وصفُ المدينة المنورة
وشرقي المَناخَة الطوبخانة١ وباب المدينة المسمَّى بالشامي، وبحريَّها فيه أماكن، وجامع الإمام علي رضي
الله عنه. وقبليَّها سور المدينة،٢ وبابها المسمَّى بباب المصري، الذي يدخل منها المَحْمَل المصري إلى شارع غير
منتظم، عرضه تارة أربعة أمتار وتارة أقلُّ، وعلى طرفيه دكاكين صغيرة مرتفعة عن الأرض
بمتر
تعلوها أماكن، ويمتد هذا الشارع على خط غير مستقيم نحو أربعمائة متر، وينتهي إلى باب
الحرَم النبوي٣ المسمَّى بباب السلام، ويتصل بهذا الشارع أزقَّة موصلة لداخل المدينة عرض
أغلبها متران، وفيه طريق موصل إلى باب الحرَم المعروف بباب الرَّحمة، وفيه دكاكين أيضًا.
وبيوت المدينة كلها تجارية ليس لها أحواش٤ كبيوت مصر، وليست منتظمة،٥ وفيها قيعان ذات ليوانين كالطراز القديم بمصر،٦ إلَّا أنها صغيرة جدًا بالنسبة لقيعان مصر، وأغلبها طبقتان، ويوجد بها ثلاث
طبقات، وأكثر شبابيكها خرط.
وفي المدينة كثير من التَّكايا والزوايا، وتجارتها تُجلَبُ مع الحجاج من كل نوع،
ويوجد
بها من التمر أنواع شتَّى،٧ والمدينة محاطة بنخيل كثير، وفواكهها نادرة، وبها نوع كالبرتقان٨ يسمَّى ليم، في طعم النارنج، وبها الليمون المالح والحلو والجزر والفجل والبصل
وبعض من الخضارات، وأما الحنطة فإنها تزرع بها، لكنها قليلة، وإنما تُجلبُ بعضًا
للتُّجَّار، وبعضًا لمرتَّبات التَّكايا من مصر. وأما أسعار العملة فهي كما بمكَّة
تقريبًا.
وأما أهل المدينة فهم في الأصل من الأنصار؛ ولكن الآن أغلب أهلها من ذُريَّة الهنود
والأتراك المجاورين بها، وغيرهم من الغرباء.٩
١
الطوبخانة: من التركية، وهي مكونة من كلمتين: الطوب: المدفع. خانة: المكان أو
المخزن. والكلمة مركبة تعني مخزن مدافع الجيش أو مكان سلاح المدفعية.
٢
سور المدينة: أول من بنى سورًا على المدينة النبويَّة هو الأمير إسحاق بن محمد
الجعدي عام ٢٦٣ﻫ/٨٧٧م لحمايتها من تعديات قطاع الطرق وغيرهم. وجُدِّد هذا السور
أكثر من مرة، كان أكبرها في عهد السلطان سليمان القانوني عام ٩٤٦ﻫ/١٥٣٩م، وهذا
السور — أيضًا — جدِّد أكثر من مرة. وعندما وحَّد الملك عبد العزيز رحمه الله
المملكة العربية السعودية عام ١٣٥١ﻫ/١٩٣٢م، ونشر فيها الأمن بفضل الله، لم تعد
المدينة النبوية بحاجة إلى هذا السور، زد على ذلك أن سكان المدينة قد ازدادوا بشكل
مطَّرد، فصار العمران خارج حدود هذا السور، عندها تمت إزالته في عام ١٣٦٨ﻫ/١٩٤٩م
(انظر: تاريخ معالم المدينة المنورة قديمًا وحديثًا، احمد الخياري،
ص٣٦٣–٣٦٨).
٣
الحرم النبوي: المقصود هو المسجد النبوي، وهذه هي التسمية الصحيحة للمسجد، أما
الحرم النبوي أو حرم المدينة فهو ما بين لابتيها، ومن جبل عير إلى جبل ثور، وهو حرم
الصيد كما جاء في الحديث.
٤
أحواش: مفردها حوش، والحوش هو السور الذي يحيط بالمبنى.
٥
ليست منتظمة: أي غير متساوية الأضلاع.
٦
الليوان: غرفة مفتوحة من المقدمة بالكامل، تشبه الصَّالة، مُعَدَّة
للجلوس.
٧
أشهر أنواع التمر الذي بالمدينة: العجوة. الذي قال فيها الرسول
ﷺ: «من تصبَّح سبع تمرات عجوة، لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر». رواه أبو داود
وصححه الألباني (انظر: سنن أبي داود، ح٣٨٧٦). ومنه أيضًا: البَرْني، الحُلُوَة،
العنبرة، الصِّقْعي، البيض، المبروم، نبتةُ علي، الصفاوي نُبوْت سيف، تمر شلبي، تمر
قرويَّة. ومن أجود أنواع الرطب في المدينة: الرُّوثانَة.
٨
البرتقان: فاكهة البرتقال.
٩
مرت المدينة النبوية بتغيرات كثيرة في تركيبتها السكانية على مدى تاريخها. وفي
العهد السعودي، وتحديدًا في عام ١٣٤٤ﻫ/١٩٢٥م، استقرت كثير من الحواضر والقبائل
العربية القريبة والمجاورة للمدينة في المدينة مثل: حرب، وجهينة، وبني رشيد، وعنزة،
ومطير وغيرهم؛ بل أصبحت المدينة مفتوحة لجميع المسلمين من السعوديين وغيرهم، مما
جعل التركيبة السكانية تتغير كثيرًا باستمرار. ويرتبط أهل المدينة النبوية مع بعضهم
البعض، بادية وحاضرة، برباط الدين والأخوة والمحبة والمصاهرة ولله الحمد
والمنَّة.