وصف المسجد النبوي وكيفية الزيارة
والزائر لرسول الله
ﷺ١ يدخل من باب السلام سائرًا في طُرْقَة مُتَّسعة مفروشة بالمَرْمَر تنتهي إلى ما
وراء حُجرته
ﷺ، وعلى يساره المسجد بعمدانه المزخرفة مفروشًا بالأبسطة
الثمينة، وفيه المنبر والمحراب الشريف والروضة المطهَّرة، ويصطحب الزائر عند الدخول من
باب
السلام بأحد المُزُوِّرين أعني المرشدين للزوار على رسوم الزيارة، ولديهم أدعية مأثورة،
تُتلى ويدعى بها عند كل مشهد، والمزُوِّر بالمدينة كالمطوِّف بمكَّة، ولولاهما لم ينتظم
للحجاج بهاتين البلدتين حال.
٢
ويسير الداخل من باب السلام في الطُّرْقَة
٣ المذكورة، ويمرُ بين المنبر والمحراب، ويصلي ركعتين تحية المسجد بالروضة الشريفة،
٤ ثم يخرج من بين المحراب النبوي والمقام الشريف، ويدخل في الطُّرقَة المذكورة
ويتوجه إلى شُبَّاك التوبة،
٥ وهو الشُّبَّاك المتوسط بين شباكين من نحاس، منقوش كالشَّبك، ومكتوب عليه آيات
قرآنية، وذلك الشُبَّاك مواجه للقبر الشريف، يقفون أمامه للزيارة، وهو من ضمن أبواب الحجرة
النبويَّة، ومكتوب على هذا الباب:
٦
مَنْ عَوَّدَ النَّاسَ بإحسانه
وعمَّ بالفضل جميع
الأنام
تزاحم النَّاسُ على بابه
والمنهلُ العذْب كثير
الزِّحام
وبهذا الشُّبَّاك ثلاث طاقات
٧ مستديرة في اتساع اليد، يُرى من الأولى الكوكب الدُّرِّي المعلَّق على ستر
المقام الشريف من داخل الحجرة على علوِ ذراع من الأرض؛ وهو قطعة ألماس كبيرة كبيضة الحمامة
في وزن اثنين وتسعين قيراطًا، وبأسفله فصٌّ من زُمُرُّد كبير مُثمَّن، وهما في شبكة من
الذهب معلَّقان بالمواجهة الشريفة، ومن تحتهما فجوة صغيرة مستورة بستر المقام، يوضع فيها
تراب الصَّندل في السابع عشر من ذي القعدة الحرام في كل عام،
٨ وعند دوران الحول تقتسمه الأغوات،
٩ ويُعطون من الزوَّار بقصد التَّبرُّك. ومن العاد الجارية في المدينة، أنهم
يضعون في هذه الفجوة كل مولود يوم أربعينه، ويسبلون عليه السُّتُر، كما أهل مكَّة يضعون
المولود كذلك على عتبة الكعبة المشرَّفة.
١٠
والبرزخ الشريف بعيد عن الشُّباك بقدر أربعة أمتار، ويقف الزائر بعيدًا عن الشُّبَّاك
المذكور بذراعين، واضعًا يديه على صدره خافضًا بصره داعيًا بما يلقنه المزُوِّر، ثم يتقدم
خطوة إلى اليمين حتى يحاذي الدائرة الثانية، وهي بمواجهة الصَّدِّيق الأعظم رضي الله
عنه،
ويدعو، ويتزحزح إلى اليمين خطوة، ويحاذي الدائرة الثالثة، المواجهة للفاروق عمر بن الخطاب
رضي الله عنه، ويسلِّم ويدعو كذلك. ثم يتوجه لشرق المقام من الطُّرْقة الثانية أمام
الشُّبَّاك الوسطاني
١١ من الثلاثة شبابيك؛ التي هي شبابيك مهبط الوحي.
والستائر المحيطة بالمقام الشريف تُرى من جميع هذه الشبابيك، والستائر المذكورة مسدولة
إلى الأرض موصلة بمحيطة قاعد القبَة الشريفة،
١٢ بحيث لا يرى الزائرُ القُبَّة من داخل الحرم أيًّا كان، وعند هذا الشُّبَّاك
يُسلِّم على الملائكة الأربعة الكرام، ويدعو، ويتقدم يمينًا إلى الشُبَّاك الثالث، ومنه
إلى
باب يقال له: باب السيدة فاطمة، ويسلِّم ويدعو، وبجواره البقعة التي سيدفن فيها عيسى
بن
مريم عليه الصلاة والسلام بعد نزوله من السماء.
١٣ والسيدة فاطمة رضي الله عنها لم تكن مدفونة بتجاه هذا الباب، وإنما هو من جملة
أبواب الحجرة الشريفة تسمَّى بها، وهي مدفونة بالبقيع بجوار العبَّاس عمِّ النبي
ﷺ على القول الصحيح. وهذا الباب معدٌّ للدخول إلى الحجرة النبويَّة في كل ليلة
للخدمة، ثم بعد أن يدعو الزائر هناك، يستدبره ويسلِّم على أهل البقيع ويدعو؛ لأن البقيع
من
وراء هذه الجهة، خارج المدينة، معدٍّ لدفن أمواتها، ثم يلتفت إلى شماله، ويستدبر القبلة،
ويستقبل جبل أحد، ويسلِّم على حمزة عم النبي
ﷺ، وعلى الشهداء ويدعو، ثم
يرجع القهقرى
١٤ إلى مبدأ هذه الجهة حتى يأتي قِبلة المَدْعَى، فيدعو الله بما شاء بدون واسطة
المزوِّر، ثم يستدير على يمينه حتى يواجه الشُّبَّاك النبوي، ويسلِّم، ويدعو ثانيًا،
ويلتفت
خلفه، ويتوجه إلى محراب سيدنا عُثْمان بن عفَّان رضي الله عنه، وهو في الحائط التي عن
يمين
الطُّرقة المبدوأة
١٥ من باب السلام، ويدعو، وبذلك تتم الزيارة.
ثم يدخل الحرم ويزور محل الجِذْع،
١٦ وهو جذْعٌ كان النبي
ﷺ يخطب عليه قبل اتخاذ المنبر الشريف،
وبعد اتخاذ المنبر حنَّ ذلك الجذْعُ لفراقه، وبقي هناك مدَّة بعد وفاته
ﷺ،
ثم أحرز في هذا المحل بجوار المحراب.
١٧
ثم يتوجه لزيارة المحراب والمنبر والروضة، ويصلي بها ركعتين، ويميل لزيارة المصحف
العثماني من وراء الشبكة، وهو موضوع على رَحْلَة، على يمين الداخل للحجرة الشريفة من
باب
الوفود، ولا يُفتح هذا المصحف إلَّا عند حادث عظيم كحرب أو وباء، فتجتمع العالم
١٨ بالحرم، ويدخلون بالحجرة من الباب الشامي لهذا المقصد، ويفتحون المصحف ويقرؤن
١٩ فيه ما تيسَّر من القرآن. وهذا المصحف أحد المصاحف السبعة الأولى التي
استُكْتبت عند جمع القرآن الشريف من أفواه حملته، وهذا المصحف هو الذي قُتل عثمان بن
عفَّان
رضي الله عنه وهو في حجْره، ووقع دمه فيه، على قوله تعالى:
فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة: ١٣٧). وباق
به هذا الأثر إلى الآن.
ومن أراد دخول الحجرة الشَّريفة؛ يتيسَّر له ذلك بواسطة الأغوات، قبل الغروب، بنيَّة
إيقاد الشمع، ويلبسونه أثوابًا من أثوابهم بيضاء. وأما زيارة أهل البقيع وحمزة رضي الله
عنه
فقد جُعلت في الحرم؛ تسهيلًا على المسافر.
٢٠
وللحجرة أربعة أبواب، باب صغير في شبَّاك التوبة، وباب السيدة فاطمة، والباب الشامي،
وباب
الوفود، ومن هذا الباب كان النبي
ﷺ يخرج للصلاة بالحرم، وهذه الحجرة في
بيت السيدة عائشة رضي الله عنها.
والحرم النبوي مزخرف، موضوع بشكل جميل، طوله من داخل ١٥٥ ذراعًا معماريًّا، وعرضه
من
القبلة ١٥٥ ذراعًا، ومن البحري ٨٨ ذراعًا، وأحجاره من جبل بالقرب من المدينة، وعواميده
مُجصصة مغطاة بأدهان ونقوش، ولم تكن أعمدة من رخام؛ لعسر نقلها من محلها، وأرضه مفروشة
بالبُسط الثِّمان،
٢١ وله بابان من الجهة الشرقية؛ وهما: باب السلام، في ابتداء الجدار الغربي من
زاويته القبلية، وفوقه مأذنة،
٢٢ ويبتدئ الزائر بالدخول منه، وفي وسط هذه الجهة الباب الثاني، وهو باب الرَّحمة،
وخارجه مأذنة صغيرة، وحنفيَّات
٢٣ للوضوء، ويمكن للزائر أن يدخل من هذا الباب، إلَّا أنه يميل على يمينه، ويسير
في الطُّرْقة الموصلة إلى باب السلام، ويدخل في طُرْقته، ومنها يتوجه للزيارة كما
سبق.
وبابتداء الحائط الشرقية مأذنة تواجه باب السلام، وبهذا الحائط الشرقي بابان: أحدهما
باب
جبرائيل، أمام باب السيدة فاطمة، والآخر باب النساء، مواجهًا لباب الرَّحْمة، والجدار
البحري في كل طرف منه منارة، وفي وسطه باب التوسُّل، فبذا يكون بالحَرَم خمس مآذن وخمسة
أبواب.
وفي وسط الحرم صحن يقال له: الحصوى،
٢٤ به جنينة صغيرة،
٢٥ بها بئر ونخل، تسمَّى بجنينة السيدة فاطمة.
والحرمُ تغلق أبوابه في الساعة الثالثة من الليل، في غير موسم الحج، ولا يبقى به
إلَّا
الأغوات المختصة بالخدمة.
٢٦
وبالحَرَم حَمامٌ كحمام حرم مكَّة محرَّمٌ صيده وقتله.
وأدعية الزيارة موضوعة بالرحلة التي طبعناها سابقًا فلتراجع.
وقد تيسَّر لي أخذُ خريطة الحرم السطحية بالضبط والتفصيل، وأخذتُ — أيضًا — رسْم
المدينة
المنورة بالفطوغرافيا، مع قبَّة المقام الشريف والخمس منارات، وقد أخذتُ منظر القُبَّة
الشريفة من داخل الحرم،
٢٧ وأخذتُ — أيضًا — صورة سعادة شيخ الحرم وبعض أغوات الحجرة الشريفة، وما سبقني
أحد لأخذ هذه الرسومات بالفطوغرافيا أصلًا.
٢٨
وبجوار الباب المصري بالمَناخة دكاكين
٢٩ وقهاوي
٣٠ من أخشاب وسوق للغلال
٣١ والمواشي،
٣٢ ومن المناخة يرى داخل سور المدينة قُبَّة بيضاء، وهي مقام سيدي أبي سعيد مالك
بن سنان
٣٣ صاحب لواء رسول الله
ﷺ يوم أحد.
٣٤