ما هي الاشتراكية
النظام الاشتراكي يقتضى إلغاء الملكية الفردية بمعنى أنه لا يجوز للفرد أن يمتلك أرضًا أو معملًا أو منجمًا أو أي ثروة تحتاج في استغلالها إلى عامل أو عمال، وعليه يجوز للفرد أن يمتلك أدوات بيته وملابسه وأمواله طالما كان لا يستغلها بواسطة عمال. بل ربما سمح له بامتلاك مسكنه أيضًا لأن هذا الملك لا يضر الآخرين. وغرض الاشتراكية مجرد إيجاد الحرية الاقتصادية حتى تتساوى الفرصة بين الناس في الإثراء فيلغى مبدأ الإرث، لأن وجوده ينافى هذه الحرية الاقتصادية التي تتطلب أن يولد الناس متساوين لا يمتاز أحدهم على الآخر بغير مميزاته الطبيعية.
ثم هي تعترف بهذه المميزات الطبيعية. فمن كان قوي الجسم واستطاع أن يشتغل أكثر من غيره كوفئ بنسبة شغله. ومن كان قوي العقل قادرًا على الاستنباط جاز له احتكار اكتشافاته أو اختراعاته إلى مدة محدودة والامتياز على غيره بذلك. ولكنها مع ذلك تمنعه أن يُوَرِّثَ أبناءه حتى هذا الاحتكار، لأن في ذلك منافاة للحرية الاقتصادية.
ولسائل: كيف تكون الاشتراكية في بلاد كمصر؟
تكون بتربية الجمهور على الحكم النيابي الديمقراطي أولًا ثم نشر المبادئ الاشتراكية وإدخال بعضها بالتدريج في جسم الحكومة حتى تتشرب بها الأمة وتصبح عزيزة فيها فتتوجه فكرة الإصلاح إلى وجهات اشتراكية ثانيًا. هذا مع تقدم التعليم وتنوير الأمة دائمًا بالمطبوعات عن مصالحها الحقيقية.
فبدلًا من أن يحكم القرية عمدة ليس لأهل القرية رأي في تعيينه، يحكمها مجلس منتخب من سكان القرية الراشدين ذكورًا وإناثًا. ويعين هذا المجلس خفراء القرية وقاضيها، ومهندسها وطبيبها. ويؤجر أراضيها للمؤاجرين منها، ويصرف وارداته على مصلحة القرية من تعليم وبناء مساكن وإصلاح طرق وإضاءة شوارع وغير ذلك. فتُبنى البيوت الصحية بدلًا من هذه الأكواخ التي تقتل ثلاثة أرباع أطفالنا. وتؤسس المدارس الزراعية العالية، فلا يشتغل في الأرض إلا من نال شهادة منها فتزرع الأراضي على أصول من الزراعة. وبدلًا من الآلات الفرعونية التي نحرث ونسقي بها أراضينا تشتري القرية الآلات للري والحرث والحصد، تُدَارُ بالكهربائية أو البخار، فيتوفر على الزُّرَّاعِ وقت كبير يُصرف الآن في إدارة التابوت والمحراث البلدي والساقية.
ويُحكم المركز بمجلس ينتخب من أهالي المركز ينظر في المسائل التي تتعدى دائرة المجالس القروية كالسكك الزراعية والمدارس العالية وإقامة المعارض الصناعية والزراعية.
ويحكم المديرية مجلس يديره أهل المديرية عنهم فينظر في الشئون الكبرى التي لا يستطيع مجلس المركز أو مجلس القرية أن ينظرا فيها.
ويحكم القطر كله مجلس نيابي ينظر في سياسة البلاد الخارجية ويدير المصالح الكبرى كالسكك الحديدية ويشرف على أعمال المجالس المحلية والتعليم العام … إلخ.
وعندنا الآن من الأعمال التي تعملها حكومتنا ما هو اشتراكي النزعة مثل مصلحة السكك الحديدية الأميرية. فإن هذه المصلحة تُدار الآن لفائدة الأمة ويجمع الفائض من إيراداتها ويصرف على مرافق الأمة. ولو كانت ملك شركة لصرفت إيراداتها فيما لا ينفع الأمة. فهذا مثال عملي يثبت أفضلية الاشتراكية على الاستفراد، أي الملك الاشتراكي على الملك الفردي. وغاية ما يأخذه الاشتراكي على مصلحة السكك الحديدية أنها غير ديمقراطية. فهي تدفع لبعض الرؤساء ما يربى على ألفي جنيه في حين أن بعض مستخدميها لا يحصل منها على غير أربعة وعشرين جنيهًا في العام. وبديهي أن هذا التمييز مجحف ومستحيل أن يكون عادلًا. ولكن هذا الخلل عارض لهذه المصلحة من الخارج وغير أصيل فيها. وهو ناشئ عن شيوع التمييز في النظام الحاضر. فكما أن إيراد صاحب الأرض يزيد عن إيراد أحد مزارعيه بخمسين أو بمئة ضعف كذلك ترى الحكومة الحاضرة أن يزيد إيراد رئيس المصلحة عن إيراد أحد مستخدميه بهذه النسبة أو بما يقرب منها.
وعندنا أيضًا بلديات كثيرة توزع المياه والضوء على سكان المدن وتنشئ المتنزهات العمومية وتؤلف الجوقات الموسيقية للذة الجمهور. فهل فينا من يعتقد بأن الأمة تربح أكثر لو كانت هذه المتنزهات، أو لو كان صرف المياه والضوء، موكولًا إلى شركات أو أفراد مما تربح الآن وهذه الأشياء في يد بلديات ينتخب أعضاءها السكانُ ويصرف الوارد لها من الأموال على مرافق الأمة؟
فغاية ما يطلبه الاشتراكي أن تتدرج البلدية من امتلاك المياه والضوء، كما هو حاصل عندنا الآن، إلى امتلاك الترامات والمخابز والتياترات والمساكن والمكاتب العمومية … الخ.
ويطلب أن تتدرج حكومتنا من امتلاك السكك الحديدية إلى الأراضي والمعامل والمناجم، وتديرها كما تدير هذه السكك الآن.
يطلب الاشتراكيون ذلك من سبيل التدريج الوئيد لا الطفرة السريعة. وكل خطوة نخطوها نحو الإصلاح الاشتراكي تكون مصحوبة دائمًا، بل ومتوقفة، على درجة التنور السارية في الأمة.