مقدمة
على مدار نصف قرن أو يزيد ترسم مشروع «التراث والتجديد» وتكاملت دعائمه وأبعاده، كواحد من أهم منجزات الفكر العربي المعاصر، ساهم في الصعود به إلى مستوى فلسفة عربية معاصرة، وجعل فيلسوفه حسن حنفي يستقطب اهتمام مراكز بحثية وجهات أكاديمية شتى في شرق العالم وغربه، من طوكيو وجامعات في اليابان حتى هاواي وجامعات في الولايات المتحدة، مرورًا بدول عربية وأوروبية، وبضع عواصم آسيوية أفريقية.
تترسم معالم الرحلة المنهجية المقبلة عبر الصفحات التالية، أو يترسم مستخلصها، في أن المرتكز المنهجي لمشروع «التراث والتجديد» هو الوحي القرآني كفعل توحيد فذ مثَّل نقطة تحوُّل متفردة، تجعل العلاقة مع الوحي محور التقابل بين الأنا والآخر الغربي. ويعتمد المشروع على فينومينولوجيا التفاعل بين الوحي والواقع، ليصل إلى هدف استراتيجي هو أنْسَنة علم الكلام الجديد. وعن طريقها يكون تصحيح دور علم الكلام في المنظومة الحضارية والقضاء على اغتراب الإنسان المسلم، ومن ثَم تمكينه من النهوض بالاستغراب، بمعنى تحجيم دور الغرب بتحويله إلى موضوع للدراسة، بدلًا من أن يظل مصدرًا للعلم، وفي هذا تقويض للمركزية الغربية. وينفتح الطريق أمام عالَم جديد تُمثل الحضارة الإسلامية فيه مركزًا حضاريًّا رائدًا.
ولبلوغ هذا الهدف تتآزر عدةُ مناهج؛ إذ ينتهج مشروع «التراث والتجديد» المسار الفينومينولوجي أساسًا، ويعتمد كذلك على المنهج الجدلي مصحوبًا بقيم اليسار، وعلى الاستفادة القصوى من مناهج التأويل الخصيبة الكامنة في هيرمنيوطيقا النصوص. هذا بمعية مناهج فرعية أخرى أبرزها النقد التاريخي ومنهج تحليل النصوص.
وفي كل حال يمثِّل مشروع التراث والتجديد درسًا حضاريًّا وثقافيًّا وفلسفيًّا، جديرًا بأن نتوقف إزاءه مليًّا … وبالله قصد السبيل.
د. يمنى طريف الخولي، الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل، الطبعة الثالثة، دار رؤية، القاهرة، ٢٠١٠م. وقارن:
د. يمنى الخولي، نحو منهجية علمية إسلامية: توطين العلم في ثقافتنا، المؤسسة العربي للفكر والإبداع، بيروت، ٢٠١٦م.
توطين المنهجية العلمية: مقاربات فلسفية … تاريخية ومستقبلية، نيوبوك للنشر والتوزيع، القاهرة، ٢٠١٨م.