دروس وموروثات
إن ما اعتبره آباؤنا النموذج الأصلي للشرف ليس — في الحقيقة — إلا شكلًا من أشكاله. لقد أطلقوا لقبًا عامًّا على ما لا يتعدى كونه صنفًا من الأصناف. ولذلك، فإن الشرف موجود في القرون الديمقراطية كما كان موجودًا في الأزمنة الأرستقراطية. ولكن لن يكون من الصعب إظهار وجهه المختلف الذي طل به علينا في زمن الديمقراطية.
الشرف: الأساسيات
لقد ارتحلنا عبر أزمنة عديدة وأجواءٍ شتى بحثًا عن دور الشرف في ثلاث ثورات أخلاقية اندلعت في الماضي؛ فزُرنا ويلينجتون ووينتشيلسي في لندن، وكانج يووي في بكين، وبن فرانكلين في فيلادلفيا، وجوسياه ويدجوود في ستوك أون ترنت، وانتهى بنا المطاف في باكستان الحديثة، التي نأمل أن تشهد ثورة في القريب العاجل. وصلنا الآن إلى المرحلة التي — كما وعدتكم في البداية — نستطيع فيها أن نصوغ ما تعلمناه عن الشرف في صورة نظرية أساسية.
إليكم الصورة إذن: أن تتمتع بالشرف يعني أن تستحق الاحترام؛ وعليه، إذا أردت معرفة ما إذا كان مجتمع ما مهتمًّا بالشرف، انظر أولًا إلى ما إذا كان أفراده يعتقدون أن أيًّا منهم له الحق في أن يُعامَل باحترام، ثم انظر بعد ذلك إلى ما إذا كان هذا الحق في الاحترام يُمنح على أساس مجموعة من المعايير المشتركة؛ أي على أساس ميثاق. فأي «ميثاق للشرف» يطلعنا على كيفية حصول أناس ذوي هويات محددة على الحق في الاحترام، وكيف يمكن أن يفقدوه، وكيف يؤثر حصولهم على هذا الحق وفقدانه على الطريقة التي ينبغي معاملتهم على أساسها.
تستطيع أن تُظهِر للناس أشكالًا عديدة من الاحترام، ويتطلب كل شكل منها أن يدرك المرء إدراكًا جيدًا في تعاملاته مع هؤلاء الناس حقيقةً ما أو بعض الحقائق، ويعد أحد أهم أنواع الاحترام إيلاء «التقدير الإيجابي» لشخص ما لنجاحه في الوفاء بمعايير محددة. يمكننا أن نطلق على هذا النوع من الاحترام مصطلح «التقدير». فنحن نقدِّر كل من يحسنون صنعًا في كافة ضروب الحياة، بداية من رياضة القفز بالمظلات وانتهاءً بنظم الشعر، إلا أن التقدير في بعض الأحيان لا ينبع من النجاح في عمل ما استنادًا إلى معيار ما، وهذا هو النوع الثاني من الاحترام الذي يشكل أهمية بالنسبة للشرف؛ إنه «الاحترام الإقراري». فنحن مدينون بالاحترام الإقراري لضابط الشرطة الذي يؤدي واجبه (ما دام يحترم المواثيق المهنية ذات الصلة). فإذا عثرت على مجتمع لديه ميثاق يمنح الحق في الاحترام في أي من صورتيه السابقتين، فثمَّة شرف.
يُطلق على الأشخاص أمثال دوق ويلينجتون وإيرل وينتشيلسي، ممن يتشاركون في عالم شرف واحد وفي هوية واحدة، مصطلح «نظراء في الشرف»، فكلاهما يتمتع بصفة عامة بحق احترام الآخر له، بحيث لا يقوم هذا الاحترام على التقدير، وإنما على الإقرار المتبادل لمكانتهما المشتركة. ويقف النظراء في الشرف على قدم المساواة على نحو مهم. ويختلف هذا النوع من الشرف بين النظراء عن «الشرف التنافسي»، الذي تحظى به عن طريق التفوق في مجال ما؛ أي عن طريق التفوق على من سواك في الوفاء بمعيار ما. فالشرف الذي حظي به «أخيل»، وهو شرف حصل عليه عن استحقاق لأنه كان محاربًا مغوارًا، هو من النوع التنافسي، ويتسم الشرف التنافسي في جوهره بالهرمية؛ نظرًا لأنه يصنِّف الناس وفقًا لمعيار ما.
ويتطلب أي ميثاق للشرف سلوكًا محددًا ممن يتشاركون في هويات محددة؛ فاختلاف الهوية عادة ما يعني اختلاف المتطلبات؛ فعلى سبيل المثال، تطالب المواثيق الرجل بمتطلبات تختلف عن المرأة. ولكن بصرف النظر عن التشارك في الهوية من عدمه، فإن من يحترمون ميثاقًا مشتركًا للشرف فيما بينهم، ينتمون لعالم شرف مشترك. فما يجمع بينهم هو إقرارهم بمتطلبات الميثاق بمقتضى هويتهم وتوقعهم الأمر نفسه من الآخرين. ويتضمن البشتون والي ميثاقًا مفصَّلًا من هذا النوع، وكذلك المواثيق التي كانت تحكم الطبقة المثقفة الصينية والسادة النبلاء الإنجليز.
فمن الممكن أن توزع مواثيق الشرف كلًّا من الاحترام الإقراري والتقدير دون أدنى مراعاة للأخلاقيات، فعلى سبيل المثال، لم يكن الاحترام الإقراري الذي حظي به السادة النبلاء من الإنجليز مستحَقًّا من الناحية الأخلاقية. صحيحٌ أن التقدير الذي يحظى به الممثلون الناجحون يعكس وفاءهم بمعايير التميز، إلا أنه لا يعكس وفاءهم بمعايير التميز «الأخلاقي»؛ فمن شأن مواثيق الشرف أن تطالب بدورها أصحاب هويات معينة بأن يفعلوا أشياء ليست من الأخلاق في شيء في واقع الأمر؛ وجرائم الشرف أبرز مثال على ذلك.
ومع ذلك، يبقى الحق في الاحترام الذي تكتسبه عندما تقوم بما تتطلبه الأخلاقيات أحد أنواع الشرف؛ وثمة نوع آخر، وهو الحق في التقدير الذي تكتسبه عندما تقوم بما هو أكثر مما تتطلبه الأخلاقيات، وهذا هو نوع الشرف الذي يتمتع به القديسون الأخلاقيون أمثال الأم تيريزا. وأخيرًا، فإن الأخلاقيات في حد ذاتها تطالبنا بالإقرار بأن كل إنسان يتمتع بحق أساسي في نوع من الاحترام نطلق عليه اسم «الكرامة». هذا مع يمتعه بالمساواة في الأمور الأخرى، فالكرامة شكل من أشكال الشرف هي الأخرى، وميثاقها قَطعًا جزءٌ من الأخلاقيات.
وأيًّا كانت الطريقة التي تحصَّلت بها على شرفك — سواءٌ عن طريق النجاح الذي قاد إلى التقدير، أو عن طريق الإقرار بِسِمة بارزة في شخصك — فمن الممكن أن تفقد هذا الشرف إذا ما عجزت عن الالتزام بميثاقه. فإذا التزمت بميثاقٍ للشرف، فإنك ستبدي الاحترام لمن يلتزم به، كما ستظهر الامتعاض لمن لا يلتزم به؛ وبالتالي إذا التزمت أنت نفسك بمعايير هذا الميثاق، فستحظى باحترام الذات؛ أما إذا عجزت عن الوفاء بهذه المعايير، فستُكِنُّ لنفسك كل الاحتقار، الذي هو مرادف الخزي. وإذا لم يشعر شخص ما بالخزي عندما يفشل (أو على الأقل، عندما يُمنى بفشل ذريع)، فهذا دليل على أنه لم يكن يُلزم نفسه بالميثاق، وهنا نقول إنه عديم الحياء.
أما ما ينبغي أن تشعر به عندما تلتزم بميثاق ما، فهذا أمر أقل وضوحًا؛ فالفخر هو نقيض الخزي، وربما تكون قد افترضت أن الفخر هو رد الفعل السليم لحصول المرء على الشرف، إلا أن بعض مواثيق الشرف تشترط التواضع فيما بين أصحاب الشرف، وعلى الرغم من ذلك، تدعو مواثيق الشرف، في العديد من المجتمعات، الأفراد الذين يحملون هويات محددة إلى أن يطالبوا بحقهم في التقدير عندما يستحقونه، وأن يصروا إصرارًا شديدًا عليه عندما لا يُمنحون إياه.
وكما تعلَّمنا، لا يعد الشرف مسألة تتعلق بالفرد فحسب. فأولًا — وكما رأينا سابقًا — تعتمد متطلبات ميثاق الشرف على هويتك؛ الأمر الذي يعني أن الميثاق يطالب كل من يشاركونك الهوية بالوفاء بالمتطلبات نفسها. وأما ثانيًا، فيمكنك أن تصبح شريكًا في الشرف الذي يناله من يحملون نفس هويتك، فيما يتعلق بالشعور باحترام الذات أو الفخر عندما يحسنون صنعًا، (وبالخزي عندما يسيئون صنعًا)، وكذلك فيما يتعلق بمعاملة الآخرين لك باحترام أو ازدراء. وينطبق نفس الأمر حتى لو لم تُقْدِم أنت نفسك على فعل أي شيء على الإطلاق.
نظرة للوراء
قد يبدو أن العديد من عناصر هذا التصور لحياة الشرف قد عفا عليها الزمن إلى حد بعيد، أليس كذلك؟ فمن المفترض في زمننا الحاضر أن ندرك الغاية من وراء مثل هذه المُثُل العليا المصطنعة، وأن ندرك أن الأخلاقيات في واقع الأمر تتعلق بتجنب الأذى، أو بالإنصاف، أو بالتوافق، أو بالحقوق؛ وأن جنسك وطبقتك، في أي حال من الأحوال، لا دور لهما في تحديد ما تطالبك به الأخلاقيات. فلا بد للشرف أن يُنفى إلى جزيرة فلسفية بعيدة تشبه جزيرة سانت هيلينا، وأن يُترك هنالك يرقب نياشينه تذوي، وسيفه الذي كان يومًا براقًا يأكله الصدأ.
بالطبع ليست هذه وجهة نظري. أود في هذا الفصل الأخير أن أثبت أن الشرف مناسب تمامًا وعلى نحو مميز لعملية تحويل المشاعر الأخلاقية الخاصة إلى معايير عامة، ولا سيما عندما يتطهر من تحيزاته لطبقة اجتماعية أو لنوع اجتماعي، أو ما شابههما. وتتجلى قدرة الشرف على أن يربط بين ما هو شخصي وما هو عام في السبيل الذي سلكه في بريطانيا وفي الصين، والسبيل الذي يسلكه الآن في باكستان، في التحول من القناعات الأخلاقية الفردية إلى إقامة جمعيات والتخطيط للاجتماعات والالتماسات والحملات العامة؛ وهي كلها أمور ضرورية للنجاح النهائي للحركات السياسية من هذا النوع. وهذا ما سيحض عليه المؤرخون وعلماء الاجتماع، وهم محقون في ذلك. وهذا أحد الأسباب التي لا نزال من أجلها نحتاج الشرف؛ فالشرف يستطيع أن يساعدنا في صنع عالم أفضل.
بيد أنه لا يقتصر دور منظومات الشرف على مساعدتنا في أن نتعامل مع الآخرين باحترام وتقدير فحسب؛ فهذه المنظومات من شأنها أن تدعمنا في سعينا لتحقيق ما فيه صالحنا. فإذا صحت المواثيق، تصبح الحياة التي يحياها المرء بشرف حياة جديرة حقًّا بالاحترام. فسيمنح عالم الشرف هذا الأشخاص والجماعات الاحترام الذي يستحقونه، وسيكون الاحترام إحدى مكافآت حياة جديرة بالعيش، كما سيعزز من احترام الذات داخل كل من يحيون هذه الحياة الطيبة. فعالم يُمنح الاحترام فيه لمن يحيون حياة طيبة هو عالمٌ سيزيد فيه عدد من يستطيعون أن يحيوا مثل هذه الحياة؛ فثقافة الاحترام ستدعمهم. ومن ثم، ليس الشرف بقايا متحللة لمنظومة ما قبل الحداثة. فالشرف — في أعيننا — هو ما كان عليه الشرف دومًا: محركٌ يستمد وقوده من الحوار الدائر بين تصورنا لذاتنا ونظرة الآخرين لنا، ومن شأن هذا الحوار أن يقودنا إلى أن نتحمل بكل جدية مسئولياتنا في العالم الذي نتشارك فيه. فامرأة، مثلًا، تتمتع بالنزاهة ستهتم بأن تفي بمثلها العليا. وإذا نجحت في ذلك، فقد ندين لها بالاحترام، إلا أن الاهتمام بفعل الصواب يختلف عن الاهتمام بجدارتك بالاحترام. فالاهتمام بنيل الاحترام هو ما يربط طيب العيش بالمكانة التي نتبوَّءها في أي عالم اجتماعي. فالشرف يرقى بالنزاهة إلى الصعيد العام.
التحدي الأخلاقي
ولكن إذا كان ما يهمنا هو التقدم الأخلاقي، فلماذا كل هذه الضجة حول الشرف؟ فعلى كل حال، نحن نعلم أن الأمر قد يسير في الاتجاه الخاطئ بنفس اليسر الذي قد يسير به في الاتجاه الصحيح. فبصرف النظر عن الشرف، كان اتهام وينتشيلسي لويلينجتون بالخديعة أمرًا خاطئًا، كما كان فيه إساءة لسمعته، وقد تعتقد أنه كان ينبغي على ويلينجتون أن يطلب من وينتشيلسي الاعتذار، لا لأن شرفه قد أهين، ولكن ليصلح ما أفسدته الكذبة. وهنا يكمن التحدي الذي تضعه المسائل الأخلاقية أمام الشرف؛ إذا كان على المرء أن يفعل الصواب لأنه الصواب؛ الأمر الذي يعتبر من المثل العليا للحياة الأخلاقية التي كان إيمانويل كانط أول من عبَّر عنها؛ إذن فالمنظومة التي كان يحتكم إليها هؤلاء السادة النبلاء موضع اعتراض. فحتى عندما توجههم منظومتهم إلى فعل ما يصادف أنه الصواب، فإنهم يستندون في فعلهم للصواب إلى الأسباب الخطأ. وإذا كان من الخطأ أن تكذب أو أن ترفض أن تتقدم باعتذار واجب عليك، فلماذا لا تقول هذا بكل صراحة؟ لماذا تلجأ إلى الزج بالشرف في المسألة؟
ولكنني أود كذلك أن أحافظ على حقي في الاحترام؛ لأنني لدي حس الشرف. ومن ثم، يتوافر لديَّ سبب آخر للإحجام؛ ألا وهو: الحفاظ على شرفي. أود أن أكون جديرًا بالاحترام، سواءٌ وُجد من يحترمني بالفعل أو لا. إذن، فالواجب والشرف كلاهما يمدني بأسباب لا علاقة لها بردود فعل الآخرين في الواقع، وإنما بأسباب تعد داخلية من هذا المنطلق. ولكن ثمة أسباب خارجية أيضًا لفعل الصواب، أسباب ترجع إلى ما سيحدث إذا ما اكتشف الآخرون أنني قد اقترفت خطأً، مثل الخوف من معاقبة القضاء. وبصفتي شخصًا يتمتع بالشرف، فإنني أهتم بكوني جديرًا بالاحترام، كما أهتم بحصولي على هذا الاحترام بالفعل؛ فأنا أحب أن أكون محترَمًا، وإذا ما فقدت احترام الآخرين لي، فإنهم سيتعاملون معي معاملة أقل جودة.
كان من بين الأسباب التي طرحها كانط لمزايا أن تنبع أفعالنا من إرادتنا الخيرة هو أننا إذا حاولنا أن نفعل هذا الأمر ونجحنا فيه، فلن يكون ما فعلناه من صواب في العادة من قبيل الصدفة. ومن ناحية أخرى، ذكرتُ لتوي أن أي فرد لا يقدم على أي فعل إلا بدافع من اهتمامه بالأسباب الخارجية لن يفعل الصواب إلا إذا اعتقد أنه قد يكشفه الآخرون. ولكن إذا نظرنا إلى الحالة التي طرحتها، الحالة التي يُكِنُّ فيها الميثاق احترامًا لمن يقومون بما هو صحيح أخلاقيًّا، عندها يصبح الاهتمام بالشرف مثله مثل الإرادة الخيرة. فإذا كان قيامي بما هو صحيح أخلاقيًّا سيعود عليَّ بالاحترام، إذن سيصبح الدافع وراء الشرف موجودًا أيًّا كانت الاحتمالات التي يطرحها الموقف الخارجي. وإذا كنتَ تضع الإرادة الخيِّرة موضع تقدير للسبب الذي ذكره كانط، فبإمكانك أن تضع الشرف هو الآخر موضع تقدير للسبب نفسه، شريطة أن يكون ميثاق الشرف قد ربط بين الشرف وفعل الصواب. حينها لن تكون العلاقة التي تربط الشرف بفعل الصواب رهن شرط، بل ستكون نابعة من الداخل.
أعتقد أن هذا ليس رأي كانط نفسه، ففي الجزء الأول من كتابه «أسس ميتافيزيقا الأخلاق»، عندما كان يتأمل بصراحة «الميل نحو الشرف» بصفته دافعًا، قال: إنه ليس جديرًا بأعلى درجات الاحترام، حتى عندما يصادف ما يتفق مع المصلحة العامة ومع الواجب. والسبب — في رأيه — أن الأمر الوحيد الذي يستحق كامل الاحترام هو أن يحسن الإنسان صنعًا لأن هذا هو الصواب؛ أي أن يتصرف بدافع الواجب، كما يصفه في بعض المواضع.
إن ما يناقشه كانط هنا هو الحالة التي يتزامن فيها وجود الشرف والواجب نتيجة لما أطلق عليه «الصدفة السعيدة». إذن، فهو لا يعتقد في إمكانية أن أكون قد تلمستُ نوعًا من الشرف تربطه بالأخلاقيات علاقة «ليست» من قبيل الصدفة. وهنا ربما كان سيوافقني الرأي على أن الشرف من شأنه أن يصبح دافعًا له نفس قيمة الواجب، في الحالة الخاصة التي يكون فيها ميثاق الشرف ذا صبغة أخلاقية كاملة، فلا يمنح الاحترام إلا لمن يقوم بواجبه الأخلاقي. وقد كان رأي ويلبرفورس مشابهًا لهذا الرأي، كما رأينا سابقًا، وكل من كانط وويلبرفورس نموذجٌ للورع البروتستانتي.
ما أود أن أثبته — على العكس من كانط — هو أن الشرف دعوة من دعوات العقل؛ فالشرف دعوة تقوم على أساس إدراكنا للعديد من المعايير المختلفة التي تفترضها مواثيق الشرف هذه مسبقًا. وعندما تكون هذه المعايير منطقية ومعقولة بالنسبة لنا؛ أي عندما نقطن جميعًا عالم الشرف نفسه، عندها ندرك أن من يفي بهذه المعايير يستحق احترامنا. أحيانًا سيكون المعيار هو الأخلاقيات، كما سبق ورأينا. ولكن في أحيان أخرى، لن يكون هذا هو الحال.
مشكلة الهرمية
في بعض الأحيان، يحفزنا إحساسنا بالعدل أو اهتمامنا بفعل الصواب، سواءٌ لاحظه الآخرون أو لم يلاحظوه. ولكن في أحيان أخرى، نجد حافزًا (أو حافزًا إضافيًّا) في الطريقة التي نتوقع أن تكون عليها استجابة الآخرين لما نفعله. فعلى سبيل المثال، نحن نلقَى معاملة أفضل ممن يكن لنا مشاعر الود، ولذلك السبب نرغب في أن يحبنا الآخرون. وهذا ما نطلق عليه اسم الأسباب «الوسيلية» للاهتمام بموقف الآخرين منا. ولكننا نحن البشر نتجاوب على وجه العموم مع مشاعر الاحترام والازدراء، لا لتوافر الأسباب الوسيلية لدينا، ولكن لأننا لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من ذلك. إنها حقيقة واقعة عنا تقضي بأننا نرغب في أن نحظى باحترام الآخرين، وأننا — إلى حد ما — نرغب في هذا الاحترام من أجل الاحترام في حد ذاته.
بالتأكيد كان لميثاق الشرف الخاص بالسادة النبلاء متطلبات تتعلق بأشكال معينة من السلوك منها القيام بالواجب تجاه الملك والوطن، والكياسة، إلى آخره. بيد أن الميثاق كان يراعي حقائق متعلقة بالأصل والنسب بالإضافة إلى معايير السلوك؛ فأنت تجني نقاطًا إضافية لكونك أصيل المحتد والنسب. وهذه السمة التي امتازت بها المعايير هي نفسها التي منحت الأمير هال حقه في الشرف. ففي القرن الثامن عشر، كان من الجائز بين الحين والآخر أن يُسَلَّم بأن شخصًا ما استطاع أن يتغلب على أصله؛ أي إنه استطاع أن يصبح واحدًا من «السادة النبلاء بطبيعته» (وهي عبارة مفعمة بالاستعلاء). ولكن نادرًا ما كان يُسَلَّم بأن أي رجل أو أي امرأة من النبلاء بالمحتد والنسب قد أصبح واحدًا من العامة بطبيعته. (إلا أنه بالطبع ثمة العديد من الشابات اللاتي تعلَّمن من قراءة الروايات أنه بإمكان أحد أفراد الطبقات الرفيعة أن يقدم على تصرفات تليق بالغوغاء.)
وليس الرابط بين الاحترام والهرمية رابطًا دائمًا بكل تأكيد. نذكر أن الاحترام الإقراري يعني أن تعامل شخصًا ما بطريقة تتناسب مع الحقائق التي نعرفها عنه، وأن هذا يعد في أغلب الأحيان واجبًا أخلاقيًّا. فعلى سبيل المثال، يعد الواجب الأخلاقي الذي يقضي بتجنب التسبب في ألم لا داعي له للآخرين مشتقًّا من الاحترام الذي يجب علينا تجاههم نتيجة لقدرتهم على تحمل المعاناة. وكما رأينا، فإن ميثاق الشرف البريطاني الخاص بالسادة النبلاء نفسه يتضمن شكلًا من أشكال الاحترام الإقراري؛ ففي سياق الافتراض القائم على معلومات أساسية عن العضوية في طبقة اجتماعية مشتركة، يؤكد الميثاق على شكل محدد للتكافؤ الاجتماعي. فها هو التبارز الذي استهللنا به حديثنا قد جاء ببطل حرب مخضرم وبنظير له مغمور ليقفا على أرض المعركة على قدم المساواة.
ولكن لا مجال لإنكار أن الاحترام التقديري، نتيجة لطبيعته النسبية، يفضي بالفعل إلى هرمية من نوع ما، وذلك على الرغم من أنه ينبغي علينا ألا يقودنا ذلك إلى الاعتقاد بأنه يتصادم والأخلاقيات. فعندما يقدم شخصٌ ما على عملٍ بطولي من المنظور الأخلاقي، نصبح مدينين له، لا بالاحترام الإقراري الطبيعي فحسب، بل بالاحترام التقديري كذلك، وعندها يكون التقدير الذي نمنحه لهذه الشخصية تقديرًا تغمره المشاعر الأخلاقية. وفي الوقت ذاته، يتضمن الجزء الأكبر من هذا التقدير، أو الجزء الأكبر من الشرف الذي نمنحه إياه، معايير لا علاقة لها بالأخلاقيات من قريبٍ أو بعيد. فعندما نضفي شرفًا على كبار المفكرين والفنانين والرياضيين، فإن هذا لا يعني بالضرورة أننا نقيِّم مناقبهم الأخلاقية. (والواقع أننا في زمننا الراهن قد اعتدنا على أن يخذلنا أبطالنا الأكاديميون والفنانون والسياسيون والرياضيون في الجانب الأخلاقي.) ولكن عادة ما يعكس التقدير معايير معقولة للتقييم في المجتمعات التي تصدر أحكامها على أساس من الجدارة والكفاءة. أما لي أن أقدِّر الحائز على جائزة نوبل، أو أن أقدِّر شخصًا منحته جامعتي درجة فخرية لخدماته الخيرية للإنسانية، أو أن أقدِّر الحاصل على وسام جوقة الشرف، أو على وسام الكونجرس للشرف؟
كما يقول طائر الدودو في رواية «أليس في بلاد العجائب»: ««الكل» قد ربح، و«الكل» يجب أن يحصل على جوائز.» إلا أننا لا نعيش في بلاد العجائب، فلا نملك إلا أن نعترف بوجود تدرجات هرمية في مجالات مثل الرياضة أو الإنجاز الفكري؛ فأخذك هذه المجالات على محمل الجد لا يعني سوى أنك تدرك أنه من شأن أدائك أن يكون أفضل أو أسوأ في تلك المجالات؛ وبالتالي، تستطيع أي منظومة للتقدير نُظِّمت تنظيمًا سليمًا أن تساند الدوافع التي ينبغي أن نرغب في مساندتها. وبما أن الآليات النفسية التي يقوم على أساسها التقدير ستعمل — شئنا أم أبينا — تبقى السياسة العاقلة الوحيدة هي العمل على تنظيمها قدر المستطاع حتى تتوافق مع الغايات التي يمكن أن نؤيدها.
التعطش للدماء
إذن، يستطيع الشرف أن يكون على قدر التحدي الأخلاقي، كما يستطيع أن يطهِّر نفسه من استناده إلى أشكال للهرمية غير مشروعة من الناحية الأخلاقية. بيد أن الشرف يواجه تحديًا ثالثًا أودُّ أن أسلط الضوء عليه، وهو أن الشرف سيبدو كأنه على علاقة غير جذابة بالعنف. فالمبارزة، وعادة ربط الأقدام، والاسترقاق، وجرائم الشرف؛ كلها مرتبطة بأشكال للحياة يُحَافَظ فيها على الشرف عن طريق الاقتتال، أو التسبب في الألم. وربما كان للمشاعر ذات الصلة بالشرف، في مطلع تاريخ جنسنا البشري، دورٌ في منح هيكل متماسك للجماعات التي كانت تستطيع الصيد، وحماية نفسها من المعتدين، والتشارك في مهمة تربية الأطفال. كان تنسيق عمل الجماعة يقوم على أساس أنماط من الإذعان للحكم والطاعة في السلوك. ثم جاءت الثقافة لتأخذ هذه الآليات الأساسية وتستغلها لخدمة أغراض أخرى. إلا أنه في كثير من الأحيان تُمنى هذه الأدوات التي كان الغرض منها الحفاظ على المنظومة بالفشل، وعندها، فإننا نحن البشر — ولا سيما الرجال منا — نتقاتل على الأرجح.
نحن بحق جنس عنيف على نحو مذهل؛ فنحن نتقاتل داخل الجماعات إلى درجة تصل إلى القتل في كثير من الأحيان؛ كما ننظم صفوفنا بغرض الاقتتال مع جماعات أخرى أكثر من أي جنس آخر. فنحن نتقاتل بغرض الحصول على الغذاء والجنس والسلطة، كما نتقاتل من أجل الشرف. ففي سبيل البحث عن الشرف، ينفق البشر الموارد، كما يعرِّضون — وبخاصة الرجال منهم — حياتهم للخطر. ولا بد أن هذه التصرفات قد وقرت في نفوسنا بوصفها نزعة وراثية ما دام لكلفتها مزايا تعويضية. وأيًّا ما كانت هذه المزايا، فمن المفترض أن تفسر السبب وراء حدة حرصنا على الهرمية، وكذلك قدرتنا على تحديد موقعنا وموقع الآخرين من درجات التسلسل الهرمي.
لا بد إذن أن التغيرات التاريخية التي وضعت حدًّا للمبارزة والاسترقاق وعادة ربط الأقدام قد غيَّرت من الشرف، ولكنها لم تقضِ عليه. فكما رأينا، كان كل واحد من هذه التغيرات جزءًا من ثورة أكبر وأطول شهدتها العواطف الأخلاقية، وكان هدفها التقليص من الدور الذي تلعبه الطبقة الاجتماعية والعرق والنوع في رسم ملامح الهرمية. أدت هذه التغيرات الاجتماعية إلى تغير معنى الشرف؛ ولكنها لم تدمر كل درجات الهرمية؛ حيث إنها تفتح المجال على وجه الخصوص أمام التميُّز على أساس من الجدارة والكفاءة، فتهدف على الأحرى إلى تغيير المقاييس وتعديل المعايير التي يُقيَّم الناس على أساسها، ولكن يبقى أمامها مشروع اجتماعي محوري آخر؛ وهو ترويض تعطش الشرف للدماء.
يعد هذا بحق أحد أهم إنجازات الثورة الأخلاقية التي وضعت حدًّا للمبارزة في بريطانيا. فقد قضت على نوع معتاد من الاحتكام للعنف، كما كبحت جماح النزاعات التي كان محورها الشرف. (وفي هذا مفارقة من نوع ما. فقد كانت قواعد المبارزة ذاتها في يوم من الأيام خطوةً للأمام على طريق الإصلاح الأخلاقي؛ فجاءت لتحل محل ثقافة كانت سائدةً في إيطاليا في عصر النهضة تسمح للشاب أن يذود عن شرفه عن طريق الاقتتال غير الخاضع لأي تنظيم، من النوع الذي قُتل روميو تيبالت على أساسه في مسرحية شكسبير.) وقد أصر الكاردينال نيومان، في المناقشة التي أشرت إليها آنفًا، على جانب النبل في وصفه للسادة النبلاء، وفي وصفه لهذه القيمة من المثل العليا — الذي امتد لصفحات وصفحات — مادةٌ ممتعةٌ للقراءة. فالسيد النبيل في نظر نيومان يتجنب التسبب في الألم للآخرين، كما «يمنح اهتمامه لجميع من حوله؛ فهو حنون مع الخجول، ولطيف مع غير الودود، ورحيم مع السخيف؛ يستطيع أن يتذكر من يتحدث إليه؛ حريص على تجنب التلميحات في غير محلها والموضوعات التي من شأنها أن تثير غضب الآخرين؛ ونادرًا ما يكون بارزًا في أثناء الحوار، ولا يكون مملًّا أبدًا».
إلا أن ترويض الشرف الشخصي الذي يليق بالسادة النبلاء لم يقضِ تمامًا على إغراء السعي بالسيف والسلاح لنيل الشرف الجمعي. فقد كتب نيومان يقول إن الرجال البريطانيين كانوا يشاركون في معارك من أجل إمبراطورية آخذة في الاتساع، وقد تشرَّبوا مفاهيم عن الشرف تعود لأكثر من خمسمائة عام من قراءتهم لمسرحيات شكسبير التاريخية أو لكتابات معدلة لمسرحية «موت آرثر». لقد بدأ القرن العشرون بحرب ارتُكبت بها مذابح يعجز عنها الوصف، وصار من المستحيل تذكر الهدف من ورائها. وعلى الرغم من ذلك، نجد روبرت بروك — الشاعر الإنجليزي الشاب مرهف الحس، الذي كان من المفترض أن يرى المبارزة أمرًا سخيفًا — يمجد إهدار الحياة الإنسانية بلا طائل بحماسة ظاهرة:
يزعم القائمون على تدريب جيوشنا أن الشرف العسكري ضروري في تحفيز الجنود على خوض الحروب وتهذيب سلوكهم في الوقت ذاته. وإنني أميل إلى تصديق هذا الزعم لأسباب سأذكرها بعد قليل، إلا أن المشكلة تكمن بالطبع في أن مثل تلك العواطف التي عبَّر عنها روبرت بروك تجعل احتمالات خوض الحروب أكثر ترجيحًا، فأيُّ نفس — حتى وإن كانت على درجة معتدلة من الإحساس — تستطيع أن تقاوم إغراء الاستجابة لنداء تلك الأبواق؟
التقدير ومبادئ الأخلاق المهنية
كما رأينا فإن الاحترام الإقراري في صورته الأساسية حقٌّ مكفولٌ لكل فرد في صورة الكرامة الإنسانية، إلا أن هذا لا يعني أننا لا نستطيع أن نمنح أشكالًا مختلفة من الاحترام لأناس ذوي هوية معينة؛ فنحن نمنح حق الاحترام الذي هو على هذه الدرجة من الخصوصية للقسيس في أثناء القداس، كما نمنحه للمدير في العمل، ولضابط الشرطة في زيه الرسمي، وللقاضي في دار القضاء، وللعديد من الموظفين العموميين في أثناء أدائهم لواجباتهم، وعادة ما يأخذ الاحترام في هذه الحالات شكلًا من أشكال الإذعان المرهون بسياق ما؛ فنحن مثلًا نخاطب القاضي في المحكمة بلقب: «سيادتكم»، ولا ننتقده في المحكمة بالصراحة نفسها التي قد نلجأ إليها إذا ما ارتكب خطأً قانونيًّا في أثناء حوارٍ على مأدبة عشاء.
إن إحدى عواقب تحول ثقافتنا إلى النظام الديمقراطي أنه صار من غير المتوقع أن يُظهِر الناس هذا النوع من الإذعان للمواطنين إخوانهم خارج سياق الأدوار الخاصة التي يقومون بها؛ فعلى سبيل المثال، في شكل من أشكال الحياة الاجتماعية الأقدم والأقل ديمقراطية، كان الرجل يتوقع امتثال المرأة له، كما كانت الطبقات الاجتماعية العليا تتوقع الإذعان نفسه من الطبقات الأدنى، وكذلك كان يتوقعه الرجل الأبيض من الرجل الأسود … وقد كانوا يتوقعونه في كل مكان وفي كل زمان. نتج عن هذا عوالم اجتماعية حُرِم فيها الجزء الأكبر من البشر من خوض تجربة أكثر أشكال الإقرار إيجابية.
ولكن فيما يخص الحفاظ على هذه الأدوار الاجتماعية الخاصة وتهذيبها، يضطلع الاحترام التقديري بدور حيوي؛ فهو يساعد في الحفاظ على معايير السلوك ذات الطبيعة الملحَّة. فالتقدير، كما يشير جيفري برينان وفيليب بيتيه، بصفته سبيلًا من سبل تشكيل سلوكياتنا، يخضع في الواقع لرقابة جميع أفراد عالم الشرف. والسبب وراء ذلك بسيط؛ فالأشخاص في أي عالم من عوالم الشرف ينظرون تلقائيًّا نظرة احترام إلى من يوفون بميثاق عالمهم، وينظرون نظرة ازدراء إلى من ينتهكه. ومع هذه الطبيعة التلقائية لردود الأفعال، يصبح الحفاظ على المنظومة أمرًا هينًا للغاية في واقع الأمر، فكل ما تحتاجه المنظومة هو أن تكون استجابتنا الاستجابة التي ننزع إليها بطبيعة الحال.
ولنتدبَّر ميثاق الشرف العسكري: يخاطب الميثاق الأشخاص بصفتهم من الجنود (أو من قوات مشاة البحرية، أو من الضباط … إلخ؛ حيث يوجد العديد من الهويات ذات الصلة)، أو بالطبع كما صار من المعلوم لدينا، بصفتهم من الأمريكيين، أو من الإنجليز، أو من الباكستانيين. وفي الوقت الذي قد يشعر فيه الجندي بالخزي عندما تسيء فرقته أو فصيلته التصرف، أو بالفخر عندما تحسن صنعًا، فإن ما يعنيه في الأساس هو أنهم أنفسهم ينبغي أن يتبعوا مواثيق الشرف العسكرية.
وهنا يجدر بنا السؤال عن السبب وراء الاحتياج إلى الشرف في هذا السياق؛ ففي نهاية المطاف، يمكن أن نكتفي بالقانون في حد ذاته لتوجيه جيوشنا؛ فالانضباط العسكري يجعل الاستفادة من كافة أنواع العقاب أمرًا يسيرًا. كما أن المرتزقة يحركهم المال. إذن، لماذا تعد أنواع التنظيم الاجتماعي هذه — سواء في السوق أو القانون — غير كافية لإدارة جيش من الجيوش، ما دامت كافية على سبيل المثال لإدارة المهام الأخرى للدولة، مثل صيانة الطرق السريعة؟
حسنًا، بادئ ذي بدء، يحتاج كل من نوعي التنظيم سابِقَي الذكر إلى المراقبة. فحتى يتسنى لنا أن نمنحك علاوة أو أن نفرض عليك عقابًا ما جزاءً لمخالفتك للقانون، ينبغي توافر من يستطيع أن يستدل على ما قد فعلته. ولكن عندما تكون المعركة حامية الوطيس، يكون الغبار من الكثافة بحيث يحجب الرؤية تمامًا. وإذا كان هدف الجندي مجرد الحصول على علاوة أو تفادي الحبس، فلن يكون لديه الحافز لأن يحسن التصرف في اللحظة التي نكون فيها في أمسِّ الحاجة إليه. من الممكن بالطبع أن نكرِّس الكثير من الجهود باهظة التكاليف لتوفير هذا النوع من الرقابة؛ فمثلًا نستطيع أن نزوِّد كل جندي بجهاز يراقب كافة تحركاته وتصرفاته، ولكن ستكون مقابل كُلفة نفسية وأخلاقية علاوة على التكلفة المالية غير الهينة. وعلى النقيض، يستطيع الشرف، الذي يرتكز على أساسٍ من حس الجندي الشخصي (وكذلك أقرانه) بالشرف، أن يلعب دورًا فعالًا دون أي مراقبة خارجية؛ وعلى العكس من نظام القانون أو عقود السوق، فإن أي فرد موجود في عالم شرف ما وينتمي إليه يصبح أداة تنفيذ لميثاقه بكل فعالية، وعليه تنخفض كُلفة تطبيق الشرف على أرض الواقع انخفاضًا كبيرًا، وعندها، كما أشار برينان وبيتيه، لن يساورنا القلق بشأن حراسة الحراس.
ثمَّة سبب آخر وراء تفضيل الشرف على القانون باعتباره آلية من آليات تحفيز الجنود. إن التضحيات الأكثر فائدة في الحروب هي من النوع الذي يتطلب أن تتحمل المخاطر، والتي تعني الإقدام على أفعال هي بلغة الجنود زائدة عن المطلوب؛ أي أفعال محببة على الصعيد الأخلاقي، ولكنها تتطلب بذل النفيس والغالي لدرجة لا تجعلها لازمةً على المستوى الأخلاقي. فليس من الصحيح أخلاقيًّا أن تعاقب شخصًا ما على عدم فعله شيئًا ليس واجبًا عليه. ولكن، نظرًا لجواز منح المكافآت المادية في المعتاد للإثابة على القيام بنافلة من النوافل التطوعية، فربما يقودك هذا إلى التفكير في أن السبيل الصحيح لضبط السلوك العسكري قد يكون الحوافز المالية، ذلك إذا أردت أن تجد حلًّا لمشكلة غبار المعركة.
فلنمت بشرف!
أما عن التعليم، فكم من مرة سمعت فيها أشخاصًا يتساءلون عما حلَّ بالمعلم المتفاني الذي كان يعمل لساعات وساعات، ويحظى باحترام مجتمعه وأولي أمر طلابه؟ (ولكن من ناحية أخرى، إذا كان المجتمع يقدِّر بحق ما يقوم به المعلم، فلماذا إذن رواتب المعلمين ضئيلة على هذا النحو؟) لا شك في أنها مسألة تاريخية معقدة تدور حول مدى وجود عالم كانت فيه تلك المهن في يوم من الأيام تنظمها معايير مهنية جوهرها ميثاق شرف ما، ومقدار ما تلاشى من عالم الشرف هذا. ولكنَّ ثمة شكوكًا يشاركني فيها الكثيرون تدفعني إلى الاعتقاد في أن عالم الشرف هذا قد تكبَّد بالفعل خسارة ما.
مهمات مشرِّفة
يعطي الشرف — في صورة الكرامة الفردية — زخمًا للحركة العالمية لحقوق الإنسان؛ كما يمنح، في صورة التقدير الفردي المستحق، الفرصة للمجتمعات الكبيرة منها والصغيرة لإثابة المتميزين وتشجيعهم؛ أما في صورة الشرف القومي، بما لديه من إمكانات بفعل الفخر وما يمثله من تهديد بفعل الخزي، فمن شأنه أن يحفِّز المواطنين في كفاحهم الأبدي لفرض الانضباط على أفعال حكوماتهم. أضف إلى كل ما سبق الطرق التي يستطيع الشرف أن يسلكها لخدمتنا في المهن المختلفة. وفي تلك السياقات جميعها، يعتمد الشرف على سمة من سمات العلوم النفسية الاجتماعية لدينا التي على حد علمنا لا مناص منها.
ولكنني أود أن أختم، لا بسرد مفاهيم تجريدية، وإنما بالحديث عن شخصيتين، عن رجل وامرأة، لكل منهما خلفية وظروف تختلف كليًّا عن الأخرى. كلاهما وجد نفسه مدفوعًا من منطلق إحساسه بالشرف لأن يسلك سلوكًا يستحق التقدير يمثل أفضل حجة لإثبات قيمة الشرف. وكلاهما تحدى ميثاقًا للشرف كان يتعارض مع آداب اللياقة والعدالة، وبتحديهما هذا تمكَّنا من دفع مجتمعيهما نحو مستقبل أكثر عدلًا وإنصافًا، ولم يقتصر تأثيرهما على مجتمعيهما فحسب.
وفي ١٦ سبتمبر ٢٠٠٥، كان قرار إيان فيشباك ألا يختبئ وراء ستار عدم الكشف عن هويته الذي كانت قد منحته إياه هيومان رايتس ووتش. فكتب إلى السيناتور جون ماكين يحثه على أن «ينصف رجاله ونساءه الذين يرتدون الزي العسكري» عن طريق منحهم «معايير سلوك واضحة تعكس المثل العليا التي يضحون بحياتهم من أجلها». وفي نهاية المطاف، قام السيناتور ماكين ومعه سيناتوران آخران بوضع مسودة قانون يهدف إلى ما دعا إليه فيشباك.
يضرب لنا إيان فيشباك مثلًا في قوة الشرف في خدمة اللياقة الإنسانية؛ فقد أدرك أن الشرف يعني الاهتمام لا بالتقدير فحسب، بل أيضًا بكون المرء «يستحق» هذا التقدير. وقد أبدى استعداده للمخاطرة بتعرضه لاستهجان زملائه ورؤسائه؛ الأمر الذي يعني إمكانية تعرض حياته المهنية لنكسة كبرى؛ وذلك من أجل الحفاظ على هذه الجدارة. إن إحساسه الشخصي بالشرف؛ أي إحساسه بالشرف بصفته ضابطًا في الجيش، وإحساسه بالشرف بصفته أمريكيًّا؛ كانت كلها على المحك، كما كانت محل خلاف. فقد كتب للسيناتور ماكين يقول: «نحن نمثل أمريكا، وينبغي علينا أن تكون أفعالنا وفقًا لمعايير أعلى، ووفقًا لمُثُلٍ عليا عبرت عنها وثائق مثل إعلان الاستقلال والدستور.» وهنا يتضح لنا الخدمة المزدوجة التي يقدمها الإحساس بالشرف القومي لكل منا؛ فهو يتيح لنا فرصة المشاركة في حياة بلدنا، إلا أنه يمنحنا أيضًا فرصة إشراك بني وطننا الذين يهتمون بشرفنا الذي يجمعنا كذلك.
يذكِّرنا الكابتن فيشباك بأن الشرف العسكري — إذا فهمناه فهمًا صحيحًا — أمرٌ يستحق الاحترام منا جميعًا، جنودًا ومدنيين، ولكن حتى يتسنَّى لنا فهم كامل نطاق قوة الشرف، نحتاج إلى أن نتأمل مواضع يكون فيها الشرف أقل ظهورًا منه في عالم الجندية. ولا يوجد موضع أقل وضوحًا من قرية زراعية في العالم النامي. إلا أن امرأة، تمثل نموذجي الثاني للشرف، وُلدت في ذلك المكان (قبل ست سنوات من الكابتن فيشباك)، في قرية ميروالا بالقرب من بلدة جاتوي في منطقة مظفرجاره الكائنة في الجزء الجنوبي من إقليم البنجاب في باكستان. اسمها مختاران بيبي، وعائلتها تزرع حوالي قيراطين من الأرض في منطقة يسيطر عليها أفراد أشداء ينتمون لقبيلة البلوش يعرفون باسم الماستوي.
في ٢٢ يونيو عام ٢٠٠٢، اتهم بعض من الماستوي أخاها شكورًا البالغ من العمر وقتئذٍ اثني عشر أو ثلاثة عشر ربيعًا بأنه قد لطخ سمعة سلمى، وهي امرأة من قبيلتهم في مطلع العشرينيات من عمرها. ويبدو أن سبب الاتهام أن شكورًا كان يتحدث معها في حقل للقمح بالقرب من منزله. قرر متهموه أن يعلموه درسًا، فضربوه وهتكوا عرضه واتخذوه أسيرًا.
طلب والد شكور من المُلَّا في قريتهم أن يتدخل إلا أنه عجز عن إقناع الماستوي بالعدول عن قرارهم. وعليه توجه الأب إلى الشرطة، ومع ظهور الماستوي مرة أخرى، كانوا قد رفعوا سقف الاتهامات حيث اتهموا شكورًا باغتصاب سلمى. ألقت الشرطة القبض عليه واحتجزته في سجن في جاتوي على بعد ثمانية أميال، بتهمة «الزنى بالجبر»، وهي جريمة خرق حد من حدود الله عن طريق ممارسة الجنس خارج إطار الزواج مع الإكراه أو الخداع.
ومع تقدم سير المفاوضات بعد ظهر ذلك اليوم بين ممثلين عن عائلة مختاران وشكور وبين الماستوي، احتشد جمع كبير أمام سور مزرعة الماستوي التي تبعد عن منزل مختاران بيبي بمسافة ثلاثمائة ياردة. وقد أخبر غلام فريد، والد مختاران، ابنته في تلك الليلة أنه قد حصل على تأكيدات بأن المسألة برمتها ستنتهي إذا حضر ومعه ابنته للاعتذار عما بدر من شكور. وعليه، وبعد جنوح الليل، توجه كل من مختاران ووالدها وعمها وصديق للعائلة إلى ساحة المسجد حيث كان قد اجتمع أكثر من مائة رجل. كانت مختاران، البالغة من العمر وقتئذ ثلاثين عامًا، تحمل في يدها مصحفها؛ كتابًا لم تكن تستطيع القراءة منه، ولكنها كانت قد تعلمت تلاوته عن ظهر قلب، وكانت تُعلِّمه لأطفال القرية، كما كانت تعتقد أنه سيحميها.
فرض خمسة رجال من الماستوي سطوتهم على مجريات الأمور، ملوِّحين ببنادقهم، صائحين بعلو صوتهم مهددين الرجال الذين اصطحبوا مختاران بيبي. لوَّح أحدهم، ويدعى عبد الخالق، وهو أخو سلمى، بمسدسه. وضعت مختاران بيبي وشاحها على الأرض أمامهم، في لفتة احترام لهم، وتلت آية من القرآن الكريم، ثم دعت في سرها بهدوء وهي تنتظر أن ترى ما سيئول إليه الموقف. ولم تنتظر طويلًا. فقد كان رجال الماستوي قد قرروا بالفعل أن يكون ردهم على الإساءة المزعومة لشرفهم نتيجة الهجوم الوهمي على سلمى هو الإساءة لشرف عائلة الفتى محل اتهامهم. أخذ أربعة رجال مختاران بيبي واغتصبوها اغتصابًا جماعيًّا لساعة كاملة في سقيفة غير بعيدة. وعندما انتهوا منها، دفعوها إلى الخارج عارية تقريبًا، ليعود بها والدها إلى البيت.
وبالطبع تعكس وقاحة هجوم الماستوي قناعةً راسخةً في وجدانهم أنهم سيفلتون من العقاب على فعلتهم. وفي مثل تلك الملابسات في إقليم مثل البنجاب ومع امرأة لها خلفية مختاران بيبي؛ أي امرأة فقيرة من أسرة مزارعة، كان المتوقع أنها ستؤْثِر المعاناة في صمت. أما عائلتها فكانت ستلتزم الصمت هي الأخرى، خاصة مع إرهاب الماستوي لهم بأسلحتهم وعلاقاتهم بالشرطة والحكومة الإقليمية. كان العديد من النساء في البنجاب سيؤْثِرن الانتحار في مثل ظروفها.
إلا أن المُلَّا في صلاة الجمعة في الأسبوع التالي ندَّد في خطبته بما فعله رجال الماستوي، كما أخذت جماعات حقوق الإنسان القصة التي ظهرت في الصحف المحلية عن المرأة التي حكم عليها «البانشايات»، أو مجلس القرية، بالاغتصاب الجماعي ونشرتها على شبكة الإنترنت، كما كتبت الصحافة العالمية عنها. فأمرت حكومة البنجاب الشرطة المحلية بأن تنظر في المسألة. وبالتالي، في يوم الأحد، وبعد مرور ثمانية أيام على الهجوم الوحشي عليها، ثمانية أيام من العزلة المُرَّة مع عائلتها، استدعت الشرطة مختاران بيبي التي اصطحبها والدها وعمها إلى جاتوي لسؤالها عن الحادثة. احتشد الصحفيون أمام قسم الشرطة وبدءوا في سؤالها عن الواقعة، وبدلًا من أن تتراجع وهي تشعر بالعار، أخبرتهم بقصتها كاملة.
تمكنت مختاران بيبي في السنوات التالية من الاستمرار في كفاحها من أجل تحقيق العدالة، وذلك بمساعدة نشطاء حقوق الإنسان في باكستان وخارجها. وانقسمت السلطات في بلادها ما بين داعم لقضيتها ومعرقل لها؛ فقد حرَّفت الشرطة المحلية — التي اعتادت منذ زمن طويل على التشيُّع للجانب صاحب النفوذ — شهادتها، حيث طلبت منها أن تضع بصمة إبهامها على ورقة فارغة، ثم شوَّهت حقيقة قصتها. إلا أنها أجرت مقابلة مع قاضٍ، استمع لأقوالها وأقوال المُلَّا، وسجَّل ما قالت بالفعل. مرت ثلاثة أشهر، أصدرت المحكمة بعدها حكمًا بالإعدام على ستة رجال بتهمة المشاركة في اغتصابها. بيد أن المحكمة الأعلى درجة في لاهور نقضت الحكم؛ مما ترتب عليه تبرئة ساحتهم. ثم جاءت محكمة شرعية لتنقض حكم المحكمة الأخير. ووجدت المحكمة العليا أمامها قرارات متضاربة من ثلاثة أنواع مختلفة من المحاكم، فقررت أن تتدخل من تلقاء نفسها، وأن يكون الحكم النهائي في القضية حكمها. كان ذلك عام ٢٠٠٥. وفي فبراير ٢٠٠٩، امتلأت الصحف الباكستانية بتقارير حول محاولات عبد القيوم خان جاتوي — الوزير الاتحادي لشئون الدفاع، والممثل عن منطقة مختاران بيبي في البرلمان الباكستاني — إقناعها بسحب القضية. وربما يكون الأمر الأدعى للدهشة هو أن الدعوى كانت لا تزال معلقة بعد سبع سنوات من إقامتها.
في هذه الأثناء، كانت مختاران بيبي تحت حراسة دائمة من الشرطة لحمايتها من جيرانها من الماستوي الحانقين. وفي مارس ٢٠٠٩، تزوجت مختاران من أحد رجال الشرطة الذين كانوا قد أُرسلوا إلى القرية لحمايتها.
ولكن في الوقت الذي كانت تتلكأ فيه محاكم باكستان، أحدثت مختاران بيبي تحولًا في قريتها وبلدها؛ فقد أصبحت ابنة المزارع الأُميَّة «مختار ماي»؛ أي الأخت الكبرى المحترمة، وهو اللقب الذي صارت معروفة به في جميع أنحاء العالم. وعندما أرسلت إليها الحكومة شيكًا على سبيل التعويض، استخدمته في سداد نفقاتها القانونية، وكذلك في إنشاء مدرسة للفتيات في ميروالا. لم تكن ترغب في أن يخرج للعالم جيل جديد من الفتيات الأميات المغلوبات على أمرهن. ومع إحراز قضيتها شهرة كبيرة حول العالم أكثر فأكثر، صارت تتلقى أموالًا ومساعدات من أماكن عدة؛ وها هي اليوم قائمة على مدرستين (واحدة للفتيات والأخرى للفتيان)، بل وصارت مديرة لمنظمة نساء مختار ماي للرعاية الاجتماعية.
والأهم أنها لا تكف عن الحديث علنًا عن موقفها وموقف النساء الريفيات الأخريات. وبدلًا من أن تؤْثِر الاختفاء بدافع الخزي الذي كان هدف مغتصبيها الذين أرادوا أن يفرضوه عليها فرضًا، فضحت هي «سفالتهم»، وصممت على تحقيق العدالة، لا لنفسها فحسب، بل ولنساء بلدها كذلك. لقد أدركت أنه لا طائفتها الاجتماعية ولا نوعها أسباب كافية لحرمانها من الاحترام. تحيا مختار ماي بكرامة، وهي بذلك تعلِّم غيرها من النساء أن لديهنَّ الحق في الاحترام.
تقص مختار ماي حكايتها على أسماع صحفي فرنسي تصف فيها كيف واجهت الجموع الغاضبة من رجال الماستوي الذين أعماهم شرفهم. كتبت تقول: «ولكن على الرغم من أنني أدرك مكانتي لكوني أنتمي لطائفة اجتماعية دُنيا، فإنني أتمتع بحس الشرف، شرف الجوجار. ترجع جذور مجتمعنا الذي يضم فلاحين صغارًا فقراء إلى عدة مئات من السنين، ورغم أني لست على علم بتاريخنا بالتفصيل، إلا أنني أشعر أنه جزء مني، يسري في دمي.» من الصعب نقل كلماتها عبر حاجز الترجمة، إلا أن وصفها لحياتها الأولى ولرد فعل والدها على الهجوم عليها يوحي بأنها قد ترعرعت في كنف أسرة تدرك أن لديها الحق في الاحترام، أيًّا ما كانت مكانتها في الهرم الاجتماعي المحلي.
يمكنك أن تتساءل عما يقدمه الشرف في تلك القصص وتعجز الأخلاق عن تقديمه. من شأن فهم المغزى من الأخلاق أن يمنع الجندي من أن يعتدي على الكرامة الإنسانية لسجنائه، ومن شأنه أيضًا أن يجعله يستنكر تصرفات من يقدم على مثل هذا الاعتداء. ومن شأن فهم المغزى من الأخلاق كذلك السماح للمرأة التي تعرضت لاعتداء وحشي أن تدرك أن المعتدي عليها يستحق العقاب. ولكن لا بد من حس الشرف حتى يتخطى الجندي مرحلة فعل الصواب والتنديد بالخطأ ليصل إلى مرحلة الإصرار على فعل شيء ما عندما يُقْدِم من هم حوله على أفعال خبيثة، ولا بد من حس الشرف حتى يتسنَّى للمرء الشعور بأنه صار متورطًا بأفعال أقدم عليها آخرون.
يحتاج الأمر إلى إحساسٍ بكرامتِكِ حتى تصري على حقك في تحقيق العدالة رغم كل الصعاب في مجتمعٍ نادرًا ما يمنح امرأة مثلك ذلك الحق؛ ويحتاج الأمر إلى إحساسٍ بكرامة كل نساء الأرض حتى تردي على اغتصابك بوحشية ردًّا يحدوه السخط والرغبة في الانتقام بقدر ما يحدوه التصميم على إعادة بناء بلدك حتى تُعَامَل المرأة بالاحترام الذي تعلمين أنها تستحقه. إن إقدامك على مثل هذه الاختيارات يعني لك حياة تحفها الصعوبات، بل والمخاطر في كثير من الأحيان. ويعني كذلك — وعن جدارة — حياة شرف لك.