اتصال … في الوقت المناسب!
انسحب أكثر العمال في هدوء، وبقيَ «فرانك» وصديقه «جوك» فقط … كان واضحًا أنَّ تهديد «موكا» معناه تحطيم كلِّ ما بناه «فرانك» خلال السنوات الماضية … سُمعته … محلاته … وأمواله … وهو يعلم يقينًا أنَّه إذا اتصل بالبوليس فإنَّ عصابة المافيا كلها ستقف ضدَّه … ليس «موكا» وحده، ولكن مئات من المجرمين، الذين يهمُّهم أن يظلَّ عملُهم بعيدًا عن أعين رجال البوليس … فإذا جرؤ واحد على الاتصال بالبوليس، فلا بد أن تتساند العصابات كلها من أجل توقيع أشد العقوبة به.
قال «فرانك»: اسمع يا «جوك»، دَعْنا ننتهي من هذه الحكاية … سأُغلق المحلاتِ كلَّها، وأترك «نيويورك» … تعالَ نذهب إلى ولاية أخرى، نبدأ فيها عملًا جديدًا بعيدًا عن هذا العالم المخيف!
ردَّ «جوك» على الفور: لا شك أنَّك تمزح … إنَّك إذا ذهبت إلى القطب الشمالي فسوف يتبعك «موكا»؛ إنني أرى من الأفضل التفاهم معه!
فرانك: ماذا يريد «موكا» مني؟
جوك: ذلك واضح جيدًا … لقد أتيت بأصدقائك الذين هزموا «بازوليني» مرتين، ووضعوه في السجن … ودخول زعيم من زعماء «المافيا» إلى السجن ليس مسألة هينة!
فرانك: وماذا سأفعل؟
جوك: لنرى ماذا يطلب «موكا» منك، فإذا كان يريد مبلغًا من المال فلتدفعه له وتستريح.
فرانك: ماذا لو فعل مثل «بازوليني» وطلب ٣ ملايين أو ٥ ملايين دولار، من أين آتي بهذا المبلغ؟
جوك: دعنا نشرح له الأمر!
فرانك: لقد حاولت مع «بازوليني» لكنَّه لم يستمع لي … فكيف تتصور أن يسمع «موكا»، وهو أكثر شراسة من «بازوليني»؟!
ساد الصمت بين الصديقين … كان «فرانك» يفكر في زوجته «نانسي»، فعليه أن يخبرها بما حدث، حتى تأخذ حِذْرها، فقد خطفها «بازوليني» من قبل، وليس من المستبعد أن يخطفها «موكا» الآن.
قام «فرانك»، واتصل ﺑ «نانسي» تليفونيًّا، وشرح لها كل شيء … وردَّت «نانسي» بصوت متألم: «لم يعد أمامنا إلا أن نصفِّي عملنا الناجح هنا، ونترك «نيويورك». هذا هو الاقتراح الوحيد المعقول!»
فرانك: سأفكر في الأمر … ما زال أمامنا وقت للتفكير!
وفي هذه اللحظة. دقَّ جرس التليفون الآخر الموضوع على مكتب الإدارة في الداخل، وسمع «جوك» صوت رنين التليفون، فقفز مسرعًا إلى الداخل، ورفع السماعة ليرد، وكم كانت دهشته أن يسمع صوتًا يقول: السلام عليكم! …
كان «جوك» قد سمع هذه الجملة مرارًا من الشياطين اﻟ «١٣»، وأحسَّ عندما سمعها أنَّ السماء قد تدخَّلت لإنقاذهم … وردَّ بلغة عربية ركيكة: السلام إليكم!
تحدث «أحمد»، سائلًا عن «فرانك». فروى له «جوك» بسرعة ما يحدث عندهم … وقال له: إنني أروي لك القصة؛ لأنَّ «فرانك» ربما يكتُم عنك الأمر خوفًا عليكم!
وترك «جوك» السماعة وأسرع إلى «فرانك» وأشار إليه أنَّ هناك من يطلبه، فأنهى «فرانك» المكالمة مع زوجته وسأل «جوك»: مَن هو؟
جوك: ستعرف فورًا!
وأسرع «فرانك» إلى الداخل، وقلبه يدقُّ فزعًا، فربما يكون «موكا» أو أحد أعوانه، ولكن الصوت الذي ردَّ عليه جعله يقفز فرحًا … لقد كان صوت صديقه «أحمد» فصاح «فرانك»: «أحمد» … أين أنت؟ …
أحمد: إنني في مكان ما من العالم!
فرانك: ربما تكون خارج العالم … ألست شيطانًا؟!
ضحك «أحمد» وهو يقول: اعتبرني خارج العالم … ولكن قل لي أين أنت؟
فرانك: أنا في أسوأ مكان على الأرض!
أحمد: لماذا؟!
تردَّد «فرانك» في الإجابة، كان يريد أن يُخفيَ عن «أحمد» المحنة التي يتعرض لها … إنَّه لا يريد أن يعرِّضَه لأخطار أخرى … ردَّ «فرانك» بعد لحظات: مجرد أزمة مالية.
أحمد: إنَّ صوتك يقول أكثر من هذا!
فرانك: مجرد أزمة وتمر … ولكن في الأغلب سوف أصفِّي أعمالي وأغادر «نيويورك» إلى ولاية أخرى أو إلى دولة أخرى … إنَّ ما يحدث لي يفوق طاقة البشر!
أحمد: قل لي ما هي الحكاية؟
فرانك: بصراحة إنَّ عملية «بازوليني» تركت ذيولًا خلفها … هذا المدعو «موكا برازي» الوحش الذي لا يرحم، وأقسى رجل عرفَته عصابات «المافيا» … إنَّه حقًّا قاطرة بشرية!
أحمد: هل تعرض لكم؟
فرانك: نعم، وهو يريد تحطيمنا نهائيًّا … إنَّه حتى لم يطلب نقودًا كما فعل «بازوليني»، لقد جاء لتحطيم كل شيء، إنَّها بالطبع عملية انتقام واضحة … لقد هزمتم زعيمه «بازوليني» الذي استأجره للقضاء عليكم وهكذا تعرَّضت سُمْعته للكلام، ومثل هذا الرجل لا يترك مثل هذه الأمور تمر ببساطة …
أحمد: ما هو الموقف الآن؟
فرانك: لقد حضر إلى مطعم «مانهاتن»، وأحدث أزمة مفتعلة هرب على إثرها الزبائن من المحل، وقال إنَّه سيعود غدًا في السابعة مساء …
فكَّر «أحمد» لحظات، ثم قال: سأتصل بك بعد ساعة … سأحاول أن آخذ إذنًا من رئيسي الأعلى للسفر إليكم.
فرانك: أرجوك يا «أحمد»، إنني لا أريد أن تُعرِّض نفسك لمزيد من الأخطار … هذا قدَري فدَعْني ألقاه!
قال «أحمد» بلهجة قاسية: لا تحدِّثني هكذا … إنَّك لا تعرف قانوننا، فنحن لا نترك شخصًا ساعدنا يُضار من أجل هذه المساعدة … لقد ساعدتنا ضد «بازوليني» في إيطاليا، وها أنت تتعرض للمشاكل … سأشرح الأمر لرئيسي وسوف أحدِّثك بعد ساعة، لا تتحرك من مكانك!
وضع «أحمد» السماعة … كانت الساعة مع فارق التوقيت مع أمريكا الواحدة بعد الظهر، ولا يعرف «أحمد» إذا كان رقم «صفر» موجودًا في المقر أم غادرَه … وفكَّر أنَّ أفضل شيء هو الاجتماع مع «عثمان» و«زبيدة» و«إلهام» الذين عملوا معه ضد «بازوليني» في أمريكا … ودخل غرفته، وضغط على ثلاثة أزرار ثم تركها وضغط مرة أخرى وثالثة، ولم تمضِ دقيقة حتى كان الثلاثة يدخلون الغرفة.
قال «أحمد» بسرعة: إنَّ «فرانك» يتعرض لأزمة رهيبة، فهذا الوحش البشري «موكا برازي» ينوي تحطيمه تمامًا … إنَّه لا يطلب نقودًا، ولكن يريد أن يحطمه بالكامل.
إلهام: يجب أن نذهب فورًا لمساعدته.
أحمد: هذا ما فكرت فيه، ولكن ذلك يستلزم استئذان رقم «صفر»!
عثمان: سأتصل بمدير مكتبه لهذا الغرض.
وأمسك «عثمان» بسماعة التليفون الداخلي حيث أدار القرص برقم «صفر» خمس مرات، وسمع على الطرف الآخر صوت مدير المكتب يرد، فقال له: إنَّ أربعة من الشياطين يريدون مقابلة رقم «صفر» بشكل عاجل.
المدير: ما هو موضوع المقابلة؟
عثمان: أحد أصدقائنا الذي سبق أن ساعدنا في معركة هامة يتعرض للتحطيم من أنصار هذا العدو … نريد إذنًا من رقم «صفر» بالسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بصفة عاجلة لمساعدته.
المدير: ما هي مدة الغياب؟
عثمان: لا نعرف بالضبط، ولكن ربما أسبوعًا أو عشرة أيام!
المدير: والأربعة مَن هم؟
عثمان: «أحمد»، «زبيدة»، «إلهام»، و«عثمان».
المدير: سأرد عليك بعد ثلاث دقائق.
وضع «عثمان» السماعة، ونظر إلى عقرب الدقائق في الساعة المعلقة في غرفة «أحمد»، وساد الصمت، والعقرب يجري سريعًا، وبعد ثلاث دقائق بالضبط دقَّ جرس التليفون.