الفصل الثامن عشر
وجد هال جيري مينيتي مع اثنين من المسئولين في غُرفتِهما بالفندق، جيم مويلان سكرتير المقاطعة وصبي أيرلندي طويل القامة فارع، ذو عينَين سوداوين وشعر أسود، سريع وحساس، من ذلك النوع الذي يثِق به المرء وينال إعجابه من أول لحظة، ويوهان هارتمان، الرئيس المحلي، بالإضافة إلى عامل منجم ألماني المَولِد ذي شعرٍ رمادي، متحفِّظ وبطيء الكلام، ومن الواضح أنه رجل قوي، في كلٍّ من بِنيته وشخصيته. لقد كان في حاجة إلى تلك القوة، كان في إمكان أي أحد أن يُدرِك ذلك، لتولِّيه مسئولية مقر الاتحاد في قلب «إمبراطورية ريموند» هذه!
أخبَرَهم هال أول ما أخبرهم عما جرى من اختطاف للجنة. ولكنه اكتشف أن الخبر لم يفاجئ المسئولين؛ إذ كان هذا ما تفعله الشركات عادةً عند وجود تهديد بالتمرُّد في المعسكرات. ولهذا السبب كانت جهود التنظيم العلني ميئوسًا منها تمامًا. لم تكن هناك فرصة لأي شيء إلا الدعاية السرية، والحفاظ عل تلك السرية حتى تصبح لكل معسكر نواة لتنظيمٍ ما.
صاح هال: «لا يمكنكم إذن دعم هذا الإضراب!»
كان رد مويلان أنه لم يكن ثمة احتمالٌ لذلك. وأنه سوف يفشل بمجرد أن يبدأ. لم يكن هناك أدنى أمل في النجاح حتى إنجاز الكثير من العمل التنظيمي.
قال هال: «لكن في هذه الأثناء، سينتهي أمر الاتحاد في نورث فالي!»
كان الرد: «ربما. لن يكون أمامنا إلا أن نبدأ مجددًا. هذا هو دأب الحركة العُمالية.»
كان جيم مويلان صغيرًا في السن، ورأى مزاج هال. فصاح: «لا تُسِئ فهمنا! إنه أمرٌ مفجعٌ … ولكن ليس في وُسعنا المساعدة. نحن مكلَّفون بتشكيل الاتحاد، ونعلم أننا إذا دعمنا كلَّ ما بدا إضرابًا، فإننا سنُفلِس في السنة الأولى. لا يمكنُك أن تتخيل عدد المرات التي يحدُث فيها هذا الشيء نفسه … لا يكاد يمرُّ شهر دون أن يدعوَنا أحد إلى التعامل مع مثل هذا الموقف.»
قال هال: «يُمكنني أن أفهم ما تعنيه. لكنني اعتقدت أنه في هذه الحالة، عقب الحادث مباشرة، والرجال في حالة اضطرابٍ شديدٍ …»
ابتسم الشاب الأيرلندي وعلى وجهه مسحة من الحزن. وقال: «أنت جديد في هذا الأمر. لو أن حادثًا واحدًا من حوادث المنجم يكفي لإنجاح إضراب، فيعلم الرب أن مهمَّتنا كانت ستصبح سهلة. في باريلا، أسفل الوادي مباشرةً، وقعت لديهم ثلاثة انفجارات كبيرة … قُتِل منهم أكثر من خمسمائة رجل خلال السنة الماضية!»
أدرك هال أنه لم يشعر بحجم الموقف لقلة خبرته.
نظر إلى الزعيمَين العُماليين، وتذكر صورة الشخص الذي أحضره معه إلى نورث فالي … شخص حاد الطباع ومُحرِّض مُتهوِّر، يشجع العُمال الشرفاء على ترك وظائفهم. ولكن هنا كان الوضع معكوسًا تمامًا! فقد كان هنا في أوج انفعاله … وقد أطفأ نيرانَ هذا الانفعال اثنان من الزعماء العُماليين والقادة النقابيين! جلسا هادئَين ومُرتبَين، يُصدرون أحكامًا على عبيد نورث فالي. وكان الحكم هو أن يعودوا إلى زنازينهم المعتِمة!
سأل هال، وهو يبذل جهدًا للسيطرة على كدره: «ماذا يمكننا أن نقول للعمال؟»
«لا يَسَعُنا إلا أن نقول لهم ما أقوله لك … إننا عاجزون حتى تُنظَّم صفوف جميع العمال في المقاطعة. وفي هذه الأثناء، عليهم أن يتحمَّلوا المصاعب؛ يجب أن يفعلوا ما في وسعهم للحفاظ على التنظيم.»
«ولكنهم سيَطردون جميع العمال الناشطين!»
«لا، ليس جميعهم … فهم نادرًا ما يطردونهم جميعًا.»
هنا تكلم الألماني العجوز القوي. وقال إنه في العام الماضي طردت الشركة أكثر من ستة آلاف عامل بسبب مزاولة النشاط النقابي أو الاشتباه في مزاولته.
ردَّد هال: «ستة آلاف! هل تقصد في هذه المقاطعة وحدها؟»
«ذلك ما أعنيه.»
«ولكن ليس هناك أكثر من اثني عشر أو خمسة عشر ألف عامل في المقاطعة!»
«أعلم ذلك.»
«إذن كيف يمكن الحفاظ على التنظيم؟»
أجاب الآخر بهدوء: «يعاملون العُمال الجدد بالطريقة نفسها التي عاملوا بها القدماء.»
فكر هال فجأة في نمل جون إدستروم! ها هم … يبنون جسرهم، يُشيدونه مرارًا وتكرارًا، كلما دمرته الفيضانات! لم ينفد صبرهم سريعًا كشبابٍ من الطبقة المترَفَة اعتادوا أن تسير الأمور وَفقًا لإرادتهم، وعلى اعتبار أن الحرية والكرامة والعدالة من أساسيات الحياة. وبقدر ما تعلَّم هال من كلام هؤلاء الرجال، فقد تعلَّم أكثر من صمتهم … تلك الطريقة الهادئة والواقعية التي يتناولون بها الأمور التي شغلت عقله. بدأ يدرك معنى الوفاء بوعده لهؤلاء المساكين في نورث فالي. سيحتاج إلى أكثر من شعلةِ إثارة؛ سيحتاج إلى العقل والصبر والانضباط، سيحتاج إلى سنواتٍ من الدراسة والعمل الجاد!