الطريق إلى المدينة؟!
وفي يوم الأربعاء ٢١ منه (٢٤ نوفمبر) دعى حضرة الشريف عبد المطلب أمراء وأمناء الحاجَّين،
ووالي مكَّة والمدينة، وبعضًا من المتوظفين من أعيان مكَّة، إلى مجلس عقده بقصره
بالبياضيَّة؛ ليتشاوروا في الطريق المستحسنة لوصول المَحْمَلين إلى المدينة، من الطرق
الثلاث الموصلة إليها، التي إحداهما تسمَّى بالدَّرب الشرقي،
١ وهي بعيدة، والثانية تسمَّى بالفرعي،
٢ ومسافتها اثنا عشر يومًا، والثالثة تسمَّى بالدَّرب السلطاني،
٣ وهي طريق الجديدة. وكان إتيان المَحْمَل الشامي في هذا العام منها، وأما
المَحْمَل المصري فلم يمر منها منذ سبع عشرة سنة. فحصل اتفاق المجلس، بحضرة الشريف، على
مرورهما من السلطاني، وإن لم يستحسن سعادة أمير الحاج الشامي مرورهما من هناك؛ لعدم ائتمان
من هناك من العربان، فأمَّنه حضرة الشريف، واستصوب الطريق السلطاني للمحملين، إلَا أنه
حصل
من خليل بن حذيفة بن سعد،
٤ وعمه عمر، المندوبين نيابة عن حذيفة شيخ مشايخ الدَّرب السلطاني، ليضمنا مرور
الحاج من هناك مع الأمن والرَّاحة، أنهما في آخر هذا المجلس ادَّعيا أنَ لهم على الحاج
المصري مبلغًا جسيمًا، خلاف ما صرف إليهم في كل عام من الأعوام الماضية، وإن لم يمر
المَحْمَل المصري عليهم، وطلبا تجديد مرتَّبات لهما زيادة على الأصل، وأطالوا القول
والتصلُّب في ذلك حى تعجَب الحاضرون من أفعالهم وجراءتهم. فبعد خروجهما من المجلس، استقرَّ
الرأي على المرور من الدَّرب الفرعي، وأخذت من مشايخه الضَّمانات القوية والرهائن.
وبعد الغذاء وشرب القهوة والشَّربات، عاد كل شخص إلى محلِّه بالفرح والمسَّرات.
وبعد قرار هذا المجلس، توجه أغلب الحجاج إلى ديارهم مع القوافل، ومنهم من انتظر
المَحْمَلين، ليتوجه معهما، خوفًا من عربان الطريق، ومن العربان المقوِّمين، أعني
الجمَّالة. ومن أشنع ما بلغني عنهم، أن كل مقوِّم يضمن لمن يكتري
٥ منه وصوله إلى مقصده مع الأمن والرَّاحة، ثم متى تجاوز العمار،
٦ وصار في القفار،
٧ تمرَّد على ركَّابه وتأمَّر، وتحكَّم عليهم وتنمَّر، خصوصًا إذا كان أغلب
الرَّكب إناثًا، ولم يكن مع الرجال سلاح، فينجبرون على الانقياد لأمره، إلى أن يصلوا
إلى
مقصدهم.
وأغلب هؤلاء المقوِّمين يبحثون عن القوي من ركابهم والضعيف، ويتفحصون عن ما بأمتعتهم
من
الثقيل والخفيف، ومتى وصلوا ليلًا إلى محلٍّ مخوف، يجعلون أنفسهم حرَّاسًا طول الليل
على
ركابهم وأمتعتهم، ومتى علموا أن عينهم قد حلَّ بها المنام، وهدأت منهم الأجسام وثب كل
مقوِّم على ركاب صاحبه، وافترسهم بأفاعيه وعقاربه، وصال عليهم صولة الذئب على الخروف
السمين، فهذا دأب هؤلاء المقوِّمين، فإذا أصبح الكل، وشكى فقْد أمتعته، لم يجد من يعذره،
فضلًا عن كون المقوِّم يحنق
٨ عليه ويزجره. وقد سرقتْ من القوافل بهذا الحال، كثير من الأحمال، وطالما قتل
الجمَّالون الغني بجانب متاعه ليلًا، وسلبوا منه الأموال.
وقد بلغني بالمدينة المنورة، من حضرة أحمد بيك ناشد، المرسل من مصر بالإعانة المحكى
عنها،
أنه أتى من مكَّة إلى المدينة مع القوافل من الدَّرب السلطاني، وشاهد عندما نزل الرَّكبُ
بمحطة وقت العشاء، واشتغل كل شخص بالعشا،
٩ رجلًا قرمانيًّا
١٠ مذبوحًا بجانب حمله، ودراهمه مأخوذة من كمسره،
١١ ما ذاك إلا بدسيس من مُقوِّمه.
وقد سرقوا ليلًا من حضرة البيك المذكور بعض ملبوسه، ولولا انتباهه من نومه سريعًا
لضاع
متاعه جميعًا.
ومن عادة هؤلاء الأعراب، مع من يحملون من الرُّكاب، أنه إذا نزل أحدهم ليلًا ليفك
الحُصُر، وتأخر نحو عشرين خطوة، قتلوه في الحال، وسلبوا ما معه من الثياب والأموال، ولهم
في
ذبح من ينفردون به السرعة العجيبة، التي هي كلمح البصر أو أقرب، بحيث لا يتركونه ينطق
بكلمة.
وقد بلغني — أيضًا — أنهم سلبوا حجاج الجاوة
١٢ بطريق جدَّة،
١٣ عند قفولهم
١٤ من مكَّة إلى أوطانهم، وأخذوا منهم نحو خمسة عشر ألف روبيَّة
١٥ خلاف المتاع، ووصل الخبر إلى شريف مكَّة، فصرف لهم هذا المبلغ على ما شاع،
وأضمر لهؤلاء العرب الويل والتدمير والتنكيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وفي يوم الخميس ٢٢ الحجة (٢٥ نوفمبر) صرفتْ مرتَّبات التكيَّة المصرية.
وفي يوم الجمعة ٢٣ منه (٢٦ نوفمبر) حصل قضاء بعض الشئون.