أحداث … في الليل
كان المبنى رقم ١٥٦ مكونًا من أربعة طوابق مُتماثلة … تُحيط به كالعادة في لندن، حديقة صغيرة … مدخله من الزجاج السميك، ومُضاء إضاءة كاملة …
كانت النوافذ كلها مُغلقة … ولا أثر لحياةٍ في المبنى، إلا الحارس الليلي، الذي كان يتسلى في غرفته الزجاجية، بقراءة إحدى المجلات.
فكر «أحمد» لحظات، ثم ركن سيارته بجوار الرصيف المقابل، واجتاز الشارع على قدَمَيه … واجتاز الحديقة الصغيرة، ثم أخرج المفتاح الذهبي من جيبه، وعالج به الباب فانفتح، ودخل.
أضاء نور أحمر في غرفة الحارس الليلي، فنحى المجلة سريعًا، ثم وضع يدَه على مسدس في جانبه ووقف … واجتاز «أحمد» المسافة إليه في ثبات، حتى وصل إليه وقال: صباح الخير.
كانت الساعة قد تجاوزت الثانية صباحًا، فرد الرجل: صباح الخير، ما هو رقمك؟
نظر «أحمد» إلى المفتاح، ثم قال: ستة وستون.
الحارس: هل معك أحد؟
أحمد: لا … إنني وحدي.
الحارس: هل تقضي الليلة هنا؟
أحمد: فترة قصيرة.
قاده الحارس إلى باب المصعد، وقال: في الدور الثالث، غرفة رقم ١٣، ستجد كل ما تريد هل هناك تعليمات؟
أجابه «أحمد» قائلًا: لا شيء!
ركب «أحمد» المصعد، وقد أُعجب بالنظام المحكم، الذي وضعته مجموعة «ويلون»، لإيواء رجال العصابات … فالمبنى بريء المظهر، يُشبه أي مبنًى آخر … والحارس ككل حراس الليل … وليست هناك أسئلة.
وصل إلى الطابق الثالث، ونظر إلى أرقام الغرف … واتجه إلى الغرفة رقم ١٣ ودخل … كانت غرفة أنيقة كأنها في أفخم فنادق العاصمة … وواضح من التجهيزات، ومن الأبواب القوية، والنوافذ المحكمة، أنه من الصعب اقتحامها … وهي في مجموعها، تُشبه جناحًا في فندق كبير … ففيها مطبخ ملحق بالغرفة … فقد وجد «أحمد» به أنواعًا مختلفة من الأطعمة والمشروبات … وعندما فتح الدولاب وجد بيجامتَين، وروبًا، وشبشبًا …
حدث نفسه قائلًا: إن هذا المفتاح الذهبي، كنز!
ولم يكد ينتهي من هذه الفكرة حتى دق جرس التليفون … كانت مفاجأة … ولكن بسرعة، أدرك أن الحارس الليلي، قد أخطر مجموعة «ويلون» بحضوره … فأسرع يرد.
قال المتحدث: إن المفتاح رقم ٦٦ يحمله مشترك اسمه «مايكل راف» … وحسب معلوماتنا، فقد قُتل «مايكل راف» منذ ساعات، على سُلَّم فندق «برايتون» … إننا نرجو أن تقول لنا من أنت؟
أجاب «أحمد»: إنني صديق ﻟ «مايكل راف».
المتحدث: صديق؟! هل أعطاك «مايكل راف» المفتاح؟
أحمد: ليس بالضبط … ولكننا اتفقنا مع «مايكل راف» أن يُسلِّمنا طردًا مُعينًا. وقد تسلَّمنا نصف الطرد فقط … وفهِمنا من هذا النصف، أن النصف الآخر تملكه مجموعة «و. ك».
المتحدث: هذه معلومات صحيحة.
أحمد: وقد جئت لآخُذ نصف الطرد.
المتحدث: إن هناك جزءًا من الاتفاق، لم تتحدث عنه … فقد كان على «مايكل راف» أن يدفع لنا مائة ألف جنيه إسترليني، مُقابل تسليم نصف الطرد، أو الفيلم … فهل أنت على استعدادٍ لدفع المبلغ؟
فكر «أحمد» لحظات … إنه لا يستطيع تدبير مثل هذا المبلغ، خاصة في غياب عميل رقم «صفر» …
وسمع صوت تليفون على الطرف الآخر … وسمع حديثًا يجرى بسرعة بين شخصَين، ثم قال المتحدث: ما هو ردك؟
رد «أحمد» قائلًا: إنني لستُ مخولًا بدفع هذا المبلغ فورًا … ولكن في إمكاني أن أعد بتسليمكم المبلغ غدًا.
دون رد … وضع المتحدث السماعة … وأحس «أحمد» أن شيئًا ما قد حدث، جعل المتحدث يُنهي الحوار بهذا الشكل … فماذا حدث؟
كان عليه أن يتخذ قرارًا فوريًّا … رفع السماعة، وطلب مقر الشياطين في «لندن»، وبعد لحظات رد «عثمان»، فقال له «أحمد» على الفور: «عثمان» … إنني في ١٥٦ شارع أولد برمبتون … وأعتقد أنني سأواجه متاعب … خُذ بقية الشياطين واتَّجِه إلى ٤٨ مارلبورو بليس … إنه على ما أذكر متفرع من «آبي رود» … إنني أعتقد أن مجموعة «ويلون» هناك الآن … وأن سادة العالَم فد اتصلوا بهم للحصول على الفيلم … وإذا لم تستطع عمل شيءٍ الليلة، فسوف يضيع الفيلم إلى الأبد.
وضع «أحمد» السماعة، ثم أسرع إلى الباب … ولم تكن مفاجأة له أن وجده لا يفتح … ففي أوكار العصابات، هناك حِيَل كثيرة من هذا النوع …
لم يتردَّد لحظةً واحدة … أخرج مُسدسه، ثم وضع عليه جهاز كاتم الصوت، وأطلق رصاصتَين على القفل، ودفع الباب، ولكنه لم يخرج مباشرة … وكان قرارًا صحيحًا … فقد انطلقت عدة رصاصات في اتجاه الباب … ثم سمع صوت أقدامٍ تجري في الدهليز، وأصوات أشخاص يتحدَّثون …
أطفأ نور الغرفة، وفتح الباب بزاوية خاصة، وأطلق مسدسه على مصباح النور الذي يُضيء الدهليز، ثم قفز على الفور إلى الخارج، وأطلق رصاص مُسدسه في اتجاه اليمين واليسار … وسمع آهة تَصدُر عن شخص، ثم صوت سقوطه على الأرض.
لم يستخدم المصعد … فقد كان من المُمكن أن يكون مصيدة … ولكنه أسرع إلى السُّلَّم … وسار بمُحاذاة الجدار حيث تصعب إصابته … ووصل إلى الدور الأرضي … وأتت اللحظات الحرجة …
نظر حوله، فشاهد مجموعة المفاتيح التي تُضيء المبنى كله … وبثلاث طلقاتٍ متتالية، حطم تابلوه النور كله … ثم وجه بقية الطلقات إلى الباب، وهو يجري مُتقدِّمًا … ووصل إلى الشارع.
جرى بمحاذاة العمارة أولًا، حتى ابتعد عنها … ثم اجتاز الشارع مُسرعًا، وقفز إلى السيارة، وانطلق بأقصى سرعةٍ في اتجاه «مارلبورو بليس».
ما هي إلا دقائق قليلة، والشوارع خالية، حتى استطاع أن يصل في نفس الوقت تقريبًا، مع السيارة المرسيدس الزرقاء، التي كان يركبها الشياطين، وشاهدوه … تقابلوا وقال «أحمد»: أعتقد أن الفيلم موجود هنا … فقد كان «مايكل راف» سينزل في أحد المنزلَين … وكان سيحصل على الفيلم من أحدهما … وأعتقد أنه موجود مع مجموعة «ويلون»، في هذا المبنى!
قالت «إلهام»: هل هناك خطة لاقتحام المبنى؟
قال «أحمد»:
سوف ننقسِم إلى مجموعتَين … سأحاول مع «بو عمير» اقتحام الباب الرئيسي، وعلى الباقين أن يحاولوا الدخول من الحديقة الخلفية … إن المبنى منعزل … ومن الواقع والمتوقع، أن يكون هناك حراسٌ حول المبنى … هل معك «بطة» يا «عثمان»؟
كان يُشير بذلك إلى كرة المطاط، التي يستخدمها «عثمان».
ردَّ «عثمان»: إنها معي دائمًا.
قال «أحمد» على الفور: هيا بنا.
كانت الفيلَّا قديمة، تُشبه قلعةً من قلاع العصور الوسطى … مبنية بالطوب الأحمر، وقد أحاله الزمن إلى السواد … وكانت مُظلمةً تمامًا، كأن لا حياة فيها … وعندما تقدم «أحمد» و«بو عمير»، من الباب الرئيسي سمِعا صوت سيارة قادمة … قال «أحمد» على الفور: لنختبئ.
اختفَيا خلف مجموعة من الأشجار في الحديقة … وكما توقع «أحمد»، وقفت السيارة أمام باب الفيلا، ونزل منها رجلان … قال «أحمد»: سنعمل فورًا.
وجه كل منهما مُسدسه الكاتم للصوت إلى الرَّجُلين، فسقطا دون كلمةٍ واحدة، وقال «أحمد» هامسًا: سندخل على أننا هذان الرجلان … إنني متأكد أنهما من عصابة سادة العالَم، وأن مجموعة «ويلون» لا تعرف شكلهما.
كان مع أحد الرجلين حقيبةٌ صغيرة، أخذها «أحمد» على الفور وقال: إنها نفس الحقيبة التي كانت مع «عثمان»!
رد «بو عمير»: أي أن سادة العالَم ستدفع الثمن من نقودنا!
تقدَّما بهدوءٍ من باب الفيلا، وأخرج «أحمد» المفتاح الذهبي، وسرعان ما انفتح الباب … وعندما دخلا، فوجئا بشخصٍ يقف، ومعه مدفع رشاش، وجَّهَه إليهما، قائلًا: من طرف سادة العالَم؟
رد «أحمد»: نعم … ومعنا المبلغ المُتَّفَق عليه.