يأجوج ومأجوج
(١) يأجوج ومأجوج
يأجوج ومأجوج اسم لقبائل بربرية كانت تُفسد في الأرض وتعتدي على جيرانها بالقتل والسلب والنهب. وقد ورد خبرهم في القرآن الكريم في سياق قصة ذي القرنين، وهو ملكٌ صالحٌ مؤمنٌ يَسَّر له الله أسباب المُلك والسلطان والفتح والعمران، فانطلق في حملةٍ تهدف إلى نشر دين الله بين الأقوام الوثنية، حتى بلغ مغرب الشمس، أي أقصى حدٍّ في الأرض المسكونة، حيث تغرب الشمس على أفق المحيط. ثم انقلب راجعًا حتى وصل إلى أقصى شرق المسكونة، حيث تشرق الشمس من وراء بقاعٍ مجهولةٍ، فوجد شعبًا يتكلم لغة غريبة ساكنًا عند فجوةٍ بين سلسلتَي جبال، تتدفَّق من ورائها عليهم تلك الأقوام. نقرأ في سورة الكهف:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا١* فَأَتْبَعَ سَبَبًا٢* حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ٣ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ٤ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا٥ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ٦ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ٧ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ٨ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ٩ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا١٠* فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا١١ (١٨ الكهف: ٨٣–٩٧).
ولكن يأجوج ومأجوج سوف ينقبون السد في آخر الزمن، ويكون خروجهم للإفساد في الأرض ثانيةً من علامات الساعة. وهذا ما تُشير إليه بقية القصة في سورة الكهف:
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي١٢ جَعَلَهُ دَكَّاءَ١٣ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (١٨ الكهف: ٩٨–١٠٠).
وهناك إشارة أخرى في سورة الأنبياء إلى نقب يأجوج ومأجوج للسد عند اقتراب الساعة: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ١٤* وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (٢١ الأنبياء: ٩٦–٩٧).
(١-١) الرواية التوراتية
يرد الاسم «جوج» في سِفْر حزقيال على أنه اسم لملك يحكم على أرضٍ تُدْعَى «ماجوج» أو على شعب يُدْعَى بهذا الاسم، وهو سيقوم بغزو أرض إسرائيل قبل اليوم الأخير، ولكنه يُقتل هو وشعبه في مذبحةٍ هائلةٍ:
«وكان كلام الرب إليَّ قائلًا: يا بن آدم اجعل وجهك على جوج أرض ماجوج، رئيس روش وماشك وتوبال، وتنبأ عليه وقل … هكذا قال السيد الرب، في ذلك اليوم عند سُكنى شعبي إسرائيل آمنين … تأتي من موضعك من أقاصي الشمال أنت وشعوب كثيرة معك، كلهم راكبون خيلًا، جماعة عظيمة وجيش كثير، وتصعد على شعبي إسرائيل كسحابةٍ تغشى الأرض. في الأيام الأخيرة يكون (هذا)، وآتي بك على أرضي لكي تعرفني الأمم حين أتقدَّس فيك أمام أعينهم ياجوج … ويكون في ذلك اليوم، يوم مجيء جوج على أرض إسرائيل، يقول السيد الرب إن غضبي يصعد في أنفي، وفي غيرتي في نار سخطي تكلمتُ أنه في ذلك اليوم يكون رعش عظيم في أرض إسرائيل، فترعش أمامي سمك البحر وطيور السماء ووحوش الحقل والدابَّات التي تدبُّ على الأرض، وكل الناس الذين على وجه الأرض. وأستدعي السيف عليه في كل جبالي، يقول السيد الرب، فيكون سيف كل واحد على أخيه، وأُعاقبه بالوبأ والدم، وأُمطر عليه وعلى جيشه وعلى كل الشعوب الذين معه مطرًا جارفًا وحجارة برد عظيمة ونارًا وكبريتًا، فأتعظَّم وأتقدَّس وأُعْرَف في عيون أممٍ كثيرةٍ فيعرفون أني أنا الرب» (حزقيال ٣٨: ١–٢٣).
من مقارنة الروايتين، نلاحظ أن الرواية القرآنية قد انفردت بذكر السد الذي بُنِيَ لكي يحجب يأجوج ومأجوج، ونقبهم له قبل يوم القيامة وانتشارهم للإفساد في الأرض، وتتفق الروايتان على أن خروج هذه الأقوام هو علامة من العلامات التي تسبق اليوم الأخير.
وقد ورد ذكر جوج وماجوج أيضًا في سِفْر الرؤيا، وهو آخر أسفار العهد الجديد، باعتبارهم أقوامًا مفسدين يظهرون في آخر الزمن، فيصطدمون بجيش المؤمنين، ولكن الله يقضي عليهم:
«ثم متى تمت ألف السَّنة يُحَلُّ الشيطان من سجنه ويخرج ليُضلَّ الأمم الذين في أربع زوايا الأرض جوج وماجوج ليجمعهم للحرب، الذين عددهم مثل رمل البحر. فصعدوا على عرض الأرض وأحاطوا بمعسكر القدِّيسين وبالمدينة المحبوبة (= أورشليم). فنزلت نارٌ من عند الله من السماء وأكلتهم. وإبليس الذي كان يُضلهم طُرِحَ في بحيرة النار والكبريت» (الرؤيا ٢٠: ٧–١٠).
(٢) هاروت وماروت
(٢-١) الرواية القرآنية
وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٢ البقرة: ١٠١–١٠٢).
وقد عرضنا لتفسير هذه الآيات في معرض تقديمنا لسيرة الملك سليمان سابقًا، وأوردنا ما قاله المفسرون من أن هاروت وماروت هما ملاكان أرسلهما الله لامتحان البشر، فنزلا في أرض بابل وعاشا بين الناس مدةً من الزمن كانا أثناءها يُعلمان الناس السحر بعد أن يبيِّنا لكل واحدٍ أن ما يصفونه له هو ابتلاء واختبار من الله تعالى.
(٢-٢) الرواية التوراتية
لا يوجد في التوراة العبرانية قصةٌ عن نزول ملائكة إلى الأرض واختلاطهم بالبشر إلا القصة الواردة في سِفْر التكوين عن دخول أبناء الله، أي الملائكة، على بنات الناس بعد أن رأوا من حسنهنَّ وجمالهنَّ، فولدن لهم أولادًا عمالقةً كان بهم ابتداء الشر على الأرض (التكوين ٦: ١–٥). ولكن الأسفار غير القانونية قد توسَّعت في هذا الموضوع وأسهبت، معتبرة أن هؤلاء الملائكة الساقطين هم الذين تحوَّلوا إلى شياطين، وتحوَّل كبيرهم إلى إبليس.
هذه القصة اليهودية وتنويعاتها الأخرى، كانت وراء العديد من القصص التي أوردها المفسرون القدماء لإلقاء الضوء على هاروت وماروت في القصة القرآنية، ومنها هذه القصة المرفوعة لابن عباس، والتي أوردها ابن كثيرٍ في تفسيره:
«قال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبي، أخبرنا مسلم، أخبرنا القاسم بن الفضل الحذائي، أخبرنا يزيد عن ابن عباس، أن أهل السماء الدنيا أشرفوا على أهل الأرض فرأوهم يعملون بالمعاصي، فقال الله: أنتم معي وهم في غيبٍ عنِّي. فقيل لهم: اختاروا منكم ثلاثةً يهبطون إلى الأرض ليحكموا بين أهل الأرض، وجُعِل فيهم شهوة الآدميين، فأُمِرُوا ألَّا يشربوا خمرًا، ولا يقتلوا نفسًا، ولا يزنوا، ولا يسجدوا لِوَثنٍ. فاستقال منهم واحد فأُقِيل. فأُهْبِط اثنان إلى الأرض هما هاروت وماروت، فأتتهما امرأة من أحسن الناس، فهوياها معًا ثم أتيا منزلها فأراداها، فقالت لهما: لا، حتى تشربا خمري وتقتلا ابن جاري وتسجدا لوثني. فقالا: لا نسجد. ثم شربا من الخمر، ثم قتلا ثم سجدا، فأشرف أهل السماء عليهما، وقالت لهما: أخبراني بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما. فأخبراها فطارت، فمُسِخَت جمرة وهي هذه الزهرة. وأما هما فأُرْسِلَ إليهما سليمان بن داود فخيَّرَهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فهما مناطان بين السماء والأرض.»
وابن كثير في تفسيره يُورد هذه القصة وتنويعات عديدة عليها، ثم يعلق قائلًا:
«وقد رُوِيَ في هاروت وماروت عن جماعةٍ من التابعين كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة، وغيرهم، وقصَّها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلُها راجع إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديثٌ مرفوعٌ صحيحٌ متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى. وظاهر سياق القرآن إجمال من غير بسطٍ ولا إطناب. ونحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى. والله أعلم بحقيقة الحال.»
هذه التصوُّرات المتأخرة عن أصل كوكب الزهرة، إنما تقوم على أرضية ميثولوجية مغرقة في القدم. فقد رأت الشعوب السامية القديمة في كوكب الزهرة تجسيدًا لإلهة الحب الشهواني، التي دُعِيَت إنانا لدى السومريين، وعشتار لدى البابليين، واستارت عند الكنعانيين. وقد نقل الفينيقيون عبادة استارت إلى جزيرة قبرص، ومنها انتقلت إلى بلاد اليونان تحت اسم إفروديت، التي يقصُّ هزيود في كتابه «أصول الآلهة» عن ولادتها من زبد البحر على شاطئ جزيرة قبرص. أما الرومان فقد دعوها فينوس، وهو الاسم الفلكي الشائع اليوم لكوكب الزهرة. كما دعاها الفُرْس أناهيتا، وفي فنونهم المصوَّرة تبدو على هيئة حسناء تعزف على العود.