متعة علم النفس الشرعي وتحدياته
القتل والسرقة بالإكراه والإحراق العمد والاحتيال والعنف الأسري وإساءة معاملة الأطفال والابتزاز والاغتصاب وغيرها من الجرائم هي قوام الواقع والخيال، وهي موجودة على الدوام، بل إن الإنجيل نفسه يحوي القتل والاحتيال في إصحاحاته الأولى. إن اهتمامنا بعمليات الجريمة والقانون مرده دومًا إلى محاولات فهم أفعال الأفراد وتعديلها؛ لذلك، رغم الصلة الوثيقة بين الاقتصاد والسياسة والدراسات الاجتماعية القانونية وعلم الاجتماع جميعها من ناحية ودراسة الجريمة والإجرام من ناحية أخرى، فإن صميم الجرائم كلها هو البشر. وقد يكون هؤلاء البشر أولئك الذين تشكل أفعالهم الجريمة، أو أولئك الذين يحاولون حل ألغاز الجريمة، أو يحكمون فيها، أو يسيطرون على الجناة، أو يساعدون ضحاياها. بمعنًى آخر، في كل مرحلة من النظام الجنائي ثمة عمليات نفسية ينبغي معالجتها. ويشكل فهم هذه العمليات وتطبيقاتها أساس علم النفس الشرعي.
ما علم النفس الشرعي؟
وأنا جالس إلى مكتبي أشرع في كتابة هذه «المقدمة القصيرة جدًّا»، لديَّ كومة متراصة من الكتب ترتفع حتى كتفي، وكل كتاب منها يَدَّعِي كونه عن علم النفس الشرعي. إلا أن محتويات أيٍّ منها نادرًا ما تتوافق مع محتويات كتاب آخر؛ فكل موضوع، مثل: «تحديد أوصاف الجناة» و«السيكوباتية» و«كشف الغش» و«معاملة مرتكبي الجرائم الجنسية» و«متلازمة المرأة المعنَّفة» و«تقييم خطر العنف المستقبلي» — وجميعها أجزاء من علم النفس الشرعي — قد يشكل جُل اهتمام أحد الكتب، لكن لا يتطرق إليه كتاب آخر في فهرسه.
وعليه، أود أن أتوخى الوضوح من مطلع الكتاب؛ كتابة هذه «المقدمة القصيرة جدًّا» كمحاولة إصابة هدف متحرك؛ فلم يعد علم النفس الشرعي كما كان، وهو آخذ في التحول سريعًا إلى شيء يختلف عما هو عليه الآن. أضف إلى ذلك أنه يتخذ لنفسه — كالحرباء نوعًا ما — هيئات متنوعة حسب الإطار القانوني والاجتماعي الثقافي. فضلًا عن أن ما يؤديه علم النفس الشرعي يختلف اختلافًا ملحوظًا من إطار مؤسسي لآخر. وهذه الصور المتغيرة المتنوعة هي ما تعطي طبيعة ديناميكية مشوقة لدراسة التفاعل بين علم النفس والجريمة والقانون.
-
تفسير الأسباب التي قد تجعل شخصًا يفكر في ارتكاب جريمة.
-
تفسير طريقة إقدامه على ذلك.
-
الإسهام في المساعدة على التحقيق في الجريمة.
-
الإيقاع بمرتكبي الجريمة.
-
تقديم النصح إلى أولئك المشمولين في إجراءات محكمة مدنية أو جنائية.
-
تقديم شهادة خبير حول الجاني.
-
الإسهام اللاحق في عمل السجون.
-
تقديم سبل أخرى للتعامل مع الجناة.
-
وبالأخص، الصور المختلفة التي يتخذها «العلاج» وإعادة التأهيل.
ينطبق أحيانًا مصطلح «عالِم النفس الشرعي» على أي عالِم نفس على صلة أيًّا كانت بالشرطة أو بالعمل مع المجرمين. وهذا يتضمن مساعدة ضباط الشرطة، أو أولئك العاملين بالسجون، على التعامل مع ضغوط عملهم أو حتى انتقائهم وإداراتهم.
-
تفسير الأساس النفسي لكثير من الأشكال المختلفة التي يتخذها سلوك مخالفة القانون والإجرام.
-
استكشافات صنع القرار وعلاقته بعمليات التحقيق في جريمة.
-
دراسات لسيكولوجية الذاكرة وعلاقتها باستجواب الشهود والمشتبه بهم.
-
التعرض للجوانب السلوكية والاجتماعية في إجراءات المحكمة.
-
التعرض لعملية نسج روايات قابلة للتصديق.
-
العرض لكيفية وصول هيئات المحلفين لقراراتهم.
-
تقدير المخاطر، ولا سيما حدوث العَود الإجرامي.
-
إدارة تلك المخاطر.
-
مراعاة جدوى عمليات إعادة التأهيل وفعاليتها.
-
خاصة فيما يتعلق بإدمان المخدرات والكحول.
-
دور الاضطراب العقلي في الجريمة.
-
البحث فيما يدفع الناس إلى الكف عن الجريمة.
من ثَمَّ، علم النفس الشرعي هو التطبيق لجميع جوانب القانون وإدارة الجريمة والمجرمين، من خلال الممارسة المهنية للأسس والنظريات والأساليب المستمدة من الدراسات العلمية والإكلينيكية للأفعال والخبرة البشرية. وهكذا يتمتع علم النفس الشرعي أيضًا برافد بحث أكاديمي متين يهتم اهتمامًا خاصًّا بسيكولوجية مخالفة القانون. وعلى مستوى المفاهيم، نتيجة لذلك، يحتل علم النفس الشرعي موقعًا وسيطًا بين علم الجريمة والطب النفسي الشرعي وعلم القانون، معتمدًا أيضًا على فروع أخرى متنوعة من المعرفة، مثل: الدراسات الاجتماعية القانونية، والجغرافيا الإنسانية، وعلم النفس الإكلينيكي، وعلم نفس النمو، وعلم النفس الاجتماعي، والقياس النفسي.
لأولئك الذين لم يتطرقوا إلى هذا العلم من قبل، تجدر الإشارة إلى أن الطب النفسي تخصُّص طبي يركز تركيزًا قويًّا على المرض العقلي. ولا يحمل علماء النفس عادةً مؤهلات طبية؛ فهم يدرسون الأفعال والخبرات البشرية بوصفها فرعًا علميًّا. ويذهب بعض علماء النفس إلى التخصص في مساعدة الأشخاص المضطربين عقليًّا. ويطلَق عادة على علماء النفس هؤلاء «علماء النفس الإكلينيكيين»، ويعملون مع أطباء النفس وغيرهم من المتخصصين في الصحة العقلية؛ وعليه، ثمة فارق بين ممارسي علم النفس الشرعي وممارسي الطب النفسي الشرعي؛ فممارسو الطب النفسي الشرعي هم أطباء في الأساس لهم الحق في وصف أدوية، أما ممارسو علم النفس الشرعي فيستمدون مساهماتهم الرئيسية من العلوم الاجتماعية والسلوكية.
لعل الفارق بين علم النفس الشرعي وعلم الجريمة هو الأصعب فهمًا بالنسبة لمن هم خارج هذين الفرعين من المعرفة. وينشأ خلط آخر نتيجة أن التداخل بين هذين الفرعين في الولايات المتحدة أكبر بكثير منه في المملكة المتحدة. ويمكن أن يحدث فهم خاطئ آخر بسبب استخدام مصطلحات مثل «علم التحقيق الجنائي» و«علم النفس الجنائي».
علم الجريمة — بأبسط ما يمكن — هو دراسة «الجريمة». وهو يبرز أسبابًا اجتماعية وأنماطَ وتطوراتِ وسبلَ خفضِ الجريمة. وفي المقابل، علم النفس الشرعي هو دراسة «المجرمين»؛ لذا، رغم أن كثيرًا من علماء النفس الشرعيين قد يوافقون على أن مستويات الفقر ذات تأثير مهم على معدلات الجريمة، فإنهم لن يدرسوا هذه العلاقة على النحو الذي سيدرسها به علماء الجريمة، بل سيكون علماء النفس الشرعيون معنيين بشكل مباشر أكثر بالأسباب التي تجعل بعض الفقراء يرتكبون الجرائم بينما لا يُقدِم آخرون على ارتكابها؛ ومن ثَمَّ، لن نشغل أنفسنا في هذا الكتاب بمعدلات الجريمة أو الجوانب الاجتماعية الأخرى للجريمة، على أهميتها الواضحة.
ثمة فارق أخير جدير بالذكر؛ وهو الفرق بين علم النفس الشرعي والطب الشرعي. فالأخير نابع من دراسة الكيمياء وعلم السموم والفيزياء وعلم الأمراض والعلوم الطبيعية الأخرى. فمثلًا: إجراء فحص طبي لضحية اغتصاب سيكون خارج نطاق اختصاصي كعالِم سلوكي — رغم أن محامين لا يعرفون الفرق طلبوا مني ذلك — تمامًا مثلما سيكون تشريح الجثث أو اختبار السموم في عينة دم خارج اختصاصي؛ فهذه كلها جوانب من علم الأمراض الشرعي والطب الشرعي.
من أين أتى علم النفس الشرعي؟
منذ ظهور علم النفس — بأي صورة من صوره — وهو يُستخدم في كلٍّ من تفسير الإجرام، واقتراح أساليب لإدارة المجرمين وخفض الجريمة. ولعل الوجود العنيد للجريمة في جميع المجتمعات على مر التاريخ، والإخفاق المتكرر في أغلب محاولات خفض الجريمة، يوضحان الكثير عن الطبيعة الجوهرية للجريمة بوصفها فعلًا بشريًّا بقدر ما يكشفان عن الضعف في فهمنا للإجرام.
أعضاء حزب المحافظين بمدينتي الأم أجبروني على هذا؛ إنهم يتتبعونني ويضطهدونني أينما أذهب، وأفسدوا عليَّ راحة بالي تمامًا.
في أربعينيات القرن التاسع عشر، لم يكن الدفع بالجنون واضحًا؛ إذ لم يكن هناك سوى شرط عام بأن الجاني كان يعرف ما يفعله وكان يعرف أنه خطأ. هذا مجمل في المصطلح القانوني «القصد الجنائي»، الذي يشير إلى أن الجاني يجب أن يكون قد امتلك من القدرة الواعية ما أدى به إلى ارتكاب الأعمال الإجرامية. وإذا كان شخص مضطربًا عقليًّا لدرجة أنه غير مدرك حقًّا أن الفعل الذي يرتكبه سيكون له عواقب جنائية، ففي أغلب الولايات القضائية المتحضرة يفضل علاج الشخص بدلًا من عقابه. ولكن عندما استخدم هذا الدفاع للحكم بأن دانييل ماكنوتن «بريء بسبب الجنون»، كان هناك احتجاج شعبي، شاركت فيه الملكة فيكتوريا نفسها. وأدى هذا إلى إيضاح أن الدفع بالجنون تطلب — بشكل حاسم — البرهنة على أن المتهم عانى من «مرض عقلي» في وقت الجريمة قيَّد من قدرته على إدراك ما كان يفعله و/أو أن ما يفعله كان خطأ. وأصبحت هذه المعايير معروفة باسم «قواعد ماكنوتن».
تنطوي الإشارة في القانون إلى «مرض عقلي» على مرض طبي ما، كما لو كان العقل عضوًا يمكن أن يصاب بالعدوى أو المرض مثل الكبد أو الرئتين. ولا يوجد أي ارتباط واضح هنا بين العقل والمخ. فقد يصاب شخص بأي مجموعة من أمراض المخ دون أن يفقد قدرته على التمييز بين الصواب والخطأ. ويوجد أيضًا عدد كبير من الصور التي يتخذها المرض العقلي التي لا ترتبط بداء واضح بالمخ؛ وبذلك فتح الوصف «مرض عقلي» السبيل لمجموعة متنوعة ضخمة من الاختبارات شبه الطبية وغير الطبية للمشتبه بهم لتحديد ما إذا كان يمكنهم الدفع بالجنون.
وجد علماء النفس التجريبيون بالمعامل سبيلهم إلى المحاكم بوصفهم خبراء من خلال طريق مختلف إلى حدٍّ ما؛ فباعتمادهم على دراسات عن الإدراك والذاكرة، تمكنوا من الإدلاء بملاحظاتهم على شهادة مختلف عليها والاعتراض على إفادات الشهود. من الأمثلة الأولى على ذلك مساهمات هوجو منستربرج، على غرار دفاعه عن الناسجين الفلمنكيين الذين تظلم عميلهم من أن القماش المسلَّم إليه ليس باللون الذي طلبه. فتمكن منستربرج من توضيح أن سبب الاختصام كان تبايُنًا في الإدراك تحت ظروف إضاءة مختلفة.
تطور الإقرار بأن هناك عمليات نفسية تحتاج إلى فهمها والتعامل معها باعتبارها جزءًا من التحقيقات الجنائية وإجراءات المحكمة رويدًا ليشمل جوانب أخرى كثيرة من الإجرام والقانون. ويتزايد اعتماد علماء النفس على مجموعة كبيرة من النظريات والمنهجيات للمساهمة في مداولات المحكمة. وعَقِب منستربرج وآخرين، قَدَّم فهمُ عملية التذكُّر الأساسَ لشهادة الخبير بشأن ما كان يمكن أن يتذكره الشهود وما لم يكن بمقدورهم تذكره. وأولئك الذين درسوا العمليات التعليمية أو العلاقات العائلية سيُبدون ملاحظاتهم على الأطفال، ويقدمون النصح في محاكم الأسرة بشأن قضايا وصاية الوالدين. وبالتأكيد، ما إن سُمح لمساهمات علم النفس في الإجراءات القانونية بالدخول إلى المحاكم، حتى أمكن الاعتماد على أي جانب تقريبًا من علم النفس المهني أو الأكاديمي ليساهم في إدارة المجرمين وتبعات أفعالهم؛ ولذا، كثير من أنشطة علماء النفس الشرعيين مختلفة تمامًا عن الجدل الذي بدأه دانييل ماكنوتن، عندما قال إنه تعرض للاضطهاد من قِبل أعضاء حزب المحافظين.
أين يحدث علم النفس الشرعي؟
رغم أكثر من مائة عام من المساهمات واسعة النطاق لعلم النفس في القضايا القانونية، لا يزال إطار العمل الطبي يهيمن على الاعتبارات القانونية للحالات العقلية للمدَّعَى عليهم. وتصاغ «متلازمة الزوجة المعنَّفة» و«اضطراب توتر ما بعد الصدمة» و«متلازمة صدمة الاغتصاب» ومجموعة من التعبيرات المُجمِلة لأفعال الناس وخبراتهم كالمصطلحات الطبية — جزئيًّا على الأقل — وذلك لجعلها مقبولة لدى المحاكم. ومبدئيًّا — كما ذكرنا — لا يثير الدهشة إذن أن أغلب البينات حول الحالات العقلية قدمها في المحكمة أناس يحملون مؤهلات طبية، رغم أنهم كانوا يعتمدون على تقييمات نفسية أعدها أشخاص آخرون؛ ولذا، في المائة عام الأولى أو نحو ذلك بعد إطلاق النار على إدوارد دراموند، لم يكن هناك حضور قوي لعلم النفس الشرعي في أغلب الولايات القضائية.
لكن اليوم يمتد علم النفس الشرعي إلى نطاق أوسع بكثير من مجرد التصنيف الطبي الزائف للجناة وأفعالهم. ومن الممكن فهم علم النفس الشرعي على نحو أفضل من واقع تطبيقاته على مجموعة من المجالات المختلفة إلى حدٍّ ما من الممارسة المهنية: التحرِّي عن الجناة واعتقالهم وإجراءات المحاكمة، والقرارات المتخذة في المحكمة، وإدارة ومحاولات إعادة التأهيل بالسجون والأوساط المؤسسية الأخرى، أو في المجتمع؛ وكلها ترتبط بالسؤال الجوهري عما يؤدي إلى الإجرام؛ ولذلك سنتناول هذه المسألة الرئيسية في الفصل الثاني.
علم النفس في المحكمة
مع التطور الواسع لعلم النفس في كثير من مسالك الحياة، والذي شجع عليه الاستعانة بعلماء النفس في الحرب العالمية الثانية، ومجال علم النفس المزدهر في الولايات المتحدة الأمريكية — بداية من منتصف القرن العشرين — ازداد تقديم علماء نفس لا يحملون مؤهلات طبية لآراء قانونية حول العمليات العقلية للمدَّعَى عليهم وشخصياتهم. إلا أن تأثير الطب كان لا يزال قويًّا. وفي المملكة المتحدة — على الأقل — نزع في البداية علماء النفس أولئك الذين قدموا النصح إلى المحاكم إلى أن يكونوا علماء نفس إكلينيكيين عملوا مع مرضى عقليين. وكان علم النفس الشرعي تخصصًا ضمن تخصصات علم النفس الإكلينيكي بالدراسات العليا، ولا يزال المنهج الإكلينيكي ثابتًا بقوة.
لكن، ما إن دلف علماء النفس من باب قاعة المحكمة، حتى أتيح السبيل لنطاق من التطبيقات أكبر بكثير من مجرد إبداء الملاحظات على «القصد الجنائي» للمتهم. وتزايَد لجوء المحاكم — وغيرها من المؤسسات التي تتعامل مع المجرمين — إلى علماء النفس من أجل الحصول على تقييم أشمل للجناة. وقد التمست هذه المؤسسات المساعدة في فهم تبعات الجريمة والسبيل الأنسب للتعامل مع الجناة. وامتد ذلك ليشمل تقييمًا أكثر مباشرة لخطورة الجناة وغيرها من المسائل النفسية الأخرى التي حظيت باهتمام العملية القانونية.
اتسع نطاق هذا الإشراك لعلم النفس بشكل أكبر بكثير، لدرجة أن اليوم مسائل متنوعة — على غرار موثوقية شهادة شاهد أو اختيار هيئات المحلفين — يتعامل معها كلها علماء نفس، كثير منهم بعيد تمامًا عن الاعتبارات الإكلينيكية أو أي اتصال مباشر بالأفراد الجناة باعتبارهم عملاء لهم. وجزئيًّا، بسبب استعداد محاكم الولايات المتحدة للسماح لخبراء بالإدلاء بشهادتهم ونهج المبادرة الذي يرحب بالاستشارات المستقلة، يعتبر هذا الشكل من تقديم النصح القانوني بشأن الشهود والمحلفين جانبًا مهيمنًا لعلم النفس الشرعي في الولايات المتحدة الأمريكية.
يستعرض الفصل الثالث المساهمات التي يقدمها علماء النفس الشرعيون بوصفهم شهودًا خبراء. ويبحث الفصل الرابع المسائل الأوسع نطاقًا لمساهمات علم النفس في الإجراءات القانونية.
علم النفس في أوساط العلاج الشرعية
نزعت النصيحة النفسية الأولية حول الحالة العقلية للجناة إلى أن تكون جزءًا من تقييم وعلاج الجناة الذين اعتُبروا مصابين بمشكلات عقلية أو شخصية؛ ولذلك، في الواقع، كانت الأوساط التي تعود إليها جذور علم النفس الشرعي هي تلك المجموعة المتنوعة من المؤسسات التي تقدم علاجًا للجناة. ويعرف بعضها في المملكة المتحدة باسم «مستشفيات خاصة»، وفي الولايات المتحدة الأمريكية بالتعبير المخفف «منشآت تصحيحية»، وكلاهما جزء من منظومة السجون، ولكنهما غالبًا ما تركزان على محاولة تغيير سلوك الفرد أكثر من التركيز على العقاب شأن سجون أخرى كثيرة. تتعامل مؤسسات علاجية إكلينيكية كثيرة أكثر تقليدية مع الجناة بوصفهم مرضى، وتساعدهم — مثلًا — على التعامل مع حالات الإدمان لديهم، أو عدوانيتهم، أو حتى الصدمات المصابين بها.
علم النفس بالسجون وهيئات المراقبة
انتقل العمل بالمستشفيات الخاصة والأطر الإكلينيكية الأخرى إلى السجون، ومنها إلى عمليات المتابعة بهيئات المراقبة؛ ونتيجة لذلك، بزغ على مدار ربع القرن الأخير فرع من علم النفس خاص بالسجون والمراقبة (يشار إليه غالبًا في الولايات المتحدة الأمريكية باسم «علم النفس التصحيحي») يعد تخصصًا قائمًا بذاته، وهو يبدو في أقوى صوره في الدول التي لديها أنظمة سجون مركزية، أو تسيطر عليها الحكومة، وهيئات مراقبة متكاملة، مثل أستراليا والمملكة المتحدة وإيطاليا.
تطورت هذه الخدمات بخُطًى بالغة السرعة في هذه الدول وغيرها على مدار العقد الماضي، منتقلةً بعيدًا عن تقييمات الذكاء ودراسات الشخصيات التي ركز عليها كثير من علماء النفس الشرعيين منذ نصف قرن. وثمة الآن جوانب كثيرة يعدون بشأنها تقارير عن المسجونين، سواءٌ في المراحل المبكرة من سجنهم للمساعدة في توجيه تقدمهم خلال فترة السجن، أو تقييم الخطر والمسائل الأخرى التي تهم لجنة إطلاق السراح المشروط، وفي مراحل مختلفة طوال فترة حبسهم وبعد الإفراج عنهم. وبالطبع قد لا يرحب دومًا السجناء بذلك؛ لأنهم قد يشعرون أن حريتهم داخل السجن قد يقلصها ما يبديه «طبيب المجاذيب» عنهم من ملاحظات.
إضافة إلى إعداد التقارير عن الأفراد، من المرجح أن يعتمد علماء النفس العاملون بالسجون على جوانب أخرى كثيرة من علم السلوك. وهذا يتضمن تقييمات لبرامج السجون وأنظمة إدارتها، للمساعدة في وضع خطة تغيير مؤسسي، ولتدريب العاملين بمناهج متنوعة قد تساعد على خفض المخالفات اللاحقة للقانون؛ ونتيجة لذلك، يفضل كثير من علماء النفس بالسجون وهيئات المراقبة التسمية «عالم نفس تطبيقي» أكثر من «عالم نفس شرعي».
يقدم الفصل الخامس إطلالة على ما يؤديه علماء النفس الشرعيون مع الجناة.
علم النفس والتحقيقات
أكثر أنشطة علماء النفس الشرعيين المعروفة للناس هي مساهمتهم في تحقيقات الشرطة. ولعل ذلك يرجع إلى الحاجة الواضحة إلى وجود شخصية شيرلوك هولمز العصر الحديث في أغلب أدب الجريمة أكثر من رجوعه إلى وجودها في الواقع. وتصور هذه الشخصيات الأدبية الفطنة — لكن المعيبة عادة — التي يُطلق عليها التسمية المضللة نوعًا ما «محددو أوصاف الجناة»، على أنها تتطلع داخل عقل المجرم لمساعدة الشرطة على حل القضية. وتكون الجرائم — بشكل ثابت تقريبًا — شكلًا ما من جرائم القتل التي يرتكبها سفاحون، ويبدو «محدد الأوصاف» متمتعًا بالقدرة الخارقة للطبيعة على معرفة ما يفكر فيه القاتل ويشعر به. ويظهر أن نفاذ البصيرة هذا يعتمد على ما لا يتجاوز كثيرًا مسرح الجريمة ومفاتيح متفرقة لحل اللغز.
وبوصفي الشخص الذي ينسب إليه عادة فضل إدخال عملية تحديد أوصاف الجناة إلى المملكة المتحدة، كما يبدو في طرد من مكتب التحقيقات الفيدرالي بفيرجينيا، فإنني أشعر باليأس في كل مرة يطلب فيها صحفي مني «أوصافًا محددة» لمجرم مجهول تتحدث أخبار اليوم عن أفعاله. لقد أصبحت هذه مساحة يجتمع فيها الخيال والفهم الخاطئ لإخفاء الحقيقة العادية جدًّا غالبًا، لدرجة أنني أُضطَر إلى أن ألتقط نفسًا عميقًا وأرد عليه بأسلوب مهذب قدر ما أستطيع قائلًا: «ليس الأمر كما تشاهده على شاشة التليفزيون!»
الحقيقة أنه ثمة نتائج تنشأ من دراسة السلوك الإجرامي لها أن تساهم في البحث عن الجناة المجهولين. ولكن هذا يختلف تمامًا عن «الدخول في عقل» المجرم. الأمر يتعلق أكثر بتحسين عمليات صنع القرارات التي تتخذها الشرطة من خلال تمكينهم من الاستعانة بسلسلة كبيرة من الاكتشافات النفسية. وكان لهذا أهمية قصوى في تطوير أساليب الاستجواب الخاصة بالشرطة، لا سيما في مساعدة الشهود على تذكر مزيد من التفاصيل.
على قدر المساهمة المباشرة لعلم النفس في اقتراح سمات مميزة للجناة ذات فائدة، من المرجح أن هذا يدور في فلك المكان الذي قد يوجد به الجاني أو كيفية العثور عليه في سجلات الشرطة. وهذا أعم فائدة بكثير من الافتراضات بشأن عملياته العقلية، رغم أن هذه كانت نوعية الملاحظات المبداة في الأيام الأولى لتحديد الأوصاف في منتصف القرن الماضي. ففي ذلك الوقت، كان إطار العمل الطبي المهيمن يعني أن «الأوصاف المحددة» الأولى وضعها في الواقع أناس تمتعوا باهتمام خاص بالمجرمين المرضى عقليًّا. ورغم أنه غالبًا ما يُكتب عن مساهماتهم من منظور بطولي (عادة ما يكتبها «محددو الأوصاف» أنفسهم)، يكشف التحليل الدقيق أنها نادرًا ما كانت ذات قيمة حقيقية ومباشرة للتحقيق.
كما سأمعن في الدراسة في الفصل السادس، لم آلُ جهدًا كي أميز بين المساهمات التي يمكن لعلماء النفس تقديمها للتحقيقات والأعمال البطولية الزائفة التي يقوم بها «محددو الأوصاف». ولقد نَحَتُّ مصطلح «علم نفس التحقيقات» لتمييز هذا الجانب من علم النفس. وتتبع عدد من قوات الشرطة حول العالم هذا الاقتراح، وشُكلت وحدات لعلم نفس التحقيقات تساهم في عمل إنفاذ القانون أكثر بكثير مما فعل «محددو الأوصاف» الأوائل في أي وقت.
وهكذا، رغم أن علم النفس الشرعي لا يزال فرعًا معرفيًّا ناشئًا، فقد تفرع منه بالفعل مجموعة من المجالات الفرعية؛ فعلم نفس السجون، وعلم نفس التحقيقات، وعلم النفس القانوني، والجوانب الشرعية من علم النفس الإكلينيكي؛ تطل كلها بوصفها مجالات دراسة ونشاط مهني متميزة. كان هناك أيضًا مجموعة من المجالات التي كان لعلم النفس تأثير ملحوظ فيها، ولعل أقوى تأثيراته قاطبة كان تعزيزَ أساليب الاستجواب الخاصة بالشرطة، وخفْضَ عدد حالات إساءة تطبيق أحكام العدالة. وثمة أيضًا أدلة متنامية أن علم النفس يمكن أن يفيد في تمكين بعض المجرمين من الابتعاد عن حياة الجريمة.
تحديات أمام علم النفس الشرعي
لعل علم النفس الشرعي أحد مجالات علم النفس المهني الأسرع نموًّا في جميع أصقاع العالم، وهو ما يرجع في جزء منه إلى الفكرة الخاطئة الجذابة الخاصة بتحديد أوصاف الجناة والاهتمام واسع الانتشار بالجريمة والمجرمين. إلا أن هذا النمو السريع يجب أن يوضع أمام خلفية من الصعوبات الملحوظة، التي واجهت إجراء دراسات مناسبة في هذا المجال، والتحديات الكثيرة التي يواجهها الممارسون. فالوصول إلى مجرمين حقيقيين، أو هيئات المحلفين لأغراض البحث، أو لشهود أو ضباط شرطة؛ محفوفٌ دائمًا بقيود قانونية وعملية. وفي بعض الحالات، توجد مخاطر حقيقية أيضًا ينبغي التخطيط لها وتجنب حدوثها؛ ولذا أُجريتْ أبحاثٌ كثيرة ذات صلة بعلم النفس الشرعي — لا سيما على شهادة شهود العيان — في أوساط مصطنعة غالبًا ما تتكون من سيناريوهات يمكن أن تكون غير واقعية نوعًا ما، تُعرض فيها فيديوهات على الطلاب، ثم يُطلب منهم تحديد ما يتذكرونه. لهذا إمكانية تطبيق محدودة في الواقع خارج المعمل؛ لأنه يعتمد على عمليات محاكاة، مع انتقاء الناس من مجموعة فرعية محدودة من السكان غير الخاضعين لأي ضغوط فعلية.
حتى العمل مباشرة مع الجناة بالسجون عليه قيود كثيرة بسبب بيئة الحبس غير المعتادة التي تُجرى فيها الدراسات، وفصل الجناة عن إطارهم الاجتماعي المعتاد. فعلى سبيل المثال، من العسير جدًّا مساعدة أشخاص على التعامل مع إدمانهم للكحول في سياق لا يتاح فيه الكحول، وعندما يصعب قياس درجة مشاركتهم مشاركة طوعية. وفي الواقع، لن تسمح بعض السلطات بإجراء أي بحوث على السجناء؛ لأنهم يقولون إن الفرد المسجون لا يمكنه أبدًا إبداء موافقة مطَّلعة طوعية.
كما توجد المشكلة العويصة أيضًا المتمثلة في تحديد ما يمكن تصديقه مما يقوله مُدان في مقابلةٍ مجراة ببحث أو برنامج علاجي. وعادة — في أغلب المواقف البحثية أو العلاجية — يمكن لعالم النفس أن يعمل انطلاقًا من الافتراض أن المشاركين يحاولون المساعدة وسيكونون صرحاءَ بوجه عام فيما يقولون. وقد لا يرغبون في الحديث عن موضوعات معينة، أو يشعرون بالاضطراب أو بالصدمة حيال ما يتذكرونه، ولكن لن يُتوقع أنهم سيحرفون الحقيقة أو سيضللون أو سيكذبون بالفعل بشأن أنفسهم أو أفعالهم. لكن عند التعامل مع الجناة، يكون ذلك التوقع تحديدًا هو نقطة البدء لأي اتصال. وتكمن مهارة عالِم النفس في تجاوز ذلك للوصول إلى قلب الحقيقة، غالبًا عن طريق استخدام استبيانات خاصة وغيرها من إجراءات الكشف عن تحريفات الحقيقة في الروايات التي تُقص عليهم.
مع ذلك، يتغلب عدد مُتنامٍ من الباحثين الجسورين على هذه التحديات، ويعملون بشكل مباشر وواضح مع الجناة وغيرهم من المشاركين في إنفاذ القانون والإجراءات القانونية. ولا تكشف هذه الدراسات إلا عن مدى تعقد الإجرام ومدى محدودية فهمنا للعمليات النفسية التي تسببه. ويحظى بأهمية خاصة تنوع المجرمين؛ فلا يتماثل اثنان مدانان بجرائم متشابهة؛ ونتيجة لذلك، لا توجد «أوصاف محددة» بسيطة وقياسية لسارق أو لقاتل، أو لإرهابي. والجناة أنفسهم سيتطورون ويتغيرون نفسيًّا أيضًا مع مرور الوقت، بل ويمكن أن تحدث هذه التغيُّرات نتيجة خبرات ارتكاب الجرائم لديهم؛ لذا، لا يمكننا الفرض أننا نفهم سيكولوجية مجرم من المجرمين لأنه منسوب إلى فئة سارقي البنوك أو المغتصبين.
ثمة مشكلة أخرى هي أن أغلب المجرمين يرتكبون مزيجًا من الجرائم. ففي المفاهيم الخاطئة الشائعة، ترتبط عادة مخالفة القانون على نحو متسلسل بجريمة عنيفة، لا سيما جرائم القتل التي يرتكبها سفاحون. ولكن كثيرًا من الجناة يرتكبون مجموعة متنوعة كبيرة من الجرائم طوال الوقت الذي يمارسون فيه الإجرام. ورغم أنه قد يوجد تركيز على الاحتيال أو العنف أو سرقة السيارات أو سرقة البنوك، يندر نسبيًّا أن تجد جناة متخصصين مائة بالمائة، منخرطين في نوع محدد واحد فقط من الجرائم. كما أن هناك مجموعة فرعية من الجناة صغيرة ولكنها لافتة للانتباه، عاشت حياة طاهرة الذيل بوضوح عدا جريمة واحدة ارتكبتها، وقد تكون هذه الجريمة خطيرة كجريمة القتل.
في خضم هذه المشكلات كلها، ثمة عقبة رئيسية أمام أي بحث لعلم النفس الشرعي تُعاود الظهور دائمًا؛ وهي تعريف الجريمة بكل وضوح. فما هو مقبول في ثقافة فرعية، قد يحظره القانون في ثقافة فرعية أخرى. فعلى سبيل المثال، في دول كثيرة مسموح بأفعال في إطار الزواج ستُعتبر اغتصابًا في مكان آخر؛ لذا فالتعريف القانوني لأفعال مخالفة القانون قد لا يتسم دومًا بوضوح نفسي دقيق. وفي إطار التعامل مع الجناة — نتيجة لذلك — ينبغي لعلماء النفس التعامل مع ما قام به الجناة بالفعل وليس ما هم مُدانون به قانونًا. وكثيرًا ما سيرغب علماء النفس الشرعيون في أن يُنحُّوا جانبًا الجريمة التي جعلت الشخص موضوعًا للدراسة ويحاولوا أن ينظروا نظرة أكثر شمولًا إلى نمط حياته ووضعه الشخصي.
هذا الفحص المباشر لسيكولوجية المجرمين — الذين يتم التعامل معهم غالبًا بوصفهم مرضى في سياق علاجي من نوع ما — يبدي مدى أهمية تجاوز حبكات الأدب القصصي عن المجرمين ومفاهيم «الدوافع». فرغم أن الأفعال التي يقوم بها شخص في جريمة سطو أو سرقة أو غش تجاري قد تتخذ مظهر الاندفاع نتيجة الرغبة في تحقيق كسب مادي مباشر، كثيرًا ما يكشف إمعان النظر عن عمليات مختلفة تمامًا. فعلى سبيل المثال، لمَ يقضي لص حاجته على فراش بالمنزل الذي يسطو عليه؟ لمَ يحمل سارق سلاحًا ناريًّا في حين لا يحمله آخر أبدًا؟ ما الذي يسعى محتال إلى تحقيقه وهو لا يحصل على أي منفعة شخصية من المال الذي حصل عليه بشكل غير قانوني؟ يمكن لهذه الأسئلة أن تأخذنا بعيدًا جدًّا عن «الدوافع» القاصرة — مثل الجشع أو الانتقام — التي يحويها أدب الجريمة. والمهمة الأكثر صعوبة هي تحديد كيفية رؤية الجناة لأنفسهم وأدوارهم فيما يتعلق بأفعالهم الإجرامية.
رأب الصدع بين الثقافات
مع خروج علماء النفس الشرعيين من عباءة الطب، ابتكروا أساليب للتفكير في الأشخاص تفصلهم عن طريقة فهم المحامين والقضاة والشرطة لعملائهم أو المشتبه بهم المحتملين. وكثيرًا ما يجد علماء النفس تفسير الجريمة في عمليات خارج نطاق سيطرة الجاني؛ في التكوين الجيني أو الهرمونات أو التنشئة أو الخبرات الاجتماعية. ولا يتم في أيٍّ من هذه التفسيرات التأكيد بشدة على الشخص بوصفه متخذًا لقرار ارتكاب الخطأ. وعلى النقيض، يُولِي القانون كل الاهتمام لمسئولية الجاني. و«القصد الجنائي» هو محور التحقيق القانوني عندما يُجرى استجواب الجاني.
هذه الاختلافات في مواضع الاهتمام الجوهرية تُترجَم إلى عمليات مختلفة تمامًا لتقييم الجناة. وسيبني علماء النفس آراءهم على أساس اتجاهات عدد كبير من الناس، مستخرجين الأبعاد الأساسية التي يختلف الناس على أساسها، أو يصنفون الأفراد إلى «أنواع» أو فئات تشخيصية. وفي المقابل، تركز المحاكم كما ينبغي على الشخص الماثل أمامها. ويدور الحديث حول هذا الفرد ذاته؛ أفعاله وخبراته. وتشترط المحاكم أن ترتبط مباشرة أي تعميمات تعتمد عليها بالقضية التي تنظرها.
ثمة مثال على هذا الاختلاف بين إجراءات علم النفس العلمية والعملية القانونية، يتمثل في قضية تقدمت فيها بالطعن على دعاوى خبير بارز في علم اللغويات. كان هذا الخبير يمثُل لصالح دفاع المدَّعَى عليه، وقال إن أساليبه كشفت عن أن الاعتراف المقدَّم إلى المحكمة أدلى به أكثر من شخص؛ ومن ثَمَّ يمكن اعتبار ذلك تلفيقًا خادعًا من الشرطة. فأجريتُ أنا ومجموعة من أشخاص آخرين — بوصفنا علماء نفس — دراسات دقيقة على الأساليب التي استخدمها عالم اللغويات مع أمثلة من معلومات كتبها شخص واحد أو أكثر؛ وأظهرت هذه الدراسات أن الأساليب التي استخدمها هذا الخبير لا تحظى بالصدق على الإطلاق. مع ذلك، كان عليَّ أن أبدي للمحكمة أن هذا الضعف في الأساليب — والدعاوى المبنية عليها — يمكن أيضًا إظهاره على شكل نقطة ضعف في القضية المنظورة أمامها. وقد بينت نتائجنا المبكرة هذا بوضوح، ولم يكن ثمة حاجة علميًّا لإظهار ذلك، كما أنه كان من الممكن التنبؤ به كليةً، ولكن مع هذا كان يجب القيام بذلك من أجل المحكمة.
على أصعدة كثيرة، تأتي التحديات الرئيسية لعلم النفس الشرعي وأوجه إمتاعه من هذا التفاعل بين مجالي القانون وعلم النفس المختلفَين تمامًا. وعندما يعمل المجالان بفعالية معًا، يمكنهما مساعدة أحدهما الآخر. ويمكن لكلٍّ منهما نقل الآخر لما وراء الحدود التي تفرضها قيوده المهنية، وتكون النتيجة حدوث نوع من الإثراء المتبادل.