المطاردة
انزلق، وهو لا يكاد يُصدق نفسه، إلى داخل السيارة … وأحس بكل عصبٍ في جسده يرتجِف … كان مُرهقًا وجائعًا ويرتعد من البرد … ولكن عندما وجد مفاتيح السيارة في مكانها، أحسَّ أنه ارتاح تمامًا … أحسَّ أنه دخل في فراشٍ دافئ، واسع، مريح …
أدار السيارة، ولم يُضئ الأنوار … وانطلق في هدوءٍ قدر الإمكان، وعيناه ترمقان المصباحَين اللذين ابتعدا عنه … ثم أدار المِقوَد، وأطلق للسيارة العنان، بعد أن أضاء المصابيح الصغيرة … وعلى ضوئها، شاهد باب الحديقة البعيد، وانطلق إليه بكل سرعة … كانت السيارة رائعةً من طراز «جاجوار»، فأطلق الأضواء كلها ليرى طريقه … وأطلق للسيارة الجبارة العنان …
سمع طلقات رصاص تدوِّي في الفضاء … وصوت سيارة تدور … فزاد من سُرعته … ومر من باب الحديقة كالسهم … وسرعان ما كان في الطريق العام … ومرة ثالثة زاد من سُرعته … وقفز مؤشر السرعة إلى ١٢٠ ميلًا في الساعة … وانطلقت «الجاجوار» السوداء كأنها قنبلة … ومن خلفها انطلقت سيارة أخرى …
كان «عثمان» يُدرك أنه لا فرصة ثانية … لقد كسب الجولة رغم البداية المعاكسة … وها هو الآن في سيارةٍ قوية، ومعه حقيبة «مايكل راف»، التي دار حولها الصراع … لقد أتمَّ مُهمته، التي كادت أن تُصبح مستحيلة … وبقي عليه أن ينجو بنفسه …
انطلقت «الجاجوار» على الطريق الزلقة في اتجاه «لندن»، وبدأت أضواء «برايتون» تختفي … وكان المطر قد توقف … ولكن الضباب كان يُغطي الطريق … وبحث «عثمان» بطرف عينه بين الأزرار … لا بدَّ أن هناك مصابيح ضباب، في مثل هذه السيارة الفاخرة … ووجد المفتاح … وانطلق الضوء الأصفر القوي، يُبدِّد الضباب ويكشف الطريق.
كانت السيارة التي تطارده من طراز «ب. م. ٧٣»، وهي سيارة قوية. ولكن «عثمان» كان يملك ميزة أنه انطلق أولًا، وبينه وبين السيارة التي تُطارده بضعة أميال. كان في السيارة المُطارِدَة رجُلان، أحدهما كان يقود السيارة، وهو يمضغ بعصبية قطعة من اللبان … ويتحدَّث من بين أسنانه … قال للآخر: سنلقى حسابًا عسيرًا إذا استطاع هذا الولد الفرار بالغنيمة … إن الزعيم يقول إن هذا الطرد الذي مع الولد يساوي الكثير …
ردَّ عليه الثاني قائلًا: لن أستطيع مواجهة الزعيم مُطْلَقًا … لقد كنا خمسة، فكيف يستطيع مثل هذا الولد الفرار بالغنيمة؟!
قال الأول: ما رأيك في الاتصال بجهاز اللاسلكي بمقر الزعيم؟ … علينا أن نُخطره بما حدث.
لم يتردَّد الثاني في الموافقة … ومدَّ يده فسحب سماعة اللاسلكي وضغط على زرِّ الاتصال.
سمع «عثمان» تكة في التابلوه … وبأُذُنٍ مُدَرَّبة، أدرك أن ثَمَّة جهاز لاسلكي بدأ الاتصال … مدَّ يدَه وأمسك بالسماعة ووضعها على أُذنه … وسمع على الفور الحوار التالي:
من مجموعة «الفأر الأسود» … جونسون يُريد أن يتحدث إلى الزعيم.
ردَّ صوت: ماذا حدث؟
قال «جونسون»: إننا في مأزق!
ردَّ الصوت: الزعيم ليس هنا الآن … ألم تحصلوا على الطرد؟
قال «جونسون»: إن الطرد في سيارة من سياراتنا.
رد الصوت بانفعال: إذن ما هي المشكلة؟
قال «جونسون»: إن السيارة يقودها شابٌّ من المجموعة المناهضة لنا … هذه المجموعة التي يسمُّونها «ش. ك. س»!
رد الصوت بخشونة: كيف حدث هذا؟
قال «جونسون»: تطوُّرات مفاجئة، المهم أن معي «جو الكبير»، على طريق برايتون لندن … نحن في السيارة اﻟ «ب. م» … والمسافة بيننا وبين السيارة نحو خمسة أميال.
قال الصوت: هل اقتربتم من لندن!
ردَّ «جونسون»: لا … إننا ما زلنا في بداية طريق «برايتون» …
قال الصوت: وماذا تريد بالضبط؟
قال «جونسون»: هل يُمكن إطلاق مجموعة سيارات من مكان قريب … بحيث تُحيط بهذا الولد … إنه يقود ببراعة مُذهلة … وسرعته تتجاوز الآن ١٦٠ ميلًا في الساعة … ونعتقد أننا لن نستطيع الوصول إليه.
قال الصوت: أي سيارة يركبها؟
ردَّ «جونسون»: إنه يركب الجاجوار السوداء …
قال الصوت بانفعال: هذه كارثة … ففيها تسليح كامل … صواريخ فوسفور تُطلَق من الخلف، ومدافع رشاشة تُطلَق من الأمام!
كيف تركتم مثل هذه السيارة تقع في يده؟
قال «جونسون»: هذا ما حدث … وسأشرح لكم فيما بعد … المهم الآن أين أول مَقرٍّ لنا على الطريق؟
أجابه الصوت: إنه على مسافة ٤٠ ميلًا من «برايتون» … كم قطعتم الآن؟
قال «جونسون»: نحو خمسة عشر ميلًا …
قال الصوت: لا تُغلق الجهاز … استمع معي!
سمع «عثمان» الحوار، وأحسَّ بالخطر القادم … وأخذ ينظر إلى تابلوه السيارة، للبحث عن الأزرار التي تُطلِق الأسلحة … في نفس الوقت، سمع الصوت القادم من مقر العصابة يُلقي تعليماته: «إلى مجموعة العين الصفراء … توقفوا بثلاث سيارات على جانب الطريق في اتجاه «لندن» … ستمر بكم سيارتنا «الجاجوار» السوداء … عالجوها بالطريقة المناسبة … بها ولد من مجموعة «ش. ك. س» ومعه طرد هامٌّ جدًّا، يريده الزعيم بأي ثمن … إذا أمكن القبض عليه حيًّا كان ذلك رائعًا … إن تعليمات الزعيم من البداية ألا يُقتَل … إننا نريد أن نساوم عليه.»
أدرك «عثمان» في هذه اللحظة، لماذا لم يقتلوه من البداية … إنهم يُريدون الاحتفاظ به كرهينة!
قال الصوت: هل سمعت التعليمات؟
أجاب «جونسون»: نعم … وشكرًا لك.
قال الصوت: اتصل بنا كل فترة … نُريد أن نعرف ماذا سيحدث.
أجابه «جونسون»: سأفعل.
وضع «عثمان» سماعة اللاسلكي … وأخذ يبحث عن أزرار الأسلحة … لم يجد الأزرار في التابلوه … فنظر إلى جواره … كانت ثمة مجموعة أخرى من الأزرار الملونة … وأدرك من ترتيبها أن المجموعة الأمامية لإطلاق المدافع الأمامية … والخلفية لإطلاق قنابل الدخان.
نظر إلى عدَّاد السيارة، وأدرك أنه سيكون خلال عشر دقائق على الأكثر، في مواجهة السيارات الثلاث … فهل يُغامر ويقتحم الطريق، أو يدور في الاتجاه المعاكس؟ … إنه كي يدور، لا بدَّ من تهدئة سرعة السيارة … وفي هذه الحالة، ستلحق به السيارة المُطارِدة ويمكن أن تُصيبه.
ظل لحظات يفكر … ثم قرَّر أن يتخلص من السيارة التي خلفه أولًا … ثم يفكر فيما سيفعله بعد ذلك … هدأ من سرعة «الجاجوار» وسرعان ما وجد السيارة الثانية تقترب بسرعة … وضع نفسه أمامها بالضبط … ثم ضغط أحد الأزرار الخلفية … وأحس بصدمة قوية … وسمع صوت انطلاق القنبلة … وشاهد في المرآة صاروخ الفوسفور يُصيب السيارة التي خلفه، ويُشعل فيها النيران.