إسطبل عَنْتَر – قلعة الوَجْه
وفي يوم الخميس ١٩ منه سنة ٩٧ (٢١ أكتوبر ١٨٨٠م) بعد مضي نصف ساعة من النهار وصل
الرَّكب
إلى محطة اصْطَبْل عنتَر،١ وهو محل متسع نوعًا، ومحاط بالجبال، في وسطه ثلاث آبار إحداها مردومة،
والأخريان فيهما مياه قليلة مُرَّة لعدم نزحهما سنويًّا، وإن كان الميري يَصرِف في كل
عام
مبلغًا لنزحهما! وبجوارها حوضان طول كلٍّ منهما ١٥ مترًا في عرض ١٥ وعمق ثلاثة، وبهذه
المحطة أعراب يبيعون الحشيش.٢ وقد بلغت الحرارة عند الزوال ١٣ درجة.
وفي الساعة ٨ ق٤٠ سار الركب ومرَّ من فوق أَكَمة محجرة بين جبلين ومُتعرِّجة كطريق
الفار،
وفي الساعة ٩ ق٣٥ اتسع الطريق وقرب من المالح بمسافة قليلة مع وجود حَصَى، وفي الساعة
٩ ق٤٠
سار في وادٍ مُتَّسِع به جبل فاصل بينه وبين البحر، وفي الساعة ١٠ ق٤٠ سار في وادٍ متَّسع
به جبل فاصل بينه وبين البحر، وفي الساعة الأولى من الليل سار، وفي الساعة ٥ ق٥٥ استراح،
وفي الساعة ٦ جد السير بوادٍ أرضه سهلة بسيطة، وفي الساعة ١٠ ق٢٠ استراح، وفي الساعة
١١ ق١٥
وصل إلى قلعة الوجْه،٣ وهي حصينة كقلعة نخل، في فلاة بين جبال، بها جامع ومخازن ومدفع واحد وثمانية
أنفار، حولها قِفارٌ٤ ليس بها إلا بعض نخيل وشجر نِبْق٥ لم يُسق منذ أربع سنين، لعدم نزول السيل في هذه المدة، وليس بها بيوت ولا
أسواق؛ لكن في أوان الحج تأتي البياعون من المينا التي بساحل البحر، وهي على بُعْد
ساعتين.
وبالمينا٦ رج٧ مشيد به مدفعان من عيار واحد ونصف، وثلاثون عسكريًّا، وصاغقول أغاسي٨ محافظ،٩ وبيوت وسوق وثلاثة جوامع وتُجَّار، والخضار معدوم منها، ومقدار الأهالي يبلغ
نحو خمسمائة نفر ما عدا العُربان المقيمين هناك، وبها بئر ماؤها عذب تُحمَل منها المياه
إلى
القلعة، وإن كان بالقلعة سبع آبار مبنية، عُمق الواحدة منها خمسة أمتار وقُطرها متران،
إلا
أن مياهها مُرَّة لا تَصلُح للشرب إلا إذا غلب عليها السيل ونُزِحت كما ينبغي، مع أنه
في كل
عام يَصْرِف الميري١٠ مبلغًا لأجل نزحها وتطهيرها،١١ فالمبلغ لا يزال يٌصرف كالمعتاد، والآبار لا تُنزح في الميعاد!١٢ وعند نزول الركب هناك، وُجدت المياه غير صالحة لشرب البهائم بالكلية؛ لمرارتها،
فتحقق أنها لم تُنزَح، وأضرَّ ذلك بالحجاج، حتى اجتمع السَّقَّاءون المتوظفون فنزحوا
بئرين
منها في حوالي ثلاث ساعات حتى زالت المرارة منهما، فارتوت الدواب، وأما المستخدمون
بالمَحْمَل فقد حُملت إليهم المياه من المينا على الجمال، وبعضهم استبطأ مجيء الماء فاشترى
من العُربان القِرْبَة١٣ الواحد من الماء بنصف ريال. وقد بلغت الحرارة وقت الزوال ٣٤ درجة.
١
اسطَبل عنتر: من منازل الحاج المصري، ويبعد عن الوجه شمالًا حوالي ٤٧ كيلًا. جاء
في الدليل الأثري والحضاري لمنطقة الخليج العربي ص٣٢٤: أن به ميناء أثري قديم، وفيه
مرسى صغير ترسو فيه السفن، مساحته ٨٠م × ٢٥٠م. ا.ﻫ. وقال عنه الجزيري: وهو فضاء صغير
بين جبال ووعر، وحدرات ومضيق، ويُرى البحر من أماكن منه. وأضاف يقول: وبالقرب من
إسطبل عنتر من جهة المشرق نحو ثُلُثَي بريد عين ماء تجري تسمى المِسْماة. وبالقرب
من مضيق الاسطَبل حفائر ماء حلو، تُسمى النخيرة وأم الطين (الدرر الفرائد المنظمة،
الجزيري، ٢ / ١٣٩٥).
٢
الحشيش: أعلاف الدواب.
٣
قلعة الوَجه: من منازل الحاج المصري، وتقع في وادي الزريب شرق مدينة الوجه، على
بعد ٨ كيلات تقريبًا، ويطلق عليها أهالي الوجه اسم: قلعة الزريب، أنشئت القلعة في
عهد السلطان العثماني سليمان القانوني عام ٩٦٨ﻫ/١٥٦٠م. انظر: العثمانيون في شمال
الجزيرة العربية، مطلق البلوي، ص٩٠. نقلًا عن كتاب: قلاع الأزنم والوجه وضبا، هشام
محمد عجيمي، ص٥٥. ومر بها أويتنج في عام ١٣٠١ﻫ/١٨٨٤م حين ذهب مع قافلة قبيلة عنزة
من العُلا إلى الوَجه، مُنهيًا بذلك رحلته في الجزيرة العربية فقال: وصلنا حوالي
الظهر إلى شُعيب ضيِّق يُسمى الزَّريب، تزودنا من منابعه بالماء وأسقينا منه
الجمال، ثم انصرفنا على عجل، وحينما خرجنا من ذلك الشعيب لاحت أمامنا قلعة الوجه
الواقعة على درب الحج المصري، وما هو إلا وقت قصير حتى وصلنا إليها، وبعد ساعتين
كانتا تمران ثقيلتين كدهر كامل وصلنا إلى ميناء الوَجه التابع للسيادة المصرية
(رحلة داخل الجزيرة العربية، يوليوس أويتنج، ص٢٣٨).
٤
القَفْر والقَفْرَة: الخلاء من الأرض حتى وإن كان فيها بعض الكلأ، وجمعه قِفارٌ
وقُفور. وأقفرت الدار: خلت. ويقال: دار قَفْر ومنزل قَفر، فإذا أَفردت قلت: انتهينا
إلى قفرةٍ من الأرض. ويقال: أقفر فلان من أهله إذا انفرد عنهم وبقي وحده (انظر:
لسان العرب، ٥ / ١١٠، مادة: قَفْر).
٥
شجر نِبْق: هو السدر المعروف. واسمه العلمي: Ziziphus spina-cristi من الفصيلة
السِّدرية Rhamnacea وله الكثير من الفوائد الطبية (انظر: موسوعة جابر لطب
الأعشاب، د. جابر القحطاني، ٤ / ١٩٢).
٦
المينا: ميناء مدينة الوَجه.
٧
رج: أي منصة للمدافع.
٨
صاغقول أغاسي: رتبة عسكرية في زمن الدولة العثمانية.
٩
محافظ: الحاكم الإداري لدينة الوجه.
١٠
الميري: الحكومي أو الحكومة.
١١
نزحها وتطهيرها، أي تفريغها من الماء وتنظيفها من الرواسب العالقة في قاعها
وجوانبها.
١٢
هنا ينتقد الرحالة محمد صادق رحمه الله إدارة القلعة، وأنهم لم يخلصوا في عملهم،
مع أن الدولة تصرف لهم الأموال اللازمة لذلك العمل، وهو تفريغ هذه الآبار وتنظيفها.
وهذا الخلل إنما هو من الفساد الإداري والمالي في الدولة؛ وسببه عدم المراقبة
الحازمة، وعدم وجود العقوبة الرادعة.
١٣
القِربة: جمعها قِرَب، وهي وعاء لحفظ السوائل، يتخذ من جلود الماشية بعد
دبغها.