الوصول إلى عرفات
وفي س٧ ق٤٥ وصل إلى عرفات، وهي بقعة متسعة، محاطة بالجبال، في غربيها جامع كبير يسمَّى
بجامع نَمِرَة، وبشرقها بالقرب من الجبال جبل صغير من زلط منفرد على حدته، يسمَّى جبل
الرَّحمة،١ وعند العامة جبل عرفات، ارتفاعه نحو الثلاثين مترًا، وطوله قريب من ثلاثمائة
متر، ويصعد إليه على مدرج من الصخر كالسلَّم، وفي وسط الصعود مكان مستو طوله عشرة أمتار
في
خمسة عشر مترًا، به مصلَّى، بها قِبلةٌ يقال: إنَّ النبي
ﷺ صلَّى فيه.
وأعلى هذا الجبل سطح مستو مبلَّط بالحجر، مربع في نحو عشرين مترًا، وفي وسطه مصطبة طولها
سبعة أمتار في سبعة، ارتفاعها متر ونصف، وفي ركنها الغربي عمود مربع، ارتفاعه أربعة أمتار
في عرض اثنين، يرى من أسفل الجبل كمنار للطريق. وبالجانب الغربي من سطح الجبل محراب منحرف
من الغرب إلى الجنوب عشرين درجة. وبأسفل الجبل قناة عين زُبَيْدة، مبنية ومحيطة بثلاث
من
جهاته، ولها فتحات تملأ منها أحواض بجانبها لشرب الحجاج. وقد اجتمع بعرفات عالم كثير
من الحجاج،٢ نحو مائة وخمسين ألفًا، ناصبين خيامهم، ومعهم دوابهم وأمتعتهم، وقد تيسَّر لي
أخذ رسم عرفات بالفطوغرافيا.
١
جبل الرَّحمة: اشتهر وعرف بهذا الاسم، أما اسمه القديم فهو: إلال، على وزن هلال.
قال الإمام النووي: وأما ما اشتهر بين العوام من الاعتناء بصعود الجبل، وتوهمهم أنه
لا يصح الوقوف إلَّا فيه فغلط؛ بل الصواب جواز الوقوف في كل جزء من أرض عرفات، وأن
الفضيلة في موقف رسول الله
ﷺ عند الصخرات، فإن عجز فليقرب منه
بحسب الإمكان (شرح النووي على صحيح مسلم، ٨ / ١٨٥). وقال الشيخ عبد الله بن جبرين:
ومن البدع تكلف الكثير في صعودهم إلى الجبل الذي يسمَّى الآن جبل الرَّحمة، وهذا
الجبل ليس له مزيَّة، لكن صحَّ أن النبي
ﷺ وقف خلفه عند الصخرات
الكبار؛ ولكن لم يذكر أن له فضيلة، ولا أنه يُصعد إليه، وهو جبل كسائر الجبال،
فالنبي
ﷺ وقف في ذلك المكان وقال: «وقفت ههنا، وعرفة كلها موقف».
رواه مسلم (انظر: صحيح مسلم، ح١٢١٨). وأرسل إلى أناس بعيدين في عرفات فقال لهم:
«كونوا على مشاعركم، فإنكم اليوم على إرث من إرث إبراهيم». رواه ابن ماجه وصححه
الألباني (انظر: سنن ابن ماجه، ح٣٠١١). ولم يقل لا بد أن تأتوا إلى الجبل أو إلى
الصخرات، فالحاج يقف بمكانه، ويدعو مستقبلًا القبلة، فالذين يستدبرون الكعبة،
ويستقبلون الجبل ويدعون، هؤلاء مبتدعة (بعض المخالفات المنتشرة بين الحجاج
والمعتمرين، عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، ص٣٣، بتصرف).
٢
الوقوف بعرفات أحد أركان الحج الأربعة، قال الرسول
ﷺ: «الحجُّ
عرفة، فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جَمْع فقد تمَّ حجه». رواه
النسائي وصححه الألباني (انظر: سنن النسائي «المجتبى»، ح٣٠١٦).