استلام كسوة الكعبة المشرَّفة
وفي يوم الأربعاء ٢٤ ل/٢٩ سبتمبر صار حَزْمُ كسوة الكعبة الشريفة،١ وهي إحدى عشرة قطعة من مقام سيدنا الحسين رضي الله عنه سبط خير الأنام
ﷺ.٢
١
يُروى أن أول من كسا الكعبة هو إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السلام، ويُروى
أنه عدنان بن إسماعيل، ويُروى أنه تُبَّع واسمه أسعد ملك حِميَر. أما أول من كسا
الكعبة المشرفة في الإسلام فهو الرسول
ﷺ، كساها الثياب اليمنية
بعد فتح مكة عام ٨ﻫ/٦٣٠م، وكساها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما الثياب البيضاء
(القباطي)، وسار الخلفاء من بعدهم على ذلك. وفي عهد الدولة العباسية صارت تُصنع
الكسوة في مدينة تنيس المصرية حتى ضعف أمرهم، فصارت الكسوة تُرسل تارة من ملوك مصر،
وأخرى من ملوك اليمن، بل حتى ملوك العجم قد ساهموا في ذلك. وعندما ضم الإمام سعود
بن عبد العزيز آل سعود الحجاز للدولة السعودية الأولى، انقطعت مصر عن إرسال الكسوة،
بعد عام ١٢٢١ﻫ/١٨٠٧م، فكساها الإمام سعود الديباج الأسود والحرير الطبيعي المزين
بالقصب الذهبي والفضي. وبعد عودة الحجاز للحكم العثماني استمر إرسال الكسوة إلى مكة
المكرمة. وعندما ضم الملك عبد العزيز آل سعود الحجاز أصدر أمره بإنشاء مصنع كسوة
الكعبة المشرفة في عام ١٣٤٦ﻫ/١٩٢٨م. وبعد أن زال التوتر بين السعودية ومصر في عام
١٣٥٥ﻫ/١٩٣٦م قامت الحكومة المصرية بإرسال الكسوة سنويًّا. ثم توترت العلاقات مرة
أخرى عام ١٣٨١ﻫ/١٩٦٢م، فأعادت السعودية فتح مصنع الكسوة في جَرْوَل. وفي عام
١٣٩٧ﻫ/١٩٧٧م تم نقل العمل إلى المصنع الجديد في أم الجود بمكة المكرمة، وأصبحت
المملكة العربية السعودية تقوم بكسوة الكعبة المشرفة بعيدة في ذلك عن الأهواء
والتقلبات السياسية (انظر: تاريخ الكعبة المعظَّمة عمارتها وكسوتها وسدانتها، حسين
سلامة، تعليق: أ.د. يوسف الثقفي. كسوة الكعبة المعظمة عبر التاريخ، د. السيد محمد
الدقن).
٢
قُتل الحسين بن علي رضي الله عنه في ١٠ محرم ٦١ﻫ/٦٨٠م، في صحراء الطف بالعراق في
موضع يُقال له: كربلاء. وأُخذ رأسه إلى والي العراق عبيد الله بن زياد، أما الجسد
فقد دُفن في نفس المكان، ولا يعرف مكان قبره إلى الآن. وبعد ٣٠٠ سنة تقريبًا أقام
بنو بُوَيْه مشهدًا في كربلاء، يزعمون فيه أن هذا قبر الحسين رضي الله عنه وأرضاه.
واختلف المؤرخون في مآل الرأس الشريف حتى قيل: إن رأس الحسين بن علي رضي الله عنه
لا يُعرف أين دُفن، إلا أن الذي عليه الدليل — إن شاء الله — أن ابن زياد أرسله مع
أولاد ونساء الحسين رضي الله عنه إلى الخليفة الأموي يزيد في دمشق، وهذا بدوره أكرم
نزلهم، حيث إن يزيد لم يأمرهم بقتله؛ بل هو اجتهاد من الشقي الخاسر ابن زياد، وهذا
لا يُعفي يزيد من الاشتراك في هذه الجريمة؛ لأنه لم يعاقب ابن زياد ومن معه! وعند
الله تلتقي الخصوم. ثم أرسل يزيد الرأس الشريف معهم إلى المدينة، ودُفن في البقيع
إلى جوار أمه فاطمة رضي الله عنهما. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن
المشهد المنسوب إلى الحسين بمدينة القاهرة: هل هو صحيح أم لا؟ فأجاب: الحمد لله، بل
المشهد المنسوب إلى الحسين بن علي رضي الله عنها الذي بالقاهرة كذب مختلق بلا نزاع
بين العلماء المعروفين عند أهل العلم، الذين يرجع إليهم المسلمون في مثل ذلك؛
لعلمهم وصدقهم. ولا يُعرف عن عالم مسمى معروف بعلم وصدق أنه قال: إن هذا المشهد
صحيح. وإنما يذكره بعض الناس قولًا عمن لا يعرف، على عادة من يحكي مقالات الرافضة
وأمثالهم من أهل الكذب. وأضاف يقول: فإنه معلوم باتفاق الناس أن هذا المشهد بُني
عام بضع وأربعين وخمسمائة، وأنه نُقل من مشهد بعسقلان، في أواخر الدولة العبيدية،
وأن ذلك المشهد بعَسقلان كان قد أُحدث بعد التسعين والأربعمائة. وقال في موضع آخر:
وما زال ذلك مشهورًا بين أهل العلم حتى أهل عصرنا من ساكني الديار المصرية: القاهرة
وما حولها (انظر: مجموع الفتاوى، ٢٧ / ٤٥٠، بتصرف). هذا مع معرفة أنه لا يجوز البناء
على القبور، والذي سأبينه في موضعه مع الدليل في هذه الرحلة إن شاء الله.