شريط الفيديو … ولكن!
أخذ يفكر في الخطوة القادمة … بعد بضعة أميال ستكون هناك ثلاث سيارات في انتظاره … في إمكانه أن يُواجهها بما معه من أسلحة … ولكن احتمال أن يتغلَّبوا عليه … ممكن … ثلاث سيارات أمام سيارة واحدة … من الأفضل ألا يُواجهها.
في نفس الوقت، لم يكن في استطاعته العودة إلى «برايتون»، فهناك ثلاثة رجال في الأغلب هم الآن في أعقابه … وهم يعرفون السيارة التي يركبها … وفي إمكانهم مطاردته …
إنه إذن، لا يستطيع الاستمرار في التقدُّم في طريق «لندن» … ولا العودة إلى «برايتون» … وفجأة خطر له خاطر قرَّر أن يُنفذه فورًا … إن أول ما يجب عمله هو التخلُّص من السيارة … لقد قامت بمُهمتها … ولكنها الآن أصبحت مشكلة … وظل يبحث عن فتحة في الطريق ليأخذ الطريق العائد إلى «برايتون» … ومن بعيد، شاهد أضواء قطار «برايتون»-«لندن». وعرف على الفور ما يجب أن يفعله … أسرع بسيارته يبحث عن محطة السكة الحديد … وسرعان ما شاهد أضواءها في الظلام … أوقف سيارته بجوار المحطة ثم قفز منها … وأخذ يقفز السلالم فالقطار على وشك الوصول … وصل إلى المحطة، في نفس الوقت الذي هَدَّأَ فيه القطار من سرعته وتوقف … وانفتحت الأبواب الأوتوماتيكية، فأسرع إلى داخل القطار … وألقى بنفسه على أقرب مقعد.
كان القطار خاليًا في هذه الساعة المتأخِّرة من الليل … وفي هذه الليلة الباردة … فلم يكن معه في العربة إلَّا ثلاثة ركاب، كانوا مُنهمِكين في قراءة جرائد المساء كعادة الإنجليز …
وضع الحقيبة تحت المقعد، واسترخى، وقد أحس لأول مرة منذ بداية الليل بأنه هادئ تمامًا … وانطلق القطار … وبعد لحظاتٍ ظهر مفتش التذاكر ودفع ثمن التذكرة والغرامة … ثم سأل المفتش: متى نصِل إلى لندن؟
ردَّ الرجل: بعد ١٥ دقيقة!
كان مُتشوقًا لأن يرى ما في الحقيبة … ولكن كان من الأفضل أن ينتظر … إن هناك ثلاثة أشخاص معه في نفس العربة … صحيح أنه من المُستبعد أن يكونوا من العصابة … أو على الأقل واحد منهم … ولكن من الأفضل أن ينتظر.
وصل القطار إلى محطة «لندن» وحمل «عثمان» الحقيبة وخرج إلى الظلام والبرد … وألقى نفسه في أول تاكسي صادفه … ثم انطلق هادئًا وسعيدًا، بعد أن أعطى السائق عنوانًا قريبًا من مقر الشياطين اﻟ «١٣» …
بعد نحو ٢٠ دقيقة توقف التاكسي عند ناصية «آبي رود»، في منطقة «سانت جونز وودز»، حيث يقع المقر السري للشياطين اﻟ «١٣» في فيلَّا صغيرة، فوق عمارة عالية … تكاد لا تراها العين من الخارج.
نزل «عثمان» يحمل الحقيبة، تلفَّت حوله في حذَر، ثم مشى مُسرعًا في «آبي رود» ثم انحرف يسارًا مرَّتَين، وتوقف أمام العمارة. وعندما تأكد أن أحدًا لا يتبعه، اجتاز الباب الرئيسي، ثم فتح باب المصعد ودخل، وانطلق المصعد إلى الطابق الأعلى … عندما توقف أمام باب الفيلَّا الصغيرة الواقعة في أقصى العمارة، توقف لحظات … ولكن توقفه لم يَطُل، فقد انفتح الباب، وظهرت «زبيدة» وبيدِها مُسدس ضخم، وأطلقت ضوءًا قويًّا سقط على «عثمان» … وصاحت في لهفة: «عثمان»!
وانطلقت تُصافحه … كان الإعياء، والجوع، والبرد، والتعب، قد ظهرت عليه كلها … فسلَّمها الحقيبة، ثم دخل يجرُّ قدَمَيه إلى الفيلا، وهو على وشك أن يهوي على الأرض … لحظة وظهر بقية الشياطين، الذين كانوا يجلسون في غرفة اللاسلكي يحاولون الاتصال به.
قال «أحمد» في صرامة: ماذا حدث؟ لماذا لم تتصل بنا؟
ظل «عثمان» يرمُقه لحظاتٍ ثم قال: حدث الكثير!
قال «أحمد»:
هل أحضرت الفيلم؟
رد «عثمان»: أحضرت الحقيبة التي كان يحملها «مايكل راف». ولا أدري إذا كان الفيلم فيها أو لا.
ساد الصمت الجميع، ومضى «عثمان» يشرح لهم ما حدث … وهم يُتابعونه في لهفة … حتى وصل إلى نهاية الأحداث، فصاحت «إلهام»: يا لك من شيطان! … إن نصف دستة شياطين لم يكونوا ليقدروا على القيام بكل هذا.
أمسك «أحمد» بالحقيبة، وأخذ يتأمَّلها لحظات … كانت من النوع الذي يُغلق بالأرقام … ضغط على المفتاحَين … لكن الحقيبة لم تفتح فقال: إنها تحتاج إلى بعض الوقت.
قال «عثمان»: سآخُذ حمَّامًا ساخنًا … هل عندنا طعام؟
ردت «إلهام»: بالطبع.
قام «عثمان» مُتثاقلًا، ودخل الحمام … بينما قام «بوعمير»، فأحضر آلةً صغيرة في حجم علبة السجاير … ووضعها على مجموعة الأرقام الأولى، ثم ضغط عليها، فأضاءت ثلاثة أرقام في الآلة هي «٩٠٩» …
وقال «بو عمير»: في إمكاننا الآن فتحها!
قالت «زبيدة»: من الأفضل اختبارها … قد تكون هناك قنبلة موقوتة، أي شيء من هذا القبيل!
قامت «زبيدة» فأمسكت بالحقيبة، وأدارت الأرقام «٩٠٩» ثم رفعت الغطاء بهدوء، ومدَّت مفكًّا صغيرًا، تجوَّلت به داخل الحقيبة، ونظرات الشياطين تتابع أصابعها بلهفةٍ وقلق.
خرج «عثمان» من الحمام وقد استردَّ نشاطه … وكانت «إلهام» قد أعدَّت له كمية من الساندوتشات الساخنة، وكوبًا من الشاي، فانهمك في الأكل على الفور … بينما أخذت «زبيدة» تفتح الحقيبة ببطءٍ … ثم تفتحها تمامًا أمام عيون الشياطين المتلهفة.
كان شريط الفيديو موجودًا في منتصف الحقيبة … وكانت هناك كمية من النقود من عملاتٍ مختلفة … ودفتر مذكرات أسود، مربوط بعناية، بقطعة من المطاط، ومُسدس ضخم محشو وجاهز للإطلاق … وزجاجة عطر … وأدوات حلاقة … ومعجون أسنان وفرشاة … مجموعة من المفاتيح، واحد منها من الذهب الخالص.
كانت «إلهام» تُخرج كل شيءٍ … بينما يقوم «بو عمير» بعمل كشفٍ يرصُد به الأشياء …
قال «أحمد»: ضعوا شريط الفيديو على الجهاز … نُريد أن نتأكد أنه الشريط المطلوب.
قامت «زبيدة» بوضع الشريط الذي كان من طراز «بيتاماكس»، ثم ضبطت جهاز التليفزيون وبدأ الشريط يدور.
تركزت عيون الشياطين على الفيلم … كانت البداية مهزوزة قليلًا ثم ظهر شخص، فقال عثمان: هذا هو «مايكل راف».
وقف «مايكل راف» بجوار مدفأة وهو يُدخن سيجارًا ضخمًا، ثم أشار بأصبعه وقال: أريد أن أتحدَّث إلى زعيم المنظمة، التي تُسمي نفسها «ش. ك. س».
وصمت لحظاتٍ ثم قال: لقد تمَّ الاتفاق بيننا، على دفع مبلغ من المال، لا داعي لذكره هنا … وجواز سفر مُتقن … وأوراق شخصية صحيحة … أتسلَّمها مقابل تسليم شريط عن «مستر إكس»، الزعيم الجديد لمنظمة سادة العالم …
صمت «مايكل راف» لحظات ثم أضاف: إنني أعرف أن عصابة سادة العالم على استعدادٍ لعمل أي شيء، حتى لا يقع هذا الشريط في يد أي إنسان … خاصة منظمة «ش. ك. س» … بما في ذلك طبعًا أن يقتلوني، قبل أن أُسلِّمه إلى من يهمه الأمر … لهذا كان الاحتياط واجبًا …
أحس «أحمد» بالقلق بعد هذه المقدمة … واستنتج على الفور أن هذا الشريط ليس هو الشريط المطلوب … وكان «مايكل راف» قد تقدَّم إلى مائدةٍ صغيرة، ثم أمسك بقطعةٍ من الورق المقوى، وعرضها أمامه ثم قال: لقد أخفيت الشريط في مكانٍ أمين … ويمكن لمنظمة «ش. ك. س» أن تحصل عليه ببساطة …
صاح «عثمان».
– «غير معقول … بعد كل الذي حدث!»
قاطعه «أحمد» قائلًا: لا بأس … دعنا نرى …
كان «مايكل راف» يشرح بدقةٍ مكان الشريط، وقبل أن يُكمل شرحه قال: ولكن يبقى شيء … إن هذا الشريط قد يقع في يدِ أي شخصٍ آخر … لهذا فإن بقية الشرح قد أرسلته على عنوان «و. ك».
قالت «زبيدة»: «و. ك» … من هو «و. ك»؟
ولم يجب أحد.