الفصل السابع عشر
غريب في باريس
باريس ٨ سبتمبر سنة ١٩٢٩
يا جنة الخلد كيف يشقى
في ظلك النازحُ الغريبُ
الناس من لهوهم نشاوَى
ودمعهُ دافقٌ صبيبُ
يقتات أشجانه وحيدًا
فلا صديق ولا قريبُ
أقصى أمانيه حين يُمسى
أن يهجع الخفق والوجيبُ
•••
مغانيَ النيل كيف أقصت
ربيب أزهارك الخطوب
وكيف ألقينهُ بأرض
أصح أحلامها كَذوب
أديمُ أجوائها سواد
فلا شروقٌ ولا غُروب
وحُبّ غاداتها موات
فلا سكونٌ ولا هبُوبُ
ومن تبع جسمها بشيء
فقلبها مُقفر جديب
•••
أحبتي، والفراقُ ويل
تُرمى بأرزائه القلوبُ
جزاكم الحب، هل نسيتم
ما كان من وِردنا يطيبُ
أيام نسقى الشمول صرفًا
ووجهها عابس قطوب
نصارع الكأس لا نبالي
ما يكتم الدهر والغيوب
والزهر من حولنا شهيد
والنجم من فوقنا رقيب
غذاء أسماعنا غناءٌ
يكاد من لطفه يذوب
وزاد أبصارنا جمال
تباح في حبه الذنوب
إذا دعانا الصِّبا هببنا
وكلنا سامع مجيب
•••
لا تسألوا اليوم كيف حالي
فالعيش من بعدكم عصيبُ
مجنون ليلاكم استبدتْ
بمهد أحلامه الكروب
لا أكؤس الحب دائرات
ولا عُيون المها تجيب
يسدد السهم ليس يدري
أيخطئ السهم أم يصيب
يطارد المجد في زمان
إقباله غادر لعوب
الشهم من ناسه شريد
والحر من أهله غريبُ