المحالفة: تتمة
وبعد أن فرغ الحصان من كلامه، وتبوأ مركزه جاء الخدم بالقهوة والسكاير، ووزعوها على الحاضرين، فشربوا ودخنوا وهم معجبون بما ظهر في هذه الحفلة من الآراء السديدة، والشواعر الأخوية الجديدة المؤسسة كلها على الحب والاتفاق، فتهللوا وقالوا في أنفسهم: إن ملكوت السماوات قريب، وسنرثه بعد قليل على الأرض، وفي خلال هذه الفرصة قام رئيس الحمير ثانية وألقى خطابًا فصيحًا منسوجة بردته من الأقوال البخارية، والأمثال النباتية، والدرر الحيوانية، والتشبيهات الكيماوية، والأدلة العلمية، وكي لا يحرم القارئ من فائدته نثبته له بالحرف الواحد، وعلى فرض أنه لا يفيد فهو يكبر حجم القصة على الأقل، قال: «لم أسمع قط في زماني ما سمعته في هذا المؤتمر الزاهر من الحصان والبغل الفاضلين، ولم أحسب أنني أعيش إلى يوم فيه تتألف قلوب الرؤساء المتخاصمين، وتزول اختلافاتهم، وتتلاشى دفعة واحدة كل تحزباتهم وأغراضهم، كم هو جميل أن يعود الحصان والبغل إلى حضن أمهما الجمعية الأصلية الكلية الشاملة المقدسة، فهما لا شك يعرفان أن الأم تحن إليهما اشتياقًا وترحب بهما بفرح وسرور عظيمين، فقد هجرتموها أيها الأفاضل مدة ليست بقليلة، وقد رميتم في قلبها حسرة الفراق، وولدتم في كبدها مرض السويداء، ولم تكتفوا بذلك بل شننتم عليها الغارة، ودسستم الدسائس، وكدتم المكائد، وهي لم تحنق عليكم قط، ولم تمت شواعرها اللطيفة، ففي أيام المصائب كانت تحبكم كما أحبتكم في أيام العز والسيادة، وقد قال نائب الأسد العظيم: «إنه يبغض الخطيئة، ويحب الخاطئ»، وقد مضى ما مضى، وعدنا الآن نطلب الاتحاد بعد الخصام، وجمع الكلمة بعد تفرقها، ورد العناصر بعد انحلالها إلى عنصر واحد، وهذا لا يتم إلا إذا كانت المحبة أساسه، فأنتم تعلمون بأن المحبة للجسم الاجتماعي هي كالأكسيجن للجسم الحيواني، فإذا وضعنا حيوانًا في غرفة قذرة ليس في هوائها شيء من جوهر الأكسيجن، فلا يعيش هذا الحيوان إلا بضع ساعات، وإذا جعلنا اتحادنا قائمًا بذاته دون أن يدخله عنصر المحبة، فلا يبعد أن نخرج من هذا الإسطبل أعداء وليس أصدقاء، وكما أن الأكسيجن يدخله جوهر آخر وهو الأزوت (ولا تظنوا أني أريد بالأزوت ذاك الدواء العمومي الذي اختاره باراسلسوس الطبيب ليشفي جميع الأمراض)، بل هو الأزوت الذي يحترق في الجسم الحيواني، ويولد فيه الحرارة، فيجب أن يمتزج مع المحبة جوهر آخر وهو الغيرة، فالأكسيجن يحيينا، والأزوت يضرم في قلوبنا نار النشاط والغيرة والاجتهاد.
ولا يكفي أن تكون المحبة مع الغيرة أساس اتحادنا، بل يجب أن نضيف إليهما النزاهة والإخلاص، فهذه الأمور الجوهرية الثلاثة، أي: المحبة، والغيرة، والنزاهة هي المغذية لجسمنا الاجتماعي، والقائمة به، ومتى بنينا عليها اتحادنا فلا يقوى علينا وقتئذ الأشرار، وإذا اقتربوا منا يولون من خوفهم مدبرين خاسئين، ولا تظنوا أن سنة اتحادنا هذه محصورة في الهيئة الاجتماعية، فهي تشمل أيضًا المملكة النباتية، يذكر من درس علم النبات أن المواد التي تجعل الأرض مخصبة، وتصير ترابها صالحًا لإنماء النبات، وتغذيته هي تحاكي بخاصيتها العناصر الثلاثة التي قلنا إننا سنشيد عليها بنيان محالفتنا، وهذه المواد الضرورية لتغذية النبات هي الأزوت والحامض الفوسفوريك والبوتاسا، وإذا لم تتوفر المواد بحالات مخصوصة في الأرض لا ينمو عليها نبات مطلقًا، وكما أن الأرض والنبات يفتقران دائمًا إلى هذه المواد الثلاث، فالجسم الاجتماعي يفتقر إلى الثلاث فضائل التي تحاكي بخاصيتها الأزوت، والحامض الفوسفوريك، والبوتاسا.
فالأزوت يضرم في الفؤاد نار الغيرة كما تقدم، ويحرق العدو في كبده، والفوسفور يسهل لنا طريق النزاهة، وينير قلوب المؤمنين، والبوتاسا تتمم وظيفتها، وتكون صلة أو جاذبًا بين الاثنين، وتتحد مع الأكسيجن لتملأ لنا كأس المحبة، وكل يعلم أن سنة المحبة تفتح يديها لاقتبال جميع الحيوانات على اختلاف طبقاتهم باعتبار كونهم أولاد عائلة واحدة، مولودين من أب واحد رءوف رحيم، مفتدين من مخلص واحد، ومدعوين إلى إرث سرمدي واحد، فهذا هو حقًّا تعليم رفيق الأسد وإرشاده، كونوا جسدًا واحدًا، وروحًا واحدة، كما دعيتم إلى رجاء دعوتكم الواحد، وللجميع رب واحد، وإيمان واحد، وإله واحد، وأب واحد هو فوق الجميع، ومع الجميع، وفي جميعكم. هذا فيما اختص ببنيان الاتحاد وأساسه، أما وجوب الاتحاد وضرورته فهذا أمر آخر أرجو أن يكون لي قليل من الوقت لأبدي ما يعن لي في شأنه، ولا أرى مندوحة من أن أقول: إن جمعيتنا ليست في الضعة والانحطاط اللذين أحاطا بجمعيتي البغال والخيل، ولا تؤاخذوني إن أنا صرحت بأفكاري كيفما خطرت دون تكلف ومجاملة، فأنا أرى أيها الحصان والبغل المحترمان أنكما أشد احتياجًا إلى الاتحاد منا، فنحن لا نزال راتعين في بحبوحة السؤدد، متبوئين عرش السلطة الغير المحدودة، ولا يزال لرئيسنا الشأن الأعلى، والحظوة الكبرى، والمجد الشامخ، والأمر المطلق المعزز؛ وذلك لأن القوات الكهربائية والبخارية لم تدهم حتى الآن سفح جبالنا الشامخة التي تتساقط عليها أمطار التقوى، ويكللها ثلج الطهارة والنقاوة، ولا ينبت في أراضيها الخصبة الصالحة إلا أشجار الخشوع التي تثمر أثمار الطاعة والخضوع، نعم لا يزال الحمير في مجدهم مارحين، ولا يخشى عليهم من السقوط والموت جوعًا، كلا إن أراضي جبالنا الشامخة مخصبة غزيرة الخيرات والمراعي حول الإسطبلات العديدة، رحبة واسعة، لا أنكر أن بعض البغال الشموسة الحرونة تتعدى أحيانًا على حقوقنا، وتحاول اهتضامها، وتزاحمنا على أعمال شتى، ولكن عددهم ليس بكثير لنرهبه، فنحن لا نحسب حسابًا إلا للجمال الذين نخشى مزاحمتهم؛ فهم يحملون كل شيء، وكثيرًا من كل شيء، وفي حالتهم الحاضرة يسلبوننا كثيرًا من الأشغال التي تعود عليهم بالفوائد الجمة، فإن كنتم قد بليتم بالقوات الكهربائية والبخارية فنحن قد بلينا بالجمال الأقوياء الذين يفترون علينا دائمًا، ويهتضمون حقوقنا في كل مكان».
وعند هذا الكلام شعر الحمار باهتزاز جبته، فحول رأسه، وإذا بأحد الحمير يهمس بأذنه قائلًا: «لا تعمم إن الثعلب على يمينك»، فتذكر ذلك الخطيب ولطف عبارته قائلًا: ولنا والحمد لله تعزية في أن عدد هؤلاء المجدفين قليل جدًّا؛ إذ إن معشر الثعالب المتنورين المهذبين المحافظين على آدابهم لا يزالون معنا، هم سائرون في عربتنا المقدسة فيحترمون حميرهم، ولا يبخلون عليهم، ولا يثقلون لهم الأحمال، بل يتركونهم مارحين في المراعي الرحبة المخصبة، سارحين في أنحاء العالم، يأكلون من غزير الخيرات، ويجمعون كنوزًا من المال ينفقونها على تشييد إسطبلات فخيمة لأنفسهم، إن هؤلاء الثعالب لأتقياء، وسينالون جزاءهم عند ربهم في السماء، أما أولئك الكفار المجدفين فتغفر لهم زلاتهم؛ كي يغفر لنا أبونا الذي في السماوات زلاتنا.
فالرئيس العظيم ذو الحزم والنشاط والحكمة هو الذي يكون متصفًا بصلابة القلب، وسعة الصدر، فالمزية الأولى تقيه من السقوط في شباك الشواعر الرقيقة الاصطناعية الغرارة، والمزية الثانية تجعله محبًّا لكل من كان صالحًا غيورًا دون نظر إلى مذهبه وجنسه، ومن كان له خبرة في أحوال العمران وترقيه، يعرف أن الذين يشعرون كثيرًا يعثرون كثيرًا، فهل يرفق أو يشفق قائد الجيش حين يأمر عسكره بالهجوم على إخوانه في الحيوانية؟ وهل يجب على الرئيس أن يتسامح ويتساهل مع كل من يحيد عن نهج الاعتدال، ويهيم في فيافي الضلال؟ إن الحيوان الرقيق الشعور ليس بأهل للرئاسة، ومثل هذا لا يصلح لتدبير شئون جمعية كبيرة عظيمة منتشرة في كل أقطار المعمور.
ولا أقول هذا لأجعل في قلوب كل الحيوانات صلابة وقسوة، كلا فإن هذا يضر بصالحنا، ويعربس مساعينا، ويصعب طريق مجدنا، فالحيوانات المرءوسة يجب أن تكون لينة العريكة، وعلى جانب من الدعة، كي ترضخ لأقوالنا، وتخضع لسلطتنا ونحن بصلابتنا وقسوة قلوبنا نمتص ماء حياتهم، ونبقيهم صغارًا أذلاء، فيصدعون بأمرنا، ويمشون حسبما نريد، وعملنا هذا لا يخالف قط نواميس الطبيعة، فإذا هو جائز ومحلل، خذوا لكم مثلًا من حراثة الأرض، ومن تربتها، فإن من له معرفة في فن الزراعة يعرف بأن الأرض منها مندمجة، ومنها متفككة، وأن الطبقة الأولى تكون فوق الطبقة الثانية لتحصل على النتيجة المطلوبة، فالاندماج خاصة تحاكي فضيلة الصلابة في الرئيس، والتفكك خاصة تشابه فضيلة اللين، والرضوخ في المرءوس، ولو كان للرئيس ما في المرءوس من اللين والرطوبة لما تمكن من إدارة شئون الجامعة، وتعزيز صولتها، كما أن طبقة الأرض العليا تمتص الرطوبة من الأرض السفلى المتفككة، ولنفرض أن الأرض المتلاحمة تشبه القرميد، والرخوة تشبه الإسفنج، فإننا إذا أشبعنا الإسفنج ماء وهو كناية عن الأرض الرخوة، ووضعنا فوقه القرميد المماثل للأرض المتلاحمة الصلبة لامتص هذا الماء الذي في الإسفنج، ولكن إذا أشربنا القرميد ماء، ووضعنا فوقه إسفنجة، وضغطنا عليها، فإنها لا تمتص الماء منه. وإذا كنا نرجو لجمعيتنا الجديدة نجاحًا، ولسلطتنا تأييدًا، ولنفوذنا ثباتًا، ولمبادئنا تعززًا ومنعة يجب أن يكون الرئيس كالقرميد، والمرءوس كالإسفنج، ويجب أن نضع القرميد فوق الإسفنج، ونتركه يمتص منه ماء الحياة (لبيط وشهنقة ونهيق وهتاف).
- أولًا: إن الخيل والبغال والحمير من عائلة واحدة، ولذا يجب أن يكونوا من جمعية واحدة شاملة وأن يتحدوا كلهم بالأسد له المجد، ويعودوا إليه غير متفلسفين في كل الأمور.
- ثانيًا: إنهم ضد القوات الكهربائية والبخارية والهواء المضغوط، وسائر الاختراعات الحديثة، وبكلمة ضد التمدن الحديث بكل مظاهره.
- ثالثًا: يتحدون كلهم تحت راية واحدة، وتمزج الثلاثة عناصر لتصير عنصرًا واحدًا.
- رابعًا: يهملون تمامًا جميع الطقوس التي تصدهم عن الاتحاد، ولا يكترثون بالاختلافات الفلسفية المنطقية، وبالشروح اللاهوتية التي نشأت عن عقول غير راجحة.
- خامسًا: يعترفون كلهم بسلطة رئيسهم المطلقة، ويبقى كل متمسكًا بالطقوس والعوائد التي لا تضر في الجمعية الشاملة الجديدة.
- سادسًا: يكون الرئيس كالقرميد، والمرءوس كالإسفنج.
- سابعًا: يضحون الفرد من أجل الكل، وهذه الآية لا تعكس إلا إذا كان ذاك الفرد أحد الرؤساء الكبار.
قد تعودتم — أدامكم الله — على حريتي في القول والفعل والفكر، وتعرفون أنني حين أتكلم لا أحافظ على شيء من الاصطلاحات والعوائد والتقاليد، فإذا رفعت الفأس، وضربت يمينًا وشمالًا في هذه الليلة؛ فذلك لأنكم شجعتموني، ومن الغريب أن نرى معشر الحمير مشتغلين بالتكسير والتخريب، ولا تظنوا أنني أحلل تحطيم كل شيء قديم، فأنتم سلكتم في هذه الليلة مسلكًا جديدًا، ووضعتم فأس الحكمة والعلم على جذع شجرة اللاهوت والتقاليد، وحسنًا فعلتم، فاللاهوت أصبح في هذه الأيام الباهرة من السلع القديمة العهد التي يجب أن تحفظ في متحف الفنون والأنتيكات (ضجيج وشغب)، وقد عزل علم الكلام ليجلس علم السياسة مكانه، كم هو جميل من حصان أو حمار أو بغل أن يقول: «لا يجب أن نتمسك بأغلاط أجدادنا، ولا أن نقتدي بأعمالهم السيئة»، كم هو جميل أن يندد الحصان بالمجامع القديمة التي لم تشتهر إلا في المهاترة والمقاذعة، وكم هو قبيح مني أن أندد بشيء بعد أن وفوا التنديد حقه، أو أن أتكلم بعد أن صارت الفصاحة ملء الإسطبل، وكادت تضيق على الهواء حتى صرنا نخشى على أنفسنا من الاختناق إذ إن الرئتين لا تعيشان على الفصاحة كما لا يخفى عليكم، ولكن كي لا يحصل شيء من هذا أستغني عن الفصاحة ببعض الأفكار البسيطة العارية عن كل تفنن بياني، فلربما عاد إلينا الهواء فنتنفس ونشكر الله.
قد اجتمعتم أيها الأفاضل لكي تتحدوا، وقد تباحثتم مليًّا في هذا الشأن، وقد يمكن أن يتم ما تبتغونه، شريف هو عملكم، وجليل هو مشروعكم، ولكن أنا لا أظنه ثابتًا إذا جعلتم أساسه المحبة والغيرة والنزاهة فقط، ولا أظنه ثابتًا إذا اكتفيتم بإغفال القضايا اللاهوتية، والاختلافات الطقسية التي ينجم عنها الشقاق والخصام، وإن ظننتم أنكم تستطيعون مقاومة القوات الكهربائية والبخارية، وتنتصرون عليها، فأنتم واهمون (ضجيج ولغط)، إن هذا العصر عصر تقدم ونجاح وترق، وما لكم إلا أن تسيروا مع الزمان والقوم، وتتقدموا مع جحافل الكهربائية، وإذا كان لكم رغبة حقيقية في الاتحاد، وأردتم لمشروعكم هذا الثبات والنجاح، فيجب أن تجعلوا أساسه متينًا من البدء حتى إذا بنيتم شيئًا عظيمًا لا يتداعى ويهبط إلى الحضيض، فعندي أن الغيرة والمحبة والنزاهة أمور ثانوية (ضجيج بين الحمير)، والقضايا اللاهوتية لا يجب أن تغفل فقط (برافو تصفيق ولبيط)، بل يجب أن تقتل تمامًا (ضجيج وصفير) كي لا تعود إلى الحياة فتدس سم الشقاق ما بينكم كعادتها (تمام تمام)، فلو طلبتم رأيي في هذه المحالفة لكنت أقول قبل أن تتحالفوا نقحوا شرائعكم، وقبل أن تتحدوا ابنذوا ظهريًّا كل الخرافات والخزعبلات التي تشوه وجه عقائدكم.
فلا تغفلوا اللاهوت في محالفتكم فقط، بل اقتلوه وانبذوه ظهريًّا، وسنوا قانونًا صارمًا يمنع الخوض فيه بتاتًا، وعاقبوا كل من يخالف القانون، ويبحث في اللاهوت، وألقوا القبض على كل منطقي؛ إذ إن المنطق في هذه الأيام كثير الأضرار، ومن ركب متنه كان الشر محط رحاله، إذا اتحدتم يجب أن تجعلوا عقيدتكم أساس هذا الاتحاد، وإذا كان الأساس فاسدًا هل يدوم يا ترى البنيان؟ وكيف تستطيعون أن تقاوموا القوات الكهربائية وأنتم غير ثابتين في اتحادكم، فعليكم أولًا أن تتفقوا على العقيدة التي يجب أن تجمعكم، وهذا أمر لم تقرروه حتى الآن، فهل تجعلون شريعة الجمعية الجديدة شريعة الحمار أم الحصان أم البغل، وعندي لو نبذتم كل هذه الشرائع (صوت من بين البغال قف قف، وصوت آخر من بين الحمير كفر كفر) لو انتظرتم كي أكمل عبارتي لما كنتم تصرخون كفر كفر، قلت: لو نبذتم كل هذه الشرائع، وجعلتم الشريعة الأصلية الشاملة المقدسة شريعتكم الحقيقية الجديدة (لبيط بين الحمير)، أي الشريعة التي طبعها الله في قلب كل منا، الشريعة التي توحيها لنا الطبيعة، فإنكم تنالون إذ ذاك منيتكم، ويثبت مشروعكم، ويدوم اتحادكم، تعلمون أدامكم الله أن أعداءكم يبنون آلاتهم على النواميس الطبيعية، وما الكهربائية إلا وجهًا من وجوه الله العديدة، أو هي كتاب من كتبه الكثيرة، فكيف تقولون: إنها عدوتكم اللدودة؟
(صوت من بين الخيل: أوقفوه أوقفوه.)
(صوت من بين الحمير: اصمت يا كافر.)
ثم قام الحصان بعد ذلك وقال: يجب علينا الآن أن نتمم جلستنا، ويا ليتني لم أدع الثعلب إلى الخطابة، فالذنب ذنبي، ولكن ما لنا ولكل هذا، إن الأمور التي قررناها لا تزال مقررة، ولا يغيرها شيء تحت الشمس ولا فوقها، وبقي علينا أن نقسم جميعنا اليمين المعظمة أمام الله بأننا نحافظ عليها، وندافع عنها، ونبذل من أجلها النفس والنفيس، فقفوا إن شئتم واحلفوا، فوقف إذ ذاك جميع البغال والحمير والجياد، وأقسموا يمينًا معظمة صارخين بصوت واحد: فلتحيا المحالفة الثلاثية، فلتعش العقيدة الجديدة الشاملة، فلتسقط الكهربائية، فليمت البخار، فلتمت الثعالب الملحدة.
ثم نهض أحد البغال وشرب نخب المحالفة الثلاثية، وتبعه على الأثر أحد الحمير، وشرب نخب الكل قائلًا: «نضحي الفرد من أجل الكل، والكل من أجل الفرد».
فاستدركه أحد الجياد قائلًا بشرط أن يكون هذا الفرد رئيسًا كبيرًا، فنضحي من أجله كل شيء، ثم نهض حمار آخر، وقال: لا تنسوا الآية الذهبية الرئيسية، نحن القرميد والرعية الإسفنج، ثم جاء الجحش راكضًا بعوده من زاوية الإسطبل, وهو يقول: لا تنسوا من أطربكم بصوته, وخدمكم بقلمه وريشته، فأنا أشرب سر الحصان، والبغل والحمار، وأنشد بعد أمركم بيتين في هذه المناسبة، وأخذ عوده وعدله، وصرخ بصوت عال:
أصوات من الجميع: برافو برافو لا فض فوك طيب الله الأنفاس.
ثم ختم الحصان الحفلة بصلاة صغيرة لا نفع من ذكرها هنا، وعاد فقسم الهواء الذي أفسدته الفصاحة إلى أربعة أقسام، وارفضت الجلسة بين الهتاف والصريخ، واللبيط والتصفيق.