الفصل السابع عشر
خرجا من الباب الخلفي للمكتب، واستقلَّا السيارة، وأسرعا خارجَين من القرية دون أن يراهما الحشد. وطوال الطريق إلى أسفل الوادي، ناشد إدوارد أخاه هال بالتخلي عن الجدال والعودة إلى المنزل على الفور. ذكَّره مجددًا بالوضع المأساوي لأبيهما، وعندما لم يُفلح ذلك، شرع في استخدام التهديد. ماذا لو انقطعت عن هال الإمدادات المالية، ماذا لو وجد نفسه مستبعَدًا من وصية والده … ماذا سيفعل حينها؟ أجاب هال دون أن يبتسم: «يمكنني دائمًا الحصول على عملٍ كمُنظم نقابي لاتحاد عمال المناجم.»
ومن ثَم، تخلَّى إدوارد عن خط الهجوم هذا. وقال: «إذا لم تأتِ، فسأبقى بجانبك حتى تنتهي من ذلك!»
قال هال: «حسنًا.» لكنه لم يستطع أن يمنع نفسه من الابتسام على إثر هذا التهديد الخطير. وقال مُعقِّبًا: «ولكن إذا أخذتُك وقدَّمتُك إلى أصدقائي، فلا بد أن نتفق على أن ما ستسمعه سيظل سرًّا.»
ظهر الاشمئزاز على وجه الآخر. وسأله مُستنكرًا: «ولماذا أرغب في التحدث مع أصدقائك؟»
قال هال: «لا أعرف ما قد يحدث. سوف تُقابِل بيتر هاريجان وتأخذ صفَّه، ولا يمكنني أن أقول ما الذي ستعتبر أن من واجبك فعله.»
صاح الآخر بانفعالٍ مفاجئ: «سأُخبرك الآن! إذا حاولتَ العودة إلى معسكر الفحم هذا، فأُقسم إنني سأتقدَّم إلى المحاكم وأطالب بإيداعك في مصحة. لا أعتقد أنني سأجد صعوبة كبيرة في إقناع القاضي بأنك مجنون.»
قال هال ضاحكًا: «بلى … ولكن شريطة ألا يكون قاضيًا في هذه البقعة من العالم!»
ثم، بعد أن تفحَّص وجه أخيه للحظة، خطر بباله أنه لن يكون من الجيد ترك مثل هذه الفكرة تجُول في عقل إدوارد دون تشكيكٍ فيها. قال: «انتظر حتى تُقابل صديقي بيلي كيتينج، من صحيفة «جازيت»، واسمع ماذا سيفعل بمثل هذه القصة! يتُوق بيلي حقًّا إلى أن يتركني «أخوض معركتي» مع العجوز بيتر!» لم تستمر المحادثة … لكن هال كان على يقينٍ من أن إدوارد سيأخذ كلامه بعين الاعتبار ويفكر فيه مليًّا.
وصلا إلى منزل ماكيلار في بيدرو، وانتظر إدوارد في السيارة بينما دخل هال. رحَّب به الاسكُتلندي العجوز بحرارة، وأخبره بما لديه من أخبارٍ. كان جيري مينيتي هناك في الصباح، وبناء على طلبه اتصل ماكيلار هاتفيًّا بمكتب الاتحاد في شيريدان، وتأكد من أن جاك ديفيد قد أبلغ بالإضراب ليلة أمس. واحتاطت جميع الأطراف من ذكر أي أسماء؛ نظرًا إلى ما هو معروف عن حدوث «تسريبات» في الهواتف، غير أن شخصية الرسول كانت واضحة. بعد تلقي الرسالة، كان يوهان هارتمان، رئيس الاتحاد المحلي لعُمال المناجم، في ذلك الوقت في الفندق الأمريكي في بيدرو، مع جيمس مويلان، سكرتير منظمة المقاطعة … وقد جاء الأخير من ويسترن سيتي على متن القطار نفسه الذي جاء فيه إدوارد.
كان كل هذا جيدًا، لكن ماكيلار أضاف معلومة يائسة … أعلن مسئولو الاتحاد أنهم لا يمكنهم دعم الإضراب في الوقت الحاضر! كان الأمر سابقًا لأوانه، وكان من الممكن ألا يجلب سوى الفشل والإحباط للحركة الكبرى التي يُخططون لها.
أدرك هال هذا الاحتمال بنفسه منذ البداية. ولكنه شهد مَولِد الحرية الجديد في نورث فالي، ورأى وجوه الرجال الجائعة والمرهَقَة تتطلَّع إليه طلبًا للمساندة والدعم؛ فتأثر بها، وشعر أن مسئولي الاتحاد قد تأثروا حتمًا. صاحَ: «كل ما عليهم فعله هو أن يدعموه! يجب ألا يخيِّب ظن هؤلاء الرجال! سوف يفقدون كل أمل، ويغرقون في يأسٍ أبدي! على المسئولين أن يُدركوا ذلك … يجب أن أحملهم على ذلك!»
أجاب الاسكُتلندي العجوز أن مينيتي شعر بالأمر نفسه. فألقى بالحذر عرض الحائط، واندفع إلى الفندق لرؤية هارتمان ومويلان. وقرر هال أن يتبعه، وخرج إلى السيارة.
شرح الأمور لأخيه الذي كان تعليقه «بالطبع!»؛ لأن هذا هو ما توقعه. سيعود عمال المناجم الفقراء والمُضلَّلون إلى عملهم، وسيتعيَّن على زعيمهم المحتمل أن يعترف بحماقة مَسَاعيه. وهناك قطار سيتجه إلى ويسترن سيتي خلال ساعتَين؛ ومن ثَم سيكون من الجيد جدًّا أن يتمكَّن هال من أن يستقله.
أجاب هال بعد فترة وجيزة بأنه ذاهب إلى الفندق الأمريكي. وأخبر أخاه أن في إمكانه أن يأخذه إلى هناك، إذا أراد. أعطى إدوارد الأمر لسائق السيارة. وعلى ذكر ذلك، بدأ إدوارد يسأل عن متاجر الملابس في بيدرو. وبينما كان هال في الفندق، يتوسَّل من أجل بقاء اتحاده النقابي المُنشَأ حديثًا، كان إدوارد يبحث عن زي يرتديه و«يُشعره بآدميته».