العلاج الاستثماري ودافع الرحمة
بقلم توم جي بالمر
في هذا المقال يقدم محرر هذا الكتاب تأملًا شخصيًّا مبنيًّا على خبرته في العلاج من الألم. وهو ليس مقدمًا كمبدأ عام، أو يقصد منه أن يكون إسهامًا في العلوم الاجتماعية، بل هو محاولة لاستيضاح العلاقة بين العمل التجاري والرحمة.
***
لا بد أن العلاج الاستثماري الهادف للربح أمر بشع وغير أخلاقي. فعلى أي حال، هو عرضة للهجوم طوال الوقت باعتباره كذلك. في الواقع، بينما أكتب هذه الكلمات أسمع هجومًا شرسًا على المستشفيات الخاصة عبر هيئة الإذاعة الكندية. وكما يقول الناس، فإنه حين يهتم الأطباء والممرضات ومدراء المستشفيات بالدخل فقط، تغيب الرحمة وتحل محلها الأنانية وقسوة القلب. لكني حظيت بفرصة رؤية الموضوع من منظور جديد حين وجدت نفسي مضطرًّا لزيارة مستشفيين — أحدهما استثماري، والآخر غير استثماري — لتسكين الألم المصاحب لحالة مرضية مؤلمة مُقعِدة.
عانيت مؤخرًا من فتق بغضروف إحدى فقرات العمود الفقري، وهو ما سبب لي ألمًا لم أتخيله ممكنًا من فرط شدته. ذهبت لأخصائي بأحد المستشفيات المحلية الاستثمارية، ورتب لي إجراء تصوير بالرنين المغناطيسي في غضون ساعة في مركز أشعة استثماري قريب. بعدها رتب لي الحصول على حقنة لتسكين التهاب الأعصاب الداخلة إلى العمود الفقري، التي كانت سببًا للألم. كنت في حالة من الألم الشديد حتى إنني كنت عاجزًا عن الحركة تقريبًا. كانت عيادة علاج الألم الاستثمارية بالمستشفى الاستثماري الذي ذهبت إليه عامرة بالأطباء والممرضات الذين أظهروا قدرًا كبيرًا من الشفقة وعاملوني بكل لين. وبعد أن تأكدت الممرضة من تفهمي للإجراء الطبي الذي سأمر به وأنني فهمت كل التوجيهات، قدمت الطبيبة التي ستعطيني الحقنة نفسها لي وشرحت كل خطوة، ثم بدأت العمل باحترافية وباهتمام واضح براحتي في الوقت عينه.
بعد عدة أسابيع شهدت حالتي تحسنًا كبيرًا، لكن استمر الألم والوهن. نصحني طبيبي بالحصول على حقنة مسكنة أخرى للتعجيل بالوصول إلى حالتي الطبيعية. لكن لسوء الحظ، كانت العيادة الاستثمارية محجوزة بالكامل لثلاثة أسابيع تالية. لم أشأ الانتظار كل هذه المدة واتصلت بمستشفيات أخرى في المنطقة. تمكن أحد المستشفيات الشهيرة المحترمة غير الاستثمارية من ترتيب موعد لي بعد يومين. وبالفعل حجزت الموعد بكل سرور.
حين دخلت المستشفى غير الاستثماري، تحدثت إلى بعض الرجال والسيدات المتقاعدين الخدومين الذين كانوا يرتدون زي المتطوعين الأنيق. كان من الواضح أنهم أشخاص محبون للخير، كما يتوقع المرء من مستشفى غير استثماري غير هادف للربح. بعد ذلك مشيت مستندًا على عكازي صوب عيادة علاج الألم، وهناك سجلت اسمي. جاءت ممرضة ونادت اسمي وبعد أن عرفتها بنفسي جلست إلى جواري في حجرة الانتظار. جرت المقابلة وأنا محاط بأشخاص غرباء. ولحسن الحظ لم تكن هناك أية أسئلة محرجة. لكني لاحظت أن الممرضات الأخريات كن يحدثن المرضى بلهجة آمرة. أمرت إحدى الممرضات مريضة، كان من الواضح أنها تتألم، بالجلوس في مقعد آخر، وبعد أن قالت المريضة إنها كانت مرتاحة أكثر حيث هي أشارت الممرضة نحو المقعد الآخر وقالت: «كلا، اجلسي هناك!» وحين اقتربت مني الممرضة عينها، أعتقد أن مظهري أخبرها بأنني لن أقبل بأن تعاملني كتلميذ في مدرسة. ودون أن تنبس بكلمة أشارت إلى غرفة الفحص، فدخلت إلى هناك.
دخل الطبيب المعالج، ودون مقدمات أو تعريف باسمه أو مصافحة، نظر في ملفي وغمغم ببضع كلمات لنفسه ثم أمرني بالجلوس على الفراش، وأن أنزل بنطالي وأرفع قميصي. أخبرته أنني عندما أخذت الحقنة المرة السابقة كنت مستلقيًا على جانبي، وأن هذا الوضع أكثر راحة لي؛ لأن الجلوس كان يسبب لي الكثير من الألم. لكنه أخبرني أنه يفضل أن أجلس، فرددت عليه بأنني أفضل الاستلقاء. قال إن جلوسي سيجعل دخول الحقنة أسهل، وهو أمر في مصلحتي كما هو في مصلحته، لذا أذعنت. بعد ذلك، وعلى عكس الطبيبة بالمستشفى الاستثماري، دفع الإبرة بعنف وحقنني بالدواء بشكل آلمني بشدة، حتى إنني صرخت، وهو ما لم يحدث في المرة السابقة. ثم أخرج الإبرة ودَوَّنَ شيئًا في ملفي واختفى عن ناظري. ثم ناولتني الممرضة ورقة ما وأشارت إلى طريق الخروج. دفعت المبلغ المطلوب وغادرت.
الربح والرحمة
هذه خبرة محدودة للغاية يصعب على أساسها المقارنة بين العلاج الاستثماري والعلاج غير الاستثماري، لكنها قد توحي بشيء عن دافع الربح وعلاقته بالرحمة. هذا لا يعني أن المستشفيات الاستثمارية هي وحدها التي تجتذب الأفراد الرحماء الحنونين؛ لأن المتطوعين كبار السن بالمستشفى غير الاستثماري كانوا رحماء حنونين لا ريب. لكني لا أملك أن أمنع نفسي من التفكير في أن الأطباء والممرضات العاملين بالعيادة الاستثمارية داخل المستشفى الاستثماري لديهم دافع للرفق بالمرضى أثناء العمل. وعلى أي حال، إذا احتجت علاجًا آخر أو طلب مني أحدهم أن أرشح له مستشفى، فسأفكر في المستشفى الاستثماري. بيد أنني لن أعود إلى المستشفى غير الاستثماري أبدًا، أو أرشحه، وأعتقد أنني أعرف السبب؛ فالأطباء والممرضات هناك لم يكن لديهم سبب يجعلهم يرغبون في أن أفعل ذلك. والآن صرت أدرك لماذا كان من السهل على المستشفى غير الاستثماري أن يستقبلني بهذه السرعة. فأنا أشك أن من يُعالج لديهم يعود إليهم مرة ثانية.
لا يعني هذا أن الربح شرط أساسي، أو حتى كاف، لوجود الرحمة أو الشفقة أو الكياسة. فأنا أعمل في مؤسسة غير هادفة للربح، وهي تعتمد على الدعم المتواصل لقاعدة عريضة من المتبرعين. وإذا فشلت في الوفاء بالتزاماتي المؤتمن عليها، سيتوقفون عن دعم عملي. ويتصادف أنني أعمل هناك أنا وزملائي لأننا نتشارك في الاهتمامات نفسها التي تهم المتبرعين، لذا يسير العمل على نحو متناغم. لكن حين لا يتشارك المتبرعون والموظفون و«العملاء» (سواء المرضى الذين يعانون الألم أو الصحفيون والمعلمون الذين يحتاجون المعلومات والرؤى) في القيم أو الأهداف عينها، كما هو الحال في المستشفيات غير الاستثمارية، يعمل دافع الربح بقوة ليخلق التناغم بين تلك الأهداف.
الأرباح المكتسبة في سياق حقوق قانونية محددة بدقة وموضوعة موضع التنفيذ (على عكس الأرباح التي يجنيها المرء نتيجة كونه لصًّا بارعًا) قد توفر الأساس للرحمة، لا للقسوة. يتطلب البحث عن الربح أن يضع الطبيب في اعتباره مصلحة المريض، وذلك بوضع نفسه مكان المريض، وأن يتخيل معاناة الآخرين، وأن يتحلى بالرحمة. وفي اقتصاد السوق الحرة، قد يكون دافع الربح مجرد اسم آخر لدافع الرحمة.