خبراء في المحاكم
علم النفس بقاعة المحكمة
في أغسطس ١٩٩٦، قام داريل أتكينز وويليام جونز بسرقة إريك نسبيت وقتله. وشهد جونز أن أتكينز هو الذي جذب الزناد. ولما كانا بولاية فيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، حُكم على أتكينز بالإعدام. أجرى عالم نفس تقييمًا لأتكينز وأفاد أن حاصل ذكائه يبلغ ٥٩. وعند استئناف الحكم، قبلت المحكمة العليا بهذا باعتباره مشيرًا إلى أن أتكينز «متخلف عقليًّا». (سيكون التعبير «يعاني من صعوبات التعلم» أكثر قبولًا اليوم في المملكة المتحدة). وحكمت المحكمة بأن إعدام شخص متخلف عقليًّا سيكون مخالفًا للتعديل الثامن للدستور الأمريكي؛ لأن هذه العقوبة ستكون «قاسية وغير عادية».
توضح هذه القضية الدور الخطير الذي يمكن أن يؤديه علماء النفس من خلال تقييمهم للمدعَى عليه، لكنها تفيد أيضًا في توضيح التحديات الأخلاقية والمهنية التي يواجهها أي عالم نفس يدلي بشهادته بالمحكمة. وتُقدَّم شهادة الخبير لمساعدة المحكمة في اتخاذ قرارها، سواءٌ وافق الخبير على هذا القرار أم لا.
من هو الخبير؟
كما هو الحال في الأمور القانونية كافة، ثمة جدل كبير حول المصطلحات الرئيسية؛ وفي هذا الموقف، ما تعنيه «الخبرة»، وما يجعل المحاكم تقبل بشخص باعتباره «خبيرًا». دون استعراض قانون السوابق القضائية المطوَّل بشأن هذا الأمر والتباين الكبير في التعريفات بين الولايات القضائية، الخبير في الأساس هو شخص يمتلك معرفة أو خبرة متخصصة ما غير متاحة بدونه للمحكمة. والخبراء شهود مثلهم مثل أي شخص آخر يَمثُل أمام المحكمة ويُدلي بشهادته. وعليهم أن يؤدوا القسم ويمتثلوا لإجراءات المحكمة، ولكن وضعهم باعتبارهم «خبراء» يسمح لهم بتجاوز بيان الوقائع كما يعرفونها. فالشهود الآخرون على الوقائع — مثل شهود العيان أو الشهود على حسن السير والسلوك — لا يُسمح لهم إلا بإطلاع المحكمة على ما يعرفونه يقينًا وحسب. لكن يسمح للخبراء بالارتقاء مرحلة إضافية وتقديم تفسير للوقائع كما يرونها؛ بمعنًى آخر، تقديم رأي. ويمكن أن يمنح هذا المركز المتميز الخبير سلطة أكبر إلى حدٍّ ما من شخص رأى ما حدث. ومع ذلك، يمكن أن يكون الأمر أكثر ذاتية؛ لأنه يقتضي استعمال الحكمة أو البصيرة؛ ولهذا ثمة قيود مفروضة على من يُقبل بوصفه خبيرًا، وعلى أنواع الآراء التي يمكن تقديمها.
حدود شهادة الخبير
لا يستطيع الخبراء الإدلاء بآرائهم في أي جانب يتعلق بإجراءات المحكمة؛ إذ يجب أن يكون الرأي في إطار مجال تخصصهم، وهذا أيضًا تحدده قيود قانونية. أحد هذه القيود ينشأ مما يُعرف باسم «السؤال الفاصل»، وأحيانًا يُعرف أيضًا باسم «المسألة الفاصلة»، وهو السؤال الذي يجب أن تجيب عليه المحكمة نفسها، والذي يكون عادة في قضية جنائية ما إذا كان المدَّعَى عليه مذنبًا من عدمه. وقد تأتي أسئلة أخرى قريبة من هذا، على سبيل المثال ما إذا كان المدَّعَى عليه أو أحد الشهود الرئيسيين يكذب. ولكن في جميع القضايا، الفكرة هي أن إجراءات المحاكمة معدة للإجابة على سؤال محدد؛ ورغم أنه يمكن للخبراء تقديم المساعدة في تقرير الإجابة، فالويل والثبور لأي خبير يحاول التعدي على سلطة القاضي وهيئة المحلفين.
ثمة جانب آخر من الإجراءات القانونية يؤثر على شهادة عالم النفس التي يمكن الإدلاء بها، وهو الحاجة إلى تجنب ما يُطلَق عليه «المعلومات المتحاملة»، وهذا عائق من النادر أن يُضطَر الخبراء القانونيون الآخرون إلى التعامل معه. ويمكن توضيح طريقة عمله في المثال الواقعي التالي: اتُّهم رجل — دعُونا نطلق عليه دونالد — بالاغتصاب العنيف لامرأة وقتلها في منزلها. وكان دفاعه أنه مارس الجنس مع الضحية بموافقتها ثم غادر منزلها، وأنه لا بد أن لصًّا آخر اقتحم المكان فيما بعد ونفَّذ جريمة القتل كجزء من السطو. ولتدعيم قضيته، طلب شهادة من عالم نفس بأن مثل هذا الاعتداء العنيف لا يتناسب إطلاقًا مع شخصيته.
تمكن عالم النفس من تقرير أن الرجل لم يُبدِ أية تخيلات أو غيرها من سمات الشخصية التي تتوافق مع هذه العدوانية. علاوة على ذلك، عرف الرجل في منطقته أنه «فحل» من نوع ما، تمارس معه السيدات اللائي يقابلهن في النوادي الليلية الجنس برغبتهن. وفي لقائه مع عالم النفس، اعترف الرجل أنه يتعرف على ما يصل إلى ثلاث أو أربع سيدات في الأسبوع بهذه الطريقة. إضافة إلى ذلك، لم تشمل خلفيته الإجرامية سوى السرقة والاحتيال. لم يكن له تاريخ من العنف على الإطلاق. واستطاع عالم النفس بذلك تكوين نموذج متسق عن خلفية المدَّعَى عليه يدعم دعواه بأنه صاحب شخصية غير عنيفة.
ومع ذلك، لم تسمح المحكمة بهذه الشهادة. وكانت وجهة النظر أنه إذا علمت هيئة المحلفين أن دونالد؛ أولًا: مارس الجنس غير الشرعي، وثانيًا: ارتكب أي نوع من أنواع الجرائم في الماضي، فهذا سيشوه رؤيتهم له، وسيتحاملون عليه؛ ومن ثَمَّ لن يعتبروا وقائع القضية بدقة كافية. وفقط في قضايا نادرة — حيث ستَرجُح كفة القيم في مصلحة المدَّعَى عليه بقوة أمام التداعيات المتحاملة — يجوز السماح بمثل هذه الشهادة.
إذن الدور الذي يؤديه عالم النفس الشرعي في المحكمة هو تقديم النصيحة التي ستساعد هيئة المحلفين في الوصول إلى قراراتهم هم. وفي حالة محاكم الأسرة والمواقف القانونية الأخرى التي لا يُصدر فيها الأحكام إلا المختصون، يُسمح للخبير بالإدلاء بآرائه المستندة مباشرة إلى خبرته الخاصة، ولكن يجب ألا يشرد إلى ملاحظات على الوقائع أو القرار الفاصل الذي يجب أن تصدره المحكمة.
مع ذلك، توجد ملابسات لن يخضع فيها عالم النفس الشرعي لهذه القيود القانونية؛ فقد يلتمس المحامون النصح من علماء النفس لمساعدتهم في إعداد قضية، أو إلقاء الضوء على المدَّعَى عليه أو مسائل الشهادة، أو حتى الطريقة المناسبة لاستجواب شاهد الطرف الآخر. وثمة مثال على هذا في قضية كانت المسألة الحاسمة فيها ما إذا كان المدَّعَى عليه أعسر اليد أم لا. وتمكن عالم نفس قد درس الأعسرية من توضيح أن تفضيل استخدام اليد اليسرى ليس ثابتًا طيلة الوقت؛ فقد يفضل أشخاص استخدام قدمهم اليمنى عند ركل كرة ويتمتعون بعين يمنى مسيطرة ولكنهم عُسْر. وهذا منح محامي المرافعات الفرصة لطرح المسألة بالمحكمة حول ما إذا كان العسر حاسمًا أو قاطعًا كما كان يُدعى. وتمكن من طرح أسئلة حول تفضيلات البعض للركل وغيرها من التفاصيل السلوكية، دون الحاجة إلى أي شهادة من خبير.
أيضًا تُفرض قيود أقل على خبرة علم النفس الشرعي عندما لا تكون الإجراءات — رغم سيرها في إطار عمل قانوني — إجراءات محكمة رسمية يدلي فيها الخبير بشهادته حالفًا لليمين، مثل محاكم العمل أو جلسات المراقبة أو تقييمات المخاطر في سياق الرعاية الصحية. كما توجد مجموعة من الأشكال الأخرى للاستشارات التي يمكن أن يقدمها علماء النفس الشرعيون لمساعدة المحامين، والتي تتعلق بالإجراءات القانونية وليس بالمدَّعَى عليه أو الشهود، مثل كيفية وصول المحلفين للقرارات. وما يوضحه هذا كله هو أن دور علماء النفس الشرعيين يعتمد اعتمادًا كبيرًا على الاختصاص القضائي المعني والسياق القانوني الذي يعملون فيه، والأسئلة القانونية التي يُطلب منهم الإجابة عليها.
أهمية السياق القانوني
في نظام المنازلة، عادة ما يُستدعى الخبراء من جانب الادعاء أو الدفاع (رغم أنه يُفترض منهم رسميًّا ألا يقدموا سوى النصح إلى المحكمة). وهم يدلون بشهادتهم في الواقع أمام هيئة المحلفين؛ ومن ثَمَّ هم مجبرون على جعل شهادتهم غير تخصصية قدر الإمكان، لا سيما مع أخذ الشد والجذب في الاعتبار عند استجواب المحامين الممثلين عن «الخصم» للشهود. وعندما تدور رحى القضية أمام هيئة محلفين مكونة من أشخاص عاديين، تميل النظم القانونية إلى الاعتقاد بأنه بمقدور أي «خبير» جدير بالتصديق أن يقنع أفراد العامة إقناعًا غير عادل؛ ولذا، يجب حمايتهم من أي شيء قد يقوله الخبير من شأنه أن يكون ذا تأثير مباشر أكثر مما ينبغي. وفي المقابل، تُتاح في النظام القضائي للخبراء حرية أكبر لإبداء آراء مباشرة حول مسائل محورية بالقضية. وهنا يكون الاعتقاد أنه إذا قُدم رأي خبير إلى المختصين الذين يتخذون القرارات — بدلًا من هيئة محلفين مكونة من أشخاص من غير المختصين — فإنه يمكنهم القبول به أو رفضه حسبما يشاءون.
في النظام القانوني البريطاني ونظم قانونية أخرى كثيرة يهيمن عليها العمل بنظام المنازلة، توجد مع ذلك محاكم كثيرة تعمل بالنظام القضائي في الأساس، حيث تُتخذ عادة القرارات فيها من قِبل قضاة أو محامين ممارسين أو أناس معينين ومدربين خصوصًا ليكونوا قضاة تحقيق، وليس هيئة محلفين مختارة عشوائيًّا. وهذا يشمل محاكم الاستئناف العليا، التي تتعامل مع الطعون على القرارات التي تصدرها المحاكم الدنيا، وأيضًا التحقيقات القانونية رفيعة المستوى المتنوعة المعروفة غالبًا باسم «المراجعات القضائية».
يتولى الإجراءات الأخرى، لا سيما محاكم الوفيات — التي مهمتها تحديد أسباب الوفاة — ومحاكم الأسرة — التي تتعامل غالبًا مع مسائل تتعلق بحضانة الأطفال ورؤية الوالدين لهم — يتولاها عادة محامٍ مدرب واحد أو أكثر يقومون مقام القضاة، وليس هيئة محلفين. وثمة مجموعة متنوعة من المحاكم تتعامل مع مسائل مدنية — مثل الوصايا محل النزاع أو الدعاوى المالية — تعمل أيضًا عادة بالنظام القضائي. وعادة أيضًا تخضع للنظام القضائي الإجراءات الأخرى التي ينظمها القانون، ولكن لا تتضمن محكمة جنائية أو مدنية رسمية يشرف عليها محامون أو قضاة مدربون؛ وتشمل — على سبيل المثال — محاكم العمل التي تتعامل مع الفصل الجائر، أو حتى مجالس إطلاق السراح المشروط التي تحدد ما إذا كان ينبغي السماح لسجين بمغادرة السجن قبل نهاية مدة عقوبته. وفي هذه الإجراءات جميعها، يجوز لعلماء النفس الشرعيين الإدلاء بآرائهم الخبيرة.
ثمة خطوة أخرى نزعت من خطوات إجراءات المحكمة المعروفة بالإضافة إلى مجالس القضاء ومجالس إطلاق السراح المشروط؛ ألا وهي اجتماعات المختصين لمناقشة قضايا معينة. فقد تُعقد هذه الاجتماعات لتقييم إمكانية إيذاء الأفراد لأنفسهم أو للآخرين، أو قدرتهم على أن يكونوا آباءً فعالين. وفي هذه الإجراءات، يقدِّم عالم النفس تقييمًا للأفراد الرئيسيين، عادة باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الفريق. وسيكون جزءًا من المناقشة دون التقيد بأيٍّ من رسميات الإدلاء بشهادة ولن يُجرى استجوابه كما يجري في المحكمة.
في الإجراءات التي تتم دون هيئة محلفين، يمكن لعلماء النفس الشرعيين أن يكون لهم دور أبرز؛ لأنهم يقدِّمون النصح لقضاة التحقيق ومتخذي القرار مباشرة حول الجوانب الحاسمة من القضية أمامهم. وسيكون عالم النفس عرضة للاعتراض عليه، وسيوجد غالبًا مكافئ لجهة «الادعاء» وجهة «الدفاع» يحاول تعضيد النقاط التي يعرضها عالم النفس أو تفنيدها، ولكن المسائل التي يمكن أن يشوبها التحامل — بالمعنى القانوني المذكور آنفًا — بل وحتى تناول السؤال الفاصل، قد تُترك للخبير إذا لم تكن هيئة محلفين حاضرة. وكما ذكرنا — وهي نقطة تستحق التكرار لأهميتها البالغة — فإن متخذي القرار في هذه القضايا مستعدون لتجاهل هذه الآراء، إذا كانوا يعتبرونها لا أساس لها من الصحة، على نحو لا يُفترض بهيئة المحلفين المشكَّلة من أشخاص عاديين أن تقوم به.
أساس شهادة علم النفس الشرعي
على الخبراء أن يقدِّموا للمحاكم أو الإجراءات المشابهة شهادة لن تكون متاحة بأية وسيلة أخرى. فما أسس هذه الشهادات؟ إن فهم التفسيرات النفسية للجريمة ما هو إلا خطوة أولى بسيطة جدًّا نحو الإدلاء بشهادةٍ ما مفيدة. والأساليب العلمية التي تشكل أسس علم النفس الحديث هي التي تقدم الأدوات الأنفع لاستقاء الشهادة منها.
إحدى أفضل الدراسات المبكرة المطلعة وأكثرها إثارة للاهتمام حول كيفية مساهمة علم النفس في القانون كانت على يد البروفيسور الراحل ليونيل هاوارد. كان هاوارد عالم نفس إكلينيكيًّا طويل القامة وأصلع الرأس يرتدي العوينات ومهندم الملابس، وكان يتمتع بحس فكاهة ساخر لكن ثري، وكان أحيانًا ما يتصرف على نحو غير لائق. كان يبدو في كل خلجة من خلجاته الصورة النمطية للشاهد الخبير، ولكن خلف هذا المظهر اللبق كان هناك منهج عميق ورائد للكيفية التي ينبغي أن يساهم بها علماء النفس في إجراءات المحكمة. وفي أحد الكتب المهمة الأولى التي تستعرض المساهمات الفعلية لعلماء النفس الشرعيين في العملية القانونية، معتمدًا على خبرته الطويلة في مقصورة الشهود، أشار هاوارد إلى أنه يوجد مجموعة من الأدوار المختلفة التي يمكن أن يؤديها علماء النفس في الإجراءات القانونية.
الدور الإكلينيكي
من الأدوار الرئيسية ذلك الدور الذي يسميه هاوارد الدور «الإكلينيكي». وهذا الدور يقوم على الخبرة التي يتمتع بها علماء النفس من العمل مع المرضى (أو «العملاء») في وسط علاجي من نوع ما. وعادة ما يتمثل هذا الدور في مساعدة الأشخاص المصابين بمرض أو اضطراب عقلي؛ وهو ما يمنح عالم النفس خبرة في جوانب كثيرة من الشذوذ العقلي، إضافة إلى مهارات المناقشة التي قد لا يمتلكها المحامون. ويضرب هاوارد مثالًا على هذا من سجل الحالات التي عمل معها. اتُّهمت امرأة بسرقة كأس فضية؛ ولكن تقدم شخص آخر عمل معها واعترف بالسرقة. وفي مقابلة مع هذا الشخص الثاني — كجزء من دفاعه — استكشف هاوارد أهمية الكأس بالنسبة له، مستخدمًا إجراءات نفسية من شأنها أن تنجح في مقابلة إكلينيكية تهدف إلى العلاج. وأثناء هذا، كشف الرجل عن تعلقه بالمرأة المتهمة ورغبته في حمايتها من حكم بالإدانة سيدمر حياتها، واعترف في النهاية بأنه بريء من الجريمة التي اعترف بها.
ثمة مثال توضيحي أكثر شيوعًا فيه يطالب عميل بتعويض عن حادثة ما، ويطلب من عالم النفس أن يدلي بشهادته مؤكدًا التأثير المضعف للقدرات لتلك الحادثة، وخاصة الأثر على حالة العميل العقلية. ويمكن أن يشكل هذا صعوبة بالغة لعالم النفس؛ لأن دعوى التعويض الكبير التي أقامها العميل يمكن في حد ذاتها أن يكون لها تأثير على حالته العقلية، مسببة قلقًا أو شعورًا بعدم الرغبة في مواصلة حياته خشية رفض دعواه. وفي هذه الحالات، سيعتمد الإكلينيكي الخبير على القضايا السابقة المشابهة التي هو على دراية بها، إضافة إلى استراتيجيات مناقشة مدققة واختبارات نفسية خاصة واستعراض للأعمال المنشورة ذات الصلة التي يمكنه العثور عليها، من أجل تقديم تقرير موضوعي قدر الإمكان.
التقييم
في سياقات كثيرة — ولكن خصوصًا عند تقييم عميل — يستخدم علماء النفس ما يُعرف عمومًا باسم «إجراءات القياس النفسي»، أو أكثر شيوعًا باسم «الاختبارات النفسية». قُيمت نسبة ذكاء أتكينز باستخدام الشكل الأكثر شيوعًا للتقييم النفسي: «حاصل الذكاء». وأدوات القياس هذه مثل اختبارات حاصل الذكاء شائعة الاستخدام في مجالات علم النفس. ولكن يوجد أعداد كبيرة من أدوات أخرى يمكن أن تكون ذات نفع للإجراءات القانونية. وهي تتضمن تقييمًا لأشكال كثيرة للقدرة العقلية أو التحصيل الدراسي أو المهارات المعرفية، وبعضها موضوع خصوصًا من أجل تشخيص أمراض بالمخ، مثل تلك المرتبطة بمرض ألزهايمر. ويمكن أن تشمل أيضًا قياسات لجوانب متنوعة من الشخصية، سواءٌ كانت أنماط التفاعل مع الآخرين أو الانبساط النفسي أو سبل التأقلم مع التوتر.
يستخدم العديد من هذه الإجراءات ما يعرف بالأساليب «الإسقاطية» التي تعود أصولها إلى أفكار فرويد عن العقل اللاواعي. وتتكون من صور غامضة على العميل أن يفسرها، وأَذْيَعها صيتًا اختبار بقعة الحبر لرورشاخ؛ الذي فيه تُعرض مجموعة معيارية من لطخات متناظرة، صُنعت في البداية عن طريق طي بقعة حبر في قصاصة ورق، وعلى المستجيب أن يصف ما يراه في الصورة الغامضة. وترجع أصول هذا الأسلوب إلى لعبة «بلوتو» المنزلية التي كانت واسعة الانتشار منذ مائة عام؛ وكانت اللعبة أن تعطي معنًى للصورة المبهمة. وثمة إجراء آخر ذائع الاستخدام هو «اختبار تفهُّم الموضوع»، وفيه تُعرض على المريض صورة ملتبسة — هب أنها لشاب جالس على فراش مع امرأة جالسة إلى الجانب الآخر من الفراش مولية له ظهرها — والمطلوب أن يروي قصة تناسب الصورة.
أمثلة على إجراءات التقييم النفسي ذات الصلة بالسياق الشرعي
تقييم الشخصية
الاختبارات الإسقاطية:
-
اختبار بقعة الحبر لرورشاخ.
-
اختبار تفهُّم الموضوع.
-
اختبار زوندي (اختبار معقد لم يعد يُستخدم كثيرًا اليوم).
الاختبارات الموضوعية:
-
اختبار مينيسوتا متعدد الأوجه للشخصية، الإصدار الثاني.
-
قائمة ميلون الإكلينيكية متعددة المحاور، الإصدار الثالث.
-
قائمة تقييم الشخصية.
التفكير/الإدراك
-
مقياس وكسلر لذكاء البالغين، الإصدار الرابع.
-
اختبار تتبع الأثر أ – ب.
-
مجموعة اختبارات لوريا نبراسكا العصبية الفسيولوجية.
تقييمات شرعية خاصة
الحكم المهني المنظم:
-
خطر العنف الجنسي-٢٠.
-
قائمة السيكوباتية-مراجَعة.
-
إدارة الخطر الإكلينيكي التاريخي-٢٠.
-
بروتوكول تقييم مرتكبي الجرائم الجنسية من الأحداث.
-
بروتوكول خطر العنف الجنسي.
تقييم المخاطر الأكتواري:
-
ستاتيك-٢٠٠٢/ستاتيك-٩٩ (تاريخ المجرم باعتباره مؤشرًا على الخطر).
-
دليل تقييم خطر العنف.
التمارض:
-
مقابلة منظمة عن الأعراض المبلَّغ عنها.
-
اختبار فقدان الذاكرة.
في جميع الأساليب الإسقاطية، تكون الفكرة أن المستجيب سيكشف عن شيء حول عقله اللاواعي، أو دوافعه وأفكاره الخفية من خلال الطريقة التي يفسر بها الصور. ابتُكرت إجراءات مفصلة لتسجيل النتائج — غالبًا تعتمد الآن على الكمبيوتر — لتحليل الاستجابات. ومن الأمثلة المبسطة على ذلك أن الشخص الذي يصف الجنس والعنف في الصور يُفترض أنه يكشف عن أهمية هذا العنصر في حياته. وفي المقابل، الشخص الذي يبني تفسيرًا حول مطامح مستقبلية سيُفترض أنه يتمتع بمنهج أكثر نضوجًا وتطلعًا نحو الحياة.
إضافة إلى ذلك، توجد أدوات تقييم كثيرة ابتُكرت خصوصًا للاستخدام مع الجناة. وأكثرها شيوعًا هي الأدوات التي تتضمن تقييمات لاحتمال ارتكاب الفرد لجريمة أخرى — أو جريمة عنيفة — في المستقبل القريب أو البعيد. كما ابتُكرت اختبارات لنطاق واسع من القضايا الجنائية الأخرى أيضًا، وهي تشمل اختبارات تستكشف التفضيلات الجنسية للفرد أو أهلية الجاني لفهم إجراءات المحاكمة. وعلى وجه الخصوص، توجد قوائم تقيِّم مستوى السيكوباتية لدى شخص من الأشخاص. وهذه القوائم لا تُلزم المستجيب بملء استبيان (لأنه من البديهي أن يكذب السيكوباتي)؛ بدلًا من ذلك، يُجرى لقاء مع الشخص، وبذلك يمكن تحديد مجموعة من المؤشرات على قائمة السيكوباتية.
توحيد مقاييس الاختبارات النفسية
القاسم المشترك بين أدوات القياس هذه كلها هو أنها طُورت باستخدام إجراءات قياس نفسي معترف بها، وذلك بواسطة عملية تُعرف غالبًا باسم «توحيد مقاييس» الاختبار. دون الخوض في التفاصيل الفنية، تتم عملية القياس النفسي في الأساس من خلال جعْل كثير من الأشخاص يؤدون الاختبار، غالبًا مئات الأشخاص، وأحيانًا آلاف الأشخاص. ثم تُحلل استجاباتهم مقارنة بعضها بالبعض وبالمعايير الخارجية الأخرى. والمثال التقليدي على هذا هو تطوير اختبارات حاصل الذكاء؛ حيث يُحسب عدد الإجابات الصحيحة التي أعطاها الأطفال من كل مرحلة عمرية؛ بحيث يمكن مقارنة أي طفل بالآخرين من العمر نفسه. ولتسهيل تفسير نتيجة الطفل بالاختبار، تُحدَّد النتيجة المتوسطة لكل مجموعة عمرية عند الرقم ١٠٠، بحيث يمكن اعتبار نتيجة قدرها ٥٩ — كما في حالة أتكينز — تحت المتوسط بكثير. وتُمكِّن الإحصاءات من الاحتساب الدقيق لدرجة أن أقل من ١ في المائة من السكان ستبلغ نسبة ذكائهم ٥٩ أو أقل.
يطلَق على توزيع النتائج المحققة على أحد الاختبارات اسم «معايير» الاختبار. ومقارنة نتائج الفرد بهذه المعايير هو ما يجعل أدوات القياس هذه مختلفة عن أنواع الاستبيانات التي يمكن العثور عليها بالمجلات. ففي استبيانات المجلات، يضع الصحفيون قيم نتائج اعتباطية ويعطون لها تفسيرات. وهي تختلف أيضًا عن استطلاعات الرأي العام التي لا يَنصبُّ فيها الاهتمام إلا على نسبة من سكان معينين يتفقون مع رأي محدد، مثل من سيكون أفضل رئيس وزراء.
إلى جانب القدرة على تقييم النتائج التي يحصل عليها أي فرد مقابل مجموعة مكافئة، يسعى أيضًا تطوير الاختبارات إلى ربط النتائج بمسائل أخرى خارجة عن الاختبار. فعلى سبيل المثال، لن يكون اختبار حاصل الذكاء ذا أهمية أكاديمية إن لم ترتبط النتائج التي حصل عليها الناس به ارتباطًا وثيقًا بشكل معقول بالإنجازات التعليمية الفعلية للشخص، أو قدراته الأخرى إلى جانب الخضوع للاختبارات. ولْنسُق مثالًا آخر أكثر تطرفًا بكثير: إذا لم يحقق السفاحون نتائج على مقياس للسيكوباتية أعلى في المتوسط من أولئك الذين لم يرتكبوا جريمة طوال حياتهم، فلا يمكن الأخذ بمقياس السيكوباتية جديًّا. ويشار عادة إلى هذه العلاقة بمؤشرات خارجية باسم «صدق» الاختبار.
تتنوع الاختبارات النفسية تنوعًا كبيرًا من حيث دقة معاييرها وملاءمتها ومدى صدقها. وعلى وجه الخصوص، قد لا تكون معاييرها ملائمة في أماكن تختلف عن المكان الذي ابتُكر فيه الاختبار أصلًا؛ فمؤشر للسيكوباتية ابتُكر في الولايات المتحدة الأمريكية قد تكون له أهمية ضئيلة في دول ذات ثقافات مختلفة تمامًا، مثل الهند أو نيجيريا أو روسيا. وإلى أن يُترجَم الاختبار وتوحد مقاييسه وفق تلك السياقات المختلفة، قد يكون لاستخدامه نتائج عكسية. إضافة إلى أن أدوات القياس التي تبدو كما لو أنها وثيقة الصلة بالإجرام قد يتضح أنها غير صالحة بالمرة. وثمة مثال موضِّح مثير للانتباه على ذلك، وهو أنه قد يُفترض أن عدم ممارسة التفكير الأخلاقي الراقي هو الصفة المميزة للمجرم، لكن إلى أن يُثبَت ذلك فهو محض افتراض.
مع ذلك، رغم الانتقادات الكثيرة الموجهة إلى أدوات القياس النفسي، فإنها تمثل العمود الفقري لكثير من الآراء الخبيرة؛ وهذا لأن المحاكم تطمئن أكثر إلى الرأي المستند على إجراء قياسي يتفق كثير من المختصين على ملاءمته. كما توفر الاختبارات أيضًا إطار عمل قياسي لوصف أي شخص من الأشخاص؛ ومن ثَمَّ تجعل إعداد تقرير أيسر كثيرًا من البحث من جديد عن مصطلحات ملائمة وثيقة الصلة.
على المستجيبين بعد ذلك أن يجيبوا بما إذا كانت العبارات صحيحة أم خاطئة بالنسبة لأنفسهم. ثم يُطبق على الإجابات نظامٌ معقدٌ ومطوَّرٌ لتسجيل النقاط من أجل تحديد نطاق أوسع للمشكلات الممكنة لدى الفرد، بما في ذلك الفصام والوسواس المرضي والاكتئاب ونوع السيكوباتية المرتبط بازدراء قواعد المجتمع. ويتضمن الاختبار أيضًا قياسات لما إذا كان المستجيب يصطنع الشعور بالرضى أو الشعور بالاستياء — أو يكذب عمومًا — لكن كما هو الحال مع جميع المحاولات لاكتشاف مدى صدق المستجيبين، يوجد جدل كبير حول مدى صحتها. ولعل طول هذا الاختبار وتفصيله تحديدًا من أسباب استخدام هذا النطاق الضخم من الدراسات له، رغم استمرار الجدل حول جدواه.
في حالة الأساليب الإسقاطية تكون الاعتراضات على القيمة العلمية لأدوات القياس النفسي أكبر. والمشكلات هنا متشعبة؛ فإذا كان الاختبار يقيس جوانب اللاوعي لدى الأفراد الذين قد لا يكونون حتى على دراية بأنفسهم، فماذا ستكون المعايير الخارجية المناسبة لاختيار الاختبار على أساسها؟ والمشكلات التي يدعي مُجري الاختبار اكتشافها قد لا تتضح أبدًا لأنها — في الأساس — مشكلات في العقل اللاواعي.
الأكثر صعوبة هو تحديد ما يميز الاستجابة. وهذا يرتبط بالموضوع العام المعروف في القياس النفسي باسم «الثبات»؛ أي أرجحية أن ينتج عن إجراء الاختبار نفسه في ظل ظروف مشابهة للغاية لأكثر من مرة؛ النتائج نفسها. وعندما تكون الاستجابة المعطاة ذات طبيعة غير محددة، مثل رواية قصة حسب اختبار تفهم الموضوع أو تفسير بقعة حبر، يوجد احتمال قوي جدًّا أن مختبِرين مختلفين (أو المختبِر نفسه في مرات مختلفة) سيسجلون ملاحظات مختلفة. على سبيل المثال، عندما يبدي شخص ملاحظاته حول بقعة حبر، هل ينبغي للمختبر أن يسجل الجزء من بقعة الحبر المذكور، سواءٌ كان المستجيب يلمح إلى حركة أو لون في المعنى المعطى، أم يركز المختبِر فقط على محتوى المعنى؟ وفي هذه الحالات جميعها، ما المجموعة أو العينة التي ينبغي مقارنة الاستجابات بها لتحديد مدى خروجها عن المألوف؟
رغم هذه المشكلات، لا يزال اختبار بقعة الحبر لرورشاخ ذائع الصيت ويُستخدم على نطاق واسع لتقديم تقييمات بالمحاكم. ويرجع هذا جزئيًّا إلى إجراء ابتكره عالم النفس الأمريكي جون إي إكسنر، يزعم تغلبه على هذه التحديات عن طريق تقديم عملية محددة للغاية لتفسير الاستجابات ومدعوم بتقنية حسابية. لكن ثمة نقطة ضعف كبيرة في هذا المنهج الأكثر دقة، وهي أنه لا يتبعه كل مختبِر، وقد لا تكون المحاكم على دراية بتبعات هذا الإهمال من جانب المختبِر. وربما لهذه الأسباب لا تزال توجد اعتراضات على نطاق واسع على صدق اختبار رورشاخ، رغم أن بعض الناس يزعمون أنه يمكن أيضًا أن يساعد في الكشف عن السرطان في المستجيبين له.
الدور التجريبي
ثمة دور مختلف نوعًا ما يلفت هاوارد إليه الانتباه، وهو دور تُستخدم فيه مهارات إجراء التجارب لاختبار الادعاءات باحتمالية أن تكون الشهادة المقدمة صحيحة. مثال على ذلك، الشهادة التي أدلى بها الكاتب بشأن ادعاء المدَّعَى عليه بأنه لم يُدلِ قط بالاعتراف الذي يصر ضابط شرطة أنه النص الحرفي لمقابلة أجراها مع المدَّعَى عليه. كان هذا قبل تسجيل مقابلات الشرطة، وفي الحقيقة كانت القضية جزءًا من أسباب كثيرة — في المملكة المتحدة على الأقل — أدت إلى تسجيل جميع المقابلات تقريبًا مع المشتبه بهم هذه الأيام.
كانت أوقات بدء المقابلة وانتهائها تُسجَّل في دفتر سجلات الشرطة، باعتباره إجراءً شرطيًّا متبعًا. وعليه كان هناك سؤال بسيط حول ما إذا كان ضابط الشرطة تمكن بالفعل من كتابة كل ما ادعى أنه قد كتبه في الوقت المتاح؛ لذلك أُجريت تجربة بسيطة، ألهمتها تجارب كثيرة أجراها هاوارد؛ حيث أُوكلت إلى طالبة معروفة بالسرعة الكبيرة في الكتابة مهمة تدوين البيان الحرفي المزعوم، بينما يقرؤه عليها شخص آخر بسرعةِ تحدُّث معقولة. فاكتُشف أنه من الممكن تحت هذه الظروف فقط أن تكمل الطالبة المهمة في الوقت المحدد. توجد سرعات كتابة محددة للإملاء، وعند المقارنة بها اكتُشف في الحقيقة أن طالبتنا حققت أعلى مستوًى من الإمكانات المعروفة؛ ومن ثمَّ، كانت الشهادة المُدلَى بها أن ضابط الشرطة الذي نحن بصدده يجب أن يكون مدونًا ماهرًا بشكل استثنائي ليكتب المقابلة في الوقت المزعوم، وأنه من الممكن بالكاد أن يتمكن من هذا، بَيْدَ أن هذا كان غير مرجح إلى حدٍّ ما، لا سيما عند أخذ الوقت المستغرق في طرح الأسئلة، ولحظات الصمت قبل الإجابة؛ في الاعتبار.
يتعلق هذا النوع من الدراسات التجريبية غالبًا بالاعتراضات على بيانات يدلي بها شهود رئيسيون. ولعل أبرز تجارب هاوارد في هذا السياق تعود بنا إلى دفاع منستربرج عن الناسجين الفلمنكيين؛ حيث استُدعي للمساعدة في الدفاع عن عمدة منطقة قريبة اتُّهم بالتعري الخادش للحياء في مرحاض عمومي. وكان هذا إثر متابعة ضابطَي شرطة لشكاوى من أفعال خادشة للحياء عن طريق الاختباء في أحد الحمامات في المراحيض العمومية، مختلسين النظر من خلال فتحة بالباب.
تعلل المدَّعَى عليه بأنه كان مرتديًا وشاحًا وردي اللون حينها، وأن ضابطَي الشرطة المتحمسَين — والحريصَين على إلقاء القبض على أحدهم — كانا متحفزَين لتوقع حدوث عمل مخل لدرجة أنهما أساءا تفسير هذه الملابس الخالية من أي سوء على أنها جزء من جسمه. اختبر هاوارد هذا عن طريق إعداد تجربة عرض فيها صورًا على أشخاص غير مرتابين، في ظروف إضاءة خافتة، للعمدة مرتديًا وشاحه. وأُوحي لهم بتوقع شيء غير مناسب موجود في الصور وطُلب منهم الإشارة إليه عند رؤيته وتحديد ماهيته. واكتُشف أن صورة واحدة في كل ثماني صور اعتقدوا أنها تمثل فعلًا خادشًا. وعرض هاوارد هذه النتائج معًا مع تفسير للعمليات النفسية المشمولة واستشهاد بدراسات أخرى توضح تأثير التوقعات على تفسير الصور الملتبسة. واستخدم محامي المرافعات هذا التقرير باعتباره أساسًا للطعن على شهادة الشرطة. وأُبرئت ساحة العمدة.
الدور الأكتواري
في الدورين التجريبي والإكلينيكي كليهما، سيعتمد عالم النفس غالبًا على علاقات إحصائية معروفة لدعم رأيه. وبهذا فإن الدور الأكتواري الذي يعتمد على مدى أرجحية مؤشرات معينة ليس مميزًا تمامًا كالدورين الآخرين. ومع ذلك، من المفيد تحديده؛ لأنه يوضح قدرة علم النفس الشرعي على التطور باعتباره فرعًا من الفروع العلمية. إنه أشبه بالحمض النووي وبصمات الأصابع؛ حيث يدعمُ احتمالُ أن تكون العينة مأخوذة من شخص معين القضيةَ التي تنظرها المحكمة.
تجدر الإشارة إلى أنه مع بصمات الأصابع — وتحليل الحمض النووي بصورة أقل — لا يكون إثبات الهوية حاسمًا ودون أخطاء. وتوجد قضايا مهمة زعم فيها خبراء البصمات أن بصمات الأصابع تعود إلى المشتبه به، ليتضح بعد ذلك بما لا يدع مجالًا للشك أن المشتبه به بريء. والحسابات الأكتوارية محل جدل دومًا. وأفضل استخدام لها يكون باعتبارها توقعات مطلِعة قد ترغب المحكمة في أن تعزز بها قناعتها، أو — في الصياغة القانونية — تنزه القرار من «الشك المعقول». وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في المحاكم المدنية حيث يتعلق القرار بالعلاقات بين الأفراد، يكون الاختبار القانوني أضعف. يجب أن يُتخذ القرار بوضع جميع الاحتمالات في الاعتبار؛ ومن ثَمَّ هذا يعطي تقديرات الاحتمالات ثقلًا أكبر بكثير.
كانت هناك محاولات لاستخدام شهادة علم النفس لتحديد هوية المجرم. وهذا يتخذ خصوصًا شكل التأكيد على أن «أوصاف» المجرم التي تكشف عنها تفاصيل الجريمة تطابق المتهم، أو في بعض القضايا محاولة الدفاع عن المتهم من خلال الزعم بأن الأفعال المرتكَبة في الجريمة تشير إلى شخصية مختلفة تمامًا عن شخصية المتهم. ولحسن الحظ، فشلت في النهاية هذه المحاولات بالاستئناف، مع أن المحكمة قبلت بها في البداية. والإحصاءات غير دقيقة أو قاطعة تمامًا بالدرجة الكافية لتُستخدم بمثل هذه الطريقة المؤثرة. قد توجد بعض الدلالات عامة، على سبيل المثال أن شخصًا يرتكب جريمة قتل يمكن أن يُعرف عنه العنف، ولكنَّ ثمة عددًا كبيرًا جدًّا من القتلة الذين لم يمارسوا عنفًا قط، وأشخاصًا عنيفين لا يرتكبون أبدًا جريمة قتل؛ مما لا يجعل الاحتمالات مقنعة. وحتى عند اعتبار تفاصيل أكثر دقة بكثير للأفعال المرتكَبة في جريمة من الجرائم، فإن المعلومات التي تربطها بالسمات المميزة لجانٍ بعينه ليست قوية بالدرجة الكافية لتُستخدم بالمحكمة.
في الواقع، أي شهادة تستخدم «تحديد الأوصاف» تواجه مخاطرة اضطرار عالم النفس للإجابة على السؤال الفاصل؛ فقول «إن المتهم يطابق أو لا يطابق السمات المميزة التي يُتوقع أنها تخص الجاني دون غيره» مساوٍ لإعلان أنه مذنب أو بريء؛ ولذا تعزف المحاكم على نحو مفهوم عن قبول رأي أي خبير يمكن تفسيره على أنه «تحديد لأوصاف الجاني».
خاتمة
يعتمد الدور الذي يؤديه علماء النفس الشرعيون في إجراءات المحكمة اعتمادًا كبيرًا على الاختصاص القضائي الذي يشاركون فيه. ومن خلال استحداث إجراءات أكثر تنظيمًا بكثير — وموضوعية بشكل واضح — لبناء آرائهم الخبيرة على أساسها، وجد علماء النفس الشرعيون سبيلهم إلى مجموعة من الأنشطة القانونية أكبر من أي وقت مضى. ويتخذ بعض هذه الإسهامات شكلًا معياريًّا أصبح معتادًا. ويجري تعديل إسهامات أخرى خصوصًا للتعامل مع الموضوعات التي تثيرها قضية معينة. ومع ذلك، كل هذه الإسهامات تستخدم نظريات وأساليب ومبادئ وإجراءات يتفرد بها علماء النفس الشرعيون بما يملكونه من خبرات إكلينيكية. وهذا يفتح نطاقًا أوسع بكثير للاشتراك في الإجراءات القانونية، كما سنرى في الفصل القادم.