السعي بين الصَّفا والمروة
ثم يخرج من الحرم من الباب المسمَّى بباب الصَّفا إلى الشارع، ومنه إلى الصَّفا بالجهة
الأخرى من الشارع، وهو مكان شبيه بالمُصلَّى، مقابل للحرم، طوله ستة أمتار، وعرضه ثلاثة،
مرتفع عن الأرض بنحو مترين، يصعد إليه على سلَّم، فمن أتى إليه صعد على السلَّم واستقبل
الحرم١ ونوى السعي سبعة أشواط،٢ ثم يتوجه منه إلى المروة داعيًا بما يلقِّنه المطوِّف، في شارع عرضه تارة عشرة
أمتار، وتارة اثنا عشر مترًا، ماشيًا كالعادة قدر خمسة وسبعين مترًا، حتى يحاذي الميلين
الأخضرين أي العلمين؛ وهما علامتان خضراوتان، إحداهما على الحائط اليمين من الشارع، والأخرى
حذاها يسارًا بجوار باب الحرم المسمَّى بباب البغلة، وعند ذلك يسعى مهرولًا كأنه يسعى
بدون
نعال على رمل وقت اشتداد الحرَّ، ويداه قائمتان بجانبيه، حتى يأتي بين الميلين الآخرين
اللذين إحداهما بباب الحرم، المسمَّى بباب علي، والآخر مقابل له في الحائط الآخر من الطريق،
ومسافة الهرولة سبعون مترًا. ثم يمشي مشيه المعتاد قبل الهرولة حتى يصل إلى المروة بعد
مائتين وستين مترًا تقريبًا، فالمسافة كلها نحو أربعمائة وخمسة أمتار. والمروة محل مرتفع
له
سلَّم كالصَّفا. ثم بعد الدعاء هناك يعود ثانيًا إلى الصَّفا ويهرول ما بين العلمين كما
فعل
أولًا حتى يصل إلى الصَّفا، وهكذا سبعة أشواط، وبهذا تمَّ السعي والطواف.٣ وهذا لمن أحرم بالحج،٤ ويبقى بإحرامه، ثم يتوجه لقضاء شئونه، والبحث عن مسكنه، ويطوف حول البيت كلَّما
أراد، إلى أن يتوجه إلى عرفات.
١
أي يستقبل القبلة وهي الكعبة المشرفة.
٢
السعي: أحد أركان الحج الأربعة. قال تعالى: إِنَّ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا
فَإِنَّ الِلهِ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (البقرة: ١٥٨).
٣
كان المسعى خارج المسجد الحرام، وفي عهد الملك سعود بن عبد العزيز رحمة الله تمَّ
تعميره وربطه بالمسجد عام ١٣٧٥ﻫ/١٩٥٥م؛ لكن مع ازدياد عدد الحجاج والمعتمرين
والزوَّار، أراد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله في عام ١٤٢٧ﻫ/٢٠٠٦م أن يقوم
بتوسعته ضعف السابق، فحصل جدل كبير بين العلماء حول مشروعية ذلك، وكان الخلاف يدور
حول العرض الحقيقي للمسعى، إذ قد تكون هذه التوسعة خارج المسار الصحيح للسعي، وبعد
الاستنارة بأقوال المؤرخين والباحثين، وشهادة الشهود من أهل مكة من كبار السِّن،
حسم الخلاف لصالح التوسعة، وهي أن قاعدة جبل الصَّفا المتصل بجبل أبي قبيس، وقاعدة
جبل المروة المتصل بجبل قعيقعان أكبر من التوسعة السعودية الأولى، وأن توسعة الملك
عبد الله في المساحة المسموح بها شرعًا إن شاء الله، فتراجع بعض العلماء الذين
كانوا يعارضون هذه التوسعة ولله الحمد، وتوقف بعضهم، والبعض الآخر — وهم قليل — بقي
على موقفه الأول وهو المنع، ومضى الملك عبد الله في التوسعة، وهي ما نراه اليوم
ولله الحمد.
٤
أي المفرد. وللفائدة، فإن أنساك الحج ثلاثة وهي: (١) التمتع: وهو الإحرام بالعمرة
في أشهر الحج، فيقول المحرم في إحرامه: لبيك اللهم عمرة متمتعًا بها إلى الحج. وبعد
أن يؤدي العمرة يتحلل من إحرامه، وفي اليوم الثامن من ذي الحجة يحرم بالحج من
مكانه. (٢) القِران: وهو الإحرام بالعمرة والحج معًا، فيقول المحرم عند إحرامه: لبيك
اللهم عمرة وحجًا. (٣) الإفراد: وهو الإحرام بالحج فقط، فيقول المحرم عند إحرامه:
لبيك اللهم حجًّا. ولكل نسك أحكامه.