وصف المسجد الحرام
الحرم الشريف في وسط مكَّة باتساع منيف، طوله مشرِّقًا مغرِّبًا نحو ١٩٢ مترًا، وعرضه
١٣٢
مترًا، زوايا أضلعه ليس قائمة، في دوائره الأربع قباب على أعمدة من المرمر والحجر النحت،
بناؤه متين، عليه سبع مآذن، في وسطه بيت الله الحرام، أي الكعبة؛ مربع الشكل تقريبًا،
طوله
اثنا عشر مترًا في عشرة أمتار وعشرة سانتي (سم) فضلًا عن عرض الشاذروان، وارتفاعه نحو
خمسة
عشر مترًا، فالضلع الذي به الملتزم وباب الكعبة وهو الجهة الشرقية مائل إلى الشمال نحو
عشرين درجة، وطوله اثنا عشر مترًا؛ وذلك مخالف لما ذكره المؤلف «ورجرس» في تاريخه، نقلًا
عن
المؤلف «برخارض» من أن باب الكعبة في الجهة الشمالية! والحال أنه كما ذكرناه.
والضلع الذي به حجر إسماعيل وبأعلاه الميزاب وهو الشمالي، مائل للغرب نحو العشرين
درجة،
وطوله عشرة أمتار، ويواجهه من البلاد: المدينة المنورة، والشام، وما وراءهما من البلاد
لجهة
الشمال. وعلى هذا يكون ركن الحجر الأسود ما بين الشرقي والشرقي الجنوبي تقريبًا، يواجهه
من
البلاد: الجزء الجنوبي من بلاد الحجاز لغاية عدن، وبلاد هرار،
١ ومدغشقر، وأستراليا، وجنوب الهند، والصين، وجميع صوماترا
٢ وبورينو
٣ وما حولها من الجزائر، بحيث إن من صلَّى في هذه البلاد تكون قبلته هذا
الركن.
وركن حِجر إسماعيل، أي الركن الشامي، ويسمَّى بالعراقي أيضًا، يكون ما بين الشمالي
والشرقي الشمالي تقريبًا، ويواجهه من البلاد: الجزء الأكبر من الحجاز، والعجم،
٤ وتركستان، والعراق، وشمال الهند، والسِّند، والصين، وسيبريا. والركن الذي يليه
المسمَّى بالركن الغربي، ما بين الغربي والغربي الشمالي، ويواجهه من البلاد: غربي
الرُّوسيا، وجميع أوروبا مع القسطنطينية،
٥ وشمال إفريقيا نحو الغرب، والجزائر، ومراكش، وتونس، وطرابلس،
٦ ومصر إلى غاية الشلال الثاني من بلاد النُّوبة.
والركن الرابع المسمَّى باليماني، ما بين الجنوبي والجنوب الغربي، ويواجهه من البلاد:
قطعة إفريقيا الجنوبية، مبتدأ من سواكن
٧ بالبحر الأحمر إلى الرأس الخضرة بالأوقيانوس الأتلانتيقي،
٨ وما دون هذا الخط لغاية رأس الرجا الصالح.
والبيت المعظَّم مبني من حجارة الجص الكبار الصَّمَّاء الزرقاء، ويستدير به من أسفل
الشاذروان كدرجة سلَّم، وباب الكعبة مرتفع عن الأرض بمترين يصعد إليه بمدرج من خشب، ويدخل
منه إلى جوف البيت، وهو مربع به ثلاثة أعمدة من العود الماوردي العال، قطر الواحد منها
خمسة
وعشرون سانتي (سم)، موضوعة على حذاء واحد
٩ في منتصف المحل مبحرًا مقبلًا، وبسقفه هدايا من الجواهر الثمينة معلَّقة من عهد
الخلفاء إلى الآن، وحيطانه مكسوَّة بالأطلس الأحمر، المنسوج عليه مربعات من الحرير الأبيض،
مرسوم عليها «الله جل جلاله». وفي زاوية ركن حِجْر إسماعيل شطرة على يمين الداخل، فيها
باب
يصعد منه على مدرج إلى أعلى الكعبة، يقال له: باب التوبة. وعلى أربعة جهات البيت من الخارج،
مسدول من الأعلى إلى الأسفل كسوةٌ من الحرير الأسود من نسيج مصر، تحمل إليه منها في كل
عام،
وعلى ارتفاع ثلثي الكسوة طراز مزركش مستدير على البيت كالمِنْطَقَة،
١٠ عرضه سبعون سانتي (سم)، مرسوم فيه بالمُخَيَّش
١١ آيات قرآنية. وفي ٢٧ القعدة يحاط البيت من الأسفل إلى ارتفاع مترين بالبفتة البيضاء،
١٢ ادِّعاءٌ أن هذا علامة إحرام الكعبة، وحقيقته أن الموكل بها يأخذ هذا الجزء من
الكسوة الأصلية يهديه إلى الحجاج تبرُّكًا. وفي ١٠ الحجة توضع على الكعبة الكسوة الجديدة
المحمولة من مصر. وعلى باب الكعبة ستارة من الأطلس الأخضر مزركشة جميعها بالمخيش، والعادة
أن كسوة البيت تكون في آخر العام لحضرة الشيخ عمر الشَّيبي،
١٣ من بني شيْبة، الموكل بمفتاح بيت الله المكرَّم وخدمته، ما عدا الأشياء
المزركشة فهي لشريف مكَّة، وهذا ما لم يكن الحج بالجمعة، وإلَا فالمزركش يُحمل إلى مولانا
السلطان. ورقد رسمْتُ بالفطوغرافيا صورة حضرة الشيخ عمر المذكور، وأرسلتها إلى حضرته
مع هذه
الأبيات من قولي:
قلبي يصوِّر شخصكم في كعبة
بُنيت على الرَّحَمات
والأنوار
فالقلب مُشتعل بنار فراقكم
أوَليس كل مصوِّر في
النار
بيدي رسمْتُ مثالكم في رقعة
أملًا لقرب الودِّ
والتذكار
وفي بحري
١٤ مقام سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام المنبر من المرمر، ووراء زمزم قبَّتان،
إحداهما محل للمؤقِّت،
١٥ والأخرى خزانة للكتب.
وخلف قناديل المطاف بمترين تجاه الضلع البحري من الكعبة والميزاب محراب الحنفي، وخلف
قناديل المطاف بمترين تجاه الضلع الغربي محراب المالكي، ومحراب الحنبلي مواجه للضلع القبلي،
وأما محراب الشافعي فخلف مقام إبراهيم.
١٦
وأرضية المطاف؛ المنحصرة ما بين قناديل المطاف والكعبة مع حجر إسماعيل والمنبر ومقام
إبراهيم وزمزم هي مفروشة بالمرمر، ولا يجوز الطواف خارجًا عن هذه البقعة،
١٧ ولا داخل الحطيم، ولا فوق الشاذروان. ومتى أوقدت قناديل المطاف مع قناديل
القباب فالناظر إلى الحرم يشاهده متلألئًا بالنور ككوكب دُرِي يَسرُّ الناظرين.
والمصلِّي في الحرم يستقبل البيت في أي جهة كان، فالحرم كدائرة نقطة مركزها البيت،
كما أن
المصلين خارجًا عن الحرم وفي كل البلاد يستقبلونه بحسب الوضع. وقد تيسَّر لي رسم مسطح
الحرم
بالبيان، وأخذ رسم منظره من جملة جهات مع ما حوله من البيوت بواسطة آلة الفطوغرافيا.
وبعض مواضع من صحن الحرم ليس بها بلاط، وإنما يعلوها زلط،
١٨ وباقيه مع ما تحت العقود مُبَلَّط بحجر الجص، وأرضية الحَرَم من تحت العقودات
منخفضة عن الشوارع بنحو ثلاثة أمتار، ويُصعد منها إلى الشوارع بسلَّم، والبيت منحدر تدريجًا
عن هذه الأرضية نحو متر؛ وبذا يسهل تصريف ماء السَّيل عند نزوله، وأما المراحيض
١٩ فإنها خارجة عن الحرم في بعض جهات مخصوصة.
وبالحرم حَمَام الحِمى، وهو كثير، ولا ينفر من المارِين؛ لأمنه من الصيد؛ لأن صيده
وقتله
محرَّم، يُلقى إليه الحبُّ فيلتقطه بدون نفور، ولونه مباين للون غيره من الحمام؛ لأنه
أزرق
غامق، به نقط رمادية، وخطوط سود، وهو مطوَّق بالخضرة المُحَمَّرة، والقطط مُسَلَّطة عليه
تصطاده.