المبيت بمزْدَلِفَة
وقد وصل الرَّكبُ من جبل الرَّحمة إلى أول العَلَمَيْن في خمس وعشرين دقيقة، ومنها
إلى
الثاني كذلك، وسار على هذه الصِّفة إلى أن وصل المُزْدَلِفة١ س٢ ق٢٥ ليلًا، وبعد إطلاق مدافع الوصول نزل كل من المَحْمَلين في محلِه المختص
به كالأصول، فالمَحْمَل المصري شكله معلوم وفي غاية الانتظام والرسوم، كسوته من الأطلس
الأحمر،٢ مزركشة جميعها بالمخيش، وأما الشامي فشكله أقل عرضًا من المصري، وقبَّته عالية
بالنسبة للعرض، وكسوته من الأطلس الأخضر الغامق، ومزركشة بالمخيش.
وبالمزدلفة كل شخص يلتقط من الأرض تسعة وأربعين حصاة٣ من الزَّلط، بقدر الحِمِّصة والفولة،٤ لرمي الجمرات، ويغسلها سبعًا،٥ ويحفظها عنده. وقد شوهد عند نزول الحجاج من عرفة صعود حجاج الأعجام ليقفوا
بعرفة يوم العيد.٦
١
مزدلفة: هذا هو أشهر أسمائها، وهي داخلة في حدود الحرم المكي، قال ابن حجر: وسميت
المزدلفة: إما لاجتماع الناس بها، أو لاقترابهم إلى منى، أو لازدلاف الناس منها
جميعًا، أو للنزول بها في كل زلفة من الليل، أو لأنها منزلة وقربة إلى الله (فتح
الباري، ٣ / ٥٢٣). وسماها الله عز وجل: المشعر الحرام. قال تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا الِلهِ عِنْدَ
الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ (البقرة: ١٩٨). وقيل: هو الجبل الصغير الذي
فيها. وسمَّاها الرسول
ﷺ: جمع. فقال: «وقفت ها هنا، وجَمْعٌ كلها
موقف.» رواه مسلم (انظر: صحيح مسلم، ح١٢١٨). ومن الأعمال التي يقوم بها الحاج في
مزدلفة: المبيت بها في هذه الليلة، وهو واجب، وقد رخَّص الرسول
ﷺ
في هذه الليلة للضعفاء من الرجال والنساء والصغار والمرضى أن ينصرفوا من مزدلفة إلى
منى بعد منتصف الليل، وكذلك ينصرف معهم من يحتاجون إليه، ويكون حكمه حكمهم. وأداء
صلاة المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا بآذان واحد وإقامتين، وأداء صلاة الفجر يوم النحر
بها، والوقوف بعد الفجر بها، والذكر والدعاء ثم الدفع منها قبل طلوع الشمس إلى
منى.
٢
الأطلس الأحمر: من اللغة الفارسية وهو الحرير الأحمر.
٣
لا يجب على الحاج أن يلتقط الحصى كله من مزدلفة، بل يجوز له أن يلتقطه من مزدلفة،
أو من الطريق في أثناء مسيره إلى منى، أو من منى نفسها.
٤
الحِمِّصة والفولة: أي بقدر حبة ثمار الحمِّص والفول.
٥
غسل الحصى سَبْعًا لا أصل له، وهو من التكلُّف المنهي عنه. عن ابن عباس رضي الله
عنه قال: قال رسول الله
ﷺ غداة العقبة وهو على ناقته: «القط لي
حصى». فلقطتُ له سبع حصيات هنَّ حصى الخذف، فجعل ينفضهنَّ في كفه ويقول: «أمثال
هؤلاء فارموا». ثم قال: «يا أيها الناس، إياكم والغلوُّ في الدين، فإنه أهلك من كان
قبلكم الغلوُّ في الدين». رواه ابن ماجه وصححه الألباني (انظر: سنن ابن ماجه،
ح٣٠٢٩).
٦
المقصود بالأعجام: الفُرْس. وهذه هي عاداتهم دائمًا نسأل الله أن يهدي ضال
المسلمين، إلَّا أن الحكومة السعودية — جزاه الله خيرًا — تمنعهم من ذلك، وتلزمهم
بالوقوف في عرفات مع المسلمين.