إلى هؤلاء وحسبي هُم
أصدر وزير الداخلية بيانًا أن هناك عناصر شيوعية تعمل في الخفاء، وقد يبدو هذا غريبًا، وهو في نفس الوقت غير عجيب … أما أنه يبدو غريبًا فذلك لأن قرَّاء هذا النبأ سيتساءلون: فيمَ يعمل الشيوعيون في الخفاء ولهم جريدة تصدر في مصر تحمل كلَّ آرائهم، وتحمل من أفكارهم ما يصدم الشعور العام، ويثير النفوس الشريفة وهم لا يكفون بجريدتهم عن تمزيق جروح الناس وتأليبهم على النظام العام وهم يقولون ما يقولون في علنٍ وفي غير مواربةٍ ولا غموضٍ؟! ففيمَ — إذَن — حاجتهم أن يعملوا خفية؟!
إلى هذا قد يذهب مَن لا يعرف تاريخهم وأخلاقهم وتركيبة مذهبهم وتكوين نفوسهم. أما غير هؤلاء — وأنا منهم — فنرى أن عملهم السِّري لا غرابة فيه، فكما لا يعيش السمك إلا في الماء لا يعيش الشيوعي إلا تحت الأرض، وإني أعتذر للسمك أنْ شبَّهتُهم به … فإن خياشيم الشيوعي لا تستطيع أن تشم من الهواء إلا فاسده … فهناك تحت الأرض في سراديب العفن الذي يعيشون فيه … يدبِّرون المؤامرات ويختلقون الشائعات، ويبتكرون التهم على الشرفاء، ويمزِّقون السمعة الواضحة النقاء، ويعلنون فيما بينهم سخيمتهم على كلِّ مَن يتقي الله والضمير فيما يقول أو يفعل أو يتغيا.
وهناك في سراديب العفن يبيتون أمرهم بالليل الدائم الذي يعيشون فيه على الإيمان بالله، يحاولون أن يزعزعوا رواسخه الشمَّاء في نفوس المؤمنين، في هذا الخفاء تدبر الكوارث التي لا يستطيعون أن يعلنوا عنها في الصحيفة المعلنة على الناس، وإنما تعمل الصحيفة على تهيئة الرأي العام لما يدبره المتآمِرون المستخفون في غياهب الأرض من مؤامرات ضد الدين والوطن والشرف والنقاء والحرية.
فأرض الشيوعية لا تكون إلا في مستنقع العذاب والانسحاق لجماهير الناس، ولا ينمو نبتها إلا بدماء البشر وعصير كراماتهم.
ورجال الأمن هم المسئولون عن أمر هؤلاء، ونحمد الله أن وزير الأمن عندنا يقِظ على علم بما يفعلون، ونحمد الله أن عينَيه قد اخترقتا عليهم سراديبهم وكشفت عنهم خفاءهم.
ولكننا — نحن الشعب — نجد الأجواء من حولنا تفوح منها في كثير من الأحيان ريح الشيوعية … وإن كان هؤلاء المتآمرون يدبِّرون أمرهم تحت الأرض، فإن هناك قومًا آخَرين يتسترون عن العلن بالتنكُّر في أزياء بريئة، يخفون تحتها أسلحة فاتكة تنفذ إلى العلَن في حياتنا بخبث أسود، وربما كان الذين تحت الأرض هم الذين يرسمون الأدوار ويحدِّدون الأعمال لمَن هم على سطح الأرض، فإن أولئك يتولون من أمورنا نواحي هي غاية في الخطورة … وهم يبثون الدعاية الشيوعية مستخفية في كلام ظاهره بريء، ولكن الحقيقة فيه تحمل السم الزعاف … وقد يتنكَّر هذا الكلام في زي حديث بالراديو أو التليفزيون، وقد يتخذ وجهًا آخَر في تمثيلية أو مسرحية يتنبَّه للشيوعية فيها بعض الناس، ويسري السم في نفوس البعض الآخَرين دون أن يدركوا أنهم تجرَّعُوه وسرى في دمائهم، ففي أجهزة الإعلام فئة ليست قليلة من الشيوعيين … وفساد الفرد منهم يكفي لفساد الآلاف؛ لأنهم متصلون بالجماهير، ولهم في الحديث إليهم تمرُّس ودُربة … ولهم في دس السم الشيوعي بأعمالهم وسائل وطرق … والشيوعيون أيضًا منتشرون في الوسائل الأخرى لمخاطبة الجماهير، وقد يتنكَّر بعض منهم بكثرة الحديث عن الإيمان، أو بإصدار كتب عناوينها الإيمان، وموضوعها الإلحاد، وهؤلاء يتخذون من وظائفهم الرسمية درعًا يدارون بها عن أنفسهم المظنة لأن المتعاملين معهم يسترون عليهم ليبلغوا هم هدفهم الذي يسعون إليه من نشرٍ أو إذاعةٍ أو تليفزيونٍ … وهناك أساتذة في الجامعات يمسكون برقاب الطلبة العزل الذين لا يملكون سلاحًا أمام السلاح الفاتك الخطير الذي يشهره الأستاذ الشيوعي عليهم من إسقاط في الامتحان وإضاعة للمستقبل وتدمير للحياة … وهؤلاء الأساتذة الشيوعيون لهم جرأة على الحق لا تتأتى إلا لمَن ألحد بالله والوطن وبالقِيَم الرفيعة وبالخلق الأسمى وتدلَّى إلى حضيضٍ لا يبلغه إلا مَن كان مثلهم شيوعيًّا.
وبعدُ فإن عملي في الحياة أن أنبِّه الناس إلى هذا الوباء، فإن كانت كلماتي هذه ستستطيع أن تجد سبيلها إلى الناس فيصبحوا على حذرٍ مما يدسه الإعلاميون الشيوعيون من سمٍّ لهم، فما حيلتي مع هؤلاء الطلبة المغلوبين على أمرهم والأساتذة يسدون عليهم منافذ الحياة؟!
أحسب أنه ليس هناك من سبيل إلى هؤلاء الأساتذة إلا أن يكون زملاؤهم من المؤمنين بالله وبالوطن على بيِّنة بأمرهم.
وأن تكون مجالس الجامعات على وعي بما يصنعه هؤلاء الشواذ، فيقمعوا جبروتهم، ويقلِّموا أظفارهم السفاكة، ويحدوا من بطشهم الرهيب.
ولقد أعلم أن هناك مَن يتساءل عن هذا الحديث الذي نسوقه عن الشيوعية، فإن كان للمؤمنين فهم ليسوا في حاجة إليه، فلن يستطيع الكافرون مهما يكن لهم من أساليب أن يزحزحوا إيمانهم قيد شعرة … وإن كان الحديث للشيوعيين فهم مرتبطون بمذهبهم ارتباط حياة مادية تعود عليهم بالبحبوحة في العيش والرفاهية في الدنيا التي اشتروها بآخِرتهم وبوطنهم وبكرامتهم وبضمائرهم … فما هم إذَن بعائدين إلى الطريق الحق مهما يكن الحق واضحًا أمامهم، ومهما تكن الحجة التي تواجههم مني أو من غيري قوية لا ردَّ لها ولا جواب عليها.
والحق أنني أكتب هذا الذي أكتبه لشباب بريء لم يختَر طريقه بعدُ، وتتجاذبه نوازع متعارضة من أضواء الكلمات البرَّاقة التي يلفِّقها عليهم الشيوعيون من تقدُّمية ورفض للرجعية وخروج عن مألوف الناس من دين ووطنية وخلق ونوازع أخرى مما استقرَّ عليه المجتمع الشريف من قيم دينية وخلقية ووطنية.
إلى هؤلاء أسوق الحديث وحسبي هم!