نرجس ومندوب القيادة!
عاش المحاسب توفيق يحلم أحلامًا سعيدة بعد لقائه بصديقه الضابط على قهوة كتكوت. من كان يتصور أن حلم توفيق سوف يتحقق على يد صديق الصبا والشباب؟ الأمر الذي حير توفيق هو أن صديقه الضابط لم يكن يبدي اهتمامًا من أي نوع للأحداث السياسية، كان بطلًا رياضيًّا مارس الملاكمة وحمل الأثقال ثم انحصر اهتمامه بعد ذلك في كرة السلة، ولكنه لم يحقق فيها نجاحًا كبيرًا، واستمر يلعب في فريق المدرسة، ولكنه لم يتمكن من الالتحاق بأية فرقة من فرق النوادي الكبيرة. والسبب في ذلك أنه كان شديد الشغف بعقد صلات متعددة مع عدد كبير من البنات، وبسبب هذه الهواية تراجع دوره كثيرًا حتى في فريق المدرسة، فأصبح خارج التشكيل الأساسي وضمن الاحتياطي فترة طويلة من الوقت، قبل أن يعلن احتجاجه وينسحب بإرادته من الفريق، ولكنه سحر الحياة وسرها أن المقدمات لا تدل بالضرورة على النتائج. وها هي السياسة تسعى لصديقه بعد الثورة فيجد نفسه رغم أنفه في قلب العواصف السياسية. ولكن لأنه ابن ناس وحريص على العيش والملح، فقد سعى إلى صديقه القديم ليقاسمه المسئولية ويشركه معه في حكم البلاد.
وحلق توفيق بخياله بعيدًا. هل يحالفه التوفيق فيصبح واحدًا من الحكام؟ وما المانع أن يصير توفيق بين الحكام؟ كما صار شولح بين الأنبياء، وجلالة الملك فؤاد نفسه كان من «الصياع»، ولكن الظروف أجبرت السلطة البريطانية على الاتصال به وساومته على حكم مصر ومنحته لقب السلطان. وتوفيق لا يطمع في أن يكون سلطانًا، يكفيه أن يكون محافظًا أو وزيرًا، وهو وضع أكثر أبهة بالتأكيد من عضو مجلس النواب! مرت أيام كثيرة قبل أن يظهر الضابط مرة أخرى في قهوة كتكوت. وكان قد حدث تطور خطير في سلوك المحاسب توفيق، كان قد عاد مرة أخرى إلى توثيق علاقته بشلة الأدباء نزولًا على نصيحة صديقه الضابط. وعندما جاء الضابط وجد توفيق مشتبكًا في مناقشة حامية مع أحد الأدباء عن ضرورة تطبيق الديمقراطية قبل الدخول في صراع مع الإنجليز لإنهاء الاحتلال الإنجليزي، وكان هذا هو رأي الأديب، بينما كان من رأي توفيق أن الجلاء أولًا لا بد أن يكون هدف أية حكومة. ألقى الضابط السلام على الجميع، وكأي صديق قديم سحب الضابط أحد الكراسي وجلس، والتقط الخيط وواصل الحديث الذي كان يجري قبل حضوره، ولكنه اضطر إلى التوقف عندما نهض الناقد عبد الستار ورفع يده مودعًا دون سابق إنذار. وقال الضابط معلقًا: إيه الحكاية؟ إذا جاءت الشياطين ذهبت الملائكة؟
ورد الأستاذ الناقد بنبرة حاول أن تكون ودية: بالعكس، دا انا كنت نفسي أقعد معاك، بس الحقيقة أنا كان ورايا مشوار مهم جدًّا وكنت ناسيه.
والحق أن الأستاذ الناقد كان لا يخفي عداءه للثورة، وكان يطلق عليها من باب السخرية «الحركة المباركة»، ومنذ إعلان بيانها الأول كف عن الكتابة تمامًا، وربما كان يمارس الكتابة ولكنه كان يرفض نشر ما يكتبه. وكتب ونشر مرات قليلة ولكن في مجلات أدبية تصدر في بيروت. وحاول بعض محرري الصحف أن ينتزعوا منه ولو عدة كلمات عن تأييده للثورة، ولكنه كان يرفض بإصرار متعللًا بأنه أديب وليست له علاقة بالسياسة!
وتركت هذه الحركة من جانب الناقد أثرًا في نفس الضابط، ودفعه هذا الشعور إلى مصارحة الجالسين بأنه تطفل عليهم، ويخشى أن يكون تسبب في مضايقتهم، وأكد لهم أنه لن يتطفل على مجلسهم مرة أخرى، ولكن الأستاذ عشماوي نهض من مجلسه واقترب من مجلس الضابط وقال له في لهجة ودودة: يا خبر أبيض، دا احنا كنا فاهمين إن الحساسية المفرطة هي من متعلقات الأدباء فقط، لكن إنت النهارده أضفت إلى علمنا معلومة جديدة، وهي أن الضباط أكثر حساسية من الأدباء!
ثم راح يشرح للضابط كيف أن الأمور بين شلة الأدباء تمضي بدون حساسيات. وأكد له أن أحدهم قد ينصرف فجأة أثناء مناقشة حامية هو نفسه الذي فجرها.
ووجدها الأستاذ عشماوي فرصة فراح يُشِيد بدور الجيش في تحرير مصر من الفساد السياسي والمالي، ولكنه شديد الدهشة لأن الثورة لم تهتم بالاتصال بالمثقفين لمعرفة رأيهم في حاضر البلاد ومستقبلها، ثم نظر إلى الضابط نظرة ذات مغزى وقال له: حضورك النهارده وقعدتك معانا، أنا شخصيًّا باعتبر ذلك أول لقاء حقيقي تقوم به الثورة بالمثقفين.
سُر الضابط سرورًا عظيمًا بحديث الأستاذ الأديب، ولذلك كان حريصًا على أن يعرف كل شيء عنه بعد أن نهض الأدباء وانصرفوا من القهوة. سأل الضابط صاحبه المحاسب عن شخصية الأديب صاحب الحديث الممتع.
وسُر أكثر عندما علم أنه موظف حكومة في الصباح ومحرر ليلًا في إحدى الجرائد الصباحية الكبرى، كما أنه عالِم كبير في الفنون الشعبية، وله برامج ناجحة جدًّا في الإذاعة والتليفزيون. عندئذٍ قال الضابط لصديقه المحاسب بطريقة تشبه الأمر: فليكن هذا الأستاذ هو أول العشرة الذين سيقع اختيارك عليهم، وظهر على ملامح المحاسب أنه لم يفهم شيئًا، فقال الضابط: نسيت أن أقول لك إن مهمتك الآن ستبدأ باختيار عشرة أفراد مدنيين من أصحاب السمعة الطيبة والنشاط الجماهيري لحشدهم خلف الثورة من أجل خدمة الشعب وتنفيذ برامج الثورة.
وتساءل المحاسب الذي كان قليل الخبرة بالعمل السياسي: وهل يكفي هؤلاء العشرة للقيام بهذه المهمة الجليلة؟
وقال الضابط موضحًا: نسيت أن أخبرك أيضًا بأن لدينا الآن ألف مواطن مثلك، ومطلوب من كل واحد منهم تشكيل خلية من عشرة.
وبعد فترة صمت قال المحاسب: وهل هؤلاء العشرة آلاف مواطن فيهم الكفاية؟
وابتسم الضابط ابتسامة عريضة وقال: أنا في الحقيقة غير مأذون بأن أكشف لك السر كله، ولكن سأكشفه لك وكلي ثقة أن ما أقوله لك الآن سيظل سرًّا بيننا.
وهز المحاسب رأسه عدة هزات سريعة وقال للضابط: سرك في بير … اطمئن.
قال الضابط وهو يهمس في أذن المحاسب: هؤلاء العشرة أعضاء الخلية، سيكون على كل واحد منهم تجنيد عشرة، وسيقوم كل عشرة بتجنيد عشرة لكل واحد، وهكذا لو نجحت الخطة سيضم التنظيم عدة ملايين في فترة وجيزة.
يا قوة الله، فكرة بسيطة ولكنها جهنمية! كيف غابت هذه الفكرة عن حزب الوفد وبقية الأحزاب الأخرى؟! عشرة في عشرة في عشرة يتكون منهم تنظيم أقوى ألف مرة من كل الأحزاب التي عرفها البشر … وسيكون طبعًا لمن جند العشرة الأوائل شرف التواجد في الصدارة، وعليه واجب القيادة لتحقيق النجاح لبرامج الثورة!
أصبح من عادة الضابط أن يحضر إلى قهوة كتكوت بين الحين والآخر. وكان الحاضرون من الأدباء يفسحون له مكانًا بينهم، كما كان المعلم كتكوت حريصًا على تقديم المشروبات بنفسه للضابط، الذي اشتهر بين رواد القهوة بأنه مندوب القيادة.
وتأكدت هذه الإشاعة عندما حقق رجاء المعلم كتكوت بتوظيف أحد أبنائه في شركة الدخان التي تقع في دائرة مدينة الجيزة. وقد تم تعيينه بسرعة وبوظيفة ملاحظ وبراتب قدره عشرة جنيهات شهريًّا، وهو مبلغ يقترب كثيرًا من مرتب خريج جامعة، ولم يكن ابن المعلم كتكوت يجيد القراءة والكتابة.
عندما فاتح المحاسب توفيق أستاذ الفن الشعبي في موضوع تجنيده في الخلية، أبدى ترحيبًا شديدًا بالفكرة وحماسًا أشد في الانضمام إليها. وأكد للمحاسب أنها فكرة وجيهة، لو تم تنفيذها على الوجه الأكمل فستكون قاعدة صلبة لحكومة الثورة تستطيع من خلالها الانطلاق لتحقيق حلم الجماهير. وأبدى أسفه لأن وقته ضيق لسعيه المتواصل من أجل لقمة العيش، ولكنه وعد بتنظيم وقته لكي يتسنى له أن يلقي بنفسه في بحر الثورة كلما وجد الفرصة لذلك. ووصلت الرسالة إلى المحاسب توفيق الذي فاتح صديقه الضابط بأن الأستاذ سيكون أكثر فائدة لو رتبنا له وظيفة واحدة تؤمن له دخلًا يكفيه، وقد رد الضابط باختصار: سأحاول، وسأقوم بإبلاغك عما قريب.
انشغل المحاسب توفيق بتجنيد بقية العشرة، ولم يتمكن من تجنيد أحدٍ من شلة الأدباء إلا أستاذ الفن الشعبي وأديب آخر كان يعمل موظفًا بالحكومة ويكتب بعض القصص أحيانًا ينشرها في مجلة أدبية محدودة التوزيع. أما الأدباء الآخرون فقد ترددوا في الانضمام، وبعضهم رفض الفكرة تمامًا وانقطع عن الحضور إلى القهوة. كما أن الأستاذ الناقد الذي غادر القهوة لحظة حضور الضابط وانضمامه إلى الجلسة أول مرة، لم يظهر مرة أخرى في القهوة، واختفى تمامًا فلم يره أحد بعد ذلك!
ومرت عدة أسابيع. سأل المحاسب صديقه الضابط عما إذا كان قد وجد حلًّا لمشكلة أستاذ الفن الشعبي، وجاءه الجواب: اتركه الآن كما هو، وعندما يأتي الوقت المناسب سيكون الحل جاهزًا.
وعندما سأله المحاسب: ومتى يكون الوقت المناسب؟
قال الضابط بحسم: لا أعلم، ولكني أريدك أن تعلم أنني لا أحكم ولكنني أنفذ أوامر!
أقلقت هذه الكلمات المحاسب توفيق، ما معنى أنه لا يحكم ولكنه ينفذ أوامر؟ وبالرغم من القلق الذي استبد به إلا أنه راح يواصل جهوده لتجنيد العشرة المكلف بتجنيدهم.
ومع ذلك لم يستطع تجنيد أكثر من خمسة أفراد؛ اثنين من الأدباء، واثنين من زملائه المحاسبين، وفراش مكتبه الذي لم يفهم شيئًا، ولكنه أبدى ارتياحًا لأنه سيكون «مع الأستاذ» في المكان الذي يتواجد فيه!
ثار صديقه الضابط عندما علم أنه فشل في تجنيد العشرة، وقال في غضب: كنت شديد الثقة في مقدرتك على سرعة إنجاز هذه المهمة، ولكنك للأسف الشديد تعثرت لسبب غير مفهوم.
ورد المحاسب سعد توفيق: في الحقيقة الناس تخشى الارتباط بالثورة لأنهم لا يضمنون استمرارها.
وقاطعه الضابط قائلًا: وهل هذا هو شعورك أنت الآخر؟
ورد توفيق وقد استبد به الخوف: أنا لا أعتقد إن فيه حد بيحب الثورة قدي.
– لو كان دا حقيقي يا توفيق كان الناس لبوا دعوتك.
– إذا كنت مش مصدقني يبقى بلاش أتعب نفسي واشتغل معاكو.
ابتسم الضابط وقال لصديقه المحاسب: إيه الحكاية، انت النهارده مش زي عوايدك.
تمتم المحاسب بكلام غير مفهوم في البداية، ثم قال بصوت مسموع: إذا كنت بتشكك في ولائي للثورة يبقى الواحد يقعد في البيت أفضل.
حاول الضابط تهدئته بكلام معسول، ولكن المحاسب أبدى رغبته في العودة إلى منزله لشعوره بالإرهاق، وعندما وقف الضابط للانصراف، وضع كفه على جبهة صديقه، وقال له في ود: دول شوية برد، روح نام واشرب لمون وهتروق.
ثم قال له وهو يبتعد: ها اتصل بيك بالتليفون عشان اطمئن عليك.
عاد توفيق إلى المنزل بالفعل وفي نيته أن يدخل سريره وينام، ولكنه وجد أمه في انتظاره ومعها خطاب. وقبل أن يفض غلافه سألها: منين؟
– ما عرفش يا بني، البواب جابه وقال من واحدة ست.
– ست! منذ أيام الدراسة في الجامعة لم يكن له علاقة بأي ست.
أسرع بفض الغلاف وألقى نظرة على الخطاب نفسه، فاكتشف أن الورق بلون البنفسج. ولم يكن بالخطاب إلا عدة كلمات قليلة: «عاوزة أشوفك ضروري لأمر هام إذا كنت لسه فاكرني.» يا للمفاجأة … التوقيع: نرجس.
يا سبحان الله، نرجس مرة أخرى! ترى كيف يكون حالها الآن؟ لا بد أنها تزوجت وأنجبت أطفالًا كثيرين. لقد كانت هي الأنثى الوحيدة التي كان لا يشعر معها بخجل، وكان يجالسها ويحدثها، وفي مرات كثيرة تجرأ ووضع يده على كتفها، ومسح براحة يده على شعرها. ولكن لماذا تذكرته بعد كل هذه السنوات؟ وما هي الخدمة التي تريدها؟ من حسن الحظ أنها سجلت رقم تليفونها على الخطاب. أدار القرص وطلبها، وجاءه صوت عذب كما عرفه من قبل، صوت أنثى عاشت طفولة ناعمة وشبابًا مرفهًا. أبدت رغبتها في أن تراه، فسألها أن تحضر إلى منزله: أنا معايا والدتي في البيت ومفيش حد تاني.
اتفقا على الموعد … بعد الظهر.
ألقى توفيق نظرة على نفسه في المرآة، واضطرب عندما اكتشف أن ذقنه طويلة وشعر رأسه لم يعرف طريقه إلى الحلاق منذ فترة. وألقى نظرة على الساعة، كانت تشير إلى الثالثة بعد الظهر. طلب من والدته أن توقظه من النوم في الرابعة تمامًا، ودخل سريره وحاول النوم ولكنه لم يفلح، وظل يستدعي النوم دون جدوى. ولم توقظه أمه في الرابعة لأنه غادر سريره في الثالثة والنصف، ودخل إلى الحمام فاغتسل وحلق ذقنه، ثم ارتدى بدلة أنيقة كان من عادته أن يرتديها في المناسبات السعيدة، وطلب فنجان قهوة، وجلس يتصفح مجلة أسبوعية، ويعد الدقائق والثواني في انتظار نرجس. العجيب أنها كانت دائمًا تنقذه من مواقف محرجة. ولولا موعدها لكان الآن غارقًا في بحار من القلق بسبب ما جرى بينه وبين صديقه الضابط.
وبسبب فشله في تجنيد عشرة أشخاص يتحمسون له وللثورة.
إنها مشكلة حقيقية لأنه في الواقع لا يعرف أشخاصًا كثيرين، وهو شخصيًّا يتحرك في دائرة ضيقة بالرغم من أنه يرشح نفسه في كل الانتخابات. وأخرجه من تأملاته وصول نرجس، سمع رنين الجرس وشاهد خيالها من خلف زجاج النافذة، وعندما فتح لها الباب ووقع نظره عليها كأنه رأى شبابه يعود إليه، نرجس كما كان يعرفها أيام الجامعة. هي هي لم تتغير، صحيح أن الزمن ترك بصمة هنا وبصمة هناك، ولكنها لا تزال تحتفظ بحسنها ودلالها. سألها عن أحوال أسرتها الصغيرة … أولادها وزوجها. واكتشف أنها مثله لم تتزوج وليس لها ولد.
واكتشف أيضًا أن والدها تُوفي وشقيقها الوحيد تزوج، وتعيش مثله مع والدتها المريضة. وتعمل في الجهاز المركزي للمحاسبات. ولكنها مظلومة وتعاني من الاضطهاد، فالذين تخرجوا بعدها يتولون مناصب مهمة وحساسة في الجهاز الذي تعمل فيه؛ والسبب أنها بلا ظهر يحميها. وقد فكرت في أن تلجأ إليه لعله يستطيع أن يتدخل من أجلها لكي تحصل على حقوقها المشروعة.
وأصابته دهشة شديدة لاعتقادها أنه يستطيع خدمتها، وقال لها وهو يدقق النظر في ملامحها: ليس أسعد مني لو استطعت تقديم خدمة لك … ولكن كيف؟ أنت ربما لا تعلمين أنني أدير مكتب محاسبة ولا أشغل مركزًا حكوميًّا. وليس لي علاقة بأحد في الجهاز المركزي للمحاسبات.
نظرت نرجس نظرة ذات معنى لتوفيق وقالت في أسف: ياه … دا انت ما تغيرتش … ولا عمرك ها تتغير.
نظر إليها توفيق ببلاهة وقال: قصدك إيه مش فاهم.
– قصدي إنك طول عمرك أناني.
صاح توفيق مستنكرًا: أنا أناني يا نرجس؟!
نهضت نرجس من مكانها وقالت بغيظ: أنا فعلا كنت غلطانة لما فكرت أجيلك.
في تلك اللحظة كانت الأم قد دخلت بصينية القهوة، فنظرت إليهما وقالت: إيه يا توفيق … إزاي تزعل ضيفتك؟
وقال توفيق: أنا يا ماما! والله ما زعلتها.
وقالت نرجس وهي تحاول الانصراف: طيب يا جماعة، أستأذن أنا بقى.
وقالت الأم منزعجة: يا خبر … وما تشربيش القهوة بتاعتي يا بنتي!
مد توفيق يده فأمسك بذراع نرجس وقال لها: طيب اقعدي بس فهميني … انت زعلت ليه؟
– ما تعرفش ليه؟ مانا بقولك أنا جيالك في طولك وفي عرضك، تقوم تقوللي أنا ما عرفش حد في ديوان المحاسبة … يا سلام … ما انت تعرف الناس اللي يقدروا يجروا الهرم الأكبر من مكانه.
صاح توفيق مندهشًا: أنا!
– أيوه أنت.
ضحك توفيق ضحكة هستيرية وقال: طيب قوليلي همة فين؟
– يا سلام … مندوب القيادة.
سرح توفيق بعيدًا ثم عاد إلى نفسه وقال: قصدك …
قاطعته نرجس قائلة: أيوه قصدي.
نهض توفيق على قدميه وعض أصبعه الكبير عضة تركت أثرًا على الجلد، وتنهد تنهيدة حارة وقال كأنه يتحدث لنفسه: أما شيء غريب خالص.