قبل أن يقول له: نعم هذا حدث … وعندما لم يساعدني أحدهم في الوصول إلى القائد … لم أشأ أن أسألهم على شيء بعد ذلك.
فقال له الضابط: من فضلك قف على قدم واحدة.
فقال له «عثمان» في حدَّة: لماذا؟
فانفعل الضابط وقام يتهدده: نفِّذ الأمر وإلا ألقيت بك مجروحًا للقروش.
شعر «عثمان» أنه ليس ضابطًا، وأنه جاد في تنفيذ تهديده، فرفع أحد ساقيه … ووقف على الأخرى، ونظر في تحدٍّ.
فقال الضابط يسأله: ماذا كنت تريد من القائد؟
فنظر له «عثمان» دون أن يجيب … فصرخ فيه يعيد عليه السؤال قائلًا: أجبني الآن … ماذا كنت تريد من السيد «شارل»؟
فقال «عثمان» في هدوء: كنت أريد أن أعرف موقفنا معكم.
فسأله الضابط في تهكم: لا أفهم.
فقال «عثمان» موجهًا السؤال له: هل نحن معتقَلون؟
فقال الضابط في حزم: حتى الآن … لا.
فبادره «عثمان» بسؤال «إلهام»: ولماذا إذن تأخذوننا معكم؟ وإلى أين؟
فقال الضابط في هدوء: لماذا … لأنكم تسبحون في منطقة متنازع عليها وتحت إدارة الأمم المتحدة، إلى أين … فهذا ليس من حقكم.
وأراد «عثمان» أن يثيره، فأنزل ساقه، ووقف معتدلًا يقول له: وكيف نكون غير معتقلين ونحن لا نعرف إلى أين تأخذوننا؟
وهنا صرخ فيه الضابط قائلًا: قف على قدم واحدة.
فلحقه «عثمان» قائلًا: وهل من حقك أن تعذبني؟
أمسك الضابط برقبة «عثمان» ثم دفعه بعيدًا، وسط مخاوف الشياطين من أن يتهور «عثمان» ويضربه.
ومرة أخرى … دفع الضابط «عثمان» في صدره ثم دفعه مرة أخرى حتى أدخله إحدى الغرف المجاورة لكابينة القيادة … ثم أغلق الباب … وارتفعت أصوات اللكمات والركلات … والاصطدام بالحوائط والسقوط على الأرض … وتخلل ذلك انبعاث آهات مكتومة، كان الجنود يرون تأثيرها على وجوه الشياطين فيضحكون.
وأخيرًا … انفتح باب الغرفة، وخرج «عثمان» ينفض يديه … وما أن رآه الجنود حتى صاحوا مستنكرين … وأسرعوا إلى الغرفة، وعندما خرجوا كانوا يحملون الضابط «ريتر» مغشيًّا عليه.
وارتفعت أصوات الجلبة فوق سطح المركب، والضابط ما بين مطالب ومعارض لتأديب «عثمان» إن لم يكن التخلص منه.
ولم تنتظر مجموعة منهم أن يصلوا إلى نتيجة … بل أحاطوا بالشياطين وفي عيونهم يصرخ الشر، وما أن مد أحدهم يده ليمسك ﺑ «إلهام» حتى انهمك سيف يدها ليضربه تحت إبطه، فقفز عليها كالثور الهائج، فركلته بكل ما بقدمها من قوة … فأكملت اندفاعه إلى سور المركز فتجاوزه، وهوى في الماء، مما آثار زملاءه، فانقضوا على الشياطين فكان جزاؤهم أن لحقوا بزميلهم الأول … وعلا صراخهم، فقد شمَّت مجموعة من القروش رائحتهم … فأتت تُمَنِّي نفسها بصيد ثمين.
وانشغل زملاؤهم الموجودون فوق سطح المركب في إنقاذهم، بينما حضر أحد الجنود إلى الشياطين يقول لهم: إن القائد يطلبكم.
فسأله «عثمان» في لهفة: وأين هو؟
– اتبعوني.
نظر الشياطين إلى بعضهم متسائلين، فرغم كل هذه الجلبة على سطح السفينة، ورغم ما يتعرض له الضباط في الماء، إلا أن القائد لا يهتم، ويهتم بأمرهم هم.
وعند كابينة يقف بجوارها أحد الضباط، تركهم الجندي وغاب بداخلها للحظات، ثم خرج وأشار لهم بالدخول، ثم أغلق الباب خلفهم وانصرف هو.
وفي الداخل كان السيد «شارل» يجلس خلف مكتبه ويعطيهم ظهره، وقبل أن يستدير لهم سألهم في وقار قائلًا: مَن منكم «عثمان»؟
فقال «عثمان» في ثقة: إنه أنا.
لم يلتفت السيد «شارل» ليراه؛ بل أكمل قائلًا: ماذا فعلت بالضابط «ريتر»؟
فقال «عثمان» مبررًا: لقد أهان كرامتي.
فقال القائد في هدوء: لا أفهم!
فقال «عثمان» في غضب: لقد ضربني بصورة مهينة.
فاستدار القائد وقال له: وهل لديك شهود على ذلك؟
فنظر له متعجبًا ثم قال: لقد أغلق عليَّ الغرفة، و…
فقاطعه القائد قائلًا في سخرية: لقد أغلقها على نفسه.