خلافة أبي بكر الصِّدِّيق
سبحان من يُنعِمُ كيف شاءَ
ساس الورى من كان يَرعى الشاءَ
سما سموَّ الثاقب السيَّارِ
والخيرُ عُقبى صُحبةِ الأخيارِ
من أُيِّدَ الحقُّ به تأيَّدَا
وعاش أو مات كريمًا سيِّدا
وكلُّ عزٍّ في ظِلال الباطِلِ
نسجُ عناكبٍ وخيطُ باطلِ
كم شوَّه الباطلُ حين سوَّدا
كالنار تعلو بالدُّخان أسودا
لما هاب بالرسول الداعي
وآذن الجثمانُ بالتداعي
ولَّى أبا بكرٍ على الصلاةِ
وتلك عُليا رُتَبِ الولاة
فبايع الطائعُ والأبيُّ
طوبى لمن بايعه النبيُّ
وكان ما لم يكُ منه بُدُّ
أقضيةُ الرحمنِ لا تُرَدُّ
أصابت الفتنةُ والحبائلُ
ونَكَستْ بعد الهدى القبائلُ
وثاب أقوامٌ إلى الأوثانِ
وقام غاوٍ وتلاه ثانِ
تنبآ فلقيا نجاحا
واتَّبعتْ طائفةٌ سَجاحا٣
واضطرب الحبل وماجت الزُّمَرْ
واقتحمَ الفتنةَ فابتلَّ عمرْ٤
يومٌ كيوم السامِريِّ٥ لولا
دَفْعُ أبي بكر وعَونُ المَوْلَى
غُمَّ على الحِجاز، فاسترابا
نزولُ ذاك القمرِ الترابا٦
جلَّى الإمامُ يومَ ذلك الغُمَمْ
إن المهماتِ ميادِين الهِمَمْ
أُعينَ بالتأييد والتسديد
وفتيةٍ بُنُوا من الحديد
من كل سيفٍ سلَّه المختارُ
ماضٍ فِرِنْدُه الصِّبا بتَّارُ
أسامةُ٧ الأسماءِ والأفعالِ
أجرى من الهلال للمعالي
قد نصروا الله وبرُّوا الهادي
ووصلوا الجهادَ بالجهادِ
وأصلَوْا الشرك الحروبَ الغابرهْ
واستأْصلوا شأفته ودابِرَهْ
ورُفَّت السِّلمُ على الجزيرهْ
صافيةً حياضها غزيرهْ
وحُبِّبَ الفتحُ إلى الإمامِ
لا بدَّ للبُنيان من تَمام
فانساحت الكتائبُ انسياحَا٨
أرسلها من يُرسلُ الرياحَا
خيلٌ لَمسْنَ أَثَرَ البُراقِ
بُورِكَ للشامِ وللعراقِ
اليُمْنُ من غُرَّتِها للحافرِ
ومَتْنُها من ظافرٍ لظافرِ
يقودُها ألويةُ الجهادِ
أشهادُ بدرٍ أو بنو الأشهادِ
فكانت البصرةُ أولَ الثمرْ
ثم ترقَّى في المنازل القمرْ
وَفَتَح الله على القُوَّادِ
مفاتح النهرين والسوادِ٩
واقتحموا الشامَ فزال شُومُها
وضاق ذرعا بهمُ غَشُومُها
وسلكوا الجبالَ والفُروجا١٠
وملكوا كالشُّهُبِ البروجا
ونازلوا الرومَ بأجنادينا
فكان دنيا لهمو ودينا
يومٌ — على ما شابه — سعيدُ
قد تكدُرُ الأيام وهي عيدُ
فما ثنى القومَ عن القتال
نَعِيُّ والٍ أو بشيرُ تالِ
فَتْحُ الفُتوحِ كان حِصَّتْينِ
تناصفا بين الخليفتين
•••
فيا أخا الضَّرَّاءِ والشدائدِ
والناسُ إخوانٌ لدى الفوائدِ
وسابِقَ الآل إلى التصديقِ
وآوِيَ الغارَ مع الصَّدِيقِ
وباسطَ اليمين والشمالِ
وتُعرَف الرجالُ عند المالِ
وقدوَةَ الزُّهَّادِ بعد الهادي
وصاحبَ الهجرةِ والجهادِ
وكاسيَ الأرامل الحُرَّاتِ
وحالبَ الأغنام للجاراتِ١٣
ويا رحيمًا قلبُه رقيقا
بماله كم حَرَّر الرقيقا
ومن قضى بعد غنًى فقيرا
لم يجدوا في بيته نقيرا
ذهبتَ بالخير وأتعبتَ عُمَرْ
يا ويح مَن بعدَ أبي بكرٍ أمرْ
رأيتَ فيه ما رأى اللهُ لكا
فكان فضلَ الله ثم فضْلَكا
عهْداكُما كجُمعةٍ في عيدِ
في ظلِّ يومٍ بهِجٍ سعيدِ
الله زفَّ الفتحَ فيه وهَدَى
إلى قَنا الحقِّ وراياتِ الهدى
الشمسُ لو كانت تُخَطُّ مَضجَعا
والبدرُ لو كان يقِلُّ الهُجَّعا
والصَّدَفُ التامَ على اليتائِم
من فَرِدِ اللؤلؤ والتوائم١٤
والغِمدُ لو يَسكنه سيفانِ
والجفنُ لو ينزلهُ طيفانِ
واللفظُ راقَ واحدًا وَرَاعَا
حولَ معانٍ دقَّت اختراعا
كروضةٍ وارَتْكُما بالقاعِ
من طينةِ الجنةِ لا البِقاع
خيرُ الأنامِ وَردُها المصونُ
وأنتما الأوراقُ والغصون
صحابةُ الدنيا رفاقُ البرزخِ
وإصبعٌ تحتَ الثرى كفر سخِ
إلا مقامًا قمتُما لن يَقبلا
تصرُّفَ الدهرِ ولا حُكْمَ البِلى
١
هو عثمان بن عامر، أبوه رضي الله عنه.
٢
الغامر من الأرض هو ما ليس بالعالي.
٣
امرأة من العرب ادَّعت النبوة.
٤
هو عمر بن الخطاب، قد كاد يُفتن من شدَّة جزعه
على رسول الله.
٥
إشارة إلى فتنة بني إسرائيل بالسامري.
٦
أي موت الرسول عليه السلام.
٧
علم جنس على الأسد.
٨
اندفعت.
٩
هو سواد العراق أي ريفه.
١٠
الفروج: متون الأودية أو متون الطرق.
١١
أبو بكر الصديق.
١٢
عمر.
١٣
كان رضي الله عنه يحلب الغنم لجاراته.
١٤
توائم النجوم أو اللؤلؤ ما تشابك منها.