العشاء الأخير!
- (١)
إنَّ مطعم «السمكة التي أفلتت» من أسوأ المطاعم سُمعة؛ فهو يتبع عصابة «المافيا»، وكثيرًا ما استُخدم كمكان لتصفية الخصوم.
- (٢)
يتصل المطعم في الجدار الملاصق لصالة الطعام بدهليز متعرِّج يصل إلى الأدوار تحت الأرضية لعمارة «الامباير ستيت»، هذه الأدوار التي تمتلئ بأنابيب الغاز والمياه الساخنة وأجهزة التكييف الضخمة.
- (٣)
في هذه الأقبية والدهاليز يعيش نوع من الفئران الضخمة التي تستطيع أن تفتك بالإنسان.
- (٤)
يعيش في هذه الدهاليز مجموعة من الأفَّاقين واللصوص والمجرمين الهاربين من القانون حيث يصعب متابعتهم … وهؤلاء ممكن أن يقتلوا أيَّ شخص أو عدد من الأشخاص بتعليمات «المافيا».
- (٥)
قد تتم محاولة القضاء عليكم بإطلاق الغازات من أنابيب الغاز عليكم في الدهاليز بعد حصاركم.
- (٦)
لهذا أرسلت لكم مجموعة من الأقنعة للاستعمال أرجو ألَّا تنسوها.
- (٧)
أتوقَّع أن يستدرجَكم «موكا» إلى الدهاليز للقضاء عليكم.
- (٨)
أتمنى أن تأخذوا حِذْركم.
أغلق «أحمد» الورقة، وسرح في تفكير عميق … لقد أثبت «موكا» أنَّه رجل داهية؛ فقد خطط للإيقاع بهم في مصيدة الفئران، حيث يمكن القضاء عليهم بعدة طرق … الغاز … القَتَلة … الفئران … وحتى إغراقهم في المجاري الضخمة التي تحت العمارة.
تمدَّد «أحمد» في كرسي طويل يُطلُّ على النهر، وأخذ يضع خُطته … هناك احتمال أوَّلي، ألَّا يذهب إلى «موكا» مثلًا، وسوف يكون في ذلك إعلانًا صريحًا عن خوفه في مواجهة رجل العصابات، وهو لا يخاف … هناك الاحتمال الثاني، أن يذهب وحده حتى لا يُعرِّض بقية الشياطين للخطر، وهم سوف يرفضون ذلك بالتأكيد … وهناك الاحتمال الثالث، أن يذهبوا جميعًا، وهذا ما سيحدث بالفعل … وعليه أن يضع خطته على هذا الأساس.
وصل الأصدقاء قُرب الساعة الثانية، وأخذ كلٌّ منهم يُدلي بوجهة نظره، ويضع احتمالات لم تكن بعيدة عن خطة «موكا»، ولكن أحدًا منهم لم يستطع أن يتصور وجود الدهاليز القاتلة، وخطة «موكا» الدموية … وبعد أن تحدثوا جميعًا شرح لهم «أحمد» الموقف، فأصاب الذعر «فرانك» و«جوك»، وقالَا في نفَس واحد: أرجوك لا تذهبوا … إنَّ «موكا» سوف يقضي عليكم.
أحمد: إنَّ عندنا خرائط كاملة للدهاليز، وقد درستُها … وهناك فتحتان تصعدان على وجه الأرض … وستكون خُطتي الالتحام مع «موكا» سريعًا على ألا نسير في الاتجاهات التي يدفعنا إليها، بل نسير في اتجاه الفتحتَين … وسيكون «فرانك» في انتظارنا بسيارة عند أحد الفتحتين و«جوك» عند الفتحة الثانية.
وفرد «أحمد» الخرائط على المائدة، وجلس الجميع ينظرون إلى أصابعه وهي تُشير إلى خطة السير قائلًا: سندخل من هذه الفتحة … فالمفروض أن أذهب وحدي وستحاولون أنتم الدخول بالملابس التنكُّرية التي أحضرتموها، فإذا منعكم أحد فعليكم اقتحام طريقكم إلى الداخل بأي طريقة.
إلهام: هل سنسير معًا؟
أحمد: لا بالطبع سأذهب أنا وأنت … و«عثمان» مع «زبيدة»، وسيكون تقدُّمنا بالتبادل … أي كل زوج منا يغطِّي الزوج الآخر، وهكذا سيكون تقدُّمنا مستمرًّا.
إلهام: إنَّهم سيفتشونك بحثًا عن الأسلحة؟
أحمد: هذا ما أتوقَّعه … خذوا معكم أسلحة إضافية!
ظلَّ الحوار مستمرًّا نحو ساعة، ثم قامت «إلهام» و«زبيدة» بإعداد الطعام حيث تناولوه جميعًا في شرفة الفيلَّا.
في المساء، ارتاح الشياطين وقام «عثمان» و«زبيدة» بإعداد الأسلحة … وفي الساعة السابعة تمامًا، كان «أحمد» يركب سيارة الشياطين وحده، وخلفه تحركت سيارتان، إحداهما يقودها «جوك»، والثانية يقودها «فرانك» وفيهما بقية الشياطين.
وصل «أحمد» إلى قرب مطعم «السمكة التي أفلتت» وأحسَّ ببعض التوتُّر … ولكنه سيطر على أعصابه سريعًا … وبعد بعض الجهد، استطاع أن يجد مكانًا يركن فيه السيارة، ثم تقدم بهدوء تجاه المطعم.
عندما فُتح الباب ودخل، أحسَّ أنَّ حركة غير عادية تحدث داخل المطعم الصغير المضاء بالشموع … كانت هناك ثلاث موائد مشغولة، وكانت بقية الموائد فارغة … وشمل «أحمد» المكان بنظرة سريعة، واستطاع أن يعرف على الفور أين توجد الوصلة بين المطعم ودهاليز العمارة الكبيرة … فقد كانت هناك ستارة مشدودة من الواضح أنَّها لا تُفتَح إلا بطريقة أوتوماتيكية، خلفها فراغ يتَّسع لمائدة متوسطة الحجم.
اختار «أحمد» مائدةً تُواجه الباب … كان يضع في كعب حذائه جهازَ إرسال صغيرًا متصلًا بأجهزة مماثلة في أحذية الشياطين، حتى إذا ضلَّ أحدُهم طريقَه في الدهاليز أمكن الاتصال به سريعًا … وجاء أحد عمال المطعم ومدَّ يده بقائمة الطعام، وقبل أن يطلب «أحمد» شيئًا ظهر «موكا» في الباب فجأة … كان وحيدًا أيضًا مثل «أحمد»، وتقدَّم ببطء … كان يلبس نفس ملابسه التقليدية وعليها المعطف الطويل، وكان يلهث كالثور؛ فقد كان جسمُه ضخمًا بطريقة غير طبيعية، ويداه كبيرتَين بشكل مُلفت للنظر.
تقدَّم «موكا» ببطء وحذر، وكأنما توقَّع أن يُخرج «أحمد» مسدسًا يُطلقه عليه … وعندما وصل إلى المائدة ارتمى على الكرسي فجأةً، وقال: هل تحمل سلاحًا؟
ردَّ «أحمد»: لا!
موكا: إنني لا أصدِّق ذلك!
أحمد: وأنا لا أكذب … أظن أنَّ لقاءً كهذا من المفروض أنَّه للحديث وليس لتبادل الرصاص.
موكا: هل طلبت طعامًا؟
أحمد: لم أطلب بعد.
موكا: أنصحك بشريحة من اللحم بالبصل المفروم والفلفل والصلصة، ومعها طبق من المكرونة.
أحمد: هذا كرم منك!
وأصدر «موكا» تعليماتِه للرجل الواقف، فذهب لإحضار الطلبات، والتفت «موكا» إلى «أحمد» وبدَت عيناه الحمراوان كأنَّما هما قطعتَا جمْرٍ، وقال بصوت يقطر بالوعيد: اسمع أيها الشاب … إنَّك لستَ من هذا البلد ولا تعرف مَن أنا، إنني أعطيك إنذارًا أخيرًا أن تنسحب من هذه العملية … لقد حضرت إلى الموعد الذي حددتَه وهذا يجعلني لا أستطيع أن أمدَّ يدي عليك، رغم أنَّه في إمكاني الآن أن أنتهيَ منك … ولكن إذا لم تقبل إنذاري فسوف أتحلَّل من وعدي … لن يلزمني شيء، ستموت قبل أن تخرج من هذا المكان.
فجأة ظهر ثلاثة رجال عند المدخل، ونظروا إلى حيث يجلس «موكا» و«أحمد»، واتخذ كلٌّ منهم موضعًا في ركن من صالة الطعام بحيث تكون المائدة التي يجلس عليها «موكا» و«أحمد» محاصرة من جميع الجهات!
شاهد «أحمد» دخولَ الرجال الثلاثة، وأدرك أنَّ «موكا» جادٌّ في حديثه وأنَّه بعد هذا الإنذار لن يتردد … ولكن لم يكن «أحمد» بالذي يخاف، خاصة وأنَّه فعلًا يريد إنقاذ «فرانك»، ولا يتركه لهذه الذئاب الجائعة.
قال «أحمد»: لقد شرحت لك في التليفون ماذا أريد … إنني أرجوك أن تترك «فرانك» وبهذا لا يكون بيننا أيُّ مشاكل.
ضغط «موكا» على أسنانه وقال بكلمات متقطعة ولكنها حاسمة: اسمع يا بُني … إنَّك لا تعرف الحياة هنا، ثم إنَّ هذا عملي، ولا بد أن أحصل على نقود من «فرانك» وإلا سقطَت هيبتي وسط الرجال.
أحمد: وهل من الرجولة أن تتصدَّى عصابة بأكملها لرجل وحيد؟!
موكا: دَعْك من هذه العواطف الرقيقة، إنَّ العمل هو العمل … والجريمة في حياة أمثالي هي عمل، وإذا لم أمدَّ يدي لأقتُلَ، ستمتدُّ يدٌ لتقتلني!
أحمد: إذن فأنت لن تترك «فرانك» وحاله؟
موكا: لا، وهذه آخر كلمة تسمعها مني في هذا الموضوع … أما أنت، فإما أن تنسحب أو تُقتَل.
أحمد: هل ستقتلني أمام كل هؤلاء الشهود؟
موكا: هذا ممكن … ولكن هناك طرقًا أخرى.
أحمد: إذن فلتبدأ عملك … إنني أرفض إنذارك!
نظر «موكا» إلى الرجال الثلاثة. فوقفوا وتقدموا إلى المائدة … ووصل الطعام في تلك اللحظة، فقال «أحمد» بمرح: ألا تتركني آكل وجبتي الأخيرة؟!
صمت «موكا» لحظات، ثم قال: لا بأس … تناول عشاءك الأخير.
واعتدل «أحمد» في جلسته، وأخذ يتناول طعامه في سعادة وهو يمضغ الطعام متلذذًا، وكأنه ليس قادمًا على مغامرة من أخطر مغامرات حياته.