خالد بن الوليد
مَن طَبع السيفَ ومن جلَّاهُ؟
هل يصنُع الآياتِ إلا الله؟
إنْسُ الحديد، بَشَرُ الفِرنْدِ
ليس بصنعِ يَمنٍ أو هندِ
وكيف لا يَصحبه المَضاءُ
وقينُه المقدارُ والقضاءُ
قُلِّدَه من ربِّه محمَّدُ
يسُلُّه بإذنه ويُغمِدُ
خُلِقتُ لا أعظِّمُ السيوفا
إلا الشريفَ العاليَ العَيوفا
المفتدى بحدِّه من مظلمهْ
والمهتدَى بنوره في المُظلِمهْ
والناصرُ الحقَّ على المُقاتلِ
والضاربُ الباطلَ في المَقاتلِ
والرافعُ الدُّولاتِ ركنًا ركنا
بالحق بنيانَ الخليل الرُّكنا
كابن الوليد مَوْئِلِ الأعلامِ
سيف الإله أسد الإسلامِ
طلَّقَ جاهلَّيةَ المعاصي
ودخل الإسلامَ وابنَ العاصِ
كلا العظيمين فتى قريش
صدرُ نَدِيِّ، ولواءُ جيشِ
تخيَّر السمحةَ غيرَ دار
ما خلفها من عجب الأقدار
من نِعمٍ تترَى وعيشٍ مُرغَدِ
وشأنٍ اليوم وذِكرٍ في غدِ
سبحانَ ربِّي مُنشئ النوابغِ
مَرتجِل المواهب السوابغِ
هل خالدٌ إلا فتى من فِهْرِ
لم يشتهرْ بصوْلةٍ وقهر
مَنزلةٌ في غالب عَليَّهْ
وشِيمٌ تقطر جاهليَّهْ
زهوُ الصناديدِ بني الجِلادِ١
ونفخةٌ بالقوم والميلاد
نفسٌ غذتْها الجاهليةُ الدَّما
وأرضعتها جرأةً ومقدَما
ونُهيةٌ كالجوهر الوقَّادِ
لم تبدُ للصائغ والنَّقَّادِ
فكان من عناية السلامِ
به اكتسابُ أدبِ الإسلامِ
إذا كان في دولته مجال
فيه جَلتْ أسرارَهَا الرجالُ
لا بد للعقل الكبير من وسطْ
وللشعاع من مدًى ومُنبسَطْ
ربَّ هباتٍ ذهبت هَباءَ
كما أتى بها الترابُ باءَ
موفَّق الآراءِ والراياتِ
معلَّقُ الهمة بالغاياتِ
إذا غزا عن النبيِّ أو سَفرْ
اقترحَ النجْح عليه والظَّفرْ
سمَّاه سيفَ الله يوم مؤتَهْ
مُعظِّمًا في الآخِرين شأنَهْ
فما مضى في موطِنٍ أو همَّا
إلا وكان اسمًا على مُسَمَّى
أليس كافِيَ الإمام الشدَّهْ
وقامعَ الفتنةِ يومَ الرِّدَّهْ؟
وقاتلَ الكذَّابِ٢ في المعاركِ
وكلِّ أفَّاكٍ له مشارِكِ
أيامه مشهورةٌ في فارسِ
مسطورة في صحف الفوارسِ
خاض بها الوقائعَ الكبارا
وفتح الحيرةَ والأنبارا
واحتاجتِ الشام إلى هُمامِ
أروع يحمى عسكر الإمام
يقحُمها على جموع الرومِ
وينثني بفتحها المروم
وهي تموج بجموع قيصرا
وعالَمٍ من عربٍ تنصَّرا
قبائلٌ فؤادها موَزَّع
دينٌ هو الغالي وعِرْقٌ ينزِعُ
فلم تقعْ إلا عليه الخِيرهْ
إن الرجال أفضلُ الذخيرهْ
فخفَّ للغِياث في ليوثِ
صحابةٍ أهِلَّةٍ غيوثِ
خلَّى العراقَ وتولَّى الشاما
نجمًا لأهوال السرى جشَّاما
يقطع غُفْلًا ويجوب بائرا
إن المُغيث من أتاك طائرا
فكان في السَّماوة٣ الرئبالا
لا تذكر الألبَ وأنِّيبالا
تخِفق فوق رأسه العقاب٤
في مَهمهٍ تُنكره العقاب
حتى حوى الجيش القرى فصارا
بين ديار العرب النصارى
أحراس تخمٍ وحُماة حدِّ
وحاطة الأطراف من تعدِّ
سل تدمرًا والقريتين وأركْ
هل ثبتوا لخالد في معتَركْ
وسلْ به غسَّانَ كيف صُبِّحوا
بالخيل جاءت من بعيد تضبَح
هبَّتْ على الشام قبولًا ريدهْ٥
فاستروحَ الغوثَ أبو عَبْيدَهْ
أوفتْ على اليرموك تَطغَى من طربْ
يا مأتمَ الروم ويا عرْس العرب!
أقبل سيف الله يزجى خيلَهْ
ويلَ هِرَقَلٍ منه ثم ويلَه!
وأمَّر الجيش عليهم خالدا
وانتظروا اليومَ العظيم الخالدا
فعُبِّئَ الحزبان للِّطامِ
طامٍ يعِبُّ لنزالٍ طامِ
تراءيا على تفاوتِ الفئهْ
ذا مائتا ألفٍ وذا نصفُ المائهْ
ونشبت جائحة٦ الدهورِ
عدوةُ القاهر والمقهورِ
فداهمَ الرومَ الرَّعيل المسلم
إن العتيق٧ بالعِتاق أعلَم
واخترق الهيجاءَ فرسان العجمْ
تحت سروج الخيل أو فوق اللُّجمْ
أما الرُّجالَى٨ فاحتمَوْا في الخندقِ
ليلًا فمُسُّوا بالبلاءِ المحدِقِ
يومٌ كبدرٍ في الفتوحِ منزلَهْ
أمسَى هِرَقلٌ بعده لا عزَّ لهْ
لما رأى سلطانه تداعى
صاح: الوداعَ سوريا الوداعا
١
الجِلاد: القتال.
٢
مسيلمة، وكان ادعى النبوة بعد موت رسول
الله.
٣
مفازة مشهورة بين العراق والشام، اختارها خالد
بن الوليد فكان عملًا عظيمًا له شأن في تاريخ
الحروب.
٤
العقاب الأولى: راية الرسول، والثانية: الطائر
المعروف.
٥
أي هبت الأمداد هبوب الريح اللينة، فوجد أبو
عبيدة ريح الغوث والنجدة.
٦
أي نادرة الدهور، وهي الحروب.
٧
أبو بكر؛ أي هو أعلم باختيار الخيل.
٨
جمع راجل، وهو في الحرب خلاف الفارس.