تحت العِمامة عريس
عائلة الشيخ توكل هي أعجب عائلة في حارتنا؛ بها قارئ قرآن ضرير مجدور الوجه، يلفت الأنظار بقصر قامته وضخامة رأسه. وربَّتها سيدة أقرب إلى البدانة، تُسيء للناظرين بتشوُّه قَسَماتها؛ فهي تحجب وجهها حتى في بيتها. أمَّا الذرية فتتكوَّن من شابَّين وسيمَين وبنت كالقمر في تمامه، تسحر اللب والخاطر. وكل من يرى الأسرة لأول مرة يتساءل كيف حدث هذا؟ كيف تنبثق الأزهار من غياهب البوص؟!
يقول الرواة إن منيرة كانت حديث الحارة وفتنتها. الأب كان حلوانيًّا بسيطًا من سكان الرَّبْع، وكان يقول: «جمال منيرة لا مثيل له فلنسأل الله السلامة.» ولكن الكثيرين تنبئوا بالمتاعب، وكل واحد تكلَّم، وكان الشيخ توكل من السامعين، وكان له رأيه أيضًا فقال يومًا: هذه مسألة لا يحلها إلا شيخ الحارة.
فقال له أحد الجالسين في المقهى: إنه امتحان خلقه الخالق يمتحن به عباده.
كانوا يتحدَّثون عن جمالها وحلو أوصافها وسعادة من يفوز بها. ويشتد النقاش ويحتدم ويُنذر بالخطر، أمَّا معانيه وأخيلته فتستقر في قلب الشيخ توكل فيتذوَّقها في هدوء رجل قُضي عليه بأن يبقى خارج حلبة السباق. ومن كثرة ما سمع خاطب نفسه متأثِّرًا قائلًا: «لا عزاء يا توكل، ما أنت إلا عاشق صامت.» وراح يتلو في سرِّه سورة يوسف.
وكان يختم تلاوته بالزاوية عندما سمع شيخ الحارة يقول للإمام: أكان ينقصني الغرام لأحمله مع بقية الواجبات؟
فقال له الإمام: استدعِ عم حسنين أباها وشجِّعه على أن يزوِّجها في الحال.
– المشكلة أن جميع شباب الحارة لها خاطبون!
فصاح الإمام غاضبًا: لا يصح أن يزعزع لعب العيال أمن الحارة!
وخاطب الشيخ توكل نفسه قائلًا: «ما أنت إلا عاشق مهجور مُلقًى في الخارج.» وفي تلك اللحظة من الزمان الحزين أُلقي ماء النار على الوجه الجميل في العتمة وصاحبته خارجة من بيت أبيها ذاهبة إلى بيت الجيران.
وخفق للمأساة كل قلب، وانصبَّت اللعنات على الجاني المجهول الجبان.
وغاب وجه القمر تحت غيم لا يريم ولا ينقشع، ولكنه ظلَّ هو هو بكل بهائه في قلب الشيخ توكل، وغمغم مسحورًا: «هكذا تجيء الملائكة بالمعجزات.» وقبل أن يتمادى الحزن في بيت عم حسنين ويفعل فعله، ذهب إليه الشيخ توكل مهتديًا بعصًا، وضغط على يده بحنان وقال: جئتك يا عم حسنين طالبًا القرب.