حميدكو للاستثمار
عدت إلى الوطن بعد رحلة علاج استغرقت عدة شهور، ولفت نظري عند ذَهابي إلى قهوة كتكوت في المساء وجود لافتة ضخمة أعلى القهوة تحث المواطنين على المساهمة في «حميدكو للاستثمار»، وحرص أصحاب اللافتة على التأكيد بأن «حميدكو» تحقق أهداف الوطن في الثورة الزراعية وفي الأمن الغذائي وفي اكتشاف كنوز أرض الفيروز. واكتشفت أن حميدكو هو حميدو نفسه ولكن أضاف «كو» إلى اسمه تمشيًا مع النظام العالمي الجديد! وتمنيت أن أعرف مصدر الفلوس التي ساعدت حميدو على إقامة هذا الصرح الاقتصادي الكبير. ومعرفة شركائه في المؤسسة التي تعمل على تحقيق أهداف الوطن في كل هذه المشروعات القومية الكبرى. ولم أستطع أن أظفر بأية معلومة، ولو ضئيلة، من الولد «ريعو» ثم من المعلم كتكوت.
كان تعليق ريعو عندما سألته: حميدو عبر يا بيه!
أما المعلم كتكوت فكان جوابه: يعطي من يشاء بغير حساب.
ولكن «الصدف» وحدها أتاحت للعبد لله فرصة إلقاء نظرة على الحقيقة.
كان مساءً باردًا ومطيرًا مما اضطرني إلى مغادرة الرصيف والاحتماء من الجو في داخل القهوة. وما إن دخلت حتى هب أحد الحاضرين واقفًا ضاربًا تعظيم سلام بطريقة رجال الأمن. يا قوة الله عم عبد الهادي! فين أراضيك؟ وانتحيت به جانبًا، وجلسنا نتحدث معًا. عم عبد الهادي رجل طيب من أهالي الجيزة، عمل فترة من الوقت سائقًا بشركة الترام، ثم اضطُر إلى التقاعد بعد حادث أدى إلى إصابته بعجز في ساقه، وترك العمل بعد أن حصل على المكافأة والتعويض، وعلق فاترينة سجاير على أحد الجدران بجوار قهوة كتكوت، ولكنه لم يصبر طويلًا على بيع السجاير الفرط، وسرعان ما باع الفاترينة واكتفى بالجلوس على قهوة كتكوت. وكان أحيانًا يجلس مع شلة الأدباء على أساس أن بينه وبينهم صلة ما؛ فقد كان لعم عبد الهادي بنت متمردة خرجت من طوعه، وعملت «كومبارس» في الأفلام، ولما كانت البنت مليحة وعلى جانب من الجمال فقد استطاعت أن تخرج من دائرة الكومبارس لتؤدي أدوارًا ثانوية، وكانت تلعب دور البنت اللعوب بجدارة، مما سمح لأهالي الجيزة بترديد اسمها في إشاعات عن سلوكها، قد يكون لبعضها أساس في الحقيقة، أما أغلبها فكانت من نسج خيال العامة والفقراء. ولما سألت عبد الهادي عن ابنته، روى لي أنها تزوجت منذ فترة من واحد «ريجيسير» وأنجبت منه بنتًا، ثم هجرته بعد أن اكتشفت أن الريجيسير إياه لا يستخدم البنات في أفلام السينما فقط، ولكنه يستخدمهن في أعمال أخرى شائنة. ولكن عم عبد الهادي اكتشف بعد فترة أن خلاف ابنته مع الريجيسير لم يكن للشرف دخل فيه، وأن الخلاف حول توزيع الأرباح. وبدأت البنت تدير أعمالها بنفسها بعد الطلاق، ولما انكشف أمرها ألقت الشرطة القبض عليها، وأرسلتها لمدة ثلاث سنوات خلف القضبان. وماتت زوجة عبد الهادي بعد انتشار الفضيحة، وسلمت ابنته طفلتها لبعض معارفها، ولكنها ماتت بعد فترة، وخرجت البنت من السجن بعد قضاء مدة العقوبة، وباشرت أعمالها على الفور. علمتها التجربة القاسية دروسًا جديدة، فلم تعد تبيع نفسها، ولكنها راحت تتاجر بالأخريات، أما هي فقد أصبحت تصطاد فرائسها من بين الأثرياء الجدد. وأوقعها حظها في الولد حميدو — هكذا نطق عم عبد الهادي الاسم — ثم قال وهو ينظر للعبد لله: فاكر الواد حميدو اللي كان بيمسح الجزم في القهوة … سبحان الله … حكمته واسعة، بيمد للظالم، الواد بقى من أصحاب الملايين … إزاي؟ هو ده اللي هيجنني، البنت اشتغلت مع حميدو كام شهر وبعدين اتجوزها. عربيات إيه يا أستاذ وشقق إيه وشاليهات إيه وسفر بره إيه، حاجات زي اللي بنشوفها في السينما. وشوف البجاحة بتاع الواد، بعد الجواز بعتلي رحت قابلته، قال إيه … عاوز يشغلني عنده.
– يشغلك إيه يا عم عبد الهادي، هوه بيبيع إيه؟
– بيبيع مرشيدش وبيبيع درة وفول بيجيبهم من بره، وبيبيع عجول وأراضي وبيشتري دولارات. وبعيد عنك طول الليل سهران يسكر ويلعب قمار، واللي هيجنني إن ربنا بيمد له الحبل وبيعطيه من واسع، وبعدين مش مكفيه يضحك على الناس، كمان بيضحك على ربنا، تصدق يا أستاذ … عمل دقن طويلة وطلعتله زبيبة في جبهته!
هذا إذن هو سر حميدكو، جمع المجد من أطرافه، جمعت الشركة بين حميدو والبنت حلاوتهم التي اشتهرت في السينما باسم زيزي، ويبدو أن البنت كان لها نفوذ قوي على حميدو، فسرعان ما ظهر في الجيزة سوبر ماركت حديث باسم «سوبر ماركت زيزي»، وكما أصبح حميدو من رجال الأعمال، صارت زيزي من ستات الأعمال، وأصبح الأستاذ حديث أهل الجيزة.
ذات مغربية همس الولد ريعو في أذني بأن سيدة في سيارة خارج القهوة تريد أن تقول لك شيئًا هامًّا، ولكنها تخجل من دخول القهوة. ونهضت بسرعة وعندما اقتربت من السيارة وجدت داخلها سيدة أنيقة تضع على وجهها أصباغًا بطريقة توحي بأنها راقصة أو ممثلة إغراء، وابتسمت ابتسامة رقيقة واعتذرت عن الطريقة التي استدعتني بها. وقالت: كان لا بد أن أراك وأتكلم معك، أنا والدي كان دايمًا بيتكلم عنك ومعجب بك، وع العموم إحنا مش هنعرف نتكلم هنا، تسمح تتنازل وتشرب معايا فنجان قهوة.
سألتها: فين؟
قالت بسرعة: في كازينو شهريار على البحر.
ثم قالت: مش هاعطلك يا دوب فنجان القهوة بس.
صعِدت إلى العربة وجلست بجوارها، وأشارت هي للسائق بالإسراع إلى كازينو شهريار. بمجرد دخولنا الكازينو أبدت امتعاضًا شديدًا للحالة البائسة التي وصل إليها الكازينو، قلت لها: دا حاله كده من زمان.
قالت وهي مشمئزة: فعلًا أنا بقالي عشر سنين ما جيتش هنا.
عقبت على كلامها قائلًا: بس دا بقاله كده أكثر من كده.
ابتسمت ابتسامة جميلة وقالت وهي تغمز بعينها: أنا مش عجوزة قوي كده.
وحول ترابيزة متهالكة عليها مفرش كله ثقوب وبقع، سألتها: أنا ما تشرفتش باسم سعادتك.
قالت بصوت أنثوي رقيق: يا خبر … أنا مدام حميدو رجل الأعمال.
– أنت مدام زيزي بالتأكيد.
– كان والدي يصفك بأنك يقظ دائمًا لا تفوتك شاردة أو واردة.
دققت النظر فيها، كانت ترتدي بلوزة بلون الفضة مفتوحة عند الصدر أكثر مما ينبغي، وجوب أسود ميني جيب، كاد يختفي بعد أن جلست وكشفت عن سيقان نموذجية، وأوراك كمواسير مدافع تنادي — على رأي ناظم الغزالي — على عاصي الهوى الله أكبر!
بادرتها قائلًا: أنا تحت أمرك.
– العفو يا أستاذ إحنا كلنا اللي تحت أمرك.
ثم قالت بعد أن أصلحت فتحة البلوزة ففتحتها أكثر: الحقيقة الحاج حميدو كان عاوز يكلمك بس انكسف، لكن محسوبتك بقى في الحق ما تنكسفش، وإحنا عاوزينك في خدمة.
– يا ريت أكون أقدر عليها.
– دا انت تقدر على المستحيل.
كان الجرسون قد أحضر فناجيل القهوة فرشفت رشفة ثم قالت: إنت عارف أعمالنا توسعت قوي، والشركة بقت شركة محترمة وبتشتغل في حوالي ۱۰۰ مليون.
ثم تناولت رشفة أخرى من الفنجال وقالت: الحقيقة إحنا بنشتغل بإدينا وسناننا، بس إحنا لازم نقول الحق، الحكومة دي بتشجع اللي عاوز يشتغل، إحنا صحيح مديونين للبنك، لكن الحمد لله بنسدد أول بأول، والمكاسب الحمد لله كثير وخير ربنا مغرقنا.
– وانا مطلوب مني إيه؟
– إحنا فكرنا نعمل قسم للدعاية في الشركة، قلنا سيادتك أحسن واحد يمسكه، القسم دا هيبقى إدارة كبيرة قوي، وأنت اللي هتختار الناس اللي يشتغلوا معاك وتحدد رواتبهم كمان.
قلت على الفور: يا ريت كنت أقدر.
– لا عشان خاطري، دا أنا عشمي فيك كبير قوي، دا أنا من زمان نفسي أتعرف عليك، نفسي أعرف شخصية عقلها كبير زيك كده.
– أنا يا ستي كان على عيني وراسي، وانا باشتغل بقالي أربعين سنة، لكن عمري ما أعرف حاجة عن الدعاية والإعلان، أنا في الحقيقة باكتب الكلمتين بتوعي وبس.
– طيب بلاش تاخد قرار دلوقت، خد وقت … فكر وبعدين قول.
سكتت زيزي عدة ثوان قبل أن تقول: طبعًا عاوزة أقولك للعلم بس إن مرتب الوظيفة ٦٠ ألف جنيه في السنة.
دفعت ثمن القهوة وركبنا السيارة التي توقفت بنا أمام القهوة، وقبل أن أغادرها صافحت زيزي، فغمزتني في كفي وقالت: عاوزين نقعد مرة نتكلم في حاجة ثانية غير الشغل.
مرت أيام كثيرة أنستني كل ما دار في مقابلتي مع زيزي. ولكني فوجئت ذات مساءٍ بالحاج حميدو يدخل القهوة ويتلفت حوله، وعندما رآني اندفع نحوي بقوة وصافحني بحرارة، ولاحظت أن «دقنه» قد طالت عن ذي قبل، وأن أصابعه تمسك بمسبحة طويلة غالية الثمن، وعندما قلت له ملاحظتي عن المسبحة تركها، وأقسم بالله العظيم أنها لي ولن يستعملها أحد غيري. حاولت الاعتذار ولكني لم أفلح.
قال الحاج حميدو: حد يرفض سبحة … دا حتى حرام. هو أنا من غير مؤاخذة باديك بدلة ولا بالطو، دنا باديك حاجة بتاعة ربنا.
جلس الحاج في مواجهتي ثم قال: إيه الحكاية؟ الحاجة زيزي طمنت قلبي وقالتلي عالمقابلة مع سيادتك، وبعدين يا سيدي أنا عرضت عليك شركة معايا وانت ما رضيتش، قلت نستفيد بعلمك، دا انت راجل كل الناس تعرفك ودماغك توزن بلد. وإذا كان المرتب مش عاجبك نرفعه، وزي ما تقول.
– أولًا المرتب المعروض أكثر من مرتب مدير بنك، وانا عمري ما حلمت بحاجة زي دي، بس المشكلة إن أخوك ما يعرفش في الشغلانة اللي انتو عاوزني فيها. وانا ما حبش أكدب على نفسي ولا أكدب على الناس.
– يا سيدي ما تدقش، إنت كفاية قعدتك عندنا، مشكلة تصادفنا، حاجة تحصل كده أو كده، تبقى معانا.
– إنت عارف أنا باصحى م النوم بعد الضهر، وبعدين أنا كبرت على الشغل، وعاوز أتأمل الشوية اللي فاضلين لنا.
والنبي ما تكسفني، وع العموم الحاجة زيزي عازماك بكرة ع العشا، إن جيت هتطول رقبتي ويبقى كتر خيرك.
– هو بكرة إيه؟
– ما تقوليش إيه وفين؟ دا الحاجة زيزي طابخة الأكل بإيديها. دنا بعت جبت بطارخ من بورسعيد النهارده.
لا أعرف ما السبب الذي جعلني أوافق على حضور حفل العشاء مع الحاج والحاجة، ربما رغبة دفينة في رؤية زيزي مرة أخرى؟
ولا زلت حتى بعد انتهاء الوقت الأصلي واللعب في الوقت الضائع، تثيرني الصدور النافرة والوسط المخنوق والأرداف التي في حجم عضلات تايسون. حلقت شعري في ذلك الصباح، ومسحت حذائي، ربما لأول مرة منذ أشهر، وذهبت في الموعد المحدد، وعندما ضغطت على جرس الباب فُتِحَ على الفور، وكأن أحدًا كان يراقب مجيئي من مكان ما في المنزل … وفوجئت بالحاجة زيزي تلقي بنفسها في أحضاني، وأصابني عطرها الغالي بدُوار خفيف، ولكني سحبت نفسي بقوة، فقد خشيت أن يفاجئني الحاج وأنا على هذا الوضع. ولكني اكتشفت عندما أصبحت في حجرة الصالون أن الحاج ليس موجودًا بالمنزل، وأنه يرأس مجلس الإدارة المنعقد في تلك اللحظة. كانت زيزي ترتدي روبًا من الحرير الياباني، وتحته قميص نوم فستقي يكشف أكثر مما يستر، حاولَتْ أن تقدم لي كأسًا، ولكني رفضت بشدة وتمسكت بشرب الشاي بالنعناع. يا سبحان الله، الجمال موهبة، والجميلة موهوبة كالشاعر والموسيقي والممثل والرسام، والجمال هو أعظم المواهب جميعًا، ومن قال غير ذلك فهو عاجز أو قصير الذيل أو عديم الذوق أو عديم الإحساس. ولا يكفي أن تكون موهوبًا فقط، بل يجب أن تكون موهبتك من أغلى قماش، ودائمًا هناك موهبة رخيصة وموهبة غالية، آرثر ميلر كان يبيع المسرحية بمليون دولار، والمؤلف عبد السميع الجاموسي يتقاضى مائة جنيه في المسرحية. وموهبة زيزي من نوع موهبة آرثر ميلر، لو لم تكن تعمل مع حميدو، ولو لم تكن مشبوهة لقبلت عرضها على الفور، ليس من أجل المرتب ولكن من أجل أن أستمتع بجمالها على الدوام. لا أعرف في أي شيء سرحت بعيدًا، ولكني عدت إلى نفسي بعد أن شعرت بأصابعها تمسح جبهتي بمنديل ورق. واكتشفت أنني حلقت بعيدًا أثناء سرحاني، وأنني أتصبب عرقًا. ضربت يدي في جيبي وأخرجت المسبحة الغالية ورحت أتمتم على صوت حباتها باسم الله. وابتسمت زيزي وقالت: أهو أنت دلوقتي بقيت ألسطة على الشغل معانا، إحنا أصلنا بنشتغل بالاقتصاد الإسلامي، بس دا ما يمنعش إن الواحد يفرفش نفسه شوية، يشرب كاس، يسهر سهرة حلوة، الدنيا مش نكد على طول.
عندما بدأنا في تناول العشاء كان ارتباكي قد أصبح واضحًا، وسقطت قطعة من السمك على بنطلوني، فسارعت زيزي إلى المطبخ وأحضرت فوطة نظيفة وماءً ساخنًا وبعض مسحوق غسيل، وراحت تمسح مكان البقعة، وقالت وهي تضحك ضحكة ساحرة: اللي يشوفك من بره ما يعرفش حقيقتك، أنا يتهيأ لي إنك بتمثل إنك عجوز.
قلت لها: يالله حسن الختام.
قالت ضاحكة: ختام إيه وبتاع إيه. دا انت شباب على طول، على رأي المثل: «الدهن في العتاقي».
الآن … اكتشفت أنه لا يوجد في الحياة شيء اسمه الشيخوخة، الإنسان يشيخ بإرادته ويظل شابًّا بإرادته، وهناك وسائط لا بد منها، والوسائط أنواع؛ منها ما يجذب الإنسان إلى الحياة، ومنها ما يدفع به إلى القبر. والبنت زيزي تستحق النعمة التي ترفل فيها، فهي من الوسائل التي تحفظ الحياة … عرفت الآن لماذا احتفظ الحاج أبو هاشم بشبابه حتى عَبَرَ المائة عام؛ كان يتزوج كل عام هجري من فتاة في عمر الورد، ثم يطلقها بمعروف، ويعطيها مما أعطاه الله. وكان يعطيها ما يكفيها لسنواتٍ طويلة، ولذلك لم ترفض بنت من البنات طلبه في أي وقت. كان الحاج أبو هاشم يشتري الشباب والحياة بالفلوس … ولو كانت مهنة الكتابة تُدِر أرباحًا كتلك التي تدرها تجارة الحديد التي كان يحترفها الحاج أبو هاشم، لما ترددت في اتباع أسلوب الرجل الذي عاش حتى رأى أحفاد أحفاده. عندما انتهى العشاء دق جرس الباب ودخل الحاج حميدو وفي يده سيجار كوبي شهير، وراح يعتذر عن غيابه لأن مجلس الإدارة كانت أمامه عدة مشاكل لدراستها، ولم نشأ فض المجلس إلا بعد حل كل المشاكل.
سألته وأنا أعبث في حبات المسبحة: مشاكل زي إيه؟
– الأمر ما بيخلاش يا سعادة البيه … جايبين شحنة سمك؛ مركب بحالها … يعني حاجة تأكل مصر كلها، وبعدين سعرها خفيف، ومشاركة من الشركة في الأمن الغذائي، تطلع لنا بنت مفعوصة من بتوع الجامعة اللي ما بيفهموش راسهم من رجليهم، قال إيه، السمك دا ما ينفعش للاستهلاك الآدمي، عجايب، أمال ينفع لإيه؟ هي الحيوانات رخرة بتاكل سمك؟
– طيب، وهتعملوا إيه؟
– بكرة إن شاء الله هنبعت سيادة المدير بتاعنا لمدير البنت دي عشان يشوف لنا حل.
– وتفتكر هيشوف حل؟
– يا سعادة البيه، الناس الكبار عندهم الربط والحل، لكن دي بنت موظفة بتلاتة تعريفة تلقاها ما داقتش السمك في حياتها، يقوموا يخلوها تتحكم في رقاب الناس اللي عاوزة تساهم في الأمن الغذائي. سكت حميدو فترة قصيرة ثم قال لزيزي: إنت هتسيبيني أموت م الجوع، أو الحكاية على رأي المثل «من شاف أحبابه نسي أصحابه»؟ ضحكت زيزي واتجهت إلى المطبخ، فالتفت الحاج حميدو نحوي وقال: والناس بتقر علينا وبيقولوا بيكسبوا من غير تعب، طيب واللي خلقك أنا على لحم بطني من ساعة الصبح، يا ريت الواحد يرجع تاني لأيام الراحة والفقر.
قلت له بخبث: هي كانت أيام فقر بس، لكن ما كانتش أيام راحة.
– عندك حق، بس الواحد كانت أعصابه مرتاحة وما عندوش قلق.
سكت الحاج حميدو فترة قبل أن يسألني: اتفقت مع الحاجة زيزي، إوعى تكون كسفتها. حاولت أن أتكلم ولكنه أشار إليَّ بالصمت وعاود الحديث: شوف يا سيدي، أنا عندي عرض تاني، إيه رأيك تشتغل مستشار للشركات بتاعتنا؟ أظن مفيش حجة بقى.
قررت أن أترك المسألة معلقة، كنت أتوق إلى رؤية زيزي مرة أخرى، فقلت للحاج حميدو: دا عرض مش وحش، بس سيبني كام يوم أفكر.
عندما عرفت الحاجة زيزي بالعرض الجديد وبموقفي منه، صفقت بشدة، وقالت: ألف مبروك.