أناهيت العصر

جعلت النهار في صدري

جعلتِ النهارَ في صدري.
فمي جعلتِه ينطق بالجمال.
يدي جعلتِها تنسكب بالزهور.
عيوني جعلتِها تسبح في النور.
أرضي جعلتها تحبل بالزرع.
وسمائي جعلتها ترتفع أعلى.
البيت، الذي أصبح مزارك، جعلته يضيء،
وجعلت الشمس، التي هي شمسك، تتنفس تحت بشرتي.
البذور جعلتها تخفق،
وجعلت الذهب يزداد في دمي،
من البرية طلعَت وشقَّت بعصاها بحري.
من الشرق طلعَت وشقَّت بصولجانها غربي.
الأخاديد امتلأت برائحتها،
وشذًى جعلتِه يفوح من الجدران.
عجل الشمس يبكي بين يدَيها،
والسجادة تبوس أقدامها،
وتنتفض النباتات حولها وتطق الصالة والمطبخ والممرات جعلتِها تكبر، واللوحات تكبر، النوافذ جعلتِها تنفتح، والكتب تقرأ.
فعساي أستطيع لَمَّ قطعكِ في بيتي،
وعساي أمسك عصاك،
وأحرس عرشك:
عرشكَ الذي في البرية،
وعرشك الذي في قلبي.

كي المقدس

من جديد أيها الفتى … من جديد،
وكي أصنع لك المقدَّس،
وأمسَّك بوضوحي أيها الملتبس.
دعني أحرث جسدك … من جديد، كي أمضي في دورتي، كما يمضي نهار إلى ليله.
دعني أحرث، من أجل المقدَّس، عرشك.
لقد ذهب صوتي في الغناء، ونال النجمُ عيوني من شدة التحديق فيك، والزمن اندفن في جسدي كي أصنع لك المقدَّس. أنا حقيقةً لك أغني ولكنَّ الغناءَ يذيبني وقد مال برجي وتفطَّر.
كي المقدَّس أصنعه لك.

هلا

هلا صاحبة الشفتين من نار.
هلا الفلفلة.
هلا الجمرات تكوي.
هلا الرايات تخفق.
هلا النايات تعلو.
هلا فمك بلون الكبد يلمع.
يا من أتيتِ من فسيفساء كسر الشمس تسربي إلى عظامي وليتسرب عطرك …
عطر الثياب الموضوعة على الأريكة، عطركِ المفروك
بجسدك الذي له نكهة الذهب والحنطة.
أضيع في أصابعك … أضيع في رائحة التبغ التي
ترشح من نارك، أضيع في بخورك القمري،
وكل ليلة تمنحني غرفتك شحنة النور والجنون،
أزخ فيك النور والندى وأنت كالأفعى تعضين يدي … صدري … كتفي، تعضين المخدة، تعضين طائر النور الذي يحوم حولنا.
كنتِ كوثري وكنتُ كأسك المُعلَّى.
كنت الغيوم تنبض في ماعوني.
كنت النجوم تضرب شمالي وتهيج بروقي.
أهش الريحان عن أصابعك … أهش الضوء،
أهش الأبهة الطريدة،
وأرى خواتمك، ساعتك، تنورتك، حذاءك هناك كالأغصان الذابلة، أما جسدك فوسطها ينتعش ويتكاثر، وأرى النار التي تشعل الغرفة، والوغف الذي يشع على جلدي، واللوحات تفوح تفاحًا وخمرًا.
فمك كان أم شهقة الينابيع؟
فمك أم عروقك؟
فمك أم الكئوس تفور؟

عسى

كم أنت محتاج إليَّ!
كم أنت مربوط بسرتي!
لا أرى غير كهفك ونارك فيه،
وأحجار صيد طرائدك.
عسى أن أربط تاجي لكفك إلى الأبد.
عسى أن أشق بمحراثي طريقك إلى الأبد.
عساني أذبح لك القرابين، عسى رأسي تباركه لمسة غيومك، ولعلك تعيد لي يدي الثالثة.
لعلك تعيد لي عيني الثالثة،
وعسى تعيد لي قلبي الأيمن.
يا صانع طولي وصانع ضريحي.

تخطِّين حاجبك

تخطِّين حاجبك المقوَّس،
وتتسلحين به …
تمسحين المرايا بضوء وجهك وتمرِّين.
إطلالتك إطلالةُ نبيةٍ، وترنيمتك نهر،
أيتها المخضَّبة … تسترين حُرقتكِ بفيض شعركِ وتتوجعُ في يدك المدن.
دعي نهرك يدخل جسدي،
وثدياك دعيهما يزبدان النهار.
دعي مراياك تلتقط صور كهنتك المنشدين.
دعي شقائقك تتفتح في جروحي.
دعي تَلَّتكِ المنتفخة تفصح عن عرشها.
دعي خاتم العصر يضيء أصابعي.

امرأة تتحول إلى ماس

في وسعك دائمًا أن تتحولي
من امرأة إلى غزالة، إلى نجمة.
في وسعك دائمًا أن تبعدي الرياح عن المدن.
في وسعك أن تتقيدي بالبروق وأن تقيدي بها الأرض، في وسع البروق أن تحولك من امرأة إلى ماس.
يدُكِ من ماس حملت شمعدانًا،
وأضاءت أغواري.
فمك من ماس أسمعني نشيدًا رجَّ المساء بالمطر. شهواتك من ماسٍ رنَّقت زهور شهواتي وضخَّت الأفق في عيني،
وأشعلت الغابة في صدري.
امرأة ماس تنفرط مثل سنبلة في يدي
مثل بذور تتدفق في مجرشة،
مثل ندًى يدخل الشقوق.
امرأة ماس جعلتني أشع.
جعلت عظامي تتنفس.
جعلت يديَّ تخوضان في الضوء.

أنا الروح تأمرك

كما يهتف الحجر بأخيه الحجر،
كما تتعرف البروق على بعضها وهي تصعقُ الليل، كما أمزج بينكِ وبين رغباتي،
أنا الروح تأمركِ: اظهري
وانشري أياديك على الخليقة.
احفري بإبرتك أدمة الأرض.
احفري بأصابعك الزبدَ.
أمزجُ بينك وبين طيوري.
أصعد عاليًا بأسلحتي.
أمزج بينك وبين خمرتي.
أنزل عاريًا بأساطيلي.
احفري بي كلماتك وأعشابك. احفري بي، وفُلِّي في جسدي الليل، وضعي البذور.
أعصر يديك من فرط بردهما، وأدفع
بيدي تحت سُرَّتكِ، وغلالة الضوء تحيط رأسي. عن ماذا يتكلم هذا الصباح؟ عن فراشات الساعة الثامنة؟ أم عن أعنَّة الخيول في العيون؟
تصعد إلى برجي وأستقبلها برشقاتِ
الطلع والمجون. تائهٌ أبدًا في أطلسِكِ
وفي صحارى ظهرِك القاهرة.
احفري بي لكي، تحت الكمانات الدافئة، أطشَّ الذهب، احفري مئذنتي، احفري قبابي، احفري بخار أيامي.
كان شعرها يشبه الماء، وكانت نارُها في الثديَين، وكان خِضابها على السجادة وفي الممر وعلى الشراشف.
احفري بي لكي تطلعَ شجرةُ لير هنا ومناجمُ هواءٍ فاتر هناك.
احفري لكي يتدفق الضوء في عروقي،
ولكي أتدفق أنا في النبات،
ولكي النبات يتدفق في الأرض.
أنا الروح تأمرك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤