البقيع والمزارات
ومن بعد الخروج من الحرم النبوي، يتوجه الحاج لزيارة عبد الله، والد النبي
ﷺ، وهو مدفون داخل المدينة، في دار مالك، أحد أخواله، ومنه يتوجه إلى البقيع، وبه مزارات
آل البيت، والشهداء، وأولاد النبي
ﷺ، وهم: زينب وفاطمة وإبراهيم والقاسم
والطاهر والطَّيب.١ وبه من أزواجه الطاهرات التي توفي عنهن:٢ عائشة وحَفْصة ورَمْلَة وسُوْدة وصفيَّة وأم سلمة وزينب وأم حبيبة، وأما
ميْمُوْنة، فمدفونة بطريق مكَّة. ولله درُّ من قال:
آل بيت النبي إني محب
وجزاء المحبة
الإكرام
فاز من زار حيَّكم آلَ طه
وتناءت عنه الكروب
العظام
حاشَ لله أن تردوا محبًّا
وهو فيكم متيَم
مستهام
أنتم القوم جودكم لا يُضاهى
وعُلاكم لغيركم لا
يرام
وبه — أيضًا — مقام العبَّاس،٣ وعقيل،٤ والحسن بن علي،٥ وسفيان،٦ وعبد الله بن جعفر الطيَّار،٧ وعائشة وصفيَّة عمتيَّ٨ النبي
ﷺ، وسعد٩ وسعيد١٠ والزُّبير،١١ وهؤلاء الثلاثة من العشرة المبشَّرين،١٢ وعثمان بن عفَّان،١٣ وحليمة السَّعديَّة١٤ مرضعة النبي
ﷺ، وكذلك قبر الإمام مالك،١٥ ونافع شيخ القرَّاء،١٦ وإسماعيل بن جعفر الصَّادق،١٧ وأبي سعيد الخُدْري،١٨ ولكل منهم مزار مشهور. وهناك قبَّة تسمَّى قبَّة الحزن،١٩ تنسب إلى السيدة فاطمة بنت النبي
ﷺ. وزيارة البقيع يوم الخميس.٢٠ والبقيع مدفن أموات المدينة، خارج عن سورها من الجهة الشرقية، ومحاط بسور، وبه
قببٌ للمزارات المشهورة،٢١ ويوضع على القبور ريحان، بدل الخوص بمصر.٢٢ ومن وراء البقيع يُرى الوادي كالبساتين مزيَّنًا بالنخيل.
ومن العوائد الجارية٢٣ بالمدينة قديمًا، أن كل شخص من الشيعة لا يدخل قبَّة أهل البيت بالبقيع للزيارة
إلَا إن دفع خمسة غروش، كما أنه يؤخذ بمكَّة من كل من يريد أن يدخل الكعبة للزيارة، شيعًا
أو سنيًّا ريال، إن لم يكن ذا ثروة وإلَا أخذوا منه مبلغًا كبيرًا، وكذا بالمدينة الأغوات
المنوطون بخدمة الحجرة الشريفة، يأخذون ريالًا من كل شخص يريد دخولها، وذلك قبل الغروب
بساعة عند إيقاد الشموع.
ومن بحري المدينة٢٤ بعيدًا عنها بخمس وأربعين دقيقة جبل أحد،٢٥ يتوجهون إليه لزيارة مقام سيدنا حمزة٢٦ وشهداء أحد رضي الله عنهم.٢٧
وبقِبلي المدينة بنحو نصف ساعة مسجد قباء، يتوجهون لزيارته وزيارة ما حوله، وهو أول
مسجد
بني في الإسلام.٢٨
وفي يوم الإثنين ١١ محرم (١٣ ديسمبر).
وفي يوم الثلاثاء ١٢ منه (١٤ ديسمبر).
وفي يوم الأربعاء ١٣ منه (١٥ ديسمبر).
وفي يوم الخميس ١٤ منه قضاء شئون (١٦ ديسمبر).
وفي يوم الجمعة ١٥ منه (١٧ ديسمبر).٢٩
١
أولاد الرسول
ﷺ سبعة وهم: القاسم، وهو الذي يكنَّى به الرسول
ﷺ، وعبد الله (ويقال له: الطاهر والطَّيب)، وإبراهيم، وكلهم ماتوا
صغارًا رضي الله عنهم. أما البنات فهنَّ: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. رضوان
الله عنهن جميعًا. وجميع أولاده
ﷺ من خديجة رضي الله عنها إلَّا
إبراهيم فإنه من مارية القبطيَّة المصرية رضي الله عنها، الجارية التي أهداها له
المقوقس حاكم مصر، وتسرَّى بها الرسول
ﷺ. وليس له من بقية زوجاته
ذرية
ﷺ.
٢
زوجات الرسول
ﷺ هنَّ: خديجة بنت خويلد. سودة بنت زمعة. عائشة
بنت أبي بكر الصِّديق. حفْصة بنت عمر بن الخطاب. زينب بنت خزيمة. أم سلمة هند بنت
أمية. زيْنب بنت جحش. جويرية بنت الحارث. صفيَّة بنت حيِّ بن أَخْطَب. أم حبيبة
رمْلة بنت أبي سفيان. ميموْنة بنت الحارث. رضوان الله عنهن جميعًا.
٣
العبَّاس: العبَّاس بن عبد المطلب، عم الرسول
ﷺ. توفي عام
٣٢ﻫ/٦٥٣م رضي الله عنه.
٤
عقيل: عقيل بن أبي طالب، توفي عام ٤٩ﻫ/٦٦٩م رضي الله عنه.
٥
الحسن: الحسن بن علي بن أبي طالب. مات مسمومًا عام ٤٩ﻫ/٦٦٩م رضي الله
عنه.
٦
سفيان: المقصود — والله أعلم — هو: أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ابن عم
الرسول
ﷺ. توفي عام ٢٠ﻫ/٦٤١م رضي الله عنه.
٧
عبد الله بن جعفر الطيَّار: توفي عام ٨٠ﻫ/٦٩٩م رضي الله عنه.
٨
كذا في النسخة التي بين يدي، والصواب هكذا: عاتكة وصفيَّة عمتيَّ النبي
ﷺ. وللفائدة فإن عمَّات النبي
ﷺ هنَّ: أم حكيم البيضاء،
أرْوى، أميمة، عاتكة، برة، صفيَّة. بنات عبد المطلب بن هاشم.
٩
سعد: سعد بن أبي وقَّاص، توفي عام ٥٥ﻫ/٦٧٤م رضي الله عنه.
١٠
سعيد: سعيد بن زيد بن عمرو، توفي عام ٥١ﻫ/٦٧١م رضي الله عنه.
١١
الصحيح أن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه قد قُتل بالقرب من البصرة في العراق
ودفن هناك في رجب عام ٣٦ﻫ/٦٥٦م (انظر: سير أعلام النبلاء، ١ / ٤١). وفي رجب عام
٩٧٩ﻫ/١٥٧١م أمر السلطان العثماني سليم خان الثاني ببناء مسجد بجانب قبر الزُّبير
رضي الله عنه، الذي أصبح هذا المسجد — فيما بعد — نواة لمدينة الزُّبير المعروفة في
جنوب العراق (انظر: إمارة الزُّبير بين هجرتبن، عبد الرازق الصانع وعبد العزيز
العلي، ١ / ٤٥).
١٢
المبشَّرين: أي بالجنَّة رضوان الله عليهم جميعًا.
١٣
عثمان بن عفَّان: ثالث الخلفاء الراشدين، قتل في عام ٣٥ﻫ/٦٥٦م، رضي الله
عنه.
١٤
لم أجد دليلًا صحيحًا صريحًا يؤكد أن حليمة السعدية دفنت بالبقيع. والله
أعلم.
١٥
الإمام مالك: هو إمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحي، وإليه ينسب المذهب المالكي
في الفقه، وله كتاب الموطأ. والإمام مالك صاحب الكلمة المشهورة عندما قال وهو في
المسجد النبوي: كُلٌّ يؤخذ من قوله ويرد إلَّا صاحب هذا القبر. يقصد الرسول
ﷺ. توفي الإمام مالك بالمدينة ودفن بالبقيع عام ١٧٩ﻫ/٧٩٥م رحمه الله
رحمة واسعة (انظر: سير أعلام النبلاء، ٨ / ٤٨).
١٦
نافع: هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، أصله من أصفهان، قال عنه الإمام مالك:
نافع إمام الناس في القراءة. توفي نافع عام ١٦٩ﻫ/٧٨٥م بالمدينة ودفن بالبقيع رحمه
الله، وراوياه هما:
-
عيسى بن مينا ولقبه: قالُوْن.
-
وعثمان بن سعيد ولقبه: ورش (انظر سير أعلام النبلاء، ٧ / ٣٣٦).
١٧
إسماعيل بن جعفر الصادق: توفي شابًّا في حياة أبيه عام ١٣٨ﻫ/٧٥٥م ودفن بالبقيع
رحمه الله (انظر: سير أعلام النبلاء، ٦ / ٢٦٩).
١٨
أبو سعيد الخدري: هو سعد بن مالك بن سنان الخزرجي الأنصاري رضي الله عنه. توفي
عام ٧٤ﻫ/٦٩٣م (انظر: سير أعلام النبلاء، ٣ / ١٦٨).
١٩
هذا من البدع المنتشرة في ذلك الوقت.
٢٠
البقيع أو بقيع الغرقد فيه الكثير من الصحابة — رضوان الله عليهم جميعًا — غير ما
أشار إليه محمد صادق باشا رحمه الله.
٢١
عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على
ما بعثني عليه رسول الله
ﷺ؟ أن لا تدع تمثالًا إلَّا طمسته، ولا
قبرًا مُشرفًا إلَّا سوَّيته. وفي رواية: ولا صورة إلَّا طمستها. رواه مسلم (انظر:
صحيح مسلم، ح٩٦٩) ونهى الرسول
ﷺ عن تجصيص القبور والبناء عليها،
ونهى عن الجلوس عليها أو أن توطأ، ونهى عن الصلاة إليها (انظر: صحيح مسلم، ح٩٧٠،
ح٩٧١، ح٩٧٢).
٢٢
هذا العمل غير مشروع. ولا يعبد الله عز وجل إلَّا بما شرع.
٢٣
العوائد الجارية: العادات المتبعة.
٢٤
بحري المدينة: شمال المدينة.
٢٥
جبل أحد: جاء في فضله عن أبي حميد رضي الله عنه قال: أقبلنا مع النبي
ﷺ من غزوة تبوك، حتى إذا أشرفنا على المدينة قال: «هذه طابة، وهذا أحد جبل
يحبنا ونحبه.» رواه البخاري (انظر: صحيح البخاري، ح٤١٦٠).
٢٦
سيدنا حمزة: هو أسد الله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، عم الرسول
ﷺ. استشهد حمزة في معركة أحد عام ٣ﻫ/٦٢٥م. وجاء في فضله رضي الله عنه: عن
جابر رضي الله عنه عن النبي
ﷺ قال: «سيد الشهداء حمزة بن عبد
المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله». رواه الحاكم وقال: صحيح
الإسناد. وقال عنه الألباني: صحيح (انظر: المستدرك على الصحيحين، س٤٨٨٤).
٢٧
شهداء أحد: عددهم على الأشهر ٧٠ شهيدًا. منهم حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير،
وسعد بن الربيع، وعمرو ابن ثابت الأصيرم، الذي دخل في الإسلام يوم أحد، فاستشهد ولم
يصل لله قط، ومخيريق، وهو أحد أحبار اليهود، وحنظلة ابن أبي عامر المعروف بحنظلة
غسيل الملائكة أو حنظلة الغسيل؛ لأنه خرج من عند عروسه وهو جنب حين سمع الهاتف
فاستشهد في أحد. رضوان الله عليهم جميعًا.
٢٨
مسجد قباء: جاء في فضله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: كان رسول الله
ﷺ يأتي مسجد قباء كل سبت، راكبًا وماشيًا، فيصلي فيه ركعتين. رواه مسلم
(انظر: صحيح مسلم، ح١٣٩٩). والصلاة فيه كأجر عمرة، قال
ﷺ: «من تطهَّر في
بيته، ثم أتى مسجد قباء فصلَّى فيه صلاة، كان له أجر عمرة.» رواه ابن ماجه. وصحَّحه
الألباني (انظر: سنن ابن ماجه، ح١٤١٢).
٢٩
هذه الأيام التي يذكرها الرحالة محمد صادق باشا تباعًا دون أن يذكر ما حصل فيها؛
لعل السبب أنه لم يحصل فيها شيء يستحق الذكر، فذكرها من باب تسلسل أيام الرحلة لا
غير.