النَّفْرة من عرفات
بعد الساعة الثانية عشر عقب غروب الشمس أُطلق ساروخ ليعلم الحاضرون أنَّ المناجاة
بعرفات
قد تمَّت، وربحت كل نفس بقدر ما اهتمَت. ثم صفَّتْ فرسان وعساكر المَحْمَلين على الطرفين،
في وسطهم المَحْمَلان متجاوران، المصري يمينًا والشامي يسارًا، وأمام كل منهما أميره
وأمينه، وسارا على هذا الشكل في موكب يسرُّ الناظرين، لم يشاهد مثله فيما سبق من السنين،
تميل المحامل تبخترًا كالعرائس المجلوَّة والصلاة من هذا الجمِّ الغفير على خير البرية
متلوَّة، والمدافع والسواريخ تضرب في كل مسافة قريبة، والطبول والمزامير والموسيقة تطرب
بكل
نغمة غريبة١ وجميع الحجاج من ركاب الخيول والإبل والتختروانات٢ والشقاذف وغيرها، والمشاة عن يمين وشمال، وخلف المَحْمَلين سائرون، مع الرَّاحة
فرحون مستبشرون، بدون أن يحصل أدنى خطر، لأحد منهم على خلاف ما كان يحصل في السنين الماضية،
من الهرج، وازدحامهم لسير المَحْمَلين متفرقين، وكل منهما يريد أن يسبق الآخر بدون فائدة،
فلله الحمد والمنَّة، لم يحصل ذلك في هذا العام، ولم يتضرر أحد من الازدحام.
١
هذا من البدع المحدثة في ذلك الوقت، وقد زالت بفضل الله وحده ثم بانتشار العلم
الشرعي الصحيح وتطبيقه من قبل الدولة السعودية جزاهم الله خيرًا.
٢
التختروانات: التَّختْ هو السرير أو المقعد.