القسم السابع
ولنختمْ كلامنا ببعض ما وقع من الأوهام المعنوية لمن يُعتد بهم من الشعراء المولدين، غير ما تقدم لنا ذكره بالمناسبة مع أوهام العرب.
(١) أبو نُوَاس
فمما أُدرك على أبي نواس قوله في وصف الأسد:
فإن عين المخنوق تكون جاحظة، والأسد لا يوصف بجحوظ العين، بل يوصف بغئورها، كما قال أبو زُبَيد:
ومن أوهامه ما رواه المرزباني في الموشح، قال: «حدثني المظفَّر بن يحيى، قال: غلط أبو نواس في قوله يصف الكلب:
لأنه ظن أن مخلب الكلب كمخلب الأسد والسِّنَّوْر الذي يستتر إذا أرادا حتى لا يتبيَّن، وعند حاجتهما تخرج المخالب حُجنًا محددة يفترسان بها، والكلب مبسوط اليد أبدًا غير منقبض.»
ومما أُدرِكَ على أبي نواس أيضًا قوله يصف الديار:
قال الجاحظ في الحيوان: «عابوه بذلك، وقالوا: لا يقول أحد: لقد سكت هذا الحجر كأنه إنسان ساكت، وإنما يوصف خرس الإنسان بخرس الدار، ويشبه صممه بصمم الصخر.» انتهى.
قلنا: الذي عندنا في البيت أنه من التشبيه المقلوب، والتخيل فيه بديع فلا وجه لما ذكروه.
ومن التناقض قول أبي نواس أيضًا يصف الخمر:
قال المرزباني في الموشح: «شبه حباب الكأس بالشيب، وذلك قول جائز؛ لأن الحباب يشبه الشيب في البياض وحده لا في شيء آخر غيره، ثم قال:
فالحباب الذي جعله في هذا البيت الثاني كالليل هو الذي في البيت الأول أبيض كالشيب، والخمر التي كانت في البيت الأول كسواد العذار هي التي صارت في البيت الثاني كبياض النهار، وليس في هذا التناقض منصرف إلى جهة من جهات العذر؛ لأن الأبيض والأسود طرفان متضادان، وكل واحد منهما في غاية البعد عن الآخر، فليس يجوز أن يكون شيء واحد يوصف بأنه أسود وأبيض، إلا كما يوصف الأدكن في الألوان، بالقياس إلى كل واحد من الطرفين اللذين هو وسط بينهما، فيقال: إنه عند الأبيض أسود، وعند الأسود أبيض، وليس فيما قاله أبو نواس حال توجب انصراف ما قاله إلى هذه الجهة.» انتهى.
فصيَّر هارون شبيهًا بوليِّ العهد، ثم قال: إنه خير الناس، ولم يستثن بهارون، فكأنه إما خَيْرٌ منه، وليس خيرًا منه لأنه شبيهه، أو شبيهه وليس بشبيهه لأنه خير منه، وهذا جمع بين النفي والإثبات.»
(٢) أبو تمام
ومما وهم فيه أبو تمام قوله:
قال القاضي الجرجاني في الوساطة: «جعل الشمال طرفة ببغداد، وهي أكثر الرياح بها هبوبًا، وقد رواه بعض الرواة أظرف، ولا أعرف معنى الظرف في الريح.»
وقوله:
قال في الوساطة: «وهذا المعنى فاسد؛ لأنه جعل البلاد إنما تضيق بأهلها لضيق الأرض، وأنها لو اتسعت اتساع صدره لم تضق البلاد، ونحن نعلم أن البلاد لم تخطط في الأصل على قدر سعة الأرض وضيقها، وأن الأرض تتسع لبلاد كثيرة، ولاتساع ما فيها من المدن أيضًا، وهي على حالها، وإنما تؤسَّس وتُبدَأ على قدر الحاجة إليها، فإذا استمر بها الزمان وكثُرت العمارة وظهر فيها ما يستدعي الناس إليها ضاقت، فإن جاورتها فسح وعِراص وسعت، وإلا احتمل لها بعض الضيق، فلو اتسعت الأرض حتى امتدت إلى غير نهاية وأمكن ذلك لم تزد البلاد التي تنشأ فيها على مقاديرها.» وقد خطأه فيه أبو هلال أيضًا، فقال في الصناعتين: «وذلك أن البلدان التي تضيق بأهلها لم تَضِقْ بأهلها لضيق الأرض، ومن اختط البلدان لم يختطها على قدر ضيق الأرض وسعتها، وإنما اختُطَّت على حسب الاتفاق، ولعل المسكون منها لا يكون جزءًا من ألف جزء، فَلِأَيِّ معنًى تصييرُهُ ضيقَ البلدان الضيقة من أجل ضيق الأرض؟ والصواب أن يقول: ورحب صدر لو أنَّ الأرض واسعة كوسعه لم يسعها الفلك، أو لضاقت عنها السماء، أو يقول: لو أن سعة كل بلد كسعة صدره لم يضق عن أهله بلد، والجيد في هذا المعنى قول البحتري:
أي لم يسلكها إلا بدليل لِسَعَتها، على أن قوله: مفازة صدر استعارة بعيدة.» انتهى.
وللآمدي كلام طويل عن البيت، راجعه إن شئت في الموازنة.
ومما أُدْرِكَ على أبي تمام قوله:
قال ابن سنان في سرِّ الفصاحة: «قيل: لِمَ منع ذوي القربى من عرفه، وجعله في الأبعدين دونهم؟ وهلَّا كان عطاؤه للقريب والبعيد.» وقال أبو هلال: «لا أعرف لِمَ حرم أقارب الممدوح عُرْفَه وصيَّرَه للأبعدين؟ فنقصه الفضل في صلة الرحم، وإذا لم يكن مع الودِّ نفعٌ لم يُعتَدَّ به.» إلى أن قال: «وقد أغرى أبو تمام بهذا القول أقرباء الممدوح؛ لأنهم إذا رأوا عرفه يفيض في الأبعدين ويقصر عنهم أبغضوه وذموه.»
قلنا: ولمَ لا يكون قصد أبي تمام أن الممدوح من بيت مجد وغنًى لا يحتاج أقاربه لغير الود منه؟ على أن مثل هذا ربما لا يعد من نوع الخطأ الذي توخَّينا ذكره إلا أن يُحمَل على أنه أراد أن يمدح فهجا.
وقوله:
قال أبو هلال: «وما وصف أحد من أهل الجاهلية ولا أهل الإسلام الحلم بالرقة، وإنما يصفونه بالرجحان والرزانة.» ثم أورد عدة شواهد على ذلك من أشعار الجاهليين والإسلاميين، كقول النابغة:
وكقول عدي بن الرقاع:
وقول الفرزدق:
وقال القاضي الجرجاني عن البيت: «البُرْدُ لا يوصف بالرقة، وإنما يوصف بالصفاقة والدقة، وقد أقام الرقة مقام اللطف والرشاقة في موضع آخر، فقال:
والقد لا يوصف بالرقة.»
قلنا: أما الذي انتقده أبو هلال فصحيح، وأما قول الجرجاني بأن البُرْد لا يوصف بالرقة فقد نقل التبريزي في شرحه لديوان أبي تمام عن المرزوقي أن الرقة تُستعمل في صفة الفاخر من الثياب وغيره حتى يقال: عندي ثوب أرقُّ من الهواء.
•••
هذا آخر ما كتبه العلامة المحقق المغفور له «أحمد تيمور باشا»، وقد عاجلته المنية قبل استيفاء هذه التعليقات النفيسة، وقد وجدنا مع أصول هذه التعليقات صفحتين كتبهما بخطه أيضًا، تشتملان على نصوص باقي هذه التعليقات التي كان يريد استيفاءها من المراجع التي قرأها، وهي تتمة للقسم السابع الخاص بأوهام الشعراء المولدين، فقد عيَّن اسم الشاعر والبيت الذي وَهِمَ فيه أو أخطأ، واسم الكتاب الذي ورد فيه، ورقم الصفحة، وقد أثبتناها كما وردت في هاتين الصفحتين؛ إتمامًا للفائدة وتعميمًا للنفع، ليستفيد منها العلماء والأدباء في إتمام هذا البحث النفيس، ويتَّخذوا منها مرآة لبحوثهم؛ لأنها تبيِّن كيف كان العلامة المحقق المغفور له «تيمور باشا» يضع عناصر مؤلفاته، وإلى القارئ ما ورد في هاتين الصفحتين:
تتمة الكلام على خطأ أبي تمَّام في المعاني «المواد وأسماء المراجع»١٠
- نجوم سماء: الموشح، ص٣١٠.
-
خلق الزمان القوم عاد ظريفًا: استعمله للظرف في غير النطق.
«ينظر في المثل السائر».
- حالت عليها الخلاخل: الوساطة، ص٦٦، الصناعتين، ص٩١.
- وقبولها ودبورها أثلاثًا: الصناعتين، ص٩٢، وبعده خطأ مثله لأبي المعتصم.
- أوهام لأبي تمام في المعاني: الموازنة، ج١، ص١٢–١٦، وانظر ص٥٧–١٥٠، والأولى قراءة الجزء الأول برمته.
البحتري
- أوهام له في المعاني: الموازنة ج١، ص١٥٠–١٥٤، وانظر في الصناعتين بيتًا من ذلك في ص٩٦-٩٧، والأولى قراءة الموازنة.
- خطأ له، والانتصار له: العمدة، أول ص١٩٢، ج٢.
- خطأ له في بيت: الريحانة، ص٩٣.
- قف مشوقًا … أو عذولًا: انظر المثل السائر ص٤٤٤، وشرح الصفدي على لامية العجم ج١، ص١٤٥، ونزول الغيث رقم ٥٣٩، شعر ص٢٣، ورقم ٧٦٥، شعر ص٣٢، وتحكيم العقول رقم ١٠١٧، شعر ص٢٧.
- تقسيم له غير صحيح: ابن أبي الحديد على نهج البلاغة ج٢، أواخر ص٢٢٣.
- خطؤه في نسبة صفية بالصبر: عبث الوليد آخر ص٧٩.
- خطأ له في المعنى: انظر الضياء ج٨، أواخر ص٣٨٦.
المتنبي
- غَلَطُه في تشبيه أذن الفرس بأذن الأرنب: اليتيمة ج١ أول ص١٢٤.
- الوجه تشبيهه الأذن بالورقة: أمالي القالي ج٢، ص٢٥٢، خزانة ابن حجة ص١٦٤.
- بيت فيه التشبيه بالورقة: العقد ج٣، أواخر ص١٥٩، تشوَّفا.
الغَزْل والغَزَل
- خطأ الشعراء في التورية بالغَزْل والغَزَل: فض الختام عن التورية والاستخدام للصفدي ص٤٣-٤٤.
- أوهام في المعاني لبعض الشعراء: الضياء ج٨، ص٥٤٤، وَهْم لابن بسَّام، وفي آخر ص٥٤٦ بيت للحسن العقيلي عكس فيه المعنى، ومثله لابن زمرك في ص٥٤٧.