النبي إلياس
بعد وفاة سليمان عصت الأسباط العشرة التي تسكن المناطق الشمالية على ابنه رحبعام، وبايعت بالمُلك عامله السابق على هذه المناطق المدعو يربعام، ولم يبقَ لابن سليمان إلا سبطي بنيامين ويهوذا. وبذلك انقسمت المملكة إلى مملكتَين؛ واحدة شمالية عاصمتها ترصة دُعِيَت بمملكة إسرائيل (أو السامرة فيما بعدُ)، وأخرى جنوبية دُعِيَت بمملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم. ومن المفترض أن هذه الأحداث قد جرت في السنة الأولى بعد وفاة سليمان، أي عام ٩٣١ق.م.
بعد أن تتابع على حكم المملكة الشمالية بعد يربعام ثلاثةُ ملوكٍ، آلَت السلطة فيها إلى القائد العسكري المدعو عُمري، وذلك نحو عام ٨٨٥ق.م. وعُمري هذا هو أول ملكٍ إسرائيلي موثَّق تاريخيًّا، ومعه تبدأ أخبار مملكة إسرائيل بالتقاطع مع وثائق الشرق القديم. أما يهوذا فلم يرد ذكرها خارج التوراة إلا بعد مائة وخمسين سنة من ذلك التاريخ، نحو عام ٧٣٢ق.م. بنى عُمري مدينة جديدة أسماها السامرة وجعلها عاصمة له. وقد كشف علماء الآثار المحدثون عن هذه المدينة تحت تلٍّ لا يبعد كثيرًا عن مدينة نابلس الحالية، وأزاحوا التراب عن قصورها الملكية وأبنيتها الإدارية، التي تستلهم نمط العمارة الفينيقي الذي كان سائدًا في ذلك الحين.
في عصر آخاب هذا نشط النبي إيليا، أو إلياس وفق اللفظ السرياني، وكانت أعلى كرامة أعطاها الله لهذا النبي هي التحكم بالمطر يُنزله بدعائه ويمنعه بدعائه. وكان الملك آخاب قد تزوَّج الأميرة الفينيقية إيزابيل ابنة ملك صيدون، فجاءت معها بعبادة الإله بعل وعبادة الإلهة عشيرة، فانساق آخاب لرغباتها وعبد بعل، وأقام له معبدًا في عاصمة السامرة، وعمل مقاماتٍ دينية على المرتفعات له وللإلهة عشيرة، ومارس عبادات وطقوس الخصب، وعمل كل ما من شأنه إغاظة الرب إله إسرائيل (الملوك الأول: ١٦).
وكانت كلمة الرب قد جاءت إلى إيليا وهو في موطنه بجلعاد شرقي الأردن؛ لكي يمضي ويبشر في مملكة السامرة. فدخل على الملك آخاب وانتقد سلوكه، وأخبره بأنه سيمنع المطر عن أرض إسرائيل عقابًا لها على خطاياها وخطايا آخاب، وقال: «حي هو الرب إله إسرائيل الذي وقفتُ أمامه. إنه لا يكون طلٌّ ولا مطرٌ في هذه السنين إلا عند قولي.» ثم خرج من عنده وتوارى. فقال له الرب: «انطلق من هنا واختبئ عند نهر كريث الذي هو مقابل الأردن، فتشرب من ماء النهر؛ وقد أمرت الغربان أن تعولك هناك.» فذهب وأقام هناك فكانت الغِربان تأتي له بالطعام.
ولما جفَّ النهر لأنه لم يكن مطرٌ في الأرض، أمره الرب أن يذهب إلى نواحي مدينة صيدون إلى بلدة صرفة، وهناك سوف تعوله أرملةٌ أُوحيَ إليها بخدمته. فذهب وأقام عند الأرملة، فكانت أوعية الدقيق والزيت خاوية لدى قدومه، فامتلأت وصارت تمتلئ من تلقاء ذاتها كلما فرغت. وبعد مدة مرض طفل الأرملة الوحيد ومات، فأخذ إيليا الصبي ومدَّده على سريره ثم صرخ إلى الرب وقال: «يا رب، لترجع نفس هذا الولد إلى جوفه.» فسمع الرب لصوت إيليا فرجعت نفس الولد إلى جوفه فعاش (الملوك الأول: ١٧).
ونحو نهاية السنة الثالثة للجفاف، خرج إيليا وفق تعليمات الرب وجاء فدخل على الملك آخاب، وقال له أن يأتي بأنبياء البعل الأربعمائة والخمسين إلى جبل الكرمل ويجمع الشعب هناك، ليُثبت لهم بأن البعل إله زائفٌ وأن الإله الحق هو الرب إله إسرائيل. وعندما جاء الأنبياء واجتمع الشعب قال لهم إيليا: «إلى متى تعرجون بين الفرقتين؟ إذا كان إله إسرائيل هو الله فاتبعوه، وإذا كان البعل فاتبعوه، أنا بقيت نبيًّا للرب وحدي وأنبياء البعل أربعمائة وخمسون. فليعطونا ثورَين ويختاروا لأنفسهم واحدًا ويعطوني الآخر، وليقطِّع كلٌّ منا ثوره ويضعه فوق المحرقة ولا يشعل نارًا. ثم تدعون باسم آلهتكم وأنا أدعو باسم الرب، والإله الذي يُجيب بنارٍ تأكل الذبيحة فهو الله.» فأخذوا الثور الذي أُعْطِيَ لهم وقرَّبوه ودعوا باسم البعل من الصباح إلى الظهيرة قائلين: يا بعل أجبنا. فلم يكن من صوت ولا مُجيب، ثم تقدم إيليا وصلَّى إلى الرب فسقطت نار الرب وأكلت المحرقة والحطب. عند ذلك أمر إيليا الشعب أن يمسكوا بأنبياء البعل، فجاء إليهم وذبحهم جميعًا. ثم التفت إلى الملك آخاب وقال له: اذهب إلى بيتك وكُلْ واشرب لأن هطول المطر قريبٌ. ثم صعد إلى ذروة الجبل وخرَّ إلى الأرض وجعل رأسه بين ركبتيه، وما لبثت السماء أن اسودَّت من الغيم والريح وكان مطر عظيم. وعندما سمعت إيزابيل بما جرى لأنبياء البعل، طلبت قَتْل إيليا، فهرب واختبأ في برية بئر السبع (الملوك الأول: ١٨).
تُوفِّي الملك آخاب وخلفه ابنه الأكبر أخزيا. وفي نهاية السنة الثانية من حُكمه أُصيب بمرضٍ أقعده، فأرسل رُسلًا إلى معبد بعل في مدينة عقرون الفلسطينية؛ ليستخير نبوءته بخصوص مرضه. فقال الرب لإيليا: قم اصعد إلى رسل ملك السامرة الذاهبين إلى عقرون وقل لهم: ألا يوجد في إسرائيل إله لتذهبوا إليه حتى ذهبتم تسألون بعل عقرون؟ إن السرير الذي صعد عليه أخزيا لا ينزل عنه لأنه موتًا يموت. وعندما عاد الرسل بعد أن لَقِيَهم إيليا وتحدث معهم وهم لا يعرفونه، سألهم الملك: ما هيئة الرجل الذي كلمكم بهذا الكلام؟ فقالوا: إنه رجل أشعر مُتنطق بمنطقة من جلد على حَقْويه. فقال: هو إيليا النبي. فأرسل إليه رئيس خمسين مع جنود ليأتي به إليه، وإذا هو جالس على رأس جبلٍ. فقال له: يا رجل الله، الملك يقول: انزل. فأجابه إيليا: إذا كنتُ أنا رجل الله فلتنزل نار من السماء وتأكلك أنت والذين معك. فنزلَت نارٌ من السماء وأكلته هو والذين معه، ثم عاد الملك فأرسل رئيس خمسين آخر، فحصل لهم الشيء نفسه. وعندما أرسل إليه الملك رئيس خمسين ثالثًا، صعد إليه وجثا على ركبتيه وتضرَّع إليه ألَّا يفعل به كما فعل بالآخرين. فقال الرب لإيليا: انزل معه ولا تخَفْ. فقام ونزل معه ودخل على أخزيا وقال له: من أجل أنك أرسلت رسلًا لتسأل بعل زبوب إله عقرون؛ فالسرير الذي صعدت عليه لا تنزل منه بل موتًا تموت. فمات أخزيا حسب كلام الرب وملك يهورام أخوه عِوضًا عنه (الملوك الثاني: ١).
في نهاية حياته التبشيرية، قال إيليا لتلميذه أليشع الذي كان يُرافقه: امكث هنا لأن الرب أرسلني إلى نهر الأردن. فقال أليشع: حي هو الرب وحيَّة هي نفسك، إني لا أتركك أبدًا. فانطلَقا معًا، وعندما وصلا ضفَّة النهر أخذ إيليا رداءه ولفَّه وضرب به الماء فانفلق إلى هنا وهناك وعبرا على اليَبَس، ولما عبرا قال إيليا لأليشع: ماذا أفعل لك قبل أن أُوخَذ منك؟ فقال أليشع: ليكن نصيب اثنَين من روحك عليَّ. فقال: إن رأيتني أُوخَذ منك يكون لك كذلك. وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبةٌ من نارٍ وخيلٌ من نارٍ ففصلت بينهما، فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء، وكان أليشع يرى وهو يصرخ: يا أبي، يا أبي. ولم يره بعد ذلك. (الملوك الثاني: ٢).
وقد وردت آخر إشارة إلى إيليا في سِفْر ملاخي، وفحواها أن الله سوف يُرسل من السماء النبي إيليا كعلامة من علامات اليوم الأخير: «ها أنا ذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم» (ملاخي ٤: ٥). من هنا فقد طَابق مؤلفو الأناجيل بين إيليا ويوحنا المعمدان الذي ظهر للتبشير بظهور المسيح. ففي روايته لظهور الملاك وبشارته لزكريا بولادة ابنه يوحنا، استخدم لوقا الآية نفسها من سِفْر ملاخي، حيث قال الملاك لزكريا: «طِلْبتك قد سُمِعَت، وامرأتك أليصابات ستلد لك ابنًا وتسمِّيه يوحنا، ويكون لك فرحٌ وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته؛ لأنه يكون عظيمًا أمام الرب، وخمرًا ومسكرًا لا يشرب، ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس، ويرد كثيرًا من بني إسرائيل إلى إلههم، ويتقدَّم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء، والعُصاة إلى فكر الأبرار؛ لكي يُهيئ للرب شعبًا مستعدًّا» (لوقا ١: ١٣–١٧). والمقصود هنا أن روح إيليا سوف تحلُّ في يوحنا المعمدان كعلامةٍ من علامات قدوم ملكوت السموات. وبهذا المعنى قال يسوع نفسه عن يوحنا: «فإن هذا هو الذي كُتِب عنه: ها أنا أُرسل أمام وجهك ملاكي الذي يُهيئ الطريق قدامك» (متى ١١: ١٠).
(١) في القرآن الكريم
لا يرد في القرآن الكريم من سيرة إيليا الطويلة التي أوردنا أهم مفاصلها أعلاه، ومن أعماله ومعجزاته، سوى صِراعه مع العبادات البعلية التي كانت سائدةً يومها في إسرائيل. وفي هذا السياق يذكر القرآن اسم الإله بعل، وهو الإله الوحيد الذي يرد ذكره في الكتاب من غير آلهة الجزيرة العربية، مثل ود وسواع ويغوث ونسر واللات والعزى ومناة. نقرأ في سورة الصافات عن تنديد إيليا — أو إلياس كما يدعوه القرآن — بقومه لانصرافهم عن عبادة الله إلى عبادة البعل ما يأتي:
وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ * اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ٣* إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٣٧ الصافات: ١٢٣–١٣٢).
(٢) استطراد
من عجيب المفارقات أن النبي إيليا الذي قضى حياته في صراعٍ مع العبادات البعلية، قد تحوَّل هو نفسه إلى شخصية بعليةٍ في التقوى المسيحية الشعبية، يؤدي دور إله الخصب السوري القديم بعل لدى الشرائح الفلاحية في بلاد الشام وبعض الأقطار المتوسطية الأخرى. فهذه الشرائح التي بِتحوُّلها إلى المسيحية في القرون الميلادية الأولى، قد فقدت شفيعها الزراعي الذي يهبها المطر وخصب الأرض والماشية، وجدت في شخصية إلياس الذي صعد من عالم البشر إلى العالم القُدسي؛ بديلًا عن الإله بعل وأقرانه من الآلهة المتحكِّمة بمظاهر الطبيعة، ودعته بمار إلياس، أي القدِّيس إلياس.
وقد رأت التقوى الشعبية عددًا من نقاط التشابُه بين الإله بعل ومار إلياس. فالإله بعل كان مُتحكمًا بالمياه بعد إخضاعه لإله البحر والأنهار المدعو بالكنعانية «يم»، وكذلك إلياس الذي تظهر سُلطته على المياه من خلال فلقه لمياه نهر الأردن. وبعل كان متحكمًا بالمطر يُرسله حين يشاء ويمنعه حين يشاء، وكذلك إلياس الذي كان بدعائه يُرسل المطر أو يمنعه. ومسكن بعل كان في أعالي جبل صفون أو الأقرع كما يُدْعَى اليوم، وكانت مقاماته الدينية تنوضع على الجبال وقمم المرتفعات؛ وكذلك إلياس الذي كان مكانه المفضل جبل الكرمل وعليه ذبح أنبياء البعل، والذي كان يلجأ إلى أماكن آمنةٍ في أعالي الجبال، وقد كلَّمه الرب وهو على جبل حوريب في سيناء مثلما كلَّم موسى من قبل. وبعل كان يُسْمِع صوته للأنام هادرًا من خلال الرعد، ويلوِّح بسلاحه الذي هو البرق، ويضرب خصومه بحربته التي هي الصاعقة؛ وكذلك مار إلياس الذي كان يستجلب نارًا من السماء، هي الصاعقة ولا شك، لتدمير خصومه، ومركبته النارية التي تجرُّها خيولٌ من نار، هي التي تُحْدِث الرعد والبرق لدى احتكاك حوافر جيادِها بصخور أعالي الجبال.
ومقامات مار إلياس منتشرة اليوم على طول السلسلة الجبليَّة الساحلية السورية، وفي بعض المناطق الجبلية الداخلية. ونموذجها مقام مار إلياس الحي بمعرة صيدنايا، الذي يُشرف من موقعٍ شاهقٍ على سهل دمشق، ودير مار إلياس في شوبا بجبل لبنان، ومقام مار إلياس على جبل الكرمل، وهو المعروف حتى الآن شعبيًّا باسم جبل مار إلياس.
بهذه الطريقة حافظَت التقوى الشعبيَّة على شفيعها الزراعي القديم، والشخصية الماورائية الأقرب إلى همومها المعاشية. وعندما تحوَّل معظمُ سكان سورية المسيحيين إلى الإسلام، حملت الشرائح الفلاحية معها شفيعها الزراعي، وألبسته لبوسًا إسلاميًّا تحت اسم الخَضِر، على وزن نَضِر، ويعني الأخضر وسيد الخضرة الزراعية. وقد جرت المطابقة بين هذه الشخصية وشخصية العبد الصالح الذي رافق موسى في رحلته إلى مَجْمَع البحرين، وفاقه علمًا ومعرفةً (سورة الكهف: ٦٠–٨٢) على الرغم من أن القرآن الكريم لم يذكر اسم ذلك العبد الصالح.
ولكي يمنح الخيال الشعبي لهذا الولي الإسلامي نعمة الخلود التي تمتَّع بها إلياس، فقد دبَّج المؤلفون الإسلاميون قصةً مفادها أن الخَضِر قد رافق الملك الجبار ذا القرنين في رحلته للبحث عن نبع الحياة الذي يهب الخلود لمن يشرب منه. وقد جعل ذو القرنين الخَضِر على رأس جنوده، وسار حتى وصل مغرب الشمس فسأل عن النبع، فقيل له: إنه وراء أرض الظلمة. فاختار من عسكره ستة آلاف ودخل أرض الظلمة. وبعد مسيرة يومٍ وليلة أصاب الخضرُ نبع الحياة فشرب منه، وأخطأه ذو القرنين.
وتظهر في القَصَص الشعبي الإسلامي، مثل ألف ليلة وليلة وسيف بن ذي يزن والأميرة ذات الهمة، الخصائصُ الإخصابية للخَضِر؛ فهو الذي يُكلل الأشجار بالخضرة، وينشر عباءته الخضراء بساط عشبٍ على السهول والتلال، وخلال ظهوراته يُشاهَد جالسًا على طِنْفَسةٍ خضراء. والفلاحون في فلسطين كانوا حتى وقتٍ قريبٍ يستنزلون المطر بالدعاء إلى الخَضِر ويدعونه بالاسم التبادلي مار إلياس، عندما ينشدون: «يا سيدي خضر الأخضر اسقِ زرعنا الأخضر، يا سيدي مار إلياس اسقِ الزرع اليباس.» وكان يهود فلسطين قبل الاحتلال الصهيوني يدعون إيليا باسم الخضر. وفي تركيا العثمانية كان الاسم الشائع للخَضِر هو خضر إلياس، الذي يجمع بين اسم الخضر واسم إلياس.
أثناء عصر الحروب الصليبية والتبادل الثقافي الذي حصل بين الثقافة العربية والثقافة الأوروبية، ظهرت إلى الوجود شخصيةٌ بعليةٌ جديدةٌ تجمع الخَضِر ومار إلياس إلى نموذجٍ فرنسيٍّ هو القدِّيس جاورجيوس، أو مار جرجس كما يُدْعَى في بلاد الشام. وقد نُسجت لهذا القديس سيرة حياة تقول بأنه كان بطلًا من أبطال الإيمان المسيحي، عاش في مدينة اللد بفلسطين في القرن الثالث الميلادي، وأنه أنقذ ابنة الملك التي اعتنقت المسيحية من تنين هائلٍ صرعه بحربته. وبهذه الطريقة تم ابتعاث الأسطورة السورية القديمة عن صراع بعل مع التنين لوتان وقتله، وتمَّ الجمع أيضًا بين القديسين الزراعيين الثلاثة، وراح المزارعون السوريون يقصدون المقامات المكرسة لهذه الشخصيات الثلاثة على أنها شخصيةٌ واحدةٌ. والاسم جاورجيوس في اليونانية يعني الفلاح. وهو يُدْعَى في الأقطار الأوروبية بجورج الأخضر، وذلك كناية عن علاقته بالزراعة. والفلاحون الأوروبيُّون يحتفلون بعِيده في ٢٣ نيسان باعتباره احتفالًا بقدوم الربيع.
-
الدكتور حسني حداد: أساطير الخصب القديمة والمعتقدات الشعبية في سورية، ترجمة أحمد الهندي، مراجعة وتقديم فراس السواح، دار الكندي، سورية ١٩٨٩.
-
الدكتور حسني حداد، وسليم مجاعص: بعل هداد، دار أمواج، بيروت ١٩٩٣.