مشهد مخيف في مطعم صغير!
عندما تنتهي مغامرةٌ من مغامرات الشياطين اﻟ «١٣»، يعودون — عادة — إلى المقر السري؛ حيث تُناقش المغامرة، والدروس المستفادة منها، وهل تم القضاء على العدو قضاءً كاملًا، أم بقيت له رءوسٌ وأَذْناب تتحرك، وتُهدِّد أمنَ وسلامة منظمة الشياطين السرية.
وعندما عاد الشياطين من مغامرة «فئران نيويورك»، التي انتهَت بالقبض على زعيم العصابة «بازوليني» بواسطة البوليس الأمريكي، كان عنصرٌ جديد قد برز في الصورة … هذا المجرم العاتي «موكا برازي» شقيق «لوكا برازي»، رجل المافيا المشهور، والذي قُضيَ عليه بواسطة «سولوزو» مهرِّب المخدرات …
مات «لوكا» وبقيَ «موكا» شقيقه، والذي كان رجال العصابات يعتبرونه ظاهرةً لا مثيلَ لها في الإجرام … فهو ضخمُ الجسم بصورة غير عادية، شَرِسٌ كالنمر، يَقِظ كالذئب، بارد الأعصاب كالثعبان، قويٌّ كوحيدِ القرن.
مجرمٌ اجتمعَت فيه جميعُ الصفات التي تجعل منه عصابةً بأكملها، وقد اعتاد «موكا» أن يعمل وحده؛ فهو يقوم — مقابل أجر — بأي شيء لحساب العصابات … وقد استأجره «بازوليني» للقضاء على مجموعة الشياطين اﻟ «١٣»، التي انتصرَت عليه في إيطاليا مرة، وفي أمريكا مرة أخرى … ولكن الشياطين أوقعوا ﺑ «بازوليني» دون أن يستطيع «موكا» ولا بقية عصابة «بازوليني» من إلحاق أيِّ ضررٍ بهم. وكان «موكا برازي» غاضبًا وحانقًا لهذه النهاية … فقد كانت هذه أولَ مهمة يُكلَّف بها ويفشل فيها.
لقد تقاضَى ١٥ ألف دولار من «بازوليني» كمقدَّم أتعاب لعملية القضاء على الشياطين اﻟ «١٣»، على أن يتقاضى ٧٥ ألفًا أخرى بعد انتهاء مهمته، ولكن المهمة انتهَت بالفشل الذريع. ولم تكن بقيةُ الأتعاب هي فقط السبب في غضب «موكا برازي»، بل كان غاضبًا أكثر؛ لأن سُمعتَه في العالم السفلي — عالم الإجرام — قد اهتزَّت جدًّا. وأنَّه سَمِع بأُذُنَيه في أحد المطاعم مَن يقول: إنَّ مجموعة من الأولاد قد هزموا «موكا» … وساعتَها كاد ينفجر من الغضب، وقام يضرب القائل، حتى أُغميَ عليه.
جلس المجرم العاتي يفكِّر فيما حدث … لقد كانت النهاية في «لاس فيجاس»، ثم اختفى هؤلاء الأولاد، وقد بحث عنهم في طول أمريكا وعَرْضها، ولم يعثر عليهم، ودسَّ عليهم العيون والأرصاد، لكن هؤلاء الشياطين اختفَوا تمامًا، وكأنَّهم أشباح سوداء، تلاشَت في الظلام.
لكن «موكا» عثَر على الخيط الذي يمكن أن يُوصلَه مرة أخرى إلى الشياطين اﻟ «١٣»، هذا الخيط هو «فرانك» … لقد شرح له «بازوليني» أنَّ الشياطين حضروا إلى أمريكا لإنقاذ صديقهم «فرانك» من براثن عصابة «بازوليني». إذن، فإنَّ «موكا» إذا استطاع الضغط مرة أخرى على «فرانك»، فقد يستطيع أن يعثر على الشياطين. وفي هذه المرة لن يتركَهم يُفلتون من عقابه.
على العكس، فسوف يضربهم بشدة وبقسوة تُصبح حديثَ العالم السفلي لمدة طويلة.
وهكذا، غادر «موكا» «لاس فيجاس» إلى «نيويورك»، حيث سلسلة مطاعم «فانس»، التي يملكها «فرانك» … ولم يكَدْ ينزل من الطائرة حتى استقل سيارته من طراز «كونتننتال» الضخمة، متجهًا إلى قلب «مانهاتن»، حيث يوجد المطعم الرئيسي والإدارة لمحلات «فرانك».
دفَع بابَ المطعم بقدمِه، ودخل … كان الوقت متأخرًا نسبيًّا، ولم يكن في المطعم إلا عددٌ قليل من الزبائن، لفت أنظارَهم دخولُ «موكا»، الذي اتَّجه مباشرة إلى إحدى الموائد، فأزاح أحد الكراسي بصوت مسموع، ثم جلس.
لم يكن وَجْهُ «موكا» مجهولًا لدى معظم الموجودين، بما فيهم عمَّال المطعم … لقد كان هذا الرجلُ ظاهرةً معروفة لدى أكثر الأمريكيِّين … والذي لم يرَ صورتَه منهم، فهو على الأقل قد سَمِع عنه.
صاح «موكا»، وهو يضرب المائدةَ بقبضةِ يدِه، فيكاد يحطِّمها: مَن الذي يخدم هنا؟
تقدَّم أحد العمال وهو يرتجفُ، محاولًا إعادةَ ترتيب المائدة، فصاح به «موكا»: ماذا تفعل … إنني أريدها كما هي!
قال العامل: نعم يا سيدي، إني آسف!
موكا: لقد سمعتُ أنَّكم تقدِّمون أطعمة فاسدة في هذا المكان، وأنَّ كل الزبائن يُصابون بأمراض منها!
العامل: ليس هذا صحيحًا يا سيدي … إنَّ جهات التفتيش الصحية تُعاين الأطعمة وتتأكد من سلامتها.
«موكا» بصوت عالٍ كالرعد: هل تكذِّبني؟
صمتَ العامل ولم يُجِب. وقال «موكا»: أسرعْ بإحضار قطعة من «البوفتيك» بالفلفل، وطبق من «الإسباجيتي»، وسأرى بنفسي هذه السموم التي تُقدِّمونها للزبائن.
أسرع العامل لإحضار الطلب. بينما أخذ الزبائن يحاولون التسلُّلَ من أماكنهم والخروج من المكان. لكن «موكا» صاح بصوتٍ كالرعد: ابقَوا في أماكنكم … إنني أريد أن أرى ماذا يحدث هنا، وترونه أنتم أيضًا …
عاد الزبائن إلى أماكنهم، وقد توقَّفوا عن الطعام … كان واضحًا أنَّ «موكا» ينوي شرًّا بالمكان، وأنَّه يريد أن يُحدثَ أكبرَ تأثير على المكان ومَن فيه، ولم يكن صعبًا على الموجودين جميعًا أن يشاهدوا حجم الأسلحة التي يحملها «موكا»، تحت مِعطفه الطويل، الذي يصل إلى قرب قدمَيه …
كان عمال المطعم يتبادلون النظرات، وقد أصابهم الهلَع. ولم يكن «فرانك» موجودًا. وانتظر «موكا» لحظات، ثم بدأ يصرخ مرة أخرى. ووصل العامل يحمل أطباق الطعام … وأخذ «موكا» يتشمَّمها مشمئزًّا، ثم ضربها بقبضة يده، فتناثر الطعام في كل مكان، وأسرع الزبائن يغادرون المطعم مسرعين.
صاح «موكا»: أين مدير هذا المطعم؟!
لم يردَّ أحد للحظات. فصاح مرة أخرى: إنني أسأل، هل أصابكم الخرس؟
ردَّ أحد العمال: إنَّه ليس موجودًا الآن يا سيدي!
صاح «موكا»، وهو يقف: إذن، قولوا لهذا اللص إنني سأحضر غدًا في الساعة السابعة مساءً لمقابلته، ولا بد أن يُدرك أنَّ تقديم السموم للناس هو أمر يُعاقب عليه القانون، وإذا كان القانون غافلًا عنكم، فسوف أنفِّذ القانون على طريقتي … قولوا لهذا المدير إنَّ «موكا برازي» يريد أن يراه، وسوف يعرف أنني قادر على تنفيذ ما أريد … وسوف يعرف ماذا أريد! …
قام «موكا» من مكانه، كأنَّه جبل يتحرك، ومضى يتمشَّى في المطعم لحظات، ظنَّها العاملون به ساعات، حتى غادر المكان، وهو يقذف بالمقاعد والمناضد يمينًا وشمالًا.
أسرع العاملون بإغلاق الباب بعد خروجه، ثم أعادوا تنظيم المقاعد والموائد كما كانت. وقال أحدهم: لقد تخلَّصنا من «بازوليني» فجاء مَن هو أشر منه!
ردَّ آخر: إنني لن أحضر مرة أخرى إلى هذا المكان. على المستر «فرانك» أن يبحث عن غيري، إنني لستُ مستعدًّا لوضع رأسي في فم الأسد، وسيظل هذا المكان مهدَّدًا، ما دام «موكا» يريد شيئًا …
ظهر «فرانك» فجأةً عند مدخل الباب ومعه «جوك» … ودُهش العاملون بالمطعم … ما الذي جاء به في هذا الوقت المتأخر؟
قال «فرانك»: لماذا لم تتصلوا بي عندما جاء «موكا»؟!
ردَّ أحد العمال: إننا لا نريدك أن تصطدم بهذا الشرير المخيف!
فرانك: لقد اتصل بي أحد الزبائن ممن شاهدوا ما حدث … وقد جئت على الفور!
العامل: لقد طلب «موكا» مقابلتَك في السابعة مساءَ غدٍ … ونحن آسفون يا مستر «فرانك»، إنَّك تُدرك أنَّ «موكا» يقتل الإنسان كما يقتل الذبابة، ومن الصعب علينا أن نتركك … ولكن المسألة مسألة حياة أو موت!
فرانك: إنني أُدرك ذلك، ولن أطلب من أحد أن يبقى معرِّضًا نفسه للخطر!