القانون
غادر حافظ السيد السجن بعد تأبيدة التهمت من عمره ربع قرن بلغت به الخامسة والأربعين. رجع إلى الحارة بقلب ملؤه الشوق والحذر، ولكنه لم يكن يعرف أحدًا ولم يعرفه أحد. وجد الحارة مشغولةً بالبيع والشراء والضحك والحزن والصخب، وبدت ناسيةً تمامًا لعهد البطولة والأبطال. تُرى هل ضاعت التضحية هباءً؟ وها هي عينه الحائرة تستقر على لافتة في أعلى وكالة كبيرة سُجِّل عليها «الرمامي وأولاده». وراح يتذكَّر القدر، وهو يلعب بالبطولة والخيانة، ويوزِّع الأبطال والخونة ما بين السجون والمتاجر.
ودعاه شيخ الحارة إلى مقابلته في دكَّانه فمضى إليه.
دعاه للجلوس وقال: أهلًا بك في حارتك مرةً أخرى.
فغمغم الرجل بشكر الله، فقال شيخ الحارة: يجب أن تعمل. في السوق متَّسع وأنت متعلم.
– تلزمني فترة قصيرة للراحة والتفكير.
فقال الشيخ بقوة: احذر الفراغ فإنه رفيق سوء.
– فترة قصيرة فقط.
فقطَّب شيخ الحارة متسائلًا: أترغب في الحياة حقًّا أو رجع الشيطان يساومك؟
فقال بعجلة: انتهى الماضي بخيره وشره، بأبطاله وخونته!
فقال شيخ الحارة بحدَّة: لا تعد إلى تلك الأوصاف، ولا تذكر ثانيةً الأبطال والخونة. الأمور نسبية، ولا تنسَ أنني صوت القانون ويده في هذه الحارة.
فأشار حافظ السيد إلى الوكالة وقال: هذه الوكالة فُتحت بالمال المدفوع ثمنًا لخيانتنا، فكانت الوكالة في ناحية، والسجن والمشنقة في الناحية الأخرى، وأنت رجل على أي حال من أبناء حارتنا، فهل ترضيك هذه القسمة؟
فقال شيخ الحارة بحزم: يرضيني ما أجد القانون عنه راضيًا، وطبعًا أنت تعرف أنك مراقب، وأنا لا أحب أن أراك في الحديد مرةً أخرى، وحسبك ما ضاع من عمرك.
ومدَّ له يده قائلًا: اذهب بسلام.