الأرض
في ساعة هدوء وخمول وطمأنينة انفجر الرعب من الأعماق، واجتاح القلوب وغدر بالآمال، فلم يبقَ إلا المجهول. ومادت الأرض ورقصت رقصة الموت، فدعا كل لسان بريق جافٍّ أن ينتهي ذلك الزلزال.
وانتهى الزلزال بعد ثلاثين ثانيةً من الزمن، وألف عام من العذاب. وتطلَّع شيخ الحارة فيمن حوله فرأى الحارة تموج بأهلها من النساء والرجال والصغار، ومسحة الرعب لم تنحسر عن وجوههم بعد. واختلطت الأصوات أيما اختلاط؛ ضحكٌ وبكاءٌ وصراخ. الكل يتكلَّم ولا أحد يسمع. أمَّا الغبار فلم تنقشع سحبه بعد. ومسح شيخ الحارة عينَيه بمنديله الكبير المقلَّم وصاح: وحِّدوا الله! في يومنا هذا يمتحن الله عباده.
واستبَقت إليه الأصوات من كل جانب: أهلي تحت الأنقاض. إليَّ برجال الإنقاذ.
– لديَّ جرحى ونريد الإسعاف.
– جثث، هذه جثث ويجب أن تُدفن.
– أصبحنا ولا مأوى لنا,
فصاح شيخ الحارة: أبلغت السلطة وطلبت اللازم. لا بد من الصبر لأن الطلبات كثيرة. تعاونوا ما أمكنكم، وليكن اعتمادكم على الله وعلى أنفسكم حتى يجيء الفرج.
وقامت ضجة عند الزاوية المطلة على الميدان. وصوت صرخ: فضيحة يا شيخ الحارة!
وشيخ الحارة ذهب صوب الصوت فوجد نفسه أمام عمارة الزنفلي التي سقط نصفها الأمامي تاركًا نصفها الداخلي أمام الناظرين. وفي الدور الثالث لم تستطِع ست سوسن أن تجد مكانًا تُخفي فيه جسدها العاري، وبالتالي لم تستطِع أن تُخفي الرجل العاري معها الذي عرض ظهره للأعين ودفن وجهه في الجدار، رغم ذلك عرفوه، وأكثر من صوت هتف: المعلم طلبة.
– أهلك قادمون ليشهدوا بأعينهم فضيحتك.
– الزلزال عقاب وعبرة.
وتساءل شيخ الحارة مغيظًا محنقًا: أكانت تنقصني هذه الجريمة في هذا اليوم الأغبر؟!
وإذا بإمام الزاوية يحمل طفلةً باكيةً في السادسة أو دون ذلك، فقال لشيخ الحارة: المسكينة فقدت أسرتها وعلينا أن نجد من يتبنَّاها، وتنهَّد شيخ الحارة وغمغم: في غمضة عين ليس إلا. سبحان الله العظيم.