الشيطان … في المصيدة
دخل «عثمان» إلى صالة الفيلَّا الواسعة … كان الأثاث قديمًا ولكنه من نوع جيد … والأضواء خافتة ولكنها كافية … وأغلقت العجوز باب الفيلَّا … وتضرعت إلى «عثمان» قائلة: أرجو أن تُكمل جميلك وتحمله إلى فوق … إن غُرَف النوم في الدور الثاني.
أحس «عثمان» بالضيق لحظات … وكاد يضع الرجل على أقرب كرسي إليه … ولكنه كظم ضِيقه، وأخذ يصعد الدَّرج الداخلي الخشبي، الذي كان يئنُّ تحت قدميه …
كان الدرج قديمًا، ومُتسعًا، ويدور دورتَين قبل أن يصل إلى الطابق الثاني … ووجد غرفة مُغلقة … ولحقَتْ به السيدة ففتحت بابها … ودخل … ووضع الرجل في الفراش … ثم استدار لينزل، ولكن السيدة قالت: أرجوك … انتظر لتشرَبَ كوبًا من الشاي.
رد «عثمان»: إن عندي مهمة في «برايتون» … والوقت ضيق.
تشبثت السيدة بذراعه وقالت بضراعة: لن تنتظر طويلًا … سيكون الشاي مُعدًّا خلال خمس دقائق.
لاحظ «عثمان» أن يد السيدة قوية، بالنسبة لسنِّها … ودُهش، ولكنه قال في نفسه: إن السيدات في الريف عادةً يقُمن بأعمالٍ شاقة … وهذا سِرُّ قوتها …
أزاح يدَها برفق وقال: شكرًا لكِ يا سيدتي … ربما في طريق عودتي أَمُرُّ، لأشرب الشاي.
السيدة: متى تعود؟
عثمان: ربما بعد ساعة.
السيدة: إذن سأُعِد الشاي وسأكون في انتظارك … لقد كنت كريمًا معنا حقًّا.
عثمان: إنني لم أقُم بأكثر من الواجب.
أسرع «عثمان» ينزل السلالم مسرعًا … ولكنه عندما وصل إلى باب الفيلَّا، وحاول فتحه، وجده مُغلقًا … تضايق «عثمان»، ونظر إلى ساعته … كان الوقت يمرُّ سريعًا … وأخذ يُنادي السيدة … ولكن صوت الريح والمطر غطَّيَا على صوته … فلم يجد بُدًّا من الصعود مرةً أخرى إلى الدور الثاني وصعد … فوجد باب غرفة النوم قد أُغلق … دقَّ عليه برفق … ولكن أحدًا لم يرُد … عاود الدق … ولكن أحدًا لم يرد.
وفي لحظةٍ كالبرق، مرت بذهن «عثمان» تفاصيل الدقائق الأخيرة من مُهمته … وأحس أنه وقع في مصيدة لم يكن يتوقَّعُها … مصيدة صُنعت بمهارة ودقة … مهمة إنسانية لا يستطيع رفضها … سيدة عجوز وحيدة في البرد والمطر … ورجل مريض … وفيلَّا منعزلة …
دقَّ الباب بكل قوته … ولكن لم يكن هناك مُجيب … أسرع ينزل السلالم كالمجنون … واندفع إلى إحدى النوافذ القريبة، ثُم أخذ يحاول فتحها … ولم تنجح محاولته … كان كل شيء مُعدًّا بعناية ليُصبح سجينًا في الفيلَّا …
أمسك بأحد المقاعد ثم انهال ضربًا على النافذة … فحطم الزجاج … ثم حطم المِصراع الخشبي … وقفز إلى الخارج، وأحسَّ بارتياح لأن سيارته كانت تقف في مكانها … أسرع إليها وقلبُه يرقص طربًا … سيكون لهؤلاء الناس حساب … ولكن فيما بعد …
كان واهمًا … وجد السيارة مفتوحة … ووقع نظره على المقعد الذي بجانبه … وكاد قلبه يتوقف عن الدق، عندما وجد المقعد فارغًا، وقد اختفت الحقيبة الأنيقة التي كانت بجواره، وبها المبلغ الضخم … ومدَّ يدًا مُرتعدة إلى غطاء التابلوه … وفتحه … كان المسدس الضخم من طراز «لو جر» المعدل قد اختفى … واختفى جواز سفر «مايكل راف» المزوَّر … واختفت كل الأوراق …
أي شخص آخر في مكان «عثمان» لم يكن أمامه إلا أن ينهار في مكانه … ولكن كواحدٍ من الشياطين، كان «عثمان» مُدَرَّبًا على مواجهة مثل هذه المواقف …
كانت أمامه عدة خيارات … الأول: أن يُهاجم الفيلَّا لعلَّه يجد هؤلاء الناس الذين صنعوا المصيدة … ولكن قد يمضي الوقت، ويختفي «مايكل راف» إلى الأبد …
الثاني: أن يدخل الفيلَّا مرةً أخرى ويتصل بفندق القرصان، ويطلب «مايكل راف» ويشرح له ما حدث … ويطلب منه مُهلةً حتى يعثر على الحقيبة، وعلى الأوراق وجواز السفر … ولكن «مايكل راف» قد لا يُصدقه … وحتى لو صدَّقه، فلعله قد رتب نفسه على السفر في تلك الليلة إلى خارج إنجلترا … ولعله أيضًا يُدرك أن اتفاقه مع رقم «صفر»، قد انكشف لعصابة سادة العالَم … ولا يبقى أمامه إلا الفرار بأسرع ما يمكن …
أما الخيار الثالث: فهو الاتصال بالشياطين اﻟ «١٣» في لندن، وإخطارهم بما حدث … ومشاورتهم فيما ينبغي عمله …
أما الخيار الرابع: فهو أن يُسرع بسيارته إلى «برايتون» لعله يلحق ﺑ «مايكل راف» ويتفاهم معه …
وقرر أن يلجأ إلى الحل الأخير … وأدار محرك السيارة، وبدأ يتحرك، عندما أدرك على الفور، أن الإطارات الأربعة قد أُفرغت من الهواء …
جلس «عثمان» في مكانه، مُحاولًا الاحتفاظ بأكبر قدر من صفاء الذهن … لقد وقع في براثن سادة العالم … وصنعوا له مصيدةً رقيقة ولكن قوية … ومن الواضح أنهم استطاعوا أن يُتابعوا اتصالات الشياطين ﺑ «مايكل راف»، حتى يضعوا هذه الخطة الدقيقة للإيقاع به … وأصبح مُقتنعًا أنهم بالتأكيد قد وصلوا إلى «مايكل راف». وأنهم إما أخذوا فيلم الفيديو بهدوءٍ كما فعلوا معه … أو أنهم أفرغوا كميةً من الرصاص في جسد «مايكل راف» وأخذوا الفيلم.
عند هذه النقطة، قفز من السيارة، وأسرع إلى النافذة التي حطمها … وفي سلسلة المفاجآت التي قابلته هذه الليلة، كانت هناك مفاجأة أخرى بسيطة … كانت الأنوار مُطفأة، والفيلَّا تسبح في ظلام دامس.
أخرج مصباحه الصغير، وأطلق شعاعًا من الضوء … كان يبحث عن جهاز التليفون … لم يعُد أمامه إلا أن يتصل بالشياطين في لندن، ويشرح لهم كل شيء … ورغم إحساسه بالخطر، إلا أنه يدرك أن الذين صنعوا المصيدة لا يريدون قتله … ولو كانوا يريدون قتله لقتلوه … لقد كانت أمامهم عشرات الفرص لهذا الغرض …
وكان السؤال الذي يُلِحُّ على ذهنه فعلًا، هو: لماذا لم يقتلوه، بدلًا من هذه الخطة المحكمة؟! لقد كان في إمكانهم مثلًا أن يُطلِقوا عليه الرصاص، عندما توقف بسيارته لالتقاط السيدة العجوز … وكان في إمكانهم هذا أيضًا عندما كان يحمل الرجل … وعندما نزل سُلَّم الفيلا … لماذا إذن لم يقتلوه؟
وهل هم الآن هنا؟ … أم تركوه وحيدًا يتصرَّف كما يشاء؟
وماذا سيفعل إذا لم يجد جهاز التليفون؟ وماذا سيقول للشياطين؟ ثم لرقم «صفر» عندما يعود ليقدِّم تقريره؟
ولكن السؤال المُلح والهام هو: لماذا لم يقتلوه؟
هل هم يريدونه حيًّا لسبب ما؟ وما هو هذا السبب؟ وقف مكانه … لقد كان هناك سببٌ واحد لا شك فيه … أنهم يريدونه حيًّا … وطليقًا أيضًا … إنهم ببساطة يريدون أن يتبعوه، ليعرفوا مقر الشياطين اﻟ ١٣ في لندن … ربما للإيقاع بهم جميعًا …
ولكن، ألم يعرفوا مقر الشياطين، بعد نجاحهم في رصد الاتصالات بين الشياطين و«مايكل راف»؟ … إن معرفة رقم التليفون خطوة أكيدة لمعرفة العنوان …
إذن لماذا يريدونه حيًّا … وطليقًا؟
ولم يستطع ذهنه أن يصل إلى إجابةٍ شافية؟