تحليل الخطاب عمليًّا
سوف يناقش هذا الفصل الجوانب العملية لتحليل الخطاب، وينبغي ألَّا يُنظر إلى ما أقوله هنا باعتباره برنامجًا جاهزًا للتطبيق؛ إذ لا توجد إجراءات ثابتة للقيام بتحليل الخطاب، فمداخل الناس إليه تختلف باختلاف الطبيعة الخاصة لكل مشروع، وكذلك طبقًا لنظرتهم الخاصة إلى الخطاب. ومن ثَمَّ فينبغي اعتبار الملاحظات التالية خطوطًا توجيهية عامة، تحدِّد العناصر والاعتبارات الرئيسية التي تنطبق على تحليلات الخطاب استنادًا إلى الموقف النظري الذي عرضته عاليه. وكنت أحيانًا ما أكتب مفترِضًا أن القارئ يوشك أن ينهض بمشروع بحثي كبير للتحقُّق من ظواهر التغير الاجتماعي والخطابي، ولكنه ما دام من المحتمل أن يستخدم عدد كبير من القرَّاء تحليل الخطاب في أغراض أكثر تواضعًا، فأرجو ألَّا تثبط همتهم هذه الافتراضات «الهائلة»! وقد وضعت لنفسي ثلاثة عناوين رئيسية: البيانات، والتحليل، والنتائج. وتركيز هذا الكتاب بطبيعة الحال ينصَبُّ على التحليل، ولكن هذا الفصل سوف يتيح الفرصة للنظر في جوانب مهمة أخرى من تحليل الخطاب عمليًّا، وقد يودُّ القرَّاء أن يقارنوا هذه الخطوط التوجيهية بمثيلاتها في كتاب بوتر ووذريل (١٩٨٧م) أو (فيما يتعلَّق بالتحليل فقط) في كتاب فاولر وآخرين (١٩٧٩م).
(١) البيانات: تحديد المشروع
ينبغي أن يكون تحليل الخطاب بصورته المثالية عملًا بينيًّا، أي مُشتركًا بين عدة تخصصات علمية، بناءً على مفهوم الخطاب الذي أدعو إليه، وهو الذي يبدي اهتمامًا بخصائص النصوص، وإنتاج النصوص وتوزيعها واستهلاكها، وبالعمليات الاجتماعية المعرفية لإنتاج النصوص وتفسيرها، والممارسة الاجتماعية في مختلف المؤسسات، والعلاقة بين الممارسة الاجتماعية وعلاقات السلطة، ومشروعات الهيمنة على المستوى المجتمعي. وتتداخل جوانب الخطاب المذكورة مع مشاغل علوم اجتماعية وإنسانية متنوعة، من بينها علم اللغة، وعلم النفس، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم الاجتماع، والتاريخ والعلوم السياسية.
وما تختص به ممارسة خطابية معيَّنة يعتمد على الممارسة الاجتماعية التي تمثِّل الممارسة الخطابية وجهًا من وجوهها، ومن ثَمَّ فإذا أردنا وضع تعريف للمشروعات البحثية يمثِّل أقرب ما يقضي به المنطق قلنا إنه يتعلَّق أولًا بالأسئلة الخاصة بأشكال معيَّنة للممارسة الاجتماعية، وعلاقاتها بالبناء الاجتماعي، نظرًا لما أبديتُه من تركيز على جوانب محدَّدة من التغير الاجتماعي أو الثقافي. ويعني هذا أن التخصصات التي تعالج هذه المسائل — علم الاجتماع والعلوم السياسية والتاريخ — هي التي ينبغي أن نقصدها في المقام الأول عند تعريف المشروعات البحثية. وأفضل نظرة إلى تحليل الخطاب ينبغي أن تقوم على اعتباره منهجًا لإجراء البحوث في مسائل وُضع تعريفها خارجه، وسوف أضرب مثالًا على ذلك بعد برهة، ولكن هذه طريقة تعتمد اعتمادًا بالغًا على النظر من «القمة إلى القاعدة» إليه، ففي حالات كثيرة قد تستطيع فِرَق من الباحثين في تخصصات مشتركة أن تعمل مثلًا مع العاملين في مجال التعليم أو الصحة، في البحوث في القضايا والمشكلات التي يواجهونها أثناء التغيير. والحق أنه من الممكن الاشتغال بإجراء «بحوث مشتركة»، بحيث يشترك الأفراد أو الجماعات الخاضعة للبحث في تصميم خطط البحث وتنفيذها وكتابة نتائجها واستعمالها (انظر إيفانيتش وسيمسون، تحت الطبع).
(٢) «الكوربوس» (مجموعة النصوص)
ويُعتبر منظور المباحث المتخصِّصة، ومنظور من تجري عليهم للبحوث، منظورًا مهمًّا أيضًا في اختيار البيانات، وبناء «كوربوس» من عيِّنات الخطاب، وفي تحديد أيِّ بيانات تكميلية ينبغي جمعها واستعمالها. وتتفاوت طبيعة البيانات المطلوبة وفقًا لأسئلة المشروع وأسئلة البحث، ولكن علينا أن نضع نصب أعيننا بعض المبادئ العامة. للمرء أن يصدر قرارًا معقولًا بشأن مضمون الكوربوس وبنائه على ضوء المعلومات الكافية عن «الأرشيف» (ويستخدم هذا المصطلح بطريقة توسِّع من معناه بحيث يتجاوز الدلالة التاريخية، أي بحيث يشير إلى مجموع الممارسة الخطابية، سواء ما سبق تسجيله في الماضي أو ما هو جارٍ في الوقت الراهن، ما دام يدخل في إطار المشروع البحثي). وهذه مسألة عملية إلى حدٍّ ما، إذ تختص بمعرفة ما هو متاح، وطريق الوصول إليه، ولكنه يعتبر من زاوية أخرى مسألة تكوين صورة ذهنية لنظام الخطاب في المؤسسة أو المجال الذي يبحثه المرء، وكذلك عمليات التغيير التي يمرُّ بها، باعتبار ذلك تمهيدًا لاتخاذ قرار بشأن المكان الذي ينبغي أن تجمع فيه العيِّنات التي تشكل الكوربوس. وقد يؤدي العمل في تشكيل الكوربوس، بطبيعة الحال، إلى تعديل الخريطة الذهنية المبدئية. وينبغي لمحلِّل الخطاب أن يعتمد على العاملين في التخصصات المرتبطة بعمله، والعاملين داخل موقع البحوث، لمساعدته في اتخاذ القرارات بشأن العينات التي تمثِّل ممارسة معيَّنة خير تمثيل، والبت فيما إذا كان الكوربوس يتجلى فيه بالدرجة الكافية تنوع الممارسات والتغير فيها في الحالات المختلفة، وكذلك الممارسة المعيارية والتجديدية؛ وإذا ما كان الكوربوس يتضمن حالات محورية ولحظات أزمة (وهاتان الفكرتان مشروحتان أدناه). وتنشأ مشكلات خاصة في إعداد الكوربوس من مادة تبين عمليات التغيير، لأن المرء يحتاج في هذه الحالة — بوضوح — إلى إدراج مساحات زمنية معقولة في البيانات.
(٣) استكمال الكوربوس
توجد طرائق مختلفة لاستكمال الكوربوس ببيانات إضافية، إذ يمكن للمرء على سبيل المثال أن يحصل على أحكام بشأن بعض جوانب العينات في الكوربوس من «لجان» تتكون من أشخاص يرتبطون بروابط مهمة من نوع ما بالممارسة الاجتماعية قيد الفحص، فإذا كانت الدراسة تتعلَّق بممارسات قاعة الدرس وخطاب قاعة الدرس، فيمكن أن تتكون اللجان من معلمين وتلاميذ وآباء وأفراد جماعات الأكثرية والأقليات المختلفة، ورجال الإدارة التعليمية (ولمعرفة المزيد عن هذه اللجان انظر جومبيرز، ١٩٨٢م). ومن الطرائق المستعملة على نطاق واسع لاستكمال الكوربوس اللجوء إلى المقابلات الشخصية، إذ يمكن للمرء أن يجري مقابلات مع المشاركين في عينات الكوربوس، لا من أجل الحصول على تفسيراتهم لهذه العيِّنات، بل أيضًا باعتبار ذلك فرصة تُتاح للباحث حتى ينظر في بعض القضايا التي تتجاوز حدود العيِّنات ذاتها، كأن يحاول مثلًا أن يكتشف إن كان وعي أحد الأشخاص بالصبغة الأيديولوجية لأحد الأعراف الخطابية يزيد في بعض المواقف عن مستواه في مواقف أخرى. أو يمكن للمرء في البحوث المشتركة أن يطَّلِع اطِّلاعًا أوثق، وأكثر تحرُّرًا من الطابع الرسمي، على منظور الخاضعين للبحث. والذي علينا أن نؤكده أن المقابلات الشخصية واللجان وما إليها بسبيل تمثِّل عيِّنات أخرى من الخطاب، وأنها تستكمل الكوربوس — من زاوية معينة — بأن تُضاف إليه وحسب. وينبغي ألَّا ننظر إلى الكوربوس باعتباره قد اتخذ شكله المستقر والنهائي قبل بداية التحليل، بل يجب أن نعتبر أنه يقبل الزيادة والاستكمال المستمر استجابةً للأسئلة التي تنشأ أثناء التحليل.
مثال
سوف أقدِّم هنا مثالًا لمشروع بحثي يمكن تنفيذه حتى يرى القارئ صورًا عملية لهذه القضايا؛ ولذا سوف أستخدم المثال الذي أشرت إليه في المقدمة عمَّا شهدته الممارسة الخطابية من تغييرات مرتبطة بالتحول من نظام الإنتاج الفوردي (أي وفقًا لما يُسمَّى خط الإنتاج الذي يجعل العامل مجرَّد ترس في آلة) إلى الإنتاج بمنهج «ما بعد فورد» (الذي يسمح للعمال بالمشاركة في الإدارة والتخطيط). وسوف ينصَبُّ تركيزي على دراسة مقترحة لما يُسمَّى «حلقات الجودة» (ويستند هذا المثال إلى التخطيط لإجراء مشروع مشترك يجمع بين علم الاجتماع وعلم اللغة في جامعة لانكاستر). ومن الخصائص المميزة لمنهج ما بعد فورد ازدياد الاهتمام بالتواصل فيما بين العمال، إذ بدأت تظهر أشكال جديدة للتفاعل بين العمال، والمشرفين على العمل والمديرين، مثل تشكيل «حلقات الجودة»، وهي فِرَق تتكوَّن من عددٍ يتراوح بين خمسة وعشرة موظفين يعملون عادةً معًا ويعقدون لقاءات منتظِمة لمناقشة طرائق رفع مستويات الجودة والإنتاج وقضايا العمل الأخرى. ومن الأسئلة التي لم تجِد إلى الآن إجابةً عنها بصدد حلقات الجودة سؤال يتصل بشكوك النقابات في جدواها وارتفاع معدلات فشلها، ويقول السؤال: هل تنجح حقًّا حلقات الجودة في إزالة الحواجز القديمة بين الموظفين ومَنْح العاملين المزيد من السُّلطة، أم إنها أداة تستخدمها الإدارة للانتفاع بالخبرة القيِّمة للعمَّال وإدماجهم في أولويات الإدارة. وما زلنا في حاجة إلى إجراء بحوث تبيِّن لنا كيفية عمل حلقات الجودة في الواقع، أي كيف تختار المواضيع وكيف تناقش القضايا، وكيف تولد المقترحات وتقدمها إلى الإدارة، وإذا ما كان التحكُّم في هذه الأنشطة يقوم على المشاركة والتفاوض، أم إن الإدارة تمارسه ممارسة سافرة. ويمكن بحث هذه المسائل باستخدام منهج تحليل الخطاب. وقد يتكوَّن الكوربوس اللازم لهذه الدراسة من تسجيلات بالفيديو لحلقات الجودة لمدة سنة تحسب من لحظة تشكيلها. وقد يركز البحث على أسلوب الدعوة إلى عقد الاجتماعات على امتداد العام، باعتباره جانبًا من جوانب أوسع نطاقًا لعلاقات السلطة في حلقات الجودة. ويمكن استكمال هذا الكوربوس بتسجيلات لتدريب المديرين على رئاسة حلقات الجودة أو إدارة جلساتها، وبتقديم مقترحات هذه الحلقات إلى لجان الإدارة، وبالحوار ما بين هذه الحلقات وأفراد قوة العمل من غير أعضائها. كما يمكن استكمالها أيضًا من خلال المقابلات الشخصية حول حلقات الجودة مع أفراد هذه الحلقات، وكبار المديرين، وممثلي النقابات، وغيرهم من العمال. وللمحلِّل أن يشرك بعض أعضاء حلقات الجودة في وضع أسئلة البحث المحدَّدة ومجال تركيزه. وسوف أضيف بعض التفاصيل الخاصة بهذا المثال عند مناقشة «النتائج».
(٤) النسخ
لا بد من نسخ الخطاب المنطوق، مثل الحوار، أثناء اجتماعات حلقات الجودة، بمعنى وضعه في صورة مكتوبة. والنسخ عملية صعبة وتستغرق وقتًا طويلًا، ووفقًا لنظام النسخ المستخدم، فإن ساعة واحدة من الكلام المسجل قد يستغرق نسخها ما بين ست ساعات وعشرين ساعة أو أكثر. وتوجد نظم مختلفة للنسخ، وهي تمثل مختلف معالم الكلام، بدرجات متفاوتة من التفصيل، مثل النغمة، والنبر، والوقفات، وتغير ارتفاع الصوت وسرعة الإلقاء، وهلُمَّ جرًّا (أتكنسون وهريتيدج، ١٩٨٤م، ٩–١٦؛ تانين، ١٩٨٩م، ٢٠٢–٢٠٤). ومن المُحال أن يوجد نظام يبيِّن كل شيء، والمسألة دائمًا تتوقف على الحكم، على ضوء طبيعة المشروع وأسئلة البحث، ومعالم الكلام التي ينبغي إثباتها، ومدى التفصيل المطلوب. والحد الأدنى من دقة النسخ يتضمَّن تداخل الحديث بين المتحدثين، والوقفات، ولحظات الصمت الكامل، وهو يصلح للكثير من الأغراض (وتوجد أمثلة في هذا الكتاب لنسخ مقابلات شخصية).
وربما لا نتبيَّن بالوضوح نفسه أن النسخ يفرض بالضرورة تفسيرًا معيَّنًا للكلام، ويقول أحد الأبحاث الخاصة بهذه القضية إن النسخ يُعتبر «نظرية» (أوكس، ١٩٧٩م). ولنتصور موقفًا يتكلم فيه ثلاثة أشخاص، ويستأثر أحدهم بنسبة ٨٠ في المائة من الكلام. وأمامنا أسلوبان لوضع هذا الكلام على الورق: الأول اعتباره «محادثة» يتحدث فيها الثلاثة بالتناوب، وإن كان أحدهم يحظى بنوبات أكثر وبوقت أطول في كل نوبة. والثاني اعتباره مونولوجًا أي حديثًا منفردًا يقاطعه فيها المتكلِّمان الآخَران أو يقدِّمان تعليقات مساندة لما يقول، وقد يتخذ نسخ ذلك صورة وضع كلام الثرثار في عمود في منتصف الصفحة، ووضع كلام الاثنين الآخَرين في الهامش (انظر إديلسكي، ١٩٨١م، حيث الأمثلة من هذا النوع). وعلى غرار ذلك، إذا وجد الناس لحظات صمت في شريط التسجيل، فعليه أن يقرِّر أن يختار مَن ينسبه إليه من المتحدثين، وإذا تداخلت أقوال المشاركين، فإن عليه البتَّ فيمَن يقاطع منهما صاحبه.
(٥) تشفير العيِّنات واختيارها داخل الكوربوس
من الباحثين مَن يفضِّل وضع شفرات معيَّنة للكوربوس أو لأجزاء كبيرة منه، لإيضاح دلالة عامة، أو ربما فضَّلوا تلخيص الخطاب، أو تشفيره من حيث الموضوعات الواردة فيه. وقد يلجئون إلى فحص الكوربوس كله طلبًا لمَعْلم من نوع معيَّن، مثل أنماط معيَّنة من الأسئلة، أو من الصياغة، ولكن مفهوم الخطاب الذي قدمته، وصورة التحليل الذي سوف ألخِّصه أدناه، يتصلان اتصالًا خاصًّا بالتحليل التفصيلي لعدد ضئيل من عينات الخطاب. ويثير هذا مشكلة اختيار العينات اللازمة للتحليل التفصيلي. والإجابة العامة تقول إنه لا بد من الدقة في اختيار العينات استنادًا إلى المسح التمهيدي للكوربوس، واسترشاد الباحث بمشورة الذين يشملهم البحث إنْ أمكنه الحصول عليها، أو من الزملاء العاملين في مجالات العلوم الإنسانية المتصلة بمجال بحثه، حتى يتسنى له الاستفادة من نظراتهم الثاقبة في مدى إسهام الخطاب في الممارسة الاجتماعية قيد الفحص. ومن استراتيجيات الاختيار التي تتمتع بمزايا كثيرة استراتيجيةُ التركيز على ما أسميتُه «المحاور» و«لحظات الأزمة» من قبل. وهذه لحظات معيَّنة في الخطاب، يتوافر فيها ما يدل على أن الأمور لا تسير على ما يرام، إذ قد ينشأ سوء تفاهم يقتضي من المشاركين حل مشكلة من مشكلات التواصل، وقد يكون ذلك مثلًا من خلال طلب تكرار ما قيل أو القيام بتكراره فعلًا، أو من خلال قيام أحد المشاركين بتصحيح ما قاله مشارِك آخَر؛ وقد تنشأ حالة استثنائية من تعثُّر السيولة في إنتاج النص (مثل حالات التردُّد والتكرار وما إلى ذلك بسبيل) أو حالات الصمت؛ أو تغييرات مفاجئة في الأسلوب. وللمرء أن يستعين — إلى جانب الأدلة القائمة في النص وسلوك المشاركين في التفاعل — بأحكام اللجان أو أحكام المشاركين الاسترجاعية حول نقاط الصعوبة. ومن شأن لحظات التأزُّم المُشار إليها أن تظهر بعض جوانب الممارسات التي قد تكتسب في العادة صبغة طبيعية، ومن ثَمَّ فقد يتعذَّر إدراكها؛ ولكنها تظهر أيضًا وقوع التغيير في المسار، وتبين الطرائق الفعلية التي يتعامل بها الناس مع إشكاليات الممارسات.
(٦) التحليل
يتكون هذا القسم من ملخَّص لأنواع التحليل التي قدَّمتُها وأوضحتُها بالأمثلة في الفصول ٣–٧، ولكني لم ألتزم التزامًا دقيقًا بالنظام الذي نوقشت فيه الموضوعات في تلك الفصول، وإن كنت أتبع الانتقال العام نفسه من (١) تحليل الممارسات الخطابية (على المستوى «الكبير») بالتركيز على التناص والتداخل الخطابي بين عينات الخطاب؛ إلى (٢) تحليل النصوص (إلى جانب الملامح «الدقيقة» للممارسة الخطابية)؛ إلى (٣) تحليل الممارسة الاجتماعية التي يمثل الخطاب جزءًا منها. ومن المحتوم أن تتداخل عمليًّا هذه الأبعاد الثلاثة للتحليل، فالمحلِّلون يبدءون دائمًا، على سبيل المثال، بإدراك إطار عام للممارسة الاجتماعية التي تنطوي على الخطاب في باطنها، ولكن هذا المسار مفيد في تنظيم نتائج اشتباك المرء مع عيِّنة معيَّنة من الخطاب قبل تقديم نتائج هذا الاشتباك في شكل مكتوب أو منطوق. ولاحظ أنه يتضمَّن الانتقال من التفسير إلى الوصف ثم العودة إلى التفسير: من تفسير الممارسة الخطابية (أي من عمليتَي إنتاج النص واستهلاكه)، إلى وصف النص، ثم إلى تفسير الممارسة والنص معًا على ضوء الممارسة الاجتماعية التي تنطوي على الخطاب في باطنها. وليس من الضروري أن يتخذ المسار هذا الترتيب، إذ يستطيع المحلِّلون أن يبدءوا بتحليل النص، أو حتى بتحليل الممارسة الاجتماعية. ويعتمد الاختيار على أغراض المحلِّل ونقاط تأكيده، ويبدو أن البدء بتحليل العمليات الخطابية مناسب بصفة خاصة، نظرًا لاهتمامي الرئيسي هنا بالحركة والتغيير.
وكل عنوان رئيسي من عناوين الملخَّص الذي أورده أدناه يتلوه وصف مُوجَز لنوع التحليل الذي يتضمَّنه، وبعده في معظم الحالات مجموعة من الأسئلة التي تقوم بوظيفة المؤشرات في أثناء تحليل عينات معيَّنة من الخطاب. ولا تنسَ أن مسار التحليل يتضمن تناوبًا مستمرًّا بين التركيز على خصوصية العيِّنة الخطابية والتركيز على النمط النصي أو الأنماط النصية التي تنهل منها، وكذلك التركيز على تشكيلات أنماط النصوص التي تمثل توجُّهًا إليها. وينبغي توجيه التحليل إلى هذا وذاك معًا؛ أي إن عليه أن يبين المعالم والأنساق والأبنية التي تمثِّل بدقة أنماطًا معيَّنة من الخطاب، واتجاهات إعادة البناء في نظم الخطاب، وطرائق استعمال هذه الموارد التقليدية التي تختص بها هذه العيِّنة. ولاحظ، عند إجراء أي تحليل، أن بعض الفئات قد تكون ذات صلة أوثَق، وفائدة أكبر من غيرها، ومن المحتمل أن يريد المحلِّلون التركيز على عدد ضئيل منها.
(٧) الممارسة الخطابية
كلُّ بُعدٍ من الأبعاد الثلاثة للممارسة الخطابية ممثل أدناه. ﻓ «التداخل الخطابي» و«التناص السافر» يركِّزان على إنتاج النص، وتركز «سلاسل التناص» على توزيع النصوص، ويركِّز «ترابط المعنى» على استهلاك النصوص (انظر الفصل الرابع حيث المناقشة التفصيلية). وقد أضفت «أحوال الممارسة الخطابية» حتى أدرج الجوانب الاجتماعية والمؤسسية التي أشرت إليها إشارة مختصرة في الفصل الثالث.
هل توجد طريقة واضحة لوصف الخصيصة الشاملة للعيِّنة (من حيث النوع)؟ (إذا كانت موجودة فماذا تدل عليه من حيث كيفية إنتاج العيِّنة وتوزيعها واستهلاكها؟)
هل تستفيد العينة من أكثر من نوع واحد؟
ما نمط النشاط أو أنماطه، وما الأسلوب أو الأساليب، وما الخطاب أو ضروبه التي تستفيد العينة منها؟ (هل تستطيع تحديد الأساليب والتمييز بينها من حيث الموضوع، والشكل والنوعية البلاغية؟)
هل عينة الخطاب تقليدية بصورة نسبية من حيث خصائص التداخل الخطابي فيها أم هي تجديدية نسبيًّا؟
ما أنواع التحويلات التي تحدث لهذا (النمط من) العينة الخطابية؟
هل السلاسل التناصية والتحولات ثابتة نسبيًّا أم متغيرة أم مثار تنازع؟
هل توجد أدلة على أن مُنتِج النص يتوقَّع أكثر من نوع واحد من الجمهور؟
ما مدى عدم تجانس النص ومدى التباس معناه في عيون مفسِّرين مُعيَّنين، ومن ثَم مقدار الاستنباط المطلوب؟ (ويؤدي هذا مباشرة إلى الأبعاد التناصية الخاصة ببناء الذوات في الخطاب: انظر «الممارسة الاجتماعية» أدناه.)
هل تقبل هذه العيِّنة قراءات مقاومة؟ وما نوع القرَّاء في هذه الحالة؟
هل يتسم النص بإنتاجه (واستهلاكه) فرديًّا أم جماعيًّا؟ (هل توجد مراحل يمكن تمييزها لإنتاجه؟ هل المحرِّك والمؤلِّف والمصدر شخص واحد أم أشخاص مختلفة؟)
ما أنواع الآثار غير الخطابية التي في هذه العينة؟
هل هو مباشر أم غير مباشر؟
ما الذي يُمثَّل: جوانب من السياق والأسلوب أم مجرد المعنى الخاص بالجانب الفكري؟
هل الخطابُ المُمثَّل يتضمَّن حدودًا واضحة؟ هل هو مترجم إلى صوت الخطاب الذي يمثِّله؟
كيف بُني سياقه في الخطاب الذي يمثِّله؟
ما المفاتيح التي تشير إلى الافتراضات المسبقة في النص؟
هل تمثِّل روابط بالنصوص السابقة للآخَرين، أو بالنصوص السابقة لمنتج النص نفسه؟
هل تقوم على الصدق أم على التلاعب؟
هل هي جدلية (مثل الجمل المنفية)؟
وسؤال واحد آخَر:
هل توجد نماذج للميتاخطاب أو السخرية؟
(٨) النص
ما القواعد المُطبَّقة بخصوص تناوب أدوار الحديث؟ هل تتسم حقوق المشاركين والتزاماتهم (فيما يتعلَّق بتداخل الكلام أو بالصمت مثلًا) بالتناظر أم بعدم التناظر؟
ما هيكل التبادل المعمول به؟
كيف تُقدم الموضوعات وتُطور وتُرسخ؟ وهل يتسم التحكُّم في الموضوعات بالتناظر أم بعدم التناظر؟
كيف يحدد نهج العمل؟ ومَن الذي يحدِّده؟ وكيف تجري مراقبته؟ ومَن الذي يراقبه؟ هل يقوم أحد المشاركين بتقييم أقوال الآخَرين؟
إلى أيِّ مدى يقوم المشاركون بصوغ مقولات التفاعل؟ وما الدور المنوط بهذا الصوغ؟ ومَن من المشاركين يتولى الصوغ؟
ما العلاقات الوظيفية بين العبارات والجمل في النص؟
ما استراتيجيات التأدب المُستعمَلة (تأدُّب سلبي، تأدُّب إيجابي، إشارات هامشية) ومَن الذي يستعملها ولأية أغراض؟
ما أكثر أنماط الفعل استعمالًا (العمل، الحدث، النمط العلائقي، النمط الذهني) وما العوامل التي يمكن أن تفسر ذلك؟
هل الاستعارة النحوية مَعْلم ذو دلالة كبرى؟
هل تكثر في النص العبارات المبنية للمجهول، أو الاسمية؟ وإذا كان هذا صحيحًا فما وظائفها؟
ما البناء الثيمي للنص، وما الافتراضات التي يقوم عليها (بشأن بناء المعرفة أو الممارسة مثلًا)؟
هل يكثر في النص وجود الثيمات المبينة بعلامات معيَّنة؟ وإن صح هذا فما الدوافع من ورائها؟
ما أكثر الصيغ النوعية استعمالًا؟
هل يغلب على الأساليب النوعية الطابع الذاتي أو الموضوعي؟
ما المعالم النوعية الأكثر استعمالًا في النص (الأفعال المساعدة النوعية، صيغة الحال النوعية … إلخ)؟
هل يتضمَّن النص ألفاظًا (أو تراكيب لفظية) جديدة؟ وإذا صح هذا، فما الدلالة النظرية أو الثقافية أو الأيديولوجية التي تحملها؟
ما علاقات التناص المستفاد بها في صياغة النص؟
هل يتضمن النص أدلة على الإسهاب أو إعادة الصياغة (وهذه تختلف عن مجرد كونها صياغة أخرى) لمجالات معيَّنة من مجالات المعنى؟
(٩) الممارسة الاجتماعية (انظر الفصلين ٣ و٧)
يواجه المرء صعوبة أكبر في حصر تحليل الممارسة الاجتماعية في قائمة مرجعية، وهكذا فينبغي اعتبار العناوين التالية مجرد خطوط إرشادية عامة إلى حد كبير. والهدف العام هنا تحديد طبيعة الممارسة الاجتماعية التي تشكل الممارسة الخطابية جزءًا منها، وهذا هو الأساس اللازم لإيضاح سبب اتخاذ الممارسة الخطابية طابعها الحالي، وآثار الممارسة الخطابية في الممارسة الاجتماعية.
-
نظم المعارف والمعتقدات.
-
العلاقات الاجتماعية.
-
الهُويات الاجتماعية («النفوس»).
دائمًا ما توجد بدائل للتحليلات المُمكِنة لعيِّنات الخطاب، وينشأ السؤال هنا عن كيفية تبرير المحلِّلين للتحليلات التي يقترحونها (أي كيف يثبتون «صحتها»). ولا توجد للسؤال إجابة بسيطة، وكل ما يستطيعه المرء هو أن يقرِّر اختيار التحليل الذي يراه أصلح البدائل المتاحة استنادًا إلى الأدلة المتوافرة. وتوجد عوامل متنوِّعة ينبغي أخذها في الاعتبار، ومن بينها مدى تفسير التحليل المقترح لطابع العيِّنة الخطابية: هل يشرح معالمها جميعًا، حتى المعالم التفصيلية منها، أم يتجاهل شرح بعض المعالم، أم يبدو مناقضًا لها؟ ويتمثَّل عامل آخَر فيما يلي: هل يستند التحليل المقترح إلى ما يفعله المشاركون في التفاعل؟ فإذا زعم المرء مثلًا أن أحد النصوص يتسم ببناء متناقض، أي إنه يستفيد من أنواع غير متسقة، فهل يقدِّم المشاركون بالفعل أدلة على أنهم يجدون فيه إشكالية معيَّنة؟ ويمكن للمرء أيضًا أن يحسب حساب ردود أفعال المشاركين إزاء التحليل، فإن كانوا يجدونه معقولًا، ويجدون أنه يساعدهم على شرح جوانب أخرى من نمط الخطاب قيد التركيز، كان ذلك في صالح التحليل. ومن الاعتبارات ذات الصلة بذلك مدى ما يلقيه التحليل من ضوء على بيانات أخرى للمحلِّل، وإذا ما كان يمثِّل أساسًا (أو حتى نموذجًا) في أعيُن المحلِّلين الآخَرين (انظر بوتر وويذريل، ١٩٨٧م، ١٦٩–١٧٢ حيث ترد مناقشة تتسم بالمزيد من التفصيل للقضايا المتصلة بإثبات صحة التحليل).
(١٠) النتائج
أول ملاحظة أبديها هنا هي أنه إذا كان المحلِّلون يتمتعون بقَدْر من التحكُّم في كيفية استعمال النتائج، فإنهم من المُحال أن يتمتعوا بالتحكم الكامل فيها بمجرَّد إعلان نتائجهم على الناس، ويمثِّل هذا معضلة أُدركها إدراكًا عميقًا، وإن لم أستطع أن أجِد لها حلًّا كاملًا إلى الآن. سبق لي أن تحدَّثتُ في الفصل السابع عن إضفاء التكنولوجيا على الخطاب باعتباره ظاهرة واسعة الانتشار، وهو ما يعني استخدام البحوث الخاصة بالخطاب في إعادة تصميم أشكال الممارسات الخطابية وتدريب الناس على استخدام ممارسات خطابية جديدة. وتكنولوجيات الخطاب مورد للهندسة الثقافية والاجتماعية، وسوف يعترض الكثير من محلِّلي الخطاب على استعمالها، ودون شك على الطرائق التي تستعمل بها، ولكن كيف أضمن، أو يضمن غيري من المحلِّلين، عدم استخدام البحث الذي أجريه في هذه السياقات؟ الإجابة الصادقة، على ما بها من ألم، أنني لا أستطيع ضمان ذلك؛ إذ إن محلِّلي الخطاب يشتركون مع الأكاديميين في مجالات أخرى كثيرة في التعرض بصورة متزايدة إلى خطر إدماجهم في أعمال بيروقراطية أو إدارية. وكما أشرت أثناء مناقشتي لإضفاء التكنولوجيا على الخطاب أقول: إن هذا الاتجاه لا يتجلى إلا بصورة متقطعة في مختلف المؤسسات والمجالات، لكنني أشعر أنه سوف يكتسب قوة دفع، وربما اكتسبها بسرعة، الأمر الذي من شأنه مواجهة المحلِّلين بمعضلات أشد إلحاحًا في المستقبل غير البعيد.
وللمرء، بطبيعة الحال، أن يتوقف عن إجراء البحوث، أو يجري البحوث في مجال مختلف، لكنه من الصعب أن نجد مجالات بحثية نضمن عدم إساءة استعمال (نتائجها). كما توجد حلول يتعذَّر على معظمنا اللجوء إليها، وربما ينبغي لي أن أخفِّف من نبرة هذا التشاؤم؛ إذ إن تكنولوجيات الخطاب، مثل غيرها من صنوف التكنولوجيا، تتيح إمكانيات في اتجاهات متنوِّعة، وتزيد فائدة بعضها لغالبية الناس عن البعض الآخَر. ولقد وصفت إضفاء التكنولوجيا على الخطاب باعتبارها الاستخدام البيروقراطي أو الإداري للمعرفة عن الخطاب في فرض التغيير، ولكن هذه المعرفة يمكن استخدامها لإحداث التغيير من المستوى الأسفل. وفي هذا الصدد أقمت الحُجة مع عدد من زملائي في غير هذا المكان (كلارك وآخَرون، ١٩٨٨م؛ فيركلف وإيفانيتش، ١٩٨٩م؛ فيركلف، تحت الطبع، أ) على إدراج عنصر خاص ﺑ «الوعي النقدي باللغة» في تعليم اللغات لجميع التلاميذ، فمن شأن هذا أن يمنحهم المعرفة اللازمة لإحداث التغيير، بدايةً، في ممارساتهم الخطابية والممارسات الخطابية في مجتمعهم المحلي.
ويهدف «الوعي النقدي باللغة» إلى أن يستند إلى خبرات التلاميذ باللغة والخطاب ابتغاء مساعدتهم على أن يزدادوا وعيًا بالممارسة التي يشاركون فيها باعتبارهم منتجين للنصوص ومستهلكين لها؛ أي الوعي بالقوى والمصالح الاجتماعية التي تشكل هذه النصوص؛ وبعلاقات السلطة والأيديولوجيات التي تصطبغ بها؛ وبآثارها في الهُويات الاجتماعية، والعلاقات الاجتماعية، والمعارف والمعتقدات؛ وبالدور الذي ينهض به الخطاب في عمليات التغير الثقافي والاجتماعي (بما في ذلك إضفاء التكنولوجيا على الخطاب). ومن خلال الوعي يمكن أن يزداد إدراك التلاميذ للقيود المفروضة على ممارستهم، وإمكانيات التحدي الفردي والجماعي لهذه القيود ومخاطر ذلك وتكاليفه، ابتغاء الاشتباك في ممارسة لغوية «تحرُّرية». ويتضح من هذا الوصف الموجز كيف يمكن للوعي النقدي باللغة أن يستفيد من تحليل الخطاب الذي أدعو إليه في هذا الكتاب، ولكن الوعي يتضمَّن أيضًا الوعي بالتنوُّع اللغوي؛ أي بالوعي التاريخي بعمليات الهيمنة الخاصة بتوحيد مستويات اللغة، والمصالح الكامنة وراء هذا التوحيد؛ والوعي بفرض الصورة المعتمدة للغة (مثل اللغة الإنجليزية المعتمدة) في سياقات رفيعة المنزلة؛ والوعي بأن أمثال تلك القيود تحرم من المزايا من يستخدمون الأنواع (المستويات) الأخرى للغة؛ والوعي بالإمكانيات والمخاطر الكامنة في الاستهانة بها، والطعن في هيمنة المستوى المعتمد. وكما يوحي به ذلك كله، نجد أن الوعي النقدي باللغة يرى أن تنمية الوعي باللغة يدعم الممارسة اللغوية مثلما تدعمه هذه الممارسة.
وقد يودُّ المحلِّلون أن يواصلوا علاقتهم بالأشخاص الذين خضعوا للبحوث بعد انتهاء هذه البحوث بالمعنى المفهوم، وقد يتضمَّن ذلك على الأقل صوغ النتائج صياغة يمكن أن يفهمها هؤلاء الأشخاص ويستخدموها، وربما استطاع المحلِّلون أن يبدءوا حوارًا معهم بشأن النتائج المذكورة وما يترتَّب عليها. بل قد يقتضي الأمر اشتباكًا في عمل طويل الأجل يقرِّره هؤلاء الأشخاص بناءً على هذه النتائج. فإذا كان المشروع، على سبيل المثال، مختصًّا بدوائر الجودة في الصناعة، وهو الذي أشرتُ إليه آنِفًا، وكان يهدف إلى تبيان أن المديرين يتحكَّمون إلى حدٍّ كبير في اجتماعات حلقات الجودة المذكورة (ربما من خلال أنماط السيطرة على التفاعل المذكورة عاليه) فربما يقرِّر العمال (أو المديرون أو الطرفان معًا) أن يحاولوا وضع أساليب للتفاعل تسمح بزيادة المشاركة في التحكم وزيادة نسبة التفاوض بين الجانبين. وقد ينجح محلِّلو الخطاب في تحويل قدراتهم التحليلية إلى المساعدة في تصميم أشكال التفاعل.
وهكذا فإن الإمكانيات متاحة للمحلِّلين حتى يتحكَّموا إلى حدٍّ ما في استعمال النتائج التي توصَّلوا إليها، ولكنني أعتقد أن اختتام كتابي بهذه النغمة المتفائلة أمر مُضلِّل، فإذا اشتدَّ ساعِد إضفاء التكنولوجيا على الخطاب وفق نبوءتي، فسوف يشق على محلِّلي الخطاب أن يحوِّلوا دون الاستيلاء على مداخلاتهم القائمة على النوايا الحسنة، من جانب مَن بأيديهم زمام السلطة ويملكون الموارد والمال.