الملك شاؤل
بعد انتهاء المدة التي حدَّدها الرب بأربعين سنة لبقاء بني إسرائيل في الصحراء، وموت كل الجيل الذي تمرَّد على موسى وخاف دخول أرض كنعان، تحرَّك موسى بجماعته لتحقيق وعدِ الرب. وفي الطريق توفِّي هارون ودُفِنَ في جبل هور. وبعد مسيرةٍ شاقةٍ تخلَّلها عدد من المعارك مع الممالك المحلية في الجنوب السوري، حطَّ موسى بجماعته على الشاطئ الشرقي لنهر الأردن مقابل أريحا في موقعٍ يدعوه النص بعربات مؤاب، وهناك أصعده الرب إلى جبل نبو، وأراه جميع الأرض الموعودة وقال له: قد أريتك إيَّاها بعينك، ولكن إلى هناك لا تعبر. فمات موسى عبد الرب في أرض مؤاب حسب قول الرب. وكان موسى ابن مائةٍ وعشرين سنة حين مات. لم تكل عيناه ولم تذهب نضارته (التثنية: ٣٤).
خَلَفَ موسى في قيادة بني إسرائيل مُساعده يشوع بن نون، وهو أحد الاثنَين اللذَين قالا لموسى بعد العودة من تجسُّس أرض كنعان إن باستطاعة بني إسرائيل دخول تلك الأرض. عَبَرَ يشوع ببني إسرائيل نهر الأردن، واستولى بعد عددٍ من المعارك الصاعقة على معظم بلاد كنعان، ووزعها على القبائل الاثنتي عشرة. وتفصيل هذه الأحداث التي من المُفترض أنها وقعت في أواخر القرن الثالث عشر؛ موجودٌ في سِفْر يشوع. بعد ذلك عاش بنو إسرائيل حياةً قبليةً في أرض كنعان دونما دولة مركزية تجمعهم، الأمر الذي جعلهم عُرضةً لتعديات جيرانهم الفلسطينيين ولتعديات ممالك شرقي الأردن. وكان قضاةٌ منتخبون يديرون شئونهم المدنية والسياسية المشتركة. وأخبار هذه الفترة مفصَّلةٌ في سِفْر القضاة، الذي يفترض المؤرخون أن أحداثه وقعت على مدى قرنين من الزمان، وذلك من نحو ١٢٠٠ق.م. إلى نحو ١٠٠٠ق.م.
وقد كان النبي صموئيل آخر مَنْ تولَّى القضاء لإسرائيل، وذلك خلال فترةٍ عصيبةٍ بلغ فيها اضطهاد الفلسطينيين للإسرائيليين ذروته. فصلَّى صموئيل إلى الرب ليرفع غضبه عن شعبه، فاستجاب له لأنه كان نبيًّا ومختارًا للرب منذ صغره، وأعان شعبه على أعدائهم (صموئيل الأول: ١–٧). وكان لما شاخ صموئيل أنه جعل ابنيه قضاةً يساعدانه، ولكنهما لم يسلكا في طريقه وإنما مالا إلى المكسب وقبلا الرشوة. فاجتمع كل شيوخ إسرائيل وجاءوا إلى صموئيل وقالوا له: هو ذا أنت قد شِخْت وابناك لم يسيرا في طريقك. فالآن اجعل لنا ملكًا يقضي لنا، فساء الأمر في عينَي صموئيل؛ لأنهم قالوا: أعطنا ملكًا يقضي لنا. وصلَّى صموئيل إلى الرب، فقال الرب لصموئيل: اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك. (صموئيل الأول: ٨). وبعد مدةٍ أوحى الله إلى صموئيل بأنه اختار الشاب شاؤل من قبيلة بنيامين، وأمره أن يمسحه ملكًا على إسرائيل، وبذلك ينتهي عصر القضاة ويبدأ عصر الملوكية في إسرائيل (صموئيل الأول: ٩–١٠).
يُدْعى شاؤل في القرآن الكريم «طالوت». ولدينا عنه خبران فقط: الخبر الأول يتعلَّق بتنصيبه ملكًا، والخبر الثاني يقصُّ عن المعركة الشهيرة مع الفلسطينيين، عندما قتل داود الفارس الفلسطيني جالوت، وكان داود في ذلك الوقت مجرد حامل سلاحٍ لشاؤل.
(١) تنصيب شاؤل
الرواية القرآنية: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ١ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ٢ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢ البقرة: ٢٤٦–٢٤٨).
الرواية التوراتية: «وكان رجل من بنيامين اسمه قيس بن أبيئيل، وكان له ابن اسمه شاؤل، شاب وحسن، ولم يكن رجلٌ في بني إسرائيل أحسن منه. من كتفه فما فوق كان أطول من كل الشعب (قارن مع ما ورد في سورة البقرة: … إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ …). فضلَّت أُتن قيس أبي شاؤل. فقال قيس لشاؤل ابنه: خُذ معك واحدًا من الغلمان، وقم اذهب فتِّش عن الأتن» (صموئيل الأول ٩: ١–٣).
ابتعد شاؤل وغلامه كثيرًا عن موطن قبيلة بنيامين، حتى وصلا إلى المكان الذي يُقيم فيه صموئيل. فقال شاؤل لغلامه: هو ذا رجل الله في هذه المدينة، والرجل مكرمٌ، وكل ما يقوله يصير. لنذهب إلى هناك لعله يُخبرنا عن الطريق التي نسلك فيها. وكان الرب قد كشف أذن صموئيل قبل مجيء شاؤل بيومٍ قائلًا: غدًا في مثل الآن أُرسل إليك رجلًا من أرض بنيامين فامسحه رئيسًا لشعبي إسرائيل، فيخلصهم من يد الفلسطينيين. فلما رأى صموئيل شاؤل قال له الرب: هو ذا الرجل الذي كلَّمتك عنه. فاستقبل صموئيل الشاب وأكرمه ودعاه إلى الطعام والمبيت، وفي الصباح جاء صموئيل بزيت المسحة المقدس وسكب منه على رأس شاؤل، وأخبره بأن الرب قد مسحه ملكًا على إسرائيل. بعد ذلك بمدةٍ دعا صموئيل جميع أسباط إسرائيل بألوفهم في بلدة المصفاة، حيث أعلن لهم وقال: أرأيتم الذي اختاره الرب؟ إنه ليس مثله في جميع الشعب. فهتف الشعب وقالوا: ليَحْيَ الملك. ولكن جماعة منهم استصغرت شأنه وقالوا: أنَّى لهذا أن يُخلصنا (قارن مع ما ورد في سورة البقرة: … قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ …) ولكن شاؤل لم يُجبهم بكلمةٍ. وعندما ربح شاؤل أُولى معاركه وكانت مع بني عمون الساكنين شرقي الأردن، قال الشعب لصموئيل بعد عودة شاؤل منتصرًا: أين هم الرجال الذين قالوا: هل يملك علينا شاؤل؟ أحضروا الرجال لنقتلهم. فقال شاؤل: لا يُقتل أحد في هذا اليوم (صموئيل الأول، الإصحاحات، من ٩ إلى ١١).
هذا عن تنصيب شاؤل ملكًا، أما عمَّا ورد بعد ذلك في المقتبس أعلاه من سورة البقرة: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (البقرة: ٢٤٨). ففيه إشارة إلى استيلاء الفلسطينيين على تابوت العهد، ثم إعادته مُرغمين إلى بني إسرائيل. وتفصيل هذه القصة وارد في الإصحاحات من ٤ إلى ٦ في سِفْر صموئيل الأول. وهذا ملخصها:
في إحدى معاركهم مع الفلسطينيين هُزِمَ بنو إسرائيل وخسروا نحو أربعة آلاف رجلٍ، فقال شيوخ إسرائيل: لماذا كَسَرَنا الرب أمام الفلسطينيين؟ لنأخذ لأنفسنا من مدينة شلوة تابوت عهد الرب، فيدخل في وسطنا ويُخلِّصنا من يد أعدائنا. وكان عند دخول التابوت إلى المحلة أن جميع إسرائيل هتفوا هتافًا عظيمًا، فسمع الفلسطينيون وعلموا أن التابوت قد جاء إلى المحلة، وقالوا: ويلٌ لنا، من يُنقذنا من يد هؤلاء الآلهة الذين ضربوا مصر بجميع الضربات؟ تشدَّدوا وكونوا رجالًا لئلا تُستعبدوا للعبرانيين. فحارب الفلسطينيون وانكسر إسرائيل، وأخذوا منهم تابوت العهد غنيمةً وجاءوا به إلى مدينة أشدود الفلسطينية، وأقاموه في معبدهم قرب تمثال إلههم داجون. ولكن عندما عادوا في اليوم التالي وجدوا التمثال ساقطًا على وجهه على الأرض ويداه مكسورتان. ثم ضرب الرب سكَّان أشدود بمرض البواسير من الصغير إلى الكبير، فنقل الفلسطينيون التابوت من مدينة إلى أخرى، فكان الوباء ينتشر حيثما حلَّ التابوت. وبعد سبعة أشهرٍ أشار عليهم كهنتهم وعرافوهم بإعادة التابوت إلى بني إسرائيل مع قربان من ذهبٍ وفضةٍ، فأخذوا التابوت ووضعوه على عربة تجرُّها بقرتان دون سائقٍ، فاستقامت البقرتان في الطريق حتى وصلتا إلى مدينة بيت شمس، وهناك تلقَّاها الإسرائيليون وأنزلوا التابوت وذبحوا ذبائح للرب (صموئيل الأول: ٤–٦).
أما عن محتويات التابوت الوارد ذكرها في الآية الكريمة: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ، فإننا نعلم من سِفْر الخروج (٢٥: ١٦ و٢١) أن التابوت كان يحتوي على لوحي الشريعة اللذين تلقَّاهما موسى من ربه على جبل سيناء. كما وتضيف رسالة بولس إلى العبرانيين في كتاب العهد الجديد إلى محتويات التابوت جرة ذهبية فيها بعض المنِّ الذي أكله العبرانيون في الصحراء، وعصا هارون التي أورقت (الرسالة إلى العبرانيين ٩: ٤). وفيما يتعلَّق بالملائكة التي تحمل التابوت فنحن نعلم من إشارات متفرقةٍ في التوراة أن تابوت العهد كان بمثابة عرش ليهوه، وأن اثنَين من ملائكة الكروبيم المجنحة (مفردها كَروب) كانا يحملانه في موضعه في خيمة الاجتماع التي كانت بمثابة مسكنٍ ليهوه بين شعبه أثناء التجوال في سيناء: «وحملوا من هناك تابوت عهد الرب الجالس على الكروبيم» (١ صموئيل ٤: ٤). «يا راعي إسرائيل … يا جالسًا على الكروبيم أشْرِق» (المزمور ٨٠: ١). «الرب قد مَلَكَ. ترتعد الشعوب وهو جالسٌ على الكروبيم، تتزلزل الأرض» (المزمور ٩٩: ١). «أيها الرب إله إسرائيل الجالس على الكروبيم، أنت وحدك الإله» (٢ ملوك ١٩: ١٥).
(٢) جالوت وداود
الرواية القرآنية: نُتابع في المقتبس الذي أوردناه أعلاه من سورة البقرة:
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ … (٢ البقرة: ٢٤٩–٢٥١).
في هذا الخبر لدينا وصفٌ لإحدى المعارك الشهيرة التي خاضها شاؤل ضد الفلسطينيين، فقد عسكر الفريقان تجاه بعضهما البعض، وانبرى لبني إسرائيل من الطرف الفلسطيني الفارس الجبار جوليات (أو جالوت في النص القرآني)، يطلب من يبُارزه في قتالٍ منفردٍ، فخاف فرسان بني إسرائيل من منازلته، ولكن الفتى داود قَبِلَ التحدي، وكان في ذلك الوقت مجرد حامل سلاحٍ للملك شاؤل، وعازفًا على العود يعزف له كلما انتابته الكآبة.
الرواية التوراتية: لهذه القصة في سِفْر صموئيل الأول مقدمات، فقد نقل النبي صموئيل إلى شاؤل أمرَ الربِّ بقتال شعب العماليق؛ لأنهم وقفوا في وجه بني إسرائيل وهم في طريقهم إلى أرض كنعان، وبتطبيق قاعدة «التحريم» عليهم، والتي تقتضي إفناء العدو عن بكرة أبيه وقَتْل نسائه وأطفاله وحيواناته جميعًا؛ فتوجَّه شاؤل وهزم العماليق وحرَّم جميع الشعب بحدِّ السيف، ولكنه عفا عن ملكهم المدعو أجاج، كما عفا عن خيار المواشي وساقها أمامه.
فكان كلام الرب إلى صموئيل قائلًا: ندمت على أنِّي جعلت شاؤل ملكًا؛ لأنه رجع من ورائي ولم يحفظ كلامي. فحزن صموئيل جدًّا وصرخ إلى الرب الليل كله؛ لأنه كان يُحب شاؤل. ثم بكَّر صموئيل للقاء شاؤل صباحًا. ولما جاء قال له شاؤل: قد أقمتُ كلام الرب. فقال له صموئيل: وما هو صوت الغنم هذا في أذني وصوت البقر الذي أنا سامعٌ؟ فقال شاؤل: لقد عفا الشعب عن خيار الغنم والبقر لأجل الذبح للرب إلهك. فقال له صموئيل: هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح أكثر من مسرته باستماع صوته وأوامره؟ لأنك رفضت كلام الرب فإن الرب يرفضك من المُلك، ثم قال صموئيل: قدِّموا لي أجاج ملك عماليق. فذهب إليه أجاج وهو يعتقد أنه قد نجا، ولكن صموئيل أمسك بالسيف وقطع رأسه (صموئيل الأول: ١٥).
بعد ذلك فارق روح الرب شاؤل، وتلبَّسه روحٌ رديء، فكانت تأتيه نوبات من الكآبة، فقال له ضُباطه: هو ذا روح رديء يبغتك من قِبَل الرب، فليأمرنا سيدنا أن نبحث له عن رجلٍ يُحسن الضرب على العود، ويكون إذا كان عليك الروح الرديء من قِبَل الله أنه يضرب بيده فتبتهج. فقال شاؤل: ابحثوا لي عن رجلٍ يُحسن الضرب وأتوا به إليَّ. فانبرى واحد من الغلمان وقال: هو ذا رأيت ابنًا ليسِّي الذي من بيت لحم، يُحسن الضرب على العود، وهو جبارٌ ذو بأسٍ وفصيح وجميل والرب معه. فأرسل شاؤل رسلًا إلى يسِّي، إلى بيت لحم، ليأتوا له بداود، فأحبَّه وجعله حامل سلاح له، وكان يعزف أمامه كلما هاجمته نوبة من الكآبة.
بعد ذلك جمع الفلسطينيون قواتهم وتوجَّهوا لقتال بني إسرائيل، وعلى رأسهم البطل الجبار جوليات، فسار إليهم شاؤل واقترب الجمعان من بعضهما واصطفَّ الجنود للقتال، وكان الفلسطينيون وقوفًا على تلةٍ من هنا وإسرائيل وقوفًا على تلةٍ من هناك والوادي بينهم، فبرز جوليات من بين صفوف الفلسطينيين، وكان طوله ستة أذرعٍ وعلى رأسه خوذة من نحاسٍ، لابسًا درعًا حرشفيًّا ثقيلًا لا يقدر فارسٌ على حمله. فنادى وقال: اختاروا منكم رجلًا فينزل إليَّ، فإن قدرتُ عليه وقتلته تصيرون لنا عبيدًا. فلما سمع شاؤل وجميع بني إسرائيل كلام جوليات، ورأوا طوله الفائق والسلاح الذي دجَّج به نفسه ارتاعوا وخافوا جدًّا. وظل جوليات يفعل ذلك كل يومٍ وما من أحدٍ يجرؤ على التصدِّي له.