البحث عن ريعو
انفجرت حكاية عزيزة وطلبة كالقنبلة في قهوة كتكوت، وكان لانفجارها دوي رهيب في الجيزة كلها. عزيزة تزوجت طلبة، وطلبة اختار عزيزة من بين نساء الأرض جميعًا، وعزيزة بنت الإسطبل أصبحت تعيش في شقة على شاطئ النيل. ولكن المعلم كتكوت أقسم بكل المقدسات أن عزيزة تعيش مع طلبة في الحرام، وأنه تزوجها بعقد عرفي، والعقد العرفي — كما أكد المعلم — ليس في شريعة الإسلام.
ولكن عزيزة ليس لها ذنب، الذنب كله هو ذنب الرجل الديوث الخمورجي أبيها، كان يكذب عندما ادعى أنه لا يعرف مكانها، وكان يناور عندما ادعى أمام المعلم كتكوت أن البنت لا ترغب في الزواج وهددته بالهروب بعيدًا عن أهلها إذا أجبروها على ذلك … إنه سر في حياة المعلم كتكوت حرص على إخفائه عن الجميع؛ لقد قرر ذات يوم أن يتزوج عزيزة، فهي صبية وشهية وفقيرة ولن ترفض الزواج من المعلم الذي سينقلها من التعاسة إلى الحياة الكريمة. كان المعلم يومها في الواحدة والستين من عمره، وكان ممتلئًا صحة وشبابًا ويشعر بأنه لا يزال في الثلاثين.
ولكن الديوث أباها زعم أن البنت ترفض فكرة الزواج، مع أن الرفض كان من جانبه، كان يتطلع إلى أفندي ينفق على عزيزة، وينفق أيضًا على الأسرة كلها. ولكن كل شيء سيعود إلى أصله لو ظهر الولد ريعو؛ لأن ريعو لن يسكت على هذا الوضع الغريب، فهو يحب عزيزة وعزيزة هي الأخرى تحبه، وكان على حق في ثورته يوم أهدى طلبة كتابًا لعزيزة. لو ظهر ريعو الآن لفتح كرش الأستاذ طلبة، وبالطبع سيذهب ريعو في الحديد وسيخلو الجو للمعلم كتكوت ليتزوج عزيزة ويأخذها في حضنه وستعيد له شبابه الذي ذهب بالتأكيد. لا شيء يعيد الشباب للعجوز إلا الصبايا في سن عزيزة. وراح المعلم كتكوت يشمشم حول المكان الذي يمكن أن يوجد فيه ريعو، هل ذهب إلى السجن؟ لو ذهب إلى السجن فهو لا بد كان سيتصل بالمعلم لأنه بالتأكيد سيحتاج إلى سجائر وملابس، وعدم اتصاله بالمعلم هو الدليل القاطع على أنه لم يذهب إلى السجن. هل ضربته سيارة على الطريق وفشلوا في معرفة أصله وفصله فدفنوه في مقابر الصدقة؟ لم يكُف المعلم كتكوت عن مساعيه لمعرفة مصير الواد ريعو. سأل علي الصعيدي إذا كان يستطيع معرفة وجوده في السجن، وقال علي الصعيدي للمعلم: اللي زي دا مفيش قدامه غير سجنين: الاستئناف في باب الخلق، أو سجن القناطر؛ لأن اللي زي دا هتكون تهمته إيه؟ جنحة، مفيش حاجة ثانية، يعني سنتين واللا ثلاثة، ولازم هيكون في واحد م السجنين دول، وبعد يومين بالضبط هاجيبلك الخبر المظبوط.
وعاد علي الصعيدي بعد أيام بنبأٍ كان السبب في مضاعفة هموم المعلم كتكوت: الواد ريعو مالوش أثر في سجن الاستئناف ولا في سجن القناطر!
وأجاب المعلم كتكوت وهو ينفخ: أمال راح فين الحمار ده؟
– الغايب حجته معاه يا معلم.
أهمل المعلم كتكوت القهوة تمامًا وسلمها للموظف السابق، وانشغل بموضوع عزيزة وطلبة، وأصبح شغله الشاغل البحث عن الواد ريعو. وشعر المعلم بالراحة بعض الشيء عندما مر عليه الواد أبو سريع العجلاتي وأخبره بأن الواد ريعو في العراق وأنه رآه بعينيه يعيش في حي المربعة ببغداد.
– وبيشتغل إيه هناك ياد يابو سريع؟
– هيشتغل إيه يعني يا معلم؟ مهندس، أهو زي ما هو … قهوجي.
– وبياخد كام هناك يعني؟
بياخد كويس، وبيحوِّل، وبقى معاه دورارات!
– وهي الدورارات ياد تغني الراجل عن الوطن؟
– وهو إيه الوطن يا معلم، الوطن اللي تلاقي فيه عدلك.
– وهو كان جعان هنا ياد واللا عريان.
– وهي الدنيا أكل وهدوم بس يا معلم، دا لو قعد هناك سنتين يمكن هييجي تمام، يشوف له مطرح ويتجوز كمان.
وضحك المعلم ضحكة ساخرة وقال: يتجوز؟! يتجوز مين، ما هي اللي كان حاطط عينه عليها هربت مع الأستاذ طلبة وقاعدة معاه في الحرام.
– هي مين دي يا معلم؟
– السفيرة عزيزة؟
– عزيزة مين؟
– عزيزة بتاعة اليانصيب، بنت الراجل الخمورجي اللي ما عنده ذمة ولا دين.
– وبتقول هربت مع مين؟
– مع الأستاذ طلبة.
– الأستاذ طلبة مين؟
– دا من الناس اللي ما تعرفهومش انت، من الجماعة الأدباتية اللي بيكتبوا في الجرايد.
– وإيه اللي لم الشامي على المغربي؟
– الوعد والمكتوب!
سكت المعلم فترة وشرد بعيدًا ثم سأل أبو سريع: والواحد يتصل ازاي بالواد ريعو.
– لا … دا انت تسافر له بقى، العراق فيها مصريين كتير.
– والسفر دا يتكلف كتير؟
– حق التذكرة في الطيارة، وميت جنيه في جيبك، إذا كنت ناوي تقعد هناك كام يوم، وبعدين لو عاوز نصيحتي، خد معاك شوية ثوم.
– ثوم؟ ليه … هنطبخ ملوخية هناك؟
– أصل الثوم غالي قوي هناك اليومين دول.
– وانا رايح أتاجر؟
– لا مؤاخذة يا معلم، هو إنت اللي مسافر؟
– لسه بفكر، أصلي أنا محتاج الواد ريعو قوي، بيني وبينك القهوة خابت بعد ما سافر. والحتة اللي قاعد فيها اسمها إيه؟
– المربعة يا معلم.
– ولو سألت هناك يدلوني على طول.
– دي حتة معروفة يا معلم، زي ما تقول هنا: شارع محمد علي، الأزهر، فم الخليج، حاجة زي كده يعني.
عاش المعلم كتكوت الأيام التالية يفكر بعمق في خطواته القادمة. لم يدرك المعلم كتكوت أن القهوة تدهورت أحوالها بسبب إهماله لها، إلا عندما راجع الإيراد واكتشف أن الحال ليس على ما يرام، ولأول مرة منذ مدة طويلة يسأل الموظف السابق الذي يدير القهوة عن شلة الأدباتية وهل يحضرون أحيانًا أم أنهم انقطعوا عن الحضور، وعندما جاءه الجواب بانقطاعهم منذ مدة طويلة، تساءل المعلم في غير حماسة وكأنه يسأل نفسه: وماحدش عرف إيه الحكاية؟
– مين هيسأل يا معلم؟ إحنا أيام كتيرة بنشتغل بأيدينا وأسناننا، والعمال أغلبهم سافر العراق، والحكاية بقت مقشفرة ع الآخر.
واستَبدَّ الهم بالمعلم كتكوت، فلو أن الولد حسن — ابنه الوحيد الذي بقى على قيد الحياة — استمع إلى نصيحته، وكف عن افتعال المعارك ضد الآخرين، لكان الآن على قيد الحياة، ولكان الآن ذراعه اليمنى في الورطة التي يواجهها الآن. كم مرة نصحه بالابتعاد عن جماعة الكوامل الذين يحتلون الرصيف المواجه للقهوة.
إنهم نوع صعب من البشر، مستعدون للموت في سبيل الحصول على ما يعتقدون أنه حق لهم، وهم أقوياء ومتحدون، ولكن حسن كان مغرورًا بقوته الجسدية، ويتصور أنه قادر على هزيمة أعدائه وحده دون معين … يا له من يوم أسود من قرون الخروب عندما جاء إلى القهوة في الصباح الباكر ليجد جثة حسن مطروحة على الرصيف، وآثار معركة رهيبة تبدو واضحة على الجدران وأرضية الشارع وبقايا أقفاص الموز التي تبعثرت محتوياتها على الرصيف. مات حسن بضربة شومة على رأسه جعلت مخه يتناثر على الحيطان مع بقع دم كبيرةٍ منه ومِن منافسيه؛ فلم يكن حسن لقمة سائغة، ولكن الكثرة تغلب الشجاعة كما يقولون!
ما العمل الآن يا معلم كتكوت؟ والسفر إلى العراق أصبح أمرًا ضروريًّا، خصوصًا وقد عرَف من الولد «أبو سريع» أن السفر لا يحتاج إلى التأشيرة، فدخول العراق مباح لكل العرب، وليس مثل بلاد الخليج دخولها يحتاج إلى تأشيرة وإلى كفيل. لا كفيل في العراق إلا الله الواحد الأحد الذي يكفل الجميع. وفي المساء كان يجلس مع الموظف السابق «عبد المقصود»، وبادره المعلم قائلًا: شوف يا خويا يا عبد المقصود، إنت راجل طيب وانا ارتحتلك، وبعدين أنا مسافر العراق كام يوم كده، وماحدش يعرف الموت م الحيا، والغيب في علم الله، عشان كده أنا فكرت أسيبلك القهوة، بس بالإيجار، وهنكتب ورق عشان كل واحد يعرف راسه من رجليه.
وقال عبد المقصود والدهشة لم تفارقه: وبكام يا معلم.
– أنا مسامح ﺑ ٥٠٠ جنيه في الشهر، ودا عشان خاطرك، واللي هيطلع منها حلال عليك.
– مش كتير يا معلم؟
– أنا حددت المبلغ دا عشان خاطرك، وبعدين أنا مسامح وربنا يباركلك.
ورد عبد المقصود على الفور: اللي تؤمر بيه يا معلم.
– خلاص، أنا قلت للواد كامل، الكاتب بتاع الأستاذ صالح المحامي، ييجي القهوة بكرة ويكتب العقود، ونروح بعد بكرة نسجلها في الشهر العقاري وعلى بركة الله.
تمت الإجراءات كلها بسرعة وأصبحت قهوة كتكوت من نصيب عبد المقصود، يتصرف فيها كما يشاء إلا الاسم، فستظل إلى الأبد قهوة كتكوت. وذات صباح ارتدى المعلم كتكوت اللي على الحبل كله واستقل الطائرة المصرية إلى بغداد. في الطائرة تمنى العثور على الواد ريعو بسرعة، وأن يقوم بترحيله إلى القاهرة على الفور، ولو استدعى الأمر منحه نسبة من أرباح القهوة. ويا سلام لو سنحت الفرصة بالقيام بعمرة في الأراضي المقدسة، يقولون إن الحجاز على مقربة من العراق، فتكون زيارة وتجارة في الوقت نفسه. لو تحقق كل هذا الذي يحلم به المعلم كتكوت، فإنه يكون قد نال كل ما يتمناه: عودة ريعو، والانتقام من الأستاذ طلبة خاطف عزيزة، والعودة إلى مكانه وراء المكتب في القهوة، واستئناف الحياة كما يشتهي، ويضمه بيت واحد مع عزيزة التي ستعيد إليه شبابه المفقود.
في مطار بغداد لفتت نظره المعاملة الخشنة التي يعامَل بها المصريون، ولكنه لم يتوقف عندها طويلًا، فهذه المعاملة يجدها العمال المصريون في مطار القاهرة نفسه. واسترعى انتباهه أسئلة رجال الجمارك له عن البضائع التي يحملها معه، ثم دهشتهم الشديدة عندما لم يعثروا معه إلا على ملابسه … غريبة! لم يشاهدوا أحدًا مثله من المصريين القادمين منذ مدة طويلة. فتشوه بسرعة وتركوه ينصرف، وفي التاكسي الذي اشترك فيه مع آخرين من المصريين اكتشف أن الجميع في طريقهم للمربعة، بعضهم كان من المترددين على بغداد منذ فترة طويلة، وبعضهم يضع قدمه على أرضها لأول مرة. عندما وقع بصره على المربعة أول مرة هتف: يا سبحان الله … الخالق الناطق مثل حي الفوالة ومثل سوق الليمون في باب الشعرية، والناس كلهم من مصر، أصحاب المحلات والعمال الذين يعرضون ما جلبوه معهم من بضائع على الرصيف، وهي بضائع بسيطة؛ ليمون بنزهير، ثوم، مجموعة فونيات لبوابير الجاز، علب زيت طعام. راح يسأل عن الواد ريعو، ولكنه اكتشف أن أحدًا لا يعرفه. بعضهم قال له: يمكن في البصرة يا معلم، أو مين عارف يمكن في دهوك.
– وفين البصرة؟
– لزق في الكويت لا مؤاخذة.
– ودي عاوزة تأشيرة؟
– لا يا معلم، دي حتة من العراق، زي ما تقول أسيوط كده.
وركب المعلم مع بعض المصريين إلى البصرة. يا سلام على أرض العراق، الخالق الناطق زي أرض مصر، بس للأسف مش مزروعة كلها، والملح باين في الأرض مع إن «النيل» ماشي في قلبها. وها هي البصرة حاجة كده زي رشيد من غير مؤاخذة، والناس بتوع العراق — الحق يتقال — أجدع ناس من غير مؤاخذة. الشيء الوحيد الذي ضايقه بشدة.
– الواد ريعو مالوش أثر هنا.
– يمكن راح دهوك يا معلم.
– ودهوك دي فين؟
– دي جنب تركيا يا معلم.
– عجايب، هي تركيا النواحي دي كمان؟ لكن مين اللي هيودي ريعو هناك؟
– أكل العيش يحب الخفية يا معلم.
عاد المعلم كتكوت إلى بغداد، وإلى المربعة من تاني. من حسن حظه أنه التقى بسواق مصري على نياته يذهب إلى دهوك مرة كل أسبوع، اتفق المعلم على السفر معه.
– يا حلاوة يا ناس على دهوك، دا ناس خواجات كلهم وبيرطنوا من غير مؤاخذة … ودول مسلمين كمان؟
– مسلمين وسُنَّة يا معلم.
– يا سلام على قدرة ربنا، ويخلق ما لا تعلمون.
لكن الأمر المؤسف أن ريعو ليس له وجود هنا أيضًا … طيب يا ريعو الكلب أنا وراك والزمن طويل. وعاد المعلم من جديد إلى المربعة في بغداد. يبدو أن الدنيا مستمرة في عنادها، ولا بد من العودة إلى القاهرة … نصحه أحدهم إذا رغب في العودة أن يذهب بجواز سفره إلى إدارة المواطنين العرب ليحصل على تأشيرة الخروج. لم يفهم المعلم ما هو المقصود من تأشيرة الخروج، ولكنه ذهب … يا قوة الله، الناس تحيط بالمبنى وكأنهم في يوم الحشر، ناس من كل الأمم؛ دا مصري ودا سوداني ودا تونسي ودا يمني ودا لبناني، ودا مسلم ودا أرثوذكسي، أمم من غير مؤاخذة، والشمس حراقة يا ابا، والعساكر ما بترحمش، والضرب في الناس على ودنه، ودي بهدلة إيه ده؟ مش لازم تأشيرة خروج، ما يمشي وخلاص، وبالفعل لم يستمع إلى نصيحة أحد، أخذ بعضه وذهب إلى المطار. وعبثًا حاولوا إفهامه أن السفر مستحيل بدون تأشيرة خروج، وصرخ بأعلى صوته وسب الأخضرين.
عجايب يا ناس، قال بطلوا دا واسمعوا دا، دي بلد أو فخ، قال إيه؟ تيجي يا مرحبًا بك، تخرج لا، دا حمار مين اللي عمل النظام ده.
انهال العساكر على المعلم كتكوت، وأعطوه بسطة عراقية محترمة، وأرسلوه إلى السجن، ووجد المعلم نفسه أخيرًا في محكمة الثورة.
– محكمة ليه يا سعادة الباشا هوه أنا أذنبت؟ أنا عاوز ارجع بلدنا.
– فيه قانون لازم نحترمه.
– قانون إيه يا باشا، دا اللي عامل القانون دا حمار.
– بتقول مجلس قيادة الثورة حمار؟
– مين هو الثورة دا، أنا ما عرفش حد بالاسم دا.
– عشر سنين سجن.
– بتقول إيه؟ عشر سنين يا كافر، ليه أنا قتلت حد؟
عندما جذبه العساكر من قفاه ليخرجوه من المحكمة قاومهم المعلم بشدة. طرح أحدهم على الأرض وكسر فك الآخر. ولذلك أعادوه مرة أخرى إلى المحكمة ليستمع إلى الحكم عليه في التهمة الجديدة. لم يتمالك المعلم نفسه عندما سمع الحكم عليه بالمؤبد … مؤبد يا ولاد الكلب، لو كنت في بلدي لما تعدى الحكم أكثر من شهر سجن. ومع ذلك طرد المعلم من رأسه فكرة المقاومة لأن الحكم القادم سيكون الإعدام.
استسلم لمصيره وذهب مع العسكر إلى سجن عمومي يختلف عن السجن الذي كان فيه، وعرف فيما بعد أنه على مسافة عدة كيلومترات من بغداد. يا رحمة ربنا، عنابر كلها مصريين وسودانيين وناس من فلسطين ومن الصومال.
ويا ضربة الحظ التي كان ينتظرها المعلم كتكوت، لقد عثر في النهاية على الكنز الذي كان يبحث عنه.
– حمد الله ع السلامة يا معلم.
– هو انت يا وش النحس؟ يخرب بيت أبوك إنت اللي رميتني في المهالك دي.
– مهالك إيه يا معلم؟ كلها كام شهر إن شاء الله وتطلع على مصر بإذن الله.
– كام شهر إيه يا ابن المجنونة دا انا واخد تأبيدة.
– ولا يهمك يا معلم، فيه ناس كانت واخدة إعدام وأفرجوا عنهم. حاكم هنا كل كام شهر يفرجوا عن المساجين العرب؛ في عيد الثورة، وعيد الرئيس، رئيس عربي يتوسط، حاجات كتير بتفتح باب السجون وتمشي الناس من هنا.
– وانت واخد كام يا وله؟
– عشر سنين يا معلم.
– ليه عملت إيه؟
– بيني وبينك أنا غلطان، واد سواق مصري بيشتغل مع الجيش، كان بيجيب سلاح من الكويت ويدرب جنب إيران والحرب كانت شغالة، ويجيب من هنا قتلى عراقيين يدفنوهم هنا. اشتغل في التهريب، ياخد ناس معاه وهوه رايح الكويت ويلبسهم عساكر، وفي الكويت ينزلهم، كانت شغلة حلوة ومكسبها كتير، طمع … بقى يهرب عراقيين، هرشوه ومسكوه.
– طيب وإنت مالك؟
– ما هو كان بيخبي عندي لبس الجيش اللي هيلبسوه الهربانين.
– أمال أنا سألت عنك في المربعة ماحدش عرفك.
– ما انا مارحتش المربعة دي خالص، أنا كنت في بلد اسمها إسكندرية، الشغل كتير هناك والمكاسب حلوة. قوللي يا معلم … إزي القهوة؟
– قهوة إيه بقى، هو احنا هنشوفها تاني!
– إيه رأيك إحنا هنشوفها قريب يا معلم، كام شهر وبكرة تفتكر يا معلم.
واستقر المقام بالمعلم كتكوت في سجن «أبو غريب» ومعه الواد ريعو، الذي علم منه تفاصيل هروب عزيزة مع الأستاذ طلبة، وانفعل الواد ريعو بما سمعه من المعلم، لدرجة أنه قضى الليل كله يبكي وهو ممدد على الأرض بجوار المعلم كتكوت.